کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 479

و اسم الهجرة و فضلها الخاص قد انقطع بعد الفتح، و لكنّ المعنى باق إلى يوم القيامة. و قد تقدّم معنى المفاعلة في هاجر، ثم ذكر الإخراج من الديار و هو: أنهم ألجئوا و اضطروا إلى ذلك، و فيه إلزام الذنب للكفار. و المعنى: أن المهاجرين إنما أخرجهم سوء عشرة الكفار و قبيح أفعالهم معهم، كما قال تعالى: وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ‏ «1» و إذا كان الخروج برأي الإنسان و قوة منه على الأعداء جاء الكلام بنسبة الخروج إليه، فقيل: خرج فلان، قال معناه: ابن عطية. قال: فمن ذلك إنكار النبي صلّى اللّه عليه و سلّم على أبي سفيان بن الحارث حين أنشده.

وردني إلى اللّه من طردته كل مطرّد

فقال له الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم: «أنت طرّدتني كل مطرد»

إنكارا عليه. و من ذلك قول كعب بن زهير:

في عصبة من قريش قال قائلهم‏

ببطن مكة لما أسلموا زولوا

زالوا فما زال أنكاس و لا كشف‏

عند اللقاء و لا ميل معازيل‏

انتهى. ثم ذكر الإذاية في سبيل اللّه، و المعنى: في دين اللّه. و بدأ أولا بالخاص و هي الهجرة و كانت تطلق على الهجرة إلى المدينة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و ثنى بما ينشأ عنه ما هو أعم من الهجرة و هو الإخراج من الديار. فقد يخرج إلى الهجرة إلى المدينة أو إلى غيرها كخروج من خرج إلى الحبشة، و كخروج أبي جندل إذ لم يترك يقيم بالمدينة. و أتى ثالثا بذكر الإذاية و هي أعم من أن تكون بإخراج من الديار أو غير ذلك من أنواع الأذى، و ارتقى بعد هذه الأوصاف السنية إلى رتبة جهاد من أخرجه و مقاومته و استشهاده في دين اللّه، فجمع بين رتب هذه الأعمال من تنقيص أحواله في الحياة لأجل دين اللّه بالمهاجرة، و إخراجه من داره و إذايته في اللّه، و مآله أخيرا إلى إفنائه بالقتل في سبيل اللّه. و الظاهر:

الإخبار عن من جمع هذه الأوصاف كلها بالخبر الذي بعد، و يجوز أن يكون ذلك من عطف الصلاة. و المعنى: اختلاف الموصول لا اتحاده، فكأنه قيل: فالذين هاجروا، و الذين أخرجوا، و الذين أوذوا، و الذين قاتلوا، و الذين قتلوا، و يكون الخبر عن كل من هؤلاء. و قرأ جمهور السبعة: و قاتلوا و قتلوا، و قرأ حمزة و الكسائي و قتلوا و قاتلوا يبدآن بالمبني للمفعول،

(1) سورة البقرة: 2/ 217.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 480

ثم بالمبني للفاعل، فتتخرج هذه القراءة على أن الواو لا تدل على الترتيب، فيكون الثاني وقع أولا و يجوز أن يكون ذلك على التوزيع فالمعنى: قتل بعضهم و قاتل باقيهم. و قرأ عمر بن عبد العزيز: و قتلوا و قتلوا بغير ألف، و بدأ ببناء الأول للفاعل، و بناء الثاني للمفعول، و هي قراءة حسنة في المعنى، مستوفية للحالين على الترتيب المتعارف. و قرأ محارب بن دثار: و قتلوا بفتح القاف و قاتلوا. و قرأ طلحة بن مصرف: و قتلوا و قاتلوا بضم قاف الأولى، و تشديد التاء، و هي في التخريج كالقراءة الأولى. و قرأ أبو رجاء و الحسن:

وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا بتشديد التاء و البناء للمفعول، أي قطعوا في المعركة.

لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لأكفرن:

جواب قسم محذوف، و القسم و ما تلقى به خبر عن قوله: فَالَّذِينَ هاجَرُوا «1» و في هذه الآية و نظيرها من قوله: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏ «2» وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «3» و قول الشاعر:

جشأت فقلت اللذ خشيت ليأتين‏

و إذا أتاك فلات حين مناص‏

رد على أحمد بن يحيى ثعلب إذ زعم أن الجملة الواقعة خبرا للمبتدأ لا تكون قسمية.

ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ‏ انتصب ثوابا على المصدر المؤكد، و إن كان الثواب هو المثاب به، كما كان العطاء هو المعطى. و استعمل في بعض المواضع بمعنى المصدر الذي هو الإعطاء، فوضع ثوابا موضع إثابة، أو موضع تثويبا، لأنّ ما قبله في معنى لأثيبنهم. و نظيره صنع اللّه و وعد اللّه. و جوّز أن يكون حالا من جنات أي: مثابا بها، أو من ضمير المفعول في: وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ‏ «4» أي مثابين. و أن يكون بدلا من جنات على تضمين، و لأدخلنهم معنى: و لأعطينهم. و أن يكون مفعولا بفعل محذوف يدل عليه المعنى أي: يعطيهم ثوابا. و قيل: انتصب على التمييز. و قال الكسائي: هو منصوب على القطع، و لا يتوجه لي معنى هذين القولين هنا.

و معنى: من عند اللّه، أي من جهة فضل اللّه، و هو مختص به، لا يثيبه غيره، و لا

(1) سورة آل عمران: 3/ 195.

(2) سورة النحل: 16/ 41.

(3) سورة العنكبوت: 29/ 69.

(4) سورة آل عمران: 3/ 195.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 481

يقدر عليه. كما تقول عندي ما تريد، تريد اختصاصك به و تملكه، و إن لم يكن بحضرتك.

و أعربوا عنده حسن الثواب مبتدأ، و خبرا في موضع خبر المبتدأ الأول. و الأحسن أن يرتفع حسن على الفاعلية، إذ قد اعتمد الظرف بوقوعه خبرا فالتقدير: و اللّه مستقر، أو استقرّ عنده حسن الثواب. قال الزمخشريّ: و هذا تعليم من اللّه كيف يدعى، و كيف يبتهل إليه و يتضرّع، و تكرير ربنا من باب الابتهال، و إعلام بما يوجب حسن الإجابة و حسن الإثابة من احتمال المشاق في دين اللّه و الصبر على صعوبة تكاليفه، و قطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، و تسجيل على من لا يرى الثواب موصولا إليه بالعمل بالجهل و الغباوة انتهى. و آخر كلامه إشارة إلى مذهب المعتزلة و طعن على أهل السنة و الجماعة.

لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ قيل: نزلت في اليهود كانوا يضربون في الأرض فيصيبون الأموال قاله: ابن عباس. و قال أيضا: هم أهل مكة. و

روي‏ أنّ ناسا من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب و الرخاء و لين العيش، فيقولون: إنّ أعداء اللّه فيما نرى من الخير و قد هلكنا من الجوع و الجهد.

و قال مقاتل: في مشركي العرب و الذين كفروا لفظ عام، و الكاف للخطاب. فقيل: لكل سامع. و قيل: هو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و المراد أمته. قاله: ابن عطية. و قال: نزلت لا يغرنك في هذه الآية منزلة لا تظن أن حال الكفار حسنة فتهتم لذلك، و ذلك أن المغتر فارح بالشي‏ء الذي يغتر به. فالكفار مغترون بتقلبهم، و المؤمنون مهتمون به. لكنه ربما يقع في نفس مؤمن أنّ هذا الإملاء للكفار إنما هو خير لهم، فيجي‏ء هذا جنوحا إلى حالهم، و نوعا من الاغترار، و لذلك حسنت لا يغرنك. و نظيره قول عمر لحفصة: «لا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك و أحب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم» المعنى: لا تغتري بما ينم لتلك من الإدلال فتقعي فيه فيطلقك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم انتهى. و قال الزمخشري: لا يغرنك الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، أو لكل أحد.

أي: لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق، و المضطرب و درك العاجل و إصابة حظوظ الدنيا، و لا نغترر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض و تصرفهم في البلاد. (فإن قلت):

كيف جاز أن يغتر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك حتى ينهى عنه و عن الاغترار به؟ (قلت): فيه وجهان: أحدهما أن مدرة القوم و مقدمهم يخاطب بشي‏ء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا، فكأنه قيل: لا يغرنكم. و الثاني أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان غير مغرور بحالهم، فأكد عليه ما كان وثبت على التزامه كقوله: وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ‏ «1» و لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* «2»

(1) سورة هود: 13/ 14.

(2) سورة الأنعام: 6/ 14.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 482

فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ‏ «1» و هذا في النهي نظير قوله في الأمر: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ «2» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا «3» و قد جعل النهي في الظاهر للتقلب، و هو في المعنى للمخاطب. و هذا من تنزيل السبب منزلة المسبب، لأن التقلب لو غره لاغتر به، فمنع السبب ليمتنع المسبب انتهى كلامه. و ملخص الوجهين اللذين ذكرهما: أن يكون الخطاب له و المراد أمّته، أوله على جهة التأكيد و التنبيه، و إن كان معصوما من الوقوع فيه كما قيل:

قد يهزّ الحسام و هو حسام‏

و يجب الجواد و هو جواد

و قرأ ابن أبي إسحاق و يعقوب: لا يغرنك و لا يصدنك و لا يصدنكم و لا يغرنكم و شبهه بالنون الخفيفة. و تقلبهم: هو تصرفهم في التجارات قاله: ابن عباس، و الفراء، و ابن قتيبة، و الزجاج. أو ما يجري عليهم من النعم قاله: عكرمة، و مقاتل. أو تصرّفهم غير مأخوذين بذنوبهم قاله: بعض المفسرين.

مَتاعٌ قَلِيلٌ‏ أي ذلك التقلب و التبسط شي‏ء قليل متعوا به، ثم مأواهم جهنم و بئس المهاد. و قلته باعتبار انقضائه و زواله، و

روي: «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع» أخرجه الترمذي.

و

روي: «ما مثلي و مثل الدنيا إلا كراكب قال في ظل شجرة في يوم حار ثم راح و تركها»

أو باعتبار ما فاتهم من نعيم الآخرة، أو باعتبار ما أعدّ اللّه للمؤمنين من الثواب.

ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ‏ ثم المكان الذي يأوون إليه إنما هو جهنم، و عبر بالمأوى إشعارا بانتقالهم عن الأماكن التي تقلبوا فيها و كان البلاد التي تقلبوا فيها إنما كانت لهم أماكن انتقال من مكان إلى مكان، لا قرار لهم و لا خلود. ثم المأوى الذي يأوون إليه و يستقرّون فيه هو جهنم.

وَ بِئْسَ الْمِهادُ أي و بئس المهاد جهنم. و قال الحطيئة:

أطوّف ما أطوف ثم آوى‏

إلى بيت قعيدته لكاع‏

لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها لما تضمن ما تقدم أن ذلك التقلب و التصرف في البلاد هو متاع قليل، و إنهم يأوون بعد إلى جهنم،

(1) سورة القلم: 68/ 8.

(2) سورة الفاتحة: 1/ 5.

(3) سورة النساء: 4/ 136.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 483

فدل على قلّة ما متعوا به، لأنّ ذلك منقض بانقضاء حياتهم، و دلّ على استقرارهم في النار. استدرك بلكن الإخبار عن المتقين بمقابل ما أخبر به عن الكافرين، و ذلك شيئان:

أحدهما مكان استقرار و هي الجنات، و الثاني ذكر الخلود فيها و هو الإقامة دائما و التمتع بنعيمها سرمدا. فقابل جهنم بالجنات، و قابل قلة متاعهم بالخلود الذي هو الديمومة في النعيم، فوقعت لكن هنا أحسن موقع، لأنه آل معنى الجملتين إلى تكذيب الكفار و إلى تنعيم المتقين، فهي واقعة بين الضدين. و قرأ الجمهور: لكن خفيفة النون. و قرأ أبو جعفر: بالتشديد، و لم يظهر لها عمل، لأن اسمها مبني.

نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ النزل ما يعد للنازل من الضيافة و القرى. و يجوز تسكين رايه، و به قرأ: الحسن، و النخعي، و مسلمة بن محارب، و الأعمش. و قال الشاعر:

و كنا إذا الجبار بالجيش خافنا

جعلنا القنا و المرهفات له نزلا

قال ابن عباس: النزل الثواب، و هي كقوله: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ «1» و قال ابن فارس: النزل ما يهيأ للنزيل، و النزيل الضيف. و قيل: النزل الرزق و ما يتغذى به. و منه:

فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ «2» أي فغذاؤه. و يقال: أقمت للقوم نزلهم أي ما يصلح أن ينزل عليه من الغذاء، و جمعه أنزال. و قال الهروي: الأنزال التي سويت، و نزل عليها. و معنى من عند اللّه: أي لا من عند غيره، و سماه نزلا لأنه ارتفع عنهم تكاليف السعي و الكسب، فهو شي‏ء مهيأ يهيأ لهم لا تعب عليهم في تحصيله هناك، و لا مشقة. كالطعام المهيأ للضيف لم يتعب في تحصيله، و لا في تسويته و معالجته. و انتصاب نزلا قالوا: إما على الحال من جنات لتخصصها بالوصف، و العامل فيها العامل في لهم. و إما بإضمار فعل أي: جعلها نزلا.

و إمّا على المصدر المؤكد فقدره ابن عطية: تكرمة، و قدره الزمخشري: رزقا أو عطاء.

و قال الفرّاء: انتصب على التفسير كما تقول: هو لك هبة و صدقة انتهى. و هذا القول راجع إلى الحال.

وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ ظاهره حوالة الصلة على ما تقدم من قوله: نزلا من عند اللّه. و المعنى: أن الذي أعده اللّه للأبرار في الآخرة خير لهم، فيحتمل أن يكون المفضل عليه بالنسبة للأبرار أي خير لهم مما هم فيه في الدنيا، و إليه ذهب: ابن مسعود. و

جاء «لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا و ما فيها»

و يحتمل أن يكون بالنسبة إلى الكفار،

(1) سورة آل عمران: 3/ 195.

(2) سورة الواقعة: 56/ 93.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 484

أي: خير لهم مما يتقلب فيه الكفار من المتاع الزائل. و قيل: خير هنا ليست للتفضيل، كما أنها في قوله تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا «1» و الأظهر ما قدمناه.

و للأبرار متعلق بخير، و الأبرار هم المتقون الذين أخبر عنهم بأن لهم جنات. و قيل:

فيه تقديم و تأخير. أي الذي عند اللّه للأبرار خير لهم، و هذا ذهول عن قاعدة العربية من أن المجرور إذ ذاك يتعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة للموصول، فيكون المجرور داخلا في حيز الصلة، و لا يخبر عن الموصول إلا بعد استيفائه صلته و متعلقاتها.

وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ‏

لما مات أصمحة النجاشي ملك الحبشة. و معنى أصمحة بالعربية عطية، قال سفيان بن عيينة و غيره: «صلى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»

فقال قائل: يصلي عليه العلج النصراني و هو في أرضه فنزلت، قاله: جابر بن عبد اللّه، و ابن عباس، و أنس. و قال الحسن و قتادة: في النجاشي و أصحابه. و قال ابن عباس فيما روى عنه أبو صالح: في مؤمني أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و به قال: مجاهد. و قال ابن جريج و ابن زيد و مقاتل: في عبد اللّه بن سلام و أصحابه. و قال عطاء: في أربعين من نجران، و اثنين و ثلاثين من الحبشة، و ثمانية من الروم، كانوا على دين عيسى فآمنوا بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و من في لمن الظاهر أنها موصولة، و أجيز أن تكون نكرة موصوفة أي: لقوما. و الذي أنزل إلينا هو القرآن، و الذي أنزل إليهم هو كتابهم.

خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا كما اشترت بها أحبارهم الذين لم يؤمنوا. و انتصاب خاشعين على الحال من الضمير في يؤمن، و كذلك لا يشترون هو في موضع نصب على الحال. و قيل: حال من الضمير في إليهم، و العامل فيها أنزل. و قيل:

حال من الضمير في لا يشترون، و هما قولان ضعيفان. و من جعل من نكرة موصوفة، يجوز أن يكون خاشعين و لا يشترون صفتين للنكرة. و جمع خاشعين على معنى من كما جمع في و ما أنزل إليهم. و حمل أولا على اللفظ في قوله: يؤمن، فأفرد و إذا اجتمع الحملان، فالأولى أن يبدأ بالحمل على اللفظ. و أتى في الآية بلفظ يؤمن دون آمن، و إن كان إيمان من نزل فيهم قد وقع إشارة إلى الديمومة و الاستمرار. و وصفهم بالخشوع و هو التذلل و الخضوع المنافي للتعاظم و الاستكبار، كما قال تعالى: وَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ‏ «2» .

(1) سورة الفرقان: 25/ 24.

(2) سورة المائدة: 5/ 82.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏3، ص: 485

أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ أي ثواب إيمانهم، و هذا الأجر مضاعف مرتين بنص‏

الحديث الصحيح: / و أن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين‏

يضاعف لهم الثواب بما تضاعف منهم من الأسباب. و عند ظرف في موضع الحال، و العامل فيه العامل في لهم، و معنى عند ربهم: أي في الجنة.

إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ‏ أي سريع الإتيان بيوم القيامة و هو يوم الحساب.

و المعنى: أنّ أجرهم قريب إتيانه أو سريع حسابه لنفوذ علمه، فهو عالم بما لكل عامل من الأجر. و تقدم تفسير هذه الجملة مستوفى.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ ختم اللّه تعالى هذه السورة بهذه الوصاية التي جمعت الظهور في الدنيا على العدو، و الفوز بنعيم الآخرة، فأمره تعالى بالصبر و المصابرة و الرباط. فقيل: اصبروا و صابروا بمعنى واحد للتأكيد. و قال الحسن، و قتادة، و الضحاك، و ابن جريج: اصبروا على طاعة اللّه في تكاليفه، و صابروا أعداء اللّه في الجهاد، و رابطوا في الثغور في سبيل اللّه. أي: ارتبطوا الخيل كما يرتبطها أعداؤكم. و قال أبي و محمد بن كعب القرظي: هي مصابرة وعد اللّه بالنصر، أي: لا تسأموا و انتظروا الفرج. و قيل: رابطوا، استعدوا للجهاد كما قال:

وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ‏ «1» . و قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: الرباط انتظارا الصلاة بعد الصلاة، و لم يكن في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم غزو مرابط فيه. و احتج‏

بقوله عليه السلام: «ألا أدلكم على ما يمحو اللّه به الخطايا و يرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره و كثرة الخطا إلى المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاثا

فعلى هذا لا يكون رابطوا من باب المفاعلة. قال ابن عطية: و القول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل اللّه، أصلها من ربط الخيل، ثم سمى كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا، فارسا كان أو راجلا، و اللقطة مأخوذة من الربط. و

قول النبي صلّى اللّه عليه و سلّم‏ ؛ فذلكم الرباط

إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل اللّه، إذ انتظار الصلاة إنما هو سبيل من السبل المنجية، و الرباط اللغوي هو الأول. و المرابط في سبيل اللّه عند الفقهاء هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما قاله: ابن المواز، و رواه. فأما سكان الثغور دائما بأهليهم الذين يعتمرون و يكتسبون هناك فهم و إن‏

صفحه بعد