کتابخانه تفاسیر
التفسير القرآنى للقرآن
الجزء الأول
2 - سورة البقرة
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
3 - سورة آل عمران
4 - سورة النساء
الجزء الثالث
تتمة سورة النساء
5 - سورة المائدة
الجزء الرابع
تتمة سورة المائدة
6 - سورة الأنعام
الآية:(111)[سورة الأنعام(6): آية 111]
7 - سورة الأعراف
الجزء الخامس
تتمة سورة الأعراف
8 - سورة الأنفال
9 - سورة التوبة
الجزء السادس
تتمة سورة التوبة
10 - سورة يونس
11 - سورة هود
12 - سورة يوسف
الجزء السابع
تتمة سورة يوسف
13 - سورة الرعد
14 - سورة إبراهيم
15 - سورة الحجر
16 - سورة النحل
الجزء الثامن
17 - سورة الإسراء
18 - سورة الكهف
19 - سورة مريم
20 - سورة طه
الجزء التاسع
21 - سورة الأنبياء
22 - سورة الحج
23 - سورة المؤمنون(23)
24 - سورة النور
الجزء العاشر
تتمة سورة الفرقان
26 - سورة الشعراء
27 - سورة النمل
28 - سورة القصص
29 - سورة العنكبوت
الجزء الحادي عشر
30 - سورة الروم
33 - سورة الأحزاب
34 - سورة سبأ
35 - سورة فاطر
الجزء الثاني عشر
37 - سورة الصافات
38 - سورة ص
39 - سورة الزمر
40 - سورة غافر
41 - سورة فصلت
الجزء الثالث عشر
42 - سورة الشورى
43 - سورة الزخرف
45 - سورة الجاثية
48 - سورة الفتح
الجزء الرابع عشر
57 - سورة الحديد
الجزء الخامس عشر
الجزء السادس عشر
فهرس الموضوعات، و المباحث، و القضايا التي عالجها هذا التفسير
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 235
اللّه سبحانه و تعالى هذا التحدّى الوقاح السافر .. و لكن تلك هى مشيئة اللّه فى هذا المخلوق الشقىّ التعس .. و قد أراده- سبحانه- ليكون، الظلام الذي يواجه النور، و الشرّ الذي يقابل الخير .. و بهذا تتمايز الأمور، و تنكشف حقائق الأشياء .. إذ لولا الظلام ما عرف النور، و لولا الشرّ ما استبان الخير .. و هكذا كل ضدّ يكشف عن ضده .. «و بضدّها تتميز الأشياء»!: «قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» ..
و إنها لشقوة غالبا، و بلاء مبين، و ضلال تعمى معه البصائر، و تذهب العقول ..
أله الحق جلّ و علا، «ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ» ؟ و ذلك ليأخذ اعترافه من فمه، و إلّا فاللّه سبحانه عالم بما سيقول هذا الشقىّ، مستغن عن أن يسأل، و عن أن ينطق إبليس بما نطق به ..
و لقد نطق إبليس بهذا التحدّى لوقاح، «لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ» .. و فى آية أخرى كشف إبليس عن حجته الضّالة فى إبائه السجود لآدم، فقال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»* ! (12: الأعراف).
و من أين لهذا اللّعين أن النار خير من الطين؟ و ما وجه الخيريّة فى النّار؟
إنه الضلال، و لا شىء غيره، هو الذي زيّن لهذا الغوىّ رأيه فى نفسه .. و اللّه سبحانه و تعالى يقول فى أهل الغواية و الضلال: «كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»* (32: الروم) ..
: «قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ» .
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 236
ذلك هو جزاء الظالمين .. الطرد من رحمة اللّه، و اللعنة المصاحبة لهم إلى يوم القيامة، حيث يلقون العذاب الأليم المعدّ لهم.
و الرجيم هو المرجوم .. و ما يرجم به هنا هو اللعنة.
و الضمير فى قوله تعالى «مِنْها» يعود إلى الجنة التي كان فيها ..
و هكذا يعمى الضلال أهله، و يلقى بهم فى ظلمات المهالك، فلا يخرجون من مهلكة إلا إلى مهلكة ..
فلقد أبت على إبليس شقوته إلّا أن يشرب كأس اللعنة إلى آخر قطرة فيها .. فطلب إلى ربه أن يمدّ له فى أجله، و ألا يعجّل له العذاب قبل يوم القيامة، و ذلك ليثأر لنفسه من هذا الإنسان الذي كان سببا مباشرا فى طرده من رحمة اللّه، و إلباسه لباس اللعنة .. بل و ربما حدّثت هذا الشقىّ نفسه أن يتحدى اللّه، و أن يحاجّه فى آدم، و فى أنه أفضل منه، و أن امتناعه عن السجود له، كان عن حق، و أنه خير من هذا المخلوق، و ما كان للأعلى أن يسجد للأدنى!! هكذا يبلغ الغرور بهذا الأحمق المغرور، فيقيم نظره كله على آدم، و لا ينظر إلى اللّه سبحانه، و لا يقع فى تصوره أن اللّه سبحانه هو الذي أمره بالسجود، و أنه ينبغى للمخلوق أن يمتثل أمر الخالق، دون مراجعة أو اعتراض! و لو كان هذا اللعين قد نظر إلى نفسه، و لم يعمه الحقد الأعمى- لكان له فى باب الرجاء عند اللّه متسع، و لكان طلبه من اللّه أن يؤخره إلى يوم الدين، التماسا للعافية من هذا البلاء الذي نزل به، فيرجع إلى اللّه من قريب، و يستغفر
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 237
لذنبه، فيجد ربّا غفورا يقبل توبة التائبين، و يكفر عنهم من سيئاتهم ..
و لكنه أبى إلا أن يهلك نفسه، فى سبيل إهلاك غيره، و إشباع شهوة الانتقام من عدوّه ..
الإغواء: الإضلال، بتزيين القبيح، و الإغراء به.
و بهذا القسم يتحدى إبليس أبناء آدم، و يلقاهم على طرق الضلال، فيغويهم بركوبها، و يغريهم بمتابعة خطوه عليها، و يمنّيهم الأمانىّ الكاذبة التي تلقى بهم بين يديه! فالباء فى قوله تعالى: «بِما أَغْوَيْتَنِي» هى باء القسم، و التقدير: يحق ما أغويتنى: أي أضللتنى «لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ» أي لأفتننهم بما على الأرض من أشياء، أزينها لهم، و أغريهم بها، فيشغلون عن ذكرك، و يكفرون بنعمك، فيقعون تحت طائلة نقمتك و عذابك.
و هذا القسم يكشف عنه قوله تعالى فى موضع آخر: «قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ» (82: ص).
و يجوز أن تكون الباء للسببية، أي بسبب إغوائك لى، و أن تكون اللام فى قوله تعالى: «لَأُزَيِّنَنَّ» لام الأمر، الداخلة على الفعل المضارع، و أن إبليس قد ألزم نفسه بهذا العمل إلزاما، ليردّ به على هذا الإغواء.
و فى قصر التزين على الأرض، إشارة صريحة إلى أن إبليس قد أغوى آدم و زين له حتى أكل من الشجرة، و هو على هذه الأرض، و فى هذا دليل على أن ميلاد آدم كان على هذه الأرض، و لم يكن فى السماء ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 238
- و فى قوله تعالى: «إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» استثناء من هذا الوعيد الذي توعد به إبليس أبناء آدم .. فهو يعرف أن للّه سبحانه و تعالى فى أبناء آدم أصفياء، أحلصهم لنفسه، و اصطفاهم لطاعته، و أرادهم لجنته .. و هؤلاء لا سبيل لإبليس عليهم .. فقد سبقه قضاء اللّه فيهم، و أنهم من أهل جنته و رضوانه ..
و المخلص: هو الخالص من كل سوء، المصفّى من كل شائبة ..
أما من يتسط عليهم إبليس، و يتمكن من النّيل منهم، فهم أولئك الذين لم يرد للّه أن يطهر قلوبهم، و لا أن يهديهم طريقا إلا طريق جهنم .. و فى هذا يقول اللّه تعالى: «وَ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ» (41: المائدة).
- الإشارة فى قوله تعالى: «هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ» هى إشارة إلى الصراط المستقيم، و هو الصراط الذي يسلكه السالكون إلى اللّه، ممن رضى اللّه عنهم، كما يقول سبحانه: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» ..
فهذا الصراط هو الذي يسلكه عباد اللّه لمخلصون، و ليس لإبليس سلطان على أحد ممن سلك هذا السبيل، و استقام على هذا الصراط .. لأن اللّه سبحانه و تعالى قد أوجب على نفسه حراسة المستقيمين عليه، من كيد الشيطان و إغوائه.
و لهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» ..
فهؤلاء هم عباد اللّه المخلصون، و قد أضافهم سبحانه إلى نفسه، و أظلهم بحمايته و رعايته، و حرسهم من كل شيطان رجيم ..
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 239
و يقوّى هذا المعنى قراءة من قرأ: «هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ» أي هذا صراط عال لا يناله إبليس بكيده و مكره، و هو صراط اللّه، الذي دعا عباده إليه.
- و قوله تعالى: «إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» .. هو استثناء من قوله تعالى: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ» .. و فى إضافة الناس جميعا إلى اللّه سبحانه، هكذا: «عبادى»- فى هذا إشارة إلى أن الإنسان- أي إنسان- يحمل فى فطرته ما يستطيع أن يدفع به كيد الشيطان، فلا ينال منه .. هكذا هم عباد اللّه، و هم الناس جميعا .. و لكن من عباد اللّه من يعمل على إفساد فطرته، فيعطى الشيطان فرصته فيه .. و بهذا يكون من الغاوين، الذين أغواهم الشيطان، فاستجابوا له، و كانوا جندا من جنده الضالين الغاوين.
«وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» الضمير فى قوله تعالى: «لَمَوْعِدُهُمْ» يعود إلى الغاوين، الذين ذكرهم سبحانه فى قوله: «إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» ..
فهؤلاء الغاوون الضالّون، من كافرين، و مشركين، و منافقين، و كل من عبد غير اللّه، أو اتخذ مع اللّه شريكا- هؤلاء جميعا يلتقون عند جهنم، فهذا هو الموعد الذي يلتقون عنده .. فكما كان التقاؤهم فى الدنيا على الضلال و الكفر، كذلك يكون التقاؤهم فى الآخرة على أبواب جهنم و عذاب السعير.
- و فى قوله تعالى: «لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» إشارة إلى أن جهنم دركات و منازل، عددها سبعة .. و أن أصناف الضالين يصنّفون حسب درجات ضلالهم إلى سبعة أصناف، كل صنف منهم ينزل منزلة من منازل جهنم السبعة، و يدخل إلى مكانه فيها من الباب الذي يؤدى به إلى هذا المكان.
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 240
«إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ* ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ* لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ» و إذا كان أولياء الشيطان قد نزلوا هذا المنزل لدّون، يلقون فيه ما يلقون من عذاب و هوان- فإن أولياء الرحمن، و عباده الّذين لم يكن للشيطان سبيل إليهم- هؤلاء موعدهم جنات النعيم، حيث العيون التي تغذّى هذه الجنّة، و تفجّر الحياة فيها .. فالعيون يحقّها دائما الشجر، و الظل، و الثمر.
- و فى قوله تعالى «ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» تحية طيبة، يؤذن بها للمؤمنين بدخول الجنة، على مسمع من أهل النار، فيزيد شقاؤهم، و تعظم مصيبتهم ..
و فى العدول من الغيبة إلى الخطاب احتفاء بالمؤمنين، و استدعاء لهم من قبل اللّه سبحانه، ليسمعوا هذا الأمر المسعد لهم من ربّ العالمين:
«ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ» .. ادخلوها إخوانا متحابين.
- و قوله تعالى: «لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ» إشارة إلى الحياة التي يحياها أهل الجنة، و أنها حياة أمن، و سلام، و راحة .. فلا عمل إلا ذكر اللّه، و التسبيح بحمده، و الشكر لنعمه .. و من تمام هذا النعيم أن الذي فيه لا يتهدده خوف من أن يفارقه هذا النعيم أبدا، أو يفارق هو هذا النعيم ..
بل هو نعيم دائم متصل «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ»* .
«نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ.» الخطاب هنا للنبى صلوات اللّه و سلامه عليه- و هو خطاب لعباد اللّه جميعا، و بلاغ لهم كلهم، بأنهم عباد اللّه، و أن ربّهم الذي خلقهم و أضافهم إليه، هو رب غفور رحيم .. مغفرته شاملة، و رحمته عامة، تسع كل شىء ..
و كذلك هو سبحانه- مع رحمته- ذو عذاب أليم، لمن كفر به، و أعطى
التفسير القرآنى للقرآن، ج7، ص: 241
ولاءه لغيره، أو لمن طمع فى رحمته، و لم يرع حرماته، مجترئا عليه، مضيفا آثامه و ذنوبه إلى رحمة اللّه و مغفرته .. فذلك مخادعة للّه، و مكر بآياته.
فمن آمن بمغفرة اللّه الشاملة، و رحمته الواسعة، آمن به ربّا كريما رحيما، محسنا، و كان ذلك داعيا إلى حبّ اللّه و طاعته، لا إلى عصيانه و محاربته ..! فالحال التي ينبغى أن يكون عليها العبد مع ربّه هى الطمع فى رحمته، و الخوف من عذابه ..
فالطمع يحرسه من اليأس إذا هو واقع إثما، أو ارتكب معصية .. و الخوف يحرسه من أن يأتى الفواحش، أو يترخّص فيها، و لا يتأثم عند ما يضعف أمام هواه، فيقع فى المنكر ..
و قد امتدح اللّه المؤمنين الذين يخشون ربّهم بالغيب، و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجلة من ألا يقبل منهم ذلك الإيتاء .. و فى هذا يقول تعالى:
«وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ هُمْ لَها سابِقُونَ» (60- 61: المؤمنون).
و قد روى عن بعض الصالحين أنه كان يقول: «لو أنزل اللّه كتابا أنه معذّب رجلا واحدا لخفت أن أكونه، أو أنه راحم رجلا واحدا لرجوت أن أكونه، و لو علمت أنّه معذّبى لا محالة، ما ازددت إلا اجتهادا، لئلا أرجع على نفسى بلائمة».