کتابخانه تفاسیر
التفسير المبين، ص: 2
سورة الفاتحة
و هي مكّيّة سبع آيات
1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ البسملة آية من السورة، و اسم الجلالة «اللَّهِ» أصله إله، فحذفت الهمزة، و عوّض ب «ال» التعريف فصار اللفظ «اللَّهِ» و يختص بمن حقت له العبادة دون غيره. أما «الرحمن الرحيم فقد ورد الصادق (ع) أنه قال: «الرحمن» اسم خاص بصفة عامة، و «الرحيم» اسم عام بصفة خاصة، أي أن الرحمن اسم علم على ذات اللّه وحده، و لا يطلق على غيره، و لذا تقدم على الرحيم، و لكن صفة الرحمة فيه تعم المؤمن و الكافر من حيث الخلق و الرزق في الحياة الدنيا، و الرحيم اسم عام حيث يطلق على الخالق. و المخلوق، و صفة الرحمة فيه تختص بالمؤمن المطيع يوم القيامة.
2- الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد و المدح بمعنى واحد، و هو الثناء باللسان، أما الشكر فيكون بالقلب و اللسان رَبِّ الْعالَمِينَ و الرب هو السيد المالك، و العالمين الخلق كله، و كلمة الرب بلا قيد لا تطلق إلا عليه تعالى، و تطلق على غيره مع القيد كرب الدار و رب الضيعة.
3- الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مرّ معناهما.
4- مالِكِ و يجوز ملك كقوله تعالى: «مَلِكِ النَّاسِ» و المراد: أن اللّه يملك الأمر كله يَوْمِ الدِّينِ أي يوم الجزاء من قولهم كما تدين تدان.
5- إِيَّاكَ نَعْبُدُ أيّا: مفعول نعبد، و الكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب، و المعنى نعبدك، و تقدم المفعول بقصد اختصاص العبادة باللّه وحده، و مثله وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أي لا نطلب المعونة إلا منك.
6- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ هذه الآية بيان و تفسير للآية قبلها، و المعنى أن المعونة التي نطلبها منك يا إلهنا هي الهداية إلى الطرق المؤدية إلى مرضاتك و جنتك، و ليس من شك أن الطريق إلى ذلك معرفة الدين الحنيف و العمل به.
7- صِراطَ هذا الصراط هو عين الصراط الأول و بدل منه، لأنه صراط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بالخلق و الرزق و الهداية. إلى الحق و السلامة من غضب اللّه غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و معنى غضبه تعالى الانتقام منهم و إنزال العقاب بهم وَ لَا الضَّالِّينَ و الضلال في الدين الانحراف عن الحق.
التفسير المبين، ص: 3
سورة البقرة
مدنيّة و هي ست و ثمانون و مائتان آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
1- الم هذا اللفظ المركب من حروف الهجاء و نظائره مثل «الر، و حم» و غير ذلك- يسمى فواتح السور، و اختلف فيه المفسرون فقيل: هو اسم للسورة.- و لكن ورد عن أئمتنا (ع) انه من المتشابهات و المبهمات التي استأثر اللّه بعلمها و لا يعلم تأويلها غيره.
2- ذلِكَ الْكِتابُ إشارة الى القرآن الكريم لا رَيْبَ فِيهِ حيث بلغ الغاية و النهاية في وضوح الدلالة على صدقه، لأنه المعجزة الإلهية التي تحدى بها سبحانه كل جاحد و معاند هُدىً لِلْمُتَّقِينَ و الهدى هو الدليل المرشد إلى التي هي أقوم، و «المتقين جمع المتقي، و المراد بهم هنا الذين يرغبون في طاعة اللّه و رسوله، و يعدونها ذخرا و نصرا.
3- الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ المراد بهذا الغيب كل ما خفي و غاب عن علم العباد مما نزل على قلب محمد (ص) كالبعث و النشر و الجنة و النار و ما إلى ذلك مما لا ينكره العقل، أما ما يرفض العقل السليم فلا يسمى غيبا، بل أسطورة و خرافة وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يحافظون عليها، و يؤدونها على أصولها وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يتصدقون ببعض ما يملكون من المال الحلال الطيّب.
4- وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ الخطاب لرسول اللّه (ص) و المعنى: لا بد أن يكون مع الإيمان بالغيب و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة، الإيمان بنبوتك يا محمد وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ و أيضا لا بد من الإيمان بكل نبي آمنت أنت بنبوته و ما أنزل إليه من الوحي وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ هذا هو الأصل الثالث من أصول الإسلام، فمن آمن باللّه و نبوة محمد، و لم يؤمن بالآخرة فليس بمسلم، و كذلك من آمن باللّه و اليوم الآخر، و لم يؤمن بنبوة محمد صلى اللّه عليه و آله.
التفسير المبين، ص: 4
5- أُولئِكَ إشارة إلى الذين اتصفوا بالخصال السابقة النبيلة الفاضلة عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ أبدا لا هدى إلا هدى اللّه وحده، و أهل تلك الخصال الحميدة متمكنون منه و مستقرون عليه وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ كرر سبحانه كلمة أولئك للتنبيه إلى أنهم قد تميزوا عن غيرهم بفضيلتين:
الهدى إلى دين الحق و الفلاح و الظفر بمرضاة اللّه و ثوابه.
6- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ سواء بمعنى الاستواء و هو هنا خبر إن الذين، و الإنذار: التحذير من العذاب، لما قدم سبحانه ذكر الأتقياء عقّبه بذكر الأشقياء، و أنهم لا يستجيبون لداعي اللّه، و إن بالغ في الوعيد و التهديد.
7- خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ الختم و الغشاوة هنا كناية عن أنهم قد بلغوا الغاية القصوى في العناد و المكابرة حتى كأن قلوبهم مقفلة لا ينفذ إليها شيء، و على أبصارهم غطاء لا يرون معه شيئا.
8- وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ذكر سبحانه أولا الذين آمنوا سرا و علانية، ثم ثنى بالذين كفروا كذلك قلبا و لسانا، ثم ثلّث بالذين أسرّوا الكفر و أعلنوا الإيمان، و هم المنافقون، و ذنبهم عند اللّه سبحانه أعظم من ذنب الكفرة الفجرة ...
9- يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا إن اللّه لا يخدع، و لكن المنافقين صنعوا صنع الخادعين حيث تظاهروا بالإيمان و هم كافرون، فأمر اللّه نبيه و الصحابة أن يعاملوهم معاملة المسلمين، و غدا يجري سبحانه معهم حساب المشركين وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ لأن عاقبة النفاق و الخداع تعود عليهم بالضرر لا على غيرهم وَ ما يَشْعُرُونَ بسوء المصير.
10- فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ و مرض القلب هو النفاق و الاعتقاد الفاسد و الحقد و الحسد و نحو ذلك من الرذائل فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً و ذلك بأن المنافقين حسدوا النبي على عظيم مقامه، فزاده اللّه عظمة و علوّا. فازدادوا حسدا على حسد أي مرضا على مرض وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ فيه إشارة إلى أن الإنسان لا يعذب على مجرد الحسد ما دام في القلب فقط، و إنما يعذب إذا ظهر للحسد أثر محسوس كالكذب و الافتراء على المحسود و نحو ذلك.
11- وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ كان المنافقون يتجسّسون على المسلمين، و يفشون أسرارهم للأعداء، و إذا نهوا عن هذا الفساد قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ خالصون من كل عيب، فإذا بهذا الزعم فساد إلى فساد.
12- أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَ لكِنْ لا يَشْعُرُونَ لا يرون ما هم فيه من عيوب و عورات.
13- وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ أي صدقوا رسول اللّه (ص) كما صدّقه إخوانكم و أصحابكم كعبد اللّه بن سلام و غيره قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ السفه: خفة الحلم و سخافة العقل، أما النفاق فهو: فساد العقيدة أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ أي يجهلون أنهم جاهلون و هذا أبلغ الذم.
التفسير المبين، ص: 5
14- وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا كذبا و نفاقا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ و هم رؤساؤهم من أعداء الإسلام و المسلمين قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ على الكفر و الكره لمحمد (ص) إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بالإسلام و المسلمين.
15- اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ و معنى استهزائه تعالى الإذلال في الدنيا و العذاب في الآخرة وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يدعهم و شأنهم يتمادون في الغيّ و الضلال يَعْمَهُونَ العمه في البصيرة، و العمى في القلب.
16- أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى أحبوا الباطل و آثروه على دين الحقّ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ لأن المطلوب في التجارة الربح مع سلامة رأس المال، و المنافقون أضاعوهما معا، لأن الهدى عند اللّه سبحانه هو رأس المال، و قد ذهب أو بعد عن المنافقين، و تبعه الربح حيث لا بقاء لفرع بلا أصل.
17- مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي المراد بذلك هنا الجنس الشامل للجماعة تماما كقوله تعالى: «وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا - 69 التوبة» أي الذين خاضوا اسْتَوْقَدَ ناراً أشعلها فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ امتد ضوؤها إلى الأشياء التي حول من أوقدها ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ خمدت النار و لا نور يستضيئون به وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ بقوا متحيّرين متحسرين حيث لا يدرون أين يذهبون؟ و ما ذا يفعلون ..؟
18- صُمٌ لا يسمعون بُكْمٌ لا ينطقون عُمْيٌ لا يبصرون على سلامة الآذان و الألسن و الأبصار، و لكنهم لما رفضوا الاستماع للحق و النطق به و النظر إليه، أصبحوا كمن فقد هذه الحواس من الأساس فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ إلى الرشد، و لا ينتهون عن البغي بعد أن أصبحوا كالصم البكم العمي.
19- أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ هذا تمثيل آخر لحال المنافقين، و الصيّب مطر ينزل من السماء فِيهِ ظُلُماتٌ دامسة وَ رَعْدٌ قاصف وَ بَرْقٌ خاطف يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ يقال: صعقته الصاعقة فصعق أي فمات، و المنافقون دائما في قلق و خوف من كشف حقيقتهم و لا ملجأ لهم تماما كمن أتته الصاعقة فاتقاها بسد أذنيه وَ اللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ كلنا نتقلّب في قبضته جلّت عظمته، و لا مفرّ منه إلا إليه.