کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج

الجزء الأول

تقديم

سورة البقرة

ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

سورة آل عمران

مدى صلتها بسورة البقرة: ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الرابع

تتمة سورة آل عمران

سورة النساء

مدنيتها: فضلها: مناسبتها لآل عمران: لتسمية: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس

تتمة سورة النساء

الجزء السادس

تتمة سورة النساء

سورة المائدة

تسميتها: تاريخ نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه: فضلها:

الجزء السابع

تتمة سورة المائدة

سورة الأنعام

تسميتها: نزولها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه:

الجزء الثامن

تتمة سورة الانعام

سورة الأعراف

تسميتها: صفة نزولها: موضوعها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع

تتمة سورة الأعراف

سورة الأنفال

و مناسبتها لسورة الأعراف: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء العاشر

تتمة سورة الأنفال

سورة التوبة

تسميتها: السبب في إسقاط التسمية من أولها: مناسبتها لما قبلها: تاريخ نزولها: ما اشتملت عليه السورة: أضواء من التاريخ على صلح الحديبية:

الجزء الحادي عشر

تتمة سورة التوبة

سورة يونس عليه السلام

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثاني عشر

سورة هود عليه السلام

تسميتها: نزولها و شأنها و مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة يوسف عليه السلام

تسميتها و سبب نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثالث عشر

تتمة سورة يوسف

سورة الرعد

تسميتها: ناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء الرابع عشر

سورة الحجر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النحل

تسميتها: ارتباطها بالسورة التي قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس عشر

سورة الإسراء

تسميتها: فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الكهف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل هذه السورة:

الجزء السادس عشر

سورة مريم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة طه

التسمية: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء

تسميتها: فضلها و مزيتها: مشتملاتها:

سورة الحج

تسميتها: صلتها بما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الثامن عشر

سورة المؤمنون

تسميتها و فضلها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: فضلها: مشتملاتها:

الجزء التاسع عشر

سورة الفرقان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الشعراء

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه

سورة النمل

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء العشرون

تتمة سورة النمل

سورة القصص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

سورة العنكبوت

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

الجزء الحادي و العشرون

تتمة سورة العنكبوت

سورة الروم

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة لقمان

تسميتها: موضوعها: صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة السجدة

تسميتها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

سورة الأحزاب

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

الجزء الثاني و العشرون

تتمة سورة الأحزاب

سورة سبأ

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فاطر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء الثالث و العشرون

تتمة سورة يس

سورة الصافات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضل هذه السورة:

سورة ص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الزمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الرابع و العشرون

تتمة سورة الصافات

سورة غافر أو: المؤمن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فصلت أو: السجدة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الخامس و العشرون

سورة الشورى

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الزخرف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الدخان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الجاثية

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزولها:

الجزء السادس و العشرون

سورة الأحقاف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة محمد عليه الصلاة و السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الفتح

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها: أضواء من السيرة على سبب نزول السورة(صلح الحديبية و بيعة الرضوان):

سورة الحجرات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة ق

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة: أوجه الشبه بين سورة ق و سورة ص:

الجزء السابع و العشرون

سورة الذاريات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الطور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة النجم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة القمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الرحمن جل ذكره

مكيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الواقعة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الحديد

مدنيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثامن و العشرون

سورة المجادلة

مدنيتها: تسميتها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الحشر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزول السورة: فضل السورة:

سورة الممتحنة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة التغابن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع و العشرون

سورة الملك، أو: تبارك

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة القلم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثلاثون

الخاتمة

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج


صفحه قبل

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 263

ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ، وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم 19/ 42]. و هذا تعريض بجهل قومه في عبادة الكواكب، قال قتادة: علم أن ربه دائم لا يزول.

ثم انتقل إبراهيم من إبطال ألوهية الكوكب إلى إبطال ألوهية القمر الأكثر إضاءة، فلما رآه بازغا طالعا قد عم ضوءه الكون، قال: هذا ربي، فلما غاب كذلك، كما غاب الكوكب في الليلة الماضية، قال إبراهيم مسمعا قومه: ما هذا أيضا بإله، و لئن لم يهدني ربي و يوفقني للإصابة الحق في توحيده، لأكوننّ من القوم الضالين، الذين اخطؤوا الطريق، فلم يصيبوا الهدى، و عبدوا غير اللّه.

و في هذا تعريض قريب من التصريح بضلال قومه و تنبيه لهم على أن من اتخذ القمر إلها ضال أيضا، و إرشاد إلى توقف معرفة العقيدة على الوحي الإلهي، ثم صرح في المرة الثالثة بالبراءة من شرك قومه.

فلما رأى الشمس بازغة طالعة، و هي أعظم الكواكب المرئية لنا و أعمها نفعا و إضاءة، قال إبراهيم: هذا «1» هو الآن ربي! هذا أكبر من الكواكب و القمر قدرا، و أعظم ضوءا و نورا، فهو أولى بالربوبية.

فلما غابت الشمس كما غاب غيرها، صرح إبراهيم بعقيدته، و تبرأ من شرك قومه، قائلا: أنا بري‏ء من عبادة الكواكب و موالاتهن، إني توجهت في عبادتي لخالق الأرض و السماء «2» ، و خالق هذه الكواكب، مائلا عن الضلال إلى الحق و الدين القيم، دين التوحيد، و لست من زمرة المشركين الذي يتخذون مع اللّه إلها آخر، و إنما أعبد خالق هذه الأشياء و مدبرها الذي بيده ملكوت كل شي‏ء،، و خالق كل شي‏ء، و ربه و مليكه و إلهه، كما قال تعالى:

(1) إنما قال: هذا عن الشمس و هي مؤنثة؛ لأنه أراد هذا الطالع أو هذا الذي أراه.

(2) و قال: وجهت وجهي للذي فطر، و لم يقل: إلى الذي؛ لأنه تعالى متعال عن الحيز و الجهة، و المقصود: توجيه القلب لطاعته.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 264

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ، تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ [الأعراف 7/ 54].

و الظاهر مما تقدم أن قوم إبراهيم كانوا يتخذون الأصنام آلهة لا أربابا، و يتخذون الكواكب أربابا آلهة، و الإله: هو المعبود، و الرب: هو السيد المالك المربّي المدبر المتصرف. و العبادة: هي التوجه بالدعاء و التعظيم لخالق الخلق.

و ليس للخلق إله و لا رب سوى اللّه.

و موقف إبراهيم كان موقف الممثل للمجادل البارع على سبيل الافتراض أنه غير مؤمن، أما في الحقيقة و الواقع فلم يكن إبراهيم ناظرا في مقام إثبات الألوهية و الربوبية؛ لأن اللّه قال في حقه: وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ، وَ كُنَّا بِهِ عالِمِينَ. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ: ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ‏ [الأنبياء 21/ 51- 52] و قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً، وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ، اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ [النحل 16/ 120- 123] و قال تعالى: قُلْ: إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ [الأنعام 6/ 161]. و قد ثبت‏

في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «كل مولود يولد على الفطرة»

و

في صحيح مسلم عن عياض بن حماد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «قال اللّه: إني خلقت عبادي حنفاء»

و قال اللّه في قرآنه المجيد: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏ [الروم 30/ 30] و قال تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلى‏ [الأعراف 7/ 172].

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 265

فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله اللّه أمة، قانتا للّه حنيفا، و لم يك من المشركين، ناظرا في هذا المقام، بل هو أولى بالفطرة السليمة و السجية المستقيمة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بلا شك و لا ريب.

و مما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك لا ناظرا: قوله تعالى فيما يأتي: وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ ... «1» .

فقه الحياة أو الأحكام:

أجل إثبات ألوهية اللّه و ربوبيته ناظر إبراهيم و جادل، و أفحم بالحجة و البرهان، و له أربع مناظرات:

الأولى- مناظرته مع أبيه، حيث قال له: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم 19/ 42] و حكى القرآن خبر هذه المناظرة هنا، فقال: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ ... .

الثانية- مناظرته مع قومه، و هو قوله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ... .

الثالثة- مناظرته مع ملك زمانه، فقال: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏ [البقرة 2/ 258].

الرابعة- مناظرته مع الكفار بالفعل، و هو قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ‏ [الأنبياء 21/ 58].

و هذا يدل على قوة إبراهيم و مقدرته في الجدل و المناظرة، و حضور البديهة لإفحام الخصم، و إثبات مراده بالبرهان القاطع.

و كان إبراهيم عليه السلام بارعا في هذا المقام، حيث أبطل عبادة الكواكب‏

(1) تفسير ابن كثير: 2/ 151- 152

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 266

و القمر و الشمس؛ لأنها تغيب و تختفي، و شأن الإله ألا يغيب و لا يستتر، و لا يتخلى عن إشرافه لملكوته، و قد تنازل مع خصمه بهذا الأسلوب على سبيل الافتراض، ثم نقض وجهة نظر الخصم و كان في كل ذلك- كما أوضحت- مناظرا لا ناظرا، فعقيدته مستقرة في قلبه بالفطرة و الإلهام و الإرشاد الإلهي و العقل و الحس.

و أما قوله: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي‏ فمعناه: لئن لم يثبتني على الهداية، و قد كان مهتديا. و في التنزيل: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة 1/ 6] أي ثبتنا على الهداية.

و تدرج إبراهيم من اختبار نماذج ثلاثة لألوهية الكواكب إلى إثبات ألوهية اللّه الحق و ربوبيته، بقوله: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ‏ أي قصدت بعبادتي و توحيدي للّه عز و جل وحده. و ذكر الوجه؛ لأنه أظهر ما يعرف به الإنسان صاحبه. و كان تدرجه من التعريض بجهل قومه و بطلان الوثنية، إلى سلخ محبته عن الآفلين، إلى الإنذار بالضلال و الحيرة، إلى التصريح بالبراءة من الشرك و من المشركين، إلى إعلان عقيدته بعد هدم أساس الشرك.

قال الرازي: و ليس في العالم أحد يثبت للّه تعالى شريكا يساويه في الوجوب و القدرة و العلم و الحكمة، لكن الثنوية يثبتون إلهين: أحدهما- حكيم يفعل الخير، و الثاني- سفيه يفعل الشر. و أما الاشتغال بعبادة غير اللّه فهناك كثرة: منهم عبدة الكواكب، و منهم قوم غلاة ينكرون الإله الصانع، و هم الدهرية الخالصة و النصارى يعبدون غير اللّه، إذ يعبدون المسيح، و منهم عبدة الأصنام‏ «1» .

و لا دين أقدم من دين عبادة الأصنام؛ لأن أقدم الأنبياء الذين وصل إلينا

(1) تفسير الرازي: 13/ 35

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 267

تاريخهم مفصلا هو نوح عليه السلام، و قد جاء بالرد على عبدة الأصنام‏ «1» ، كما قال تعالى حكاية عن قومه أنهم قالوا: لا تَذَرُنَّ وَدًّا وَ لا سُواعاً وَ لا يَغُوثَ وَ يَعُوقَ وَ نَسْراً [نوح 71/ 23] و سبب قولهم أن الإنسان البدائي توهم في صموت الصنم سرا يصلح أن يوصل إلى اللّه تعالى، أوتوهم في ظهور بعض مخلوقات اللّه من شجر أو شمس أو قمر وسيلة إلى الإله الحق تشفع عنده و تقرب إليه من توجه إليها.

و أدرك قوم إبراهيم أن الأصنام لا تسمع و لا تبصر و لا تضر و لا تنفع، و إنما قلدوا آباءهم، لذا اتخذوا الأصنام آلهة معبودة لا أربابا مدبرين، لكنهم اتخذوا الكواكب أربابا لتأثيرها السبي في الأرض.

و قلد العرب آباءهم في عبادة الأصنام قائلين: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏ [الزمر 39/ 3].

و لا يسع المؤمن إلا التنديد بكل مظاهر الوثنية و أشكالها و طقوسها، و حصر العبادة بفاطر السموات و الأرض وحده دون غيره من الوسائل، كما أعلن إبراهيم عليه السلام الذي قال في التماثيل: بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ، وَ أَنَا عَلى‏ ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ‏ [الأنبياء 21/ 56].

و جميع مخلوقات اللّه تعالى دالة على وجود الصانع و قدرته؛ لأنها محدثة ممكنة، و كل محدث ممكن هو محتاج إلى الصانع.

و دل قوله تعالى: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ‏ على أحكام ذكرها الرازي:

1- دلت هذه الآية على أن اللّه تعالى ليس بجسم؛ إذ لو كان جسما لكان غائبا عنا أبدا، فكان آفلا أبدا.

(1) المرجع و المكان السابق.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 268

2- و دلت الآية على أنه تعالى ليس محلّا للصفات المحدثة، و إلا لكان متغيرا، و حينئذ يحصل معنى الأفول، و ذلك محال.

3- و دلت أيضا على أن الدين يجب أن يكون مبنيا على الدليل، لا على التقليد، و إلا لم يكن لهذا الاستدلال فائدة البتة.

4- و دلت كذلك على أن معارف الأنبياء بربهم قائمة على الاستدلال لا بالبداهة أو الضرورة، و إلا لما احتاج إبراهيم إلى الاستدلال.

5- و دلت على أنه لا طريق إلى تحصيل معرفة اللّه تعالى إلا بالنظر و الاستدلال في أحوال مخلوقاته؛ إذ لو أمكن معرفتها بطريق آخر، لما عدل إبراهيم عليه السلام إلى هذه الطريقة «1» .

المحاجة بين إبراهيم و قومه [سورة الأنعام (6): الآيات 80 الى 83]

وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَ قَدْ هَدانِ وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى‏ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)

(1) تفسير الرازي: 13/ 55- 56

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏7، ص: 269

الإعراب:

إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً : إِلَّا : استثناء منقطع‏ شَيْئاً : منصوب على المصدر، كقولك: إلا أن يشاء مشيئة. وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً : عِلْماً : منصوب على التمييز.

الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ‏ : الَّذِينَ‏ : مبتدأ، و أُولئِكَ‏ : بدل من‏ الَّذِينَ‏ أو مبتدأ ثان، و الْأَمْنُ‏ : مبتدأ ثالث أوثان.

و لَهُمُ‏ : خبر الْأَمْنُ‏ . و الأمن و خبره: خبر أُولئِكَ‏ . و أولئك و خبره: خبر الَّذِينَ‏ .

نَرْفَعُ دَرَجاتٍ‏ منصوب بنرفع على الظرف، أو بتقدير حذف حرف الجر، و تقديره:

إلى درجات. و من قرأ بغير تنوين، كان‏ دَرَجاتٍ‏ مفعولا به، و العامل فيه‏ نَرْفَعُ‏ و أضافها إلى‏ مَنْ‏ .

المفردات اللغوية:

وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ‏ جادلوه في دينه، و هددوه بالأصنام أن تصيبه بسوء إن تركها. و المحاجة:

المجادلة و المغالبة، و تطلق الحجة على ما يدلي به الخصم لإثبات دعواه أو الرد على دعوى خصمه، و الحجة: إما دامغة لا تقبل النقض، أو داحضة واهية لا تثبت شيئا، فتسمى شبهة. أَ تُحاجُّونِّي‏ أي أ تجادلونني. فِي اللَّهِ‏ في وحدانية اللّه. وَ قَدْ هَدانِ‏ تعالى إليها.

وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ‏ أي تشركونه به من الأصنام أن تصيبني بسوء لعدم قدرتها على شي‏ء. إِلَّا لكن. أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً من المكروه، يصيبني فيكون. وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً أي وسع علمه كل شي‏ء.

أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ‏ هذا فتؤمنوا. وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ‏ باللّه، و هي لا تضر و لا تنفع. وَ لا تَخافُونَ‏ أنتم من اللّه. أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ‏ في العبادة. ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ‏ بعبادته. سُلْطاناً حجة و برهانا، و هو القادر على كل شي‏ء. إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ من الأحق بالأمن و السلامة، أ نحن أم أنتم، أي و هو نحن فاتبعوه. وَ لَمْ يَلْبِسُوا يخلطوا. إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ‏ المراد به هنا الشرك في العقيدة أو العبادة، كاتخاذ ولي من دون اللّه يدعى معه أو من دونه، لأنه الظلم الأكبر. الْأَمْنُ‏ من العذاب. وَ تِلْكَ حُجَّتُنا التي احتج بها إبراهيم على وحدانية اللّه من أفول الكوكب و نحوه. آتَيْناها إِبْراهِيمَ‏ أرشدناه لها، حجة. عَلى‏ قَوْمِهِ‏ المشركين.

صفحه بعد