کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج

الجزء الأول

تقديم

سورة البقرة

ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

سورة آل عمران

مدى صلتها بسورة البقرة: ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الرابع

تتمة سورة آل عمران

سورة النساء

مدنيتها: فضلها: مناسبتها لآل عمران: لتسمية: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس

تتمة سورة النساء

الجزء السادس

تتمة سورة النساء

سورة المائدة

تسميتها: تاريخ نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه: فضلها:

الجزء السابع

تتمة سورة المائدة

سورة الأنعام

تسميتها: نزولها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه:

الجزء الثامن

تتمة سورة الانعام

سورة الأعراف

تسميتها: صفة نزولها: موضوعها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع

تتمة سورة الأعراف

سورة الأنفال

و مناسبتها لسورة الأعراف: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء العاشر

تتمة سورة الأنفال

سورة التوبة

تسميتها: السبب في إسقاط التسمية من أولها: مناسبتها لما قبلها: تاريخ نزولها: ما اشتملت عليه السورة: أضواء من التاريخ على صلح الحديبية:

الجزء الحادي عشر

تتمة سورة التوبة

سورة يونس عليه السلام

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثاني عشر

سورة هود عليه السلام

تسميتها: نزولها و شأنها و مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة يوسف عليه السلام

تسميتها و سبب نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثالث عشر

تتمة سورة يوسف

سورة الرعد

تسميتها: ناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء الرابع عشر

سورة الحجر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النحل

تسميتها: ارتباطها بالسورة التي قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس عشر

سورة الإسراء

تسميتها: فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الكهف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل هذه السورة:

الجزء السادس عشر

سورة مريم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة طه

التسمية: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء

تسميتها: فضلها و مزيتها: مشتملاتها:

سورة الحج

تسميتها: صلتها بما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الثامن عشر

سورة المؤمنون

تسميتها و فضلها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: فضلها: مشتملاتها:

الجزء التاسع عشر

سورة الفرقان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الشعراء

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه

سورة النمل

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء العشرون

تتمة سورة النمل

سورة القصص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

سورة العنكبوت

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

الجزء الحادي و العشرون

تتمة سورة العنكبوت

سورة الروم

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة لقمان

تسميتها: موضوعها: صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة السجدة

تسميتها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

سورة الأحزاب

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

الجزء الثاني و العشرون

تتمة سورة الأحزاب

سورة سبأ

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فاطر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء الثالث و العشرون

تتمة سورة يس

سورة الصافات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضل هذه السورة:

سورة ص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الزمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الرابع و العشرون

تتمة سورة الصافات

سورة غافر أو: المؤمن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فصلت أو: السجدة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الخامس و العشرون

سورة الشورى

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الزخرف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الدخان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الجاثية

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزولها:

الجزء السادس و العشرون

سورة الأحقاف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة محمد عليه الصلاة و السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الفتح

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها: أضواء من السيرة على سبب نزول السورة(صلح الحديبية و بيعة الرضوان):

سورة الحجرات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة ق

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة: أوجه الشبه بين سورة ق و سورة ص:

الجزء السابع و العشرون

سورة الذاريات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الطور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة النجم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة القمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الرحمن جل ذكره

مكيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الواقعة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الحديد

مدنيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثامن و العشرون

سورة المجادلة

مدنيتها: تسميتها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الحشر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزول السورة: فضل السورة:

سورة الممتحنة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة التغابن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع و العشرون

سورة الملك، أو: تبارك

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة القلم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثلاثون

الخاتمة

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج


صفحه قبل

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 89

الآية قوله تعالى في سورة يس: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ‏ إلى آخر السورة.

المناسبة:

بعد أن بيّن اللّه تعالى أنه منزّه عن الشريك و الولد، و أنه الإله الواحد، و أمر بإخلاص العبادة له، ذكر أدلة وجود الإله الصانع الواحد و كمال قدرته و حكمته، و هي خمسة: خلق السموات و الأرض، و خلق الإنسان، و خلق الأنعام، و خلق النبات، و خلق العناصر الأربعة. و الأخيران هما موضوع الآيات التالية.

التفسير و البيان:

خلق اللّه تعالى و أبدع العالم العلوي و هو السموات، و العالم السفلي و هو الأرض بما حوت، و ذلك مخلوق بالحق، أي على أساس من الحكمة و التقدير المحكم، لا عبثا، و انفرد بخلقه ذلك، فتنزه اللّه عن المعين و الشريك، لعجز ما سواه عن خلق شي‏ء، فلا يستحق العبادة إلا هو، فقوله‏ تَعالى‏ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ تنزيه نفسه عن شرك من عبد معه غيره، فهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له، فيستحق أن يعبد وحده لا شريك له.

ثم ذكر اللّه تعالى خلق جنس الإنسان من نطفة، أي مهينة ضعيفة، فقال:

خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ .. أي خلق الإنسان من ماء مهين ضعيف، فلما استقل و كبر، إذا هو يخاصم ربه تعالى، و يكذبه و هو إنما خلق ليكون عبدا، لا ضدا، و خلق من شي‏ء ضعيف، فتراه يجادل و يقول: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ‏ [يس 36/ 78]. و نظير الآية: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً، فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً، وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً. وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَ لا يَضُرُّهُمْ، وَ كانَ الْكافِرُ عَلى‏ رَبِّهِ ظَهِيراً [الفرقان 25/ 54- 55].

روي أن المراد بالآية أبيّ بن خلف الجمحي، جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بعظم‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 90

رميم، فقال: أ ترى يحيي اللّه هذا بعد ما قد رمّ؟ و في هذا أيضا نزل‏ أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ‏ [يس 36/ 77].

ثم امتن اللّه تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام و هي الإبل و البقر و الغنم، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج، فقال: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ .. أي و خلق اللّه لكم الأنعام ذات المصالح و المنافع المختلفة لكم، من أصواف و أوبار و أشعار للبس و الأثاث (أو الفراش) و من ألبان للشرب، و نسل للأكل.

و لكم في هذه الأنعام جمال، أي زينة حين الرواح: و هو وقت رجوعها عشاء من المراعي، و وقت السّروح: و هو وقت الغدوة و الذهاب من مراحها إلى مسارحها أو المرعى. و خص تعالى هذين الوقتين بالذكر لاهتمام الرعاة بهما حين الذهاب و الإياب، و في ذلك مفاخرة بالقطيع، و قدم الرّواح على السّروح؛ لأن الفائدة فيه أتم، لمجيئها شبعانة، فتدر الحليب، و تملأ النفس سرورا، و العين متعة، فهي عنصر للغذاء و أداة إنتاج في الاقتصاد.

و جمال الأنعام و الدواب من جمال الخلقة و التركيب و الصورة.

و كذلك هي أداة عمل و ركوب و حمل أمتعة، فقال تعالى: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ .. أي و هي أيضا تحمل أمتعتكم الثقيلة التي تعجزون عن نقلها و حملها من بلد إلى آخر لا تبلغونه إلا بمشقة شديدة، مثل الحج و العمرة و الجهاد و التجارة و نحو ذلك من أنواع الاستعمال ركوبا و تحميلا، كما قال تعالى: وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها، وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ، وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ‏ [المؤمنون 23/ 21- 22] و قال سبحانه: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَ مِنْها تَأْكُلُونَ. وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ، وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ‏ [غافر 40/ 79- 80].

و تظل الأنعام ثروة اقتصادية في كل زمان و مكان، و نعمة كبري، لذا ختم‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 91

تعالى الآية بقوله: إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ‏ أي ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام و سخرها لكم كثير الرأفة و الرحمة بعباده، فقد جعلها لهم مصدر رزق و خير كبير، و أداة منافع و جلب مصالح، كما قال سبحانه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً، فَهُمْ لَها مالِكُونَ. وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ، وَ مِنْها يَأْكُلُونَ‏ [يس 36/ 71- 72].

و امتن اللّه تعالى على الناس بثروة حيوانية أخرى هي: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ .. و خلق لكم الخيل و البغال و الحمير أيضا، و جعلها للركوب و الزينة بها أي تتزينون بها، مع منافع أخرى.

ثم جاء دور الامتنان بوسائل النقل و المواصلات الحديثة: وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ‏ أي و يخلق لكم غير هذه الحيوانات من وسائل النقل كالقطارات و السيارات و السفن و الطائرات و غيرها.

ثم في هذا العالم السماوي و الأرضي و الحيواني، يرشد تعالى إلى الطريق السوي من الطرق المعنوية الدينية و الحياتية فقال: وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ .. أي و على اللّه فضلا و تكرما بيان الطريق الواضح الموصل إلى الحق و الخير، بإقامة الأدلة و إنزال الكتب و إرسال الرسل، كما قال تعالى: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ‏ [الأنعام 6/ 153] و قال سبحانه: قالَ: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ‏ [الحجر 15/ 41].

و كثيرا- كما قال ابن كثير- ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية، كقوله تعالى في الحج: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ [البقرة 2/ 197] و قوله سبحانه: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً، وَ لِباسُ التَّقْوى‏ ذلِكَ خَيْرٌ [الأعراف 7/ 26].

ثم قال سبحانه محذرا من متاهات الطرق: وَ مِنْها جائِرٌ أي و من‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 92

الطرق أو السبل طريق جائر حائد عن الاستقامة، مؤد إلى الضلال و الزيغ عن الحق. و سبيل الاستقامة هو الإسلام، و الجائر منها غيره من الأديان، لنسخها بالإسلام، و لأن الإسلام دين التوحيد و الفطرة الذي ارتضاه لعباده، كما قال:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ [الروم 30/ 30].

ثم أخبر اللّه تعالى أن الهداية بقدرته و مشيئته تعالى فقال: وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ‏ قال المعتزلة: و لو شاء لهداكم جميعا جبرا و قسرا و إلجاء. و قال أهل السنة: اللّه قادر على هداية جميع الناس، ما في ذلك أدنى شك، و إنما المراد بالآية: أنه تعالى بيّن السبيل القاصد المستقيم و الجائر، و هدى قوما يستحقون الهداية، و قد اختاروا الهدى، و أضل قوما اختاروا الضلالة لأنفسهم. و الهداية نوعان: هداية دلالة و إرشاد، كما في قوله تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [البلد 90/ 10] و هداية توفيق و رعاية كما في قوله سبحانه: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة 1/ 6] و قوله هنا: وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ‏ . و قوله تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً [يونس 10/ 99] و قوله عز و جل: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً، وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ، وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏ [هود 11/ 118- 119].

فقه الحياة أو الأحكام:

أرشدت الآيات إلى ما يأتي:

1- إن خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان دليل واضح على قدرة اللّه تعالى و وجوده و وحدانيته.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 93

لكن تعدى الإنسان طوره، و تجاوز حدوده، فناكد و جادل، و كذب ربه و خاصمه في قدرته.

2- و كذلك خلق الأنعام بما فيها من منافع امتن اللّه بها على الإنسان دليل آخر على قدرة اللّه و توحيده.

و دل قوله‏ فِيها دِفْ‏ءٌ على مشروعية لباس الصوف، و قد لبسه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الأنبياء قبله، كموسى و غيره.

و منافع الأنعام كثيرة لا نكاد نجد لها شبيها، ففيها منفعة الأجسام ذاتها بأكل لحومها، و منفعة نتاجها بالدر و اللبن و النسل، و منفعة ما تستر به من أوبار و أصواف و أشعار، و منفعة ظهورها للركوب و حمل الأثقال و النقل من بلد إلى آخر، و منفعة قواها بالحرث، فالبقرة لا يحمل عليها و لا تركب، و إنما هي للحرث و للأكل و النسل و اللبن، فحق على الإنسان شكر هذه النعمة، و مقابلتها بالعبادة للّه تعالى الذي خلقها و سخرها للناس.

و دلت هذه الآية على جواز السفر بالدواب و حمل الأثقال عليها، و لكن بقدر المعتاد و قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل، مع الرفق في السير. و قد أمر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بالرفق بها و الإراحة لها و مراعاة التفقد لعلفها و سقيها.

روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حظها من الأرض، و إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها «1» ».

و هذا دليل الرفق بالحيوان.

3- كذلك الدواب الأخرى التي خلقها اللّه و هي الخيل و البغال و الحمير دليل‏

(1) السنة: القحط و يبس نبات الأرض، و النّقي: المخ، و المعنى: أسرعوا في السير بالإبل، لتصلوا إلى المقصد، و فيها بقية من قوتها، لعدم وجود ما يقويها على السير في الأرض الجدبة.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 94

آخر على القدرة الإلهية، و مزيد فضل اللّه تعالى، قال العلماء: ملّكنا اللّه تعالى الأنعام و الدواب و ذللها لنا، و أباح لنا تسخيرها و الانتفاع بها، رحمة منه تعالى لنا، و ما ملكه الإنسان و جاز له تسخيره من الحيوان، فكراؤه له جائز بإجماع أهل العلم.

و اختلف العلماء فيمن اكترى دابة بأجر معلوم إلى موضع معين، فتعدي و تجاوز ذلك المكان، ثم رجع إلى المكان المأذون له فيه، فقال أبو حنيفة:

لصاحبها الأجرة المسماة، و لا أجر له فيما لم يسمّ؛ لأنه خالف فهو ضامن إذا هلكت الدابة.

و قال الشافعي و فقهاء المدينة السبعة: على المستأجر الكراء المسمى، و كراء المثل فيما جاوز ذلك، و لو عطبت لزمته قيمتها.

و قال أحمد: عليه الكراء و الضمان.

و قال ابن القاسم تلميذ مالك: إذا عطبت الدابة في حال التجاوز، فلصاحبها كراؤه الأول، و له الخيار في أخذ كراء الزائد بالغا ما بلغ، أو قيمة الدابة يوم التعدي.

و استدل بالآية مالك و أبو حنيفة و غيرهما على تحريم لحوم الخيل؛ لأنه تعالى قال: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً فجعلها للركوب و الزينة و لم يجعلها للأكل، و لا يجوز أكل لحوم الخيل و البغال و الحمير؛ لأن اللّه تعالى لما نص على الركوب و الزينة، دل على أن ما عداه بخلافه. أما في الأنعام فقال: وَ مِنْها تَأْكُلُونَ‏ فأباح لنا أكلها بالذكاة المشروعة فيها.

و يؤيده‏

حديث أحمد و أبي داود و النسائي و الدار قطني و غيرهم عن خالد بن الوليد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الخيل و البغال و الحمير، و كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير.

و هو لفظ الدار قطني.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏14، ص: 95

قال القرطبي المالكي: الصحيح الذي يدل عليه النظر و الخبر جواز أكل لحوم الخيل، و أن الآية و الحديث لا حجة فيهما لازمة؛ أما الآية فلا دليل فيها على تحريم الخيل؛ إذ لو دلت عليه لدلّت على تحريم لحوم الحمر، و السورة مكية، و أي حاجة كانت إلى تجديد تحريم لحوم الحمر عام خيبر، و قد ثبت في الأخبار تحليل الخيل على ما يأتي. و أيضا لما ذكر تعالى الأنعام ذكر الأغلب من منافعها و أهم ما فيها، و هو حمل الأثقال و الأكل، و لم يذكر الركوب و لا الحرث بها و لا غير ذلك مصرّحا به، و قد تركب و يحرث بها.

و قد أجمع المسلمون على جواز أكلها، و ثبت ذلك في السنة،

روى مسلم من حديث جابر قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية و أذن في لحوم الخيل. و قال النّسائي عن جابر: أطعمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم خيبر لحوم الخيل، و نهانا عن لحوم الحمر «1» .

و استدل جمهور العلماء بالآية أيضا على أن الخيل لا زكاة فيها؛ لأن اللّه سبحانه منّ علينا بما أباحه منها و كرمنا به من منافعها، فغير جائز أن يلزم فيها كلفة إلا بدليل.

و قال أبو حنيفة: إن كانت إناثا كلها، أو ذكورا و إناثا، ففي كل فرس دينار إذا كانت سائمة، و إن شاء قوّمها، فأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم.

و احتج بأثر

عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار»

لكنه كما قال الدار قطني: تفرد به ضعيف جدا، و من دونه ضعفاء.

4- لم ينقطع فضل اللّه و كرمه، فقد خلق لنا غير الأنعام و الدواب فقال:

وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ‏ و هذا يشمل كل وسائل النقل و الركوب الحديثة.

صفحه بعد