کتابخانه تفاسیر
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج
الجزء الأول
بعض المعارف الضرورية المتعلقة بالقرآن
سورة البقرة
أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه و سلم و مصدر الاختصاص بالرسالة[سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 105]
الجزء الثاني
تتمة سورة البقرة
مشروعية القصاص و حكمته[سورة البقرة(2): الآيات 178 الى 179]
مسائل فقهية:
الوصية الواجبة[سورة البقرة(2): الآيات 180 الى 182]
مسائل فقهية:
قواعد القتال في سبيل الله[سورة البقرة(2): الآيات 190 الى 195]
أحكام الحج و العمرة[سورة البقرة(2): الآيات 196 الى 197]
المرحلة الثانية من مراحل تحريم الخمر و حرمة القمار[سورة البقرة(2): آية 219]
موت الأمم بالجبن و البخل و حياتها بالشجاعة و الإنفاق[سورة البقرة(2): الآيات 243 الى 245]
الجزء الثالث
تتمة سورة البقرة
مستحقو الصدقات[سورة البقرة(2): الآيات 272 الى 274]
الربا و أضراره على الفرد و الجماعة[سورة البقرة(2): الآيات 275 الى 281]
سورة آل عمران
الجزء الرابع
تتمة سورة آل عمران
سورة النساء
الجزء الخامس
تتمة سورة النساء
استحقاق الجنة ليس بالأماني و العبرة في الجزاء بالعمل شرا أو خيرا[سورة النساء(4): الآيات 123 الى 126]
رعاية اليتامى و الصلح بين الزوجين بسبب النشوز و العدل بين النساء[سورة النساء(4): الآيات 127 الى 130]
الجزء السادس
تتمة سورة النساء
سورة المائدة
الجزء السابع
تتمة سورة المائدة
سورة الأنعام
رفض المشركين دعوة النبي صلى الله عليه و سلم و مطالبتهم بتنزيل آية[سورة الأنعام(6): الآيات 36 الى 37]
الجزء الثامن
تتمة سورة الانعام
المحرمات العشر أو الوصايا العشر[سورة الأنعام(6): الآيات 151 الى 153]
سورة الأعراف
الجزء التاسع
تتمة سورة الأعراف
سورة الأنفال
الجزء العاشر
تتمة سورة الأنفال
سورة التوبة
الجزء الحادي عشر
تتمة سورة التوبة
سورة يونس عليه السلام
قصة موسى عليه السلام مع فرعون
الجزء الثاني عشر
سورة هود عليه السلام
سورة يوسف عليه السلام
الفصل الثاني من قصة يوسف يوسف و إخوته
الجزء الثالث عشر
تتمة سورة يوسف
سورة الرعد
أوصاف أولي الألباب السعداء و جزاؤهم[سورة الرعد(13): الآيات 20 الى 24]
سورة إبراهيم عليه السلام
تهديد الكفار لرسلهم بالطرد أو الردة و الوحي بأن العاقبة للأنبياء[سورة إبراهيم(14): الآيات 13 الى 18]
الجزء الرابع عشر
سورة الحجر
سورة النحل
الجزء الخامس عشر
سورة الإسراء
سورة الكهف
قصة أصحاب الكهف[سورة الكهف(18): الآيات 9 الى 26]
التفسير و البيان:
تفصيل القصة:
الجزء السادس عشر
تتمة سورة الكهف
سورة مريم
قصة مريم
الرد على عباد الأصنام بصيرورتهم لهم أعداء و اتخاذهم الشياطين أولياء[سورة مريم(19): الآيات 81 الى 87]
سورة طه
قصة موسى عليه السلام
الجزء السابع عشر
سورة الأنبياء
القصة الثانية - قصة إبراهيم عليه السلام
سورة الحج
الجزء الثامن عشر
سورة المؤمنون
سورة النور
الحكم الأول و الثاني حد الزنى و حكم الزناة[سورة النور(24): الآيات 2 الى 3]
الحكم الرابع حكم اللعان أو قذف الرجل زوجته[سورة النور(24): الآيات 6 الى 10]
فقه الحياة أو الأحكام:
الجزء التاسع عشر
سورة الفرقان
استهزاء المشركين بالنبي صلى الله عليه و سلم و تسمية دعوته إضلالا[سورة الفرقان(25): الآيات 41 الى 44]
سورة الشعراء
القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه
القصة الثانية قصة إبراهيم عليه السلام
سورة النمل
القصة الثانية قصة داود و سليمان عليهما السلام
الجزء العشرون
تتمة سورة النمل
سورة القصص
قصة موسى عليه السلام
سورة العنكبوت
قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه
الجزء الحادي و العشرون
تتمة سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
غزوة الأحزاب أو الخندق و بني قريظة[سورة الأحزاب(33): الآيات 9 الى 27]
الجزء الثاني و العشرون
تتمة سورة الأحزاب
سورة سبأ
سورة فاطر
بعض أدلة القدرة الإلهية و التذكير بنعم الله و إثبات التوحيد و الرسالة[سورة فاطر(35): الآيات 1 الى 4]
الجزء الثالث و العشرون
تتمة سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
الجزء الرابع و العشرون
تتمة سورة الصافات
سورة غافر أو: المؤمن
قصة موسى عليه السلام مع فرعون و هامان
سورة فصلت أو: السجدة
الجزء الخامس و العشرون
تتمة سورة فصلت
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
الجزء السادس و العشرون
سورة الأحقاف
سورة محمد عليه الصلاة و السلام
أوصاف المنافقين و المؤمنين
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
الجزء السابع و العشرون
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
إعادة قصص الأمم الخالية المكذبة للرسل
سورة الرحمن جل ذكره
أعظم النعم الإلهية الدنيوية و الأخروية
سورة الواقعة
سورة الحديد
الجزء الثامن و العشرون
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة الجمعة
سورة المنافقون
سورة التغابن
سورة الطلاق
الجزء التاسع و العشرون
سورة الملك، أو: تبارك
سورة القلم
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح عليه السلام
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان، أو: الدهر
سورة المرسلات
الجزء الثلاثون
سورة النبأ، أو: عم
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة البينة
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 89
الآية قوله تعالى في سورة يس: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ، فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ إلى آخر السورة.
المناسبة:
بعد أن بيّن اللّه تعالى أنه منزّه عن الشريك و الولد، و أنه الإله الواحد، و أمر بإخلاص العبادة له، ذكر أدلة وجود الإله الصانع الواحد و كمال قدرته و حكمته، و هي خمسة: خلق السموات و الأرض، و خلق الإنسان، و خلق الأنعام، و خلق النبات، و خلق العناصر الأربعة. و الأخيران هما موضوع الآيات التالية.
التفسير و البيان:
خلق اللّه تعالى و أبدع العالم العلوي و هو السموات، و العالم السفلي و هو الأرض بما حوت، و ذلك مخلوق بالحق، أي على أساس من الحكمة و التقدير المحكم، لا عبثا، و انفرد بخلقه ذلك، فتنزه اللّه عن المعين و الشريك، لعجز ما سواه عن خلق شيء، فلا يستحق العبادة إلا هو، فقوله تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ تنزيه نفسه عن شرك من عبد معه غيره، فهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له، فيستحق أن يعبد وحده لا شريك له.
ثم ذكر اللّه تعالى خلق جنس الإنسان من نطفة، أي مهينة ضعيفة، فقال:
خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ .. أي خلق الإنسان من ماء مهين ضعيف، فلما استقل و كبر، إذا هو يخاصم ربه تعالى، و يكذبه و هو إنما خلق ليكون عبدا، لا ضدا، و خلق من شيء ضعيف، فتراه يجادل و يقول: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ [يس 36/ 78]. و نظير الآية: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً، فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً، وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً. وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ وَ لا يَضُرُّهُمْ، وَ كانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً [الفرقان 25/ 54- 55].
روي أن المراد بالآية أبيّ بن خلف الجمحي، جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بعظم
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 90
رميم، فقال: أ ترى يحيي اللّه هذا بعد ما قد رمّ؟ و في هذا أيضا نزل أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ [يس 36/ 77].
ثم امتن اللّه تعالى على عباده بما خلق لهم من الأنعام و هي الإبل و البقر و الغنم، كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج، فقال: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ .. أي و خلق اللّه لكم الأنعام ذات المصالح و المنافع المختلفة لكم، من أصواف و أوبار و أشعار للبس و الأثاث (أو الفراش) و من ألبان للشرب، و نسل للأكل.
و لكم في هذه الأنعام جمال، أي زينة حين الرواح: و هو وقت رجوعها عشاء من المراعي، و وقت السّروح: و هو وقت الغدوة و الذهاب من مراحها إلى مسارحها أو المرعى. و خص تعالى هذين الوقتين بالذكر لاهتمام الرعاة بهما حين الذهاب و الإياب، و في ذلك مفاخرة بالقطيع، و قدم الرّواح على السّروح؛ لأن الفائدة فيه أتم، لمجيئها شبعانة، فتدر الحليب، و تملأ النفس سرورا، و العين متعة، فهي عنصر للغذاء و أداة إنتاج في الاقتصاد.
و جمال الأنعام و الدواب من جمال الخلقة و التركيب و الصورة.
و كذلك هي أداة عمل و ركوب و حمل أمتعة، فقال تعالى: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ .. أي و هي أيضا تحمل أمتعتكم الثقيلة التي تعجزون عن نقلها و حملها من بلد إلى آخر لا تبلغونه إلا بمشقة شديدة، مثل الحج و العمرة و الجهاد و التجارة و نحو ذلك من أنواع الاستعمال ركوبا و تحميلا، كما قال تعالى: وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها، وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ، وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [المؤمنون 23/ 21- 22] و قال سبحانه: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها، وَ مِنْها تَأْكُلُونَ. وَ لَكُمْ فِيها مَنافِعُ، وَ لِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ، وَ عَلَيْها وَ عَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [غافر 40/ 79- 80].
و تظل الأنعام ثروة اقتصادية في كل زمان و مكان، و نعمة كبري، لذا ختم
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 91
تعالى الآية بقوله: إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ أي ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام و سخرها لكم كثير الرأفة و الرحمة بعباده، فقد جعلها لهم مصدر رزق و خير كبير، و أداة منافع و جلب مصالح، كما قال سبحانه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً، فَهُمْ لَها مالِكُونَ. وَ ذَلَّلْناها لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ، وَ مِنْها يَأْكُلُونَ [يس 36/ 71- 72].
و امتن اللّه تعالى على الناس بثروة حيوانية أخرى هي: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ .. و خلق لكم الخيل و البغال و الحمير أيضا، و جعلها للركوب و الزينة بها أي تتزينون بها، مع منافع أخرى.
ثم جاء دور الامتنان بوسائل النقل و المواصلات الحديثة: وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ أي و يخلق لكم غير هذه الحيوانات من وسائل النقل كالقطارات و السيارات و السفن و الطائرات و غيرها.
ثم في هذا العالم السماوي و الأرضي و الحيواني، يرشد تعالى إلى الطريق السوي من الطرق المعنوية الدينية و الحياتية فقال: وَ عَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ .. أي و على اللّه فضلا و تكرما بيان الطريق الواضح الموصل إلى الحق و الخير، بإقامة الأدلة و إنزال الكتب و إرسال الرسل، كما قال تعالى: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام 6/ 153] و قال سبحانه: قالَ: هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ [الحجر 15/ 41].
و كثيرا- كما قال ابن كثير- ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية، كقوله تعالى في الحج: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة 2/ 197] و قوله سبحانه: يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً، وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ [الأعراف 7/ 26].
ثم قال سبحانه محذرا من متاهات الطرق: وَ مِنْها جائِرٌ أي و من
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 92
الطرق أو السبل طريق جائر حائد عن الاستقامة، مؤد إلى الضلال و الزيغ عن الحق. و سبيل الاستقامة هو الإسلام، و الجائر منها غيره من الأديان، لنسخها بالإسلام، و لأن الإسلام دين التوحيد و الفطرة الذي ارتضاه لعباده، كما قال:
ثم أخبر اللّه تعالى أن الهداية بقدرته و مشيئته تعالى فقال: وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ قال المعتزلة: و لو شاء لهداكم جميعا جبرا و قسرا و إلجاء. و قال أهل السنة: اللّه قادر على هداية جميع الناس، ما في ذلك أدنى شك، و إنما المراد بالآية: أنه تعالى بيّن السبيل القاصد المستقيم و الجائر، و هدى قوما يستحقون الهداية، و قد اختاروا الهدى، و أضل قوما اختاروا الضلالة لأنفسهم. و الهداية نوعان: هداية دلالة و إرشاد، كما في قوله تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد 90/ 10] و هداية توفيق و رعاية كما في قوله سبحانه: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة 1/ 6] و قوله هنا: وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ . و قوله تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً [يونس 10/ 99] و قوله عز و جل: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً، وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ، وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ، وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود 11/ 118- 119].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
1- إن خلق السموات و الأرض و خلق الإنسان دليل واضح على قدرة اللّه تعالى و وجوده و وحدانيته.
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 93
لكن تعدى الإنسان طوره، و تجاوز حدوده، فناكد و جادل، و كذب ربه و خاصمه في قدرته.
2- و كذلك خلق الأنعام بما فيها من منافع امتن اللّه بها على الإنسان دليل آخر على قدرة اللّه و توحيده.
و دل قوله فِيها دِفْءٌ على مشروعية لباس الصوف، و قد لبسه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الأنبياء قبله، كموسى و غيره.
و منافع الأنعام كثيرة لا نكاد نجد لها شبيها، ففيها منفعة الأجسام ذاتها بأكل لحومها، و منفعة نتاجها بالدر و اللبن و النسل، و منفعة ما تستر به من أوبار و أصواف و أشعار، و منفعة ظهورها للركوب و حمل الأثقال و النقل من بلد إلى آخر، و منفعة قواها بالحرث، فالبقرة لا يحمل عليها و لا تركب، و إنما هي للحرث و للأكل و النسل و اللبن، فحق على الإنسان شكر هذه النعمة، و مقابلتها بالعبادة للّه تعالى الذي خلقها و سخرها للناس.
و دلت هذه الآية على جواز السفر بالدواب و حمل الأثقال عليها، و لكن بقدر المعتاد و قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل، مع الرفق في السير. و قد أمر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بالرفق بها و الإراحة لها و مراعاة التفقد لعلفها و سقيها.
روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «إذا سافرتم في الخصب، فأعطوا الإبل حظها من الأرض، و إذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها «1» ».
و هذا دليل الرفق بالحيوان.
3- كذلك الدواب الأخرى التي خلقها اللّه و هي الخيل و البغال و الحمير دليل
(1) السنة: القحط و يبس نبات الأرض، و النّقي: المخ، و المعنى: أسرعوا في السير بالإبل، لتصلوا إلى المقصد، و فيها بقية من قوتها، لعدم وجود ما يقويها على السير في الأرض الجدبة.
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 94
آخر على القدرة الإلهية، و مزيد فضل اللّه تعالى، قال العلماء: ملّكنا اللّه تعالى الأنعام و الدواب و ذللها لنا، و أباح لنا تسخيرها و الانتفاع بها، رحمة منه تعالى لنا، و ما ملكه الإنسان و جاز له تسخيره من الحيوان، فكراؤه له جائز بإجماع أهل العلم.
و اختلف العلماء فيمن اكترى دابة بأجر معلوم إلى موضع معين، فتعدي و تجاوز ذلك المكان، ثم رجع إلى المكان المأذون له فيه، فقال أبو حنيفة:
لصاحبها الأجرة المسماة، و لا أجر له فيما لم يسمّ؛ لأنه خالف فهو ضامن إذا هلكت الدابة.
و قال الشافعي و فقهاء المدينة السبعة: على المستأجر الكراء المسمى، و كراء المثل فيما جاوز ذلك، و لو عطبت لزمته قيمتها.
و قال أحمد: عليه الكراء و الضمان.
و قال ابن القاسم تلميذ مالك: إذا عطبت الدابة في حال التجاوز، فلصاحبها كراؤه الأول، و له الخيار في أخذ كراء الزائد بالغا ما بلغ، أو قيمة الدابة يوم التعدي.
و استدل بالآية مالك و أبو حنيفة و غيرهما على تحريم لحوم الخيل؛ لأنه تعالى قال: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً فجعلها للركوب و الزينة و لم يجعلها للأكل، و لا يجوز أكل لحوم الخيل و البغال و الحمير؛ لأن اللّه تعالى لما نص على الركوب و الزينة، دل على أن ما عداه بخلافه. أما في الأنعام فقال: وَ مِنْها تَأْكُلُونَ فأباح لنا أكلها بالذكاة المشروعة فيها.
و يؤيده
حديث أحمد و أبي داود و النسائي و الدار قطني و غيرهم عن خالد بن الوليد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نهى يوم خيبر عن أكل لحوم الخيل و البغال و الحمير، و كل ذي ناب من السباع أو مخلب من الطير.
و هو لفظ الدار قطني.
التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج14، ص: 95
قال القرطبي المالكي: الصحيح الذي يدل عليه النظر و الخبر جواز أكل لحوم الخيل، و أن الآية و الحديث لا حجة فيهما لازمة؛ أما الآية فلا دليل فيها على تحريم الخيل؛ إذ لو دلت عليه لدلّت على تحريم لحوم الحمر، و السورة مكية، و أي حاجة كانت إلى تجديد تحريم لحوم الحمر عام خيبر، و قد ثبت في الأخبار تحليل الخيل على ما يأتي. و أيضا لما ذكر تعالى الأنعام ذكر الأغلب من منافعها و أهم ما فيها، و هو حمل الأثقال و الأكل، و لم يذكر الركوب و لا الحرث بها و لا غير ذلك مصرّحا به، و قد تركب و يحرث بها.
و قد أجمع المسلمون على جواز أكلها، و ثبت ذلك في السنة،
روى مسلم من حديث جابر قال: نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية و أذن في لحوم الخيل. و قال النّسائي عن جابر: أطعمنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يوم خيبر لحوم الخيل، و نهانا عن لحوم الحمر «1» .
و استدل جمهور العلماء بالآية أيضا على أن الخيل لا زكاة فيها؛ لأن اللّه سبحانه منّ علينا بما أباحه منها و كرمنا به من منافعها، فغير جائز أن يلزم فيها كلفة إلا بدليل.
و قال أبو حنيفة: إن كانت إناثا كلها، أو ذكورا و إناثا، ففي كل فرس دينار إذا كانت سائمة، و إن شاء قوّمها، فأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم.
و احتج بأثر
عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار»
لكنه كما قال الدار قطني: تفرد به ضعيف جدا، و من دونه ضعفاء.
4- لم ينقطع فضل اللّه و كرمه، فقد خلق لنا غير الأنعام و الدواب فقال:
وَ يَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ و هذا يشمل كل وسائل النقل و الركوب الحديثة.