کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج

الجزء الأول

تقديم

سورة البقرة

ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الثاني

تتمة سورة البقرة

الجزء الثالث

تتمة سورة البقرة

سورة آل عمران

مدى صلتها بسورة البقرة: ما اشتملت عليه السورة: سبب التسمية: فضلها:

الجزء الرابع

تتمة سورة آل عمران

سورة النساء

مدنيتها: فضلها: مناسبتها لآل عمران: لتسمية: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس

تتمة سورة النساء

الجزء السادس

تتمة سورة النساء

سورة المائدة

تسميتها: تاريخ نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه: فضلها:

الجزء السابع

تتمة سورة المائدة

سورة الأنعام

تسميتها: نزولها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه:

الجزء الثامن

تتمة سورة الانعام

سورة الأعراف

تسميتها: صفة نزولها: موضوعها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع

تتمة سورة الأعراف

سورة الأنفال

و مناسبتها لسورة الأعراف: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء العاشر

تتمة سورة الأنفال

سورة التوبة

تسميتها: السبب في إسقاط التسمية من أولها: مناسبتها لما قبلها: تاريخ نزولها: ما اشتملت عليه السورة: أضواء من التاريخ على صلح الحديبية:

الجزء الحادي عشر

تتمة سورة التوبة

سورة يونس عليه السلام

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثاني عشر

سورة هود عليه السلام

تسميتها: نزولها و شأنها و مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة يوسف عليه السلام

تسميتها و سبب نزولها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الثالث عشر

تتمة سورة يوسف

سورة الرعد

تسميتها: ناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة إبراهيم عليه السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه هذه السورة:

الجزء الرابع عشر

سورة الحجر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النحل

تسميتها: ارتباطها بالسورة التي قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء الخامس عشر

سورة الإسراء

تسميتها: فضلها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الكهف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل هذه السورة:

الجزء السادس عشر

سورة مريم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة طه

التسمية: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

الجزء السابع عشر

سورة الأنبياء

تسميتها: فضلها و مزيتها: مشتملاتها:

سورة الحج

تسميتها: صلتها بما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الثامن عشر

سورة المؤمنون

تسميتها و فضلها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة النور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: فضلها: مشتملاتها:

الجزء التاسع عشر

سورة الفرقان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الشعراء

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

القصة الأولى قصة موسى و هارون عليهما السلام مع فرعون و قومه

سورة النمل

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء العشرون

تتمة سورة النمل

سورة القصص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

قصة موسى عليه السلام

سورة العنكبوت

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

الجزء الحادي و العشرون

تتمة سورة العنكبوت

سورة الروم

تسميتها: موضوعها: مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة لقمان

تسميتها: موضوعها: صلتها بما قبلها أو مناسبتها لما قبلها: مشتملات السورة:

سورة السجدة

تسميتها و فضلها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

سورة الأحزاب

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: موضوعها: مشتملاتها:

الجزء الثاني و العشرون

تتمة سورة الأحزاب

سورة سبأ

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فاطر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

الجزء الثالث و العشرون

تتمة سورة يس

سورة الصافات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضل هذه السورة:

سورة ص

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الزمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الرابع و العشرون

تتمة سورة الصافات

سورة غافر أو: المؤمن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة فصلت أو: السجدة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها: فضلها:

الجزء الخامس و العشرون

سورة الشورى

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الزخرف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: مشتملاتها:

سورة الدخان

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الجاثية

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزولها:

الجزء السادس و العشرون

سورة الأحقاف

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة محمد عليه الصلاة و السلام

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الفتح

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها: أضواء من السيرة على سبب نزول السورة(صلح الحديبية و بيعة الرضوان):

سورة الحجرات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة ق

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة: أوجه الشبه بين سورة ق و سورة ص:

الجزء السابع و العشرون

سورة الذاريات

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الطور

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة النجم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة القمر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة الرحمن جل ذكره

مكيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الواقعة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

سورة الحديد

مدنيتها: تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثامن و العشرون

سورة المجادلة

مدنيتها: تسميتها: مناسبة السورة لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة الحشر

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: سبب نزول السورة: فضل السورة:

سورة الممتحنة

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

سورة التغابن

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة:

الجزء التاسع و العشرون

سورة الملك، أو: تبارك

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضل السورة:

سورة القلم

تسميتها: مناسبتها لما قبلها: ما اشتملت عليه السورة: فضلها:

الجزء الثلاثون

الخاتمة

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج


صفحه قبل

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 165

وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ‏ عطف على‏ الَّذِي‏ المتقدم، و خبره محذوف.

و تقديره: و الذي هو يطعمني و يسقيني، فهو يهدين. و كذلك كل ما جاء بعدها من‏ الَّذِي‏ إلى قوله: وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي ... خبره: «فهو يهدين» مقدرا.

البلاغة:

يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ‏ بينهما طباق، و كذلك بين‏ يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ‏ .

وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏ أسند المرض لنفسه مراعاة للأدب تأدبا مع اللّه؛ لأن الشر لا ينسب إليه تعالى أدبا، و إن كان المرض و الشفاء كلاهما من اللّه، فلم يقل: أمرضني.

المفردات اللغوية:

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ‏ على مشركي العرب و منهم كفار مكة و أمثالهم. نَبَأَ خبر مهم.

ما تَعْبُدُونَ‏ ؟ سألهم ليريهم أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة. نَعْبُدُ أَصْناماً صرحوا بالفعل. فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ‏ أي: ندوم مقيمين على عبادتها، و زادوا هذا الجواب على قولهم:

نَعْبُدُ تبجحا و افتخارا به، و إظهارا لما في نفوسهم من الابتهاج. إِذْ تَدْعُونَ‏ حين تدعون.

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ‏ حين تعبدونهم. أَوْ يَضُرُّونَ‏ أي يضرونكم إن لم تعبدوهم. و مجيئه مضارعا مع‏ إِذْ على حكاية الحال الماضية استحضارا لها. كَذلِكَ يَفْعَلُونَ‏ مثل فعلنا، لم يجدوا جوابا إلا التمسك بالتقليد. وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ‏ التقدم لا يدل على الصحة، و لا ينقلب به الباطل حقا.

عَدُوٌّ لِي‏ لا أعبدهم، و المراد أنهم أعداء لعابديهم؛ لأنهم يتضررون من جهتهم، لكنه صوّر الأمر في نفسه تعريضا لهم، فإنه أنفع في النصح من التصريح، و إشعارا بأنها نصيحة بدأ بها نفسه، ليكون أدعى إلى القبول. و إفراد لفظ العدو لأنه في الأصل مصدر أو بمعنى النسب أي عدوي، أجراه على النسب. إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ‏ لكن ربّ العالمين فإني أعبده، استثناء منقطع.

فَهُوَ يَهْدِينِ‏ إلى الدين؛ لأنه يهدي كل مخلوق لما خلق له من أمور المعاش و المعاد، هداية مطردة من مبدأ إيجاده إلى منتهى أجله، يتمكن بها من جلب المنافع و دفع المضارّ، كما قال تعالى: وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏ [الأعلى 87/ 3] و تبدأ الهداية في الإنسان من وقت هداية الجنين إلى امتصاص دم الطمث من الرحم، و تنتهي إلى طريق الجنة و التنعم بلذائذها. أَطْمَعُ‏ أرجو. يَوْمَ الدِّينِ‏ الجزاء.

المناسبة:

بعد أن ذكر اللّه تعالى في أول السورة شدة حزن محمد صلّى اللّه عليه و سلم بسبب كفر

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 166

قومه، ذكر قصة موسى عليه السلام ليعرف محمد أن مثل تلك المحنة حصلت لموسى فيكون ذلك تسلية له، ثم ذكر عقبها قصة إبراهيم عليه السلام ليعرف محمد أيضا أن حزن إبراهيم كان أشد من حزنه؛ لأنه يرى أباه و قومه في النار، و هو لا يتمكن من إنقاذهم، و كل ذلك إشارة إلى أن معارضة الرسل من أقوامهم أمر قديم و مستمر، فلا داعي للغم و الحزن.

التفسير و البيان:

هذا هو الفصل الأول من قصة إبراهيم إمام الحنفاء عليه السلام مع قومه، موضوعه الإنكار على قومه عبادة الأصنام مع اللّه عزّ و جلّ، و تبيان صفات الربّ الذي يجب أن يعبد، فقال تعالى:

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ، إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ‏ أي و اتل يا محمد على أمتك خبر إبراهيم عليه السلام، ليقتدوا به في الإخلاص و التوكل على اللّه، و عبادته وحده لا شريك له، و التبري من الشرك و أهله، فإن اللّه تعالى آتى إبراهيم رشده من صغره إلى كبره، و لما شبّ أنكر على قومه عبادة الأصنام، و قال لأبيه و قومه: ما الذي تعبدونه؟ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ ليلفت نظرهم إلى أن ما يعبدونه لا يستحق العبادة في شرع و لا عقل.

فأجابوه مقرين بعبادة الأصنام، و مظهرين لما في نفوسهم من الابتهاج و الافتخار بها: قالُوا: نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ‏ أي قال قوم إبراهيم:

نعبد هذه الأصنام، و ندوم مقيمين على عبادتها في الليل و النهار.

فناقشهم في جدوى تلك العبادة متعجبا من فعلهم:

قالَ: هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ، أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ‏ ؟ أي قال إبراهيم: هل يسمعون دعاءكم حين تدعونهم، و هل يجلبون لكم نفعا أو يدفعون‏

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 167

عنكم ضررا؟ إذ ما الفائدة من عبادة لا هدف لها؟ فهل تفكرون قليلا، و تتأملون كثيرا فيما تفعلون؟ و كيف تستجيزون أن تعبدوا ما هذا وصفه؟

قالُوا: بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ‏ لم يجدوا جوابا مقنعا يرد حجة إبراهيم إلا التمسك بالتقليد الأعمى للآباء و الأجداد، و ليس لهم حجة مقبولة لتسويغ عبادتها و تقديسها. و هذا من أقوى الأدلة على فساد التقليد في العقائد و وجوب الاعتماد على الاستدلال العقلي المقنع؛ لأن اللّه أورد ذلك ذما لطريقة الكفار و إنكارا لمنهجهم.

فتقوّى إبراهيم في تقريعهم و توبيخهم و تحديهم، فسألهم:

أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ‏ أخبروني عن حال ما تعبدونه، أنتم و آباؤكم و أجدادكم الغابرون من قديم الزمان إلى الآن، هل حققت هذه العبادة شيئا، و هل استحقت تلك الأصنام الجمادات التي لا تسمع و لا تنطق عبادة العابدين؟ فإن كان لهذه الأصنام تأثير، فلتجلب إليّ الإساءة و الأذى، فإني عدو لها لا أعبدها، و لا أبالي بها، و لا أفكر فيها. و هذا استهزاء منه بعبدة الأصنام، و تحد صارخ لصحة ما يعبدون.

لكن ربّ العالمين الذي خلقني و رزقني، و هو وليي في الدنيا و الآخرة هو الذي أعبده و أنحني إجلالا لعظمته و عزته، فعبادتي للأصنام عبادة للعدو، لذا اجتنبتها، و آثرت عبادة من بيده الخير كله. و هذا نصيحة لنفسه، فيكون ذلك أدعى لهم إلى القبول، و أبعث على الاستماع منه.

و هذا نظير قول نوح عليه السلام: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ، ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً، ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ‏ [يونس 10/ 71] و قول هود عليه السلام: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً، ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ، إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ، ما مِنْ دَابَّةٍ

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 168

إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [هود 11/ 54- 56].

ثم أكد إبراهيم أنه لا يعبد إلا المتصف بهذه الأوصاف الخمسة و هي:

1- الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ‏ أي هو الخالق المبدع الموجد الذي خلقني و غيري من المخلوقات، و هو الذي يهديني دائما لما فيه الخير في الدنيا و الآخرة، كما قال: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏ [الأعلى 87/ 2- 3] أي الخالق الذي قدر قدرا، و سوى المخلوق في أحسن تقويم، و هدى الخلائق إليه، فكلّ يجري على ما قدر له، فبالخلق و الهداية يحصل جميع المنافع لكل منتفع.

2- وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ‏ أي هو خالقي و رازقي بما يسّر من الأسباب السماوية و الأرضية، فأنزل الماء، و أحيى به الأرض، و أخرج به من الثمرات المختلفة رزقا للعباد، و أوجد الأنعام و غيرها، فوفر للإنسان الطعام و الشراب و غيرهما من كل ما يتصل بالرزق.

3- وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏ أي و إذا طرأ علي مرض، فهو تعالى الذي ينعم علي بالشفاء منه. و يلاحظ أنه نسب المرض إلى نفسه و لم يقل:

أمرضني، تأدبا مع اللّه، و إن كان المرض و الشفاء من اللّه عزّ و جلّ جميعا؛ و كلاهما يحدث بقدر اللّه و قضائه، كما قال تعالى آمرا المصلي أن يقول: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة 1/ 6] ثم قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ..

[الفاتحة 1/ 7] أسند الإنعام و الهداية إلى اللّه تعالى، و حذف فاعل الغضب أدبا و أسند الضلال إلى البشر، و كما قال فتى موسى: وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ‏ [الكهف 18/ 63]، و كما قالت الجن: وَ أَنَّا لا نَدْرِي أَ شَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً [الجن 72/ 10]. و هنا أضاف إبراهيم المرض إليه، أي إذا وقعت في مرض، فإنه لا يقدر على شفائي أحد غير اللّه بما يقدر من الأسباب الموصلة إليه.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 169

4- وَ الَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ‏ أي و هو الذي يحيي و يميت، لا يقدر على ذلك أحد سواه، فإنه هو الذي يبدئ و يعيد، و المراد منه الإماتة في الدنيا، و الإعادة و البعث في الآخرة، بدليل عطفه ب ثُمَ‏ .

5- وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏ أي و هو الذي أرجو أن يستر ذنبي يوم القيامة، فإنه لا يقدر على غفران الذنوب في الدنيا و الآخرة إلا هو، كما قال: وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ‏ ؟ [آل عمران 3/ 135]. و إنما قال‏ أَطْمَعُ‏ مع أنه صلّى اللّه عليه و سلم كان قاطعا بذلك؛ لأنه لا يجب على اللّه لأحد شي‏ء، فاستعمال الرجاء و الظن للدلالة على أن الثواب و رفع العذاب فضل من اللّه و نعمة.

و أسند إلى نفسه الخطيئة، مع أن الأنبياء منزهون عن الخطايا قطعا، مريدا بذلك تسمية ما صدر عنه من عمل هو خلاف الأولى خطيئة، استعظاما له. و علّق مغفرة الخطيئة بيوم الدين، و إنما تغفر في الدنيا؛ لأن أثرها يظهر يوم الدين.

و قال: لِي‏ في قوله: أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي‏ لبيان أن غفرانه لي و لأجلي، لا لأجل أمر عائد إليه البتة. و الخلاصة: أن هذا من إبراهيم عليه السلام إظهار للعبودية، و إن كان يعلم أنه مغفور له.

جاء في صحيح مسلم عن عائشة: «قلت: يا رسول اللّه، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، و يطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين».

و يوم الدين: هو يوم الجزاء حيث يجازي العباد بأعمالهم.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 170

فقه الحياة أو الأحكام:

إن إيراد قصة إبراهيم عليه السلام هنا كان لتنبيه المشركين على فرط جهلهم إذا رغبوا عن اعتقاد إبراهيم و دينه، و هو أبوهم، و ليسرّى‏ «1» عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم مما وقع فيه من همّ و غم و حزن لإعراض قومه عن الإيمان برسالته.

و تتضمن القصة نقاشا حادا بين سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام و بين أبيه و قومه في فائدة عبادة الأصنام، حرصا على عدم إضاعة جهودهم سدى، فإن العبادة تكون عادة لفائدة، و يدرك كل عاقل أن هذه الأصنام الجمادات لا تأتي بخير أو رزق، و لا تملك لأحد خيرا، كما لا تدفع عنه ضرا إن عصيت، فإذا لم ينفعوكم أيها الوثنيون و لم يضروا، فما معنى عبادتكم لها؟

و لما وجدوا هذه الحجة مقنعة و قاطعة في الإفهام و إثبات المراد، لجؤوا إلى التمسك بالتقليد للآباء و الأجداد من غير حجة و لا دليل. و في هذا دلالة كافية على ذم التقليد و فساده في شأن العقائد، و أنه لا بد في تكوينه و إثباته من الاعتماد على الدليل المقنع المنطقي.

فأكد إبراهيم الخليل قوله السابق، و أفهم هؤلاء القوم الجهلة بأن عبادة هذه الأصنام ضرر محض لعابديها، و أنه لا تنبغي العبادة إلا للّه ربّ العالمين من الإنس و الجن و الملائكة، فمن عبده انتفع و دفع الضرر عن نفسه في الدنيا و الآخرة، و من أنعم وجب أن يطاع و لا يعصى.

ثم إن صفات هذا المعبود بحق تستوجب عبادته و التقرب إليه، فهو الخالق الهادي المرشد إلى الدين الحق، و هو الذي يرزق الطعام و الشراب و غيرهما من المنافع، لا غيره، و هو الشافي المعافي، و هو المميت و المحيي، أي الموجد من العدم،

(1) سرّي عنه، و انسرى عنه الهم: انكشف.

التفسير المنير فى العقيدة و الشريعة و المنهج، ج‏19، ص: 171

ثم المفني، ثم الباعث البعث، و هو غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب، الفعال لما يشاء.

- 2- دعاء إبراهيم عليه السلام دعاء المخلصين الأوّابين [سورة الشعراء (26): الآيات 83 الى 89]

رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَ اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَ لا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87)

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)

البلاغة:

وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏ استعارة، استعار اللسان للذكر الجميل و الثناء الحسن.

المفردات اللغوية:

حُكْماً فهما و علما بالخير و عملا به‏ وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏ الكاملين في الصلاح و هم الأنبياء، و المراد: وفقني للأعمال التي تجعلني في زمرة الصالحين البعيدين عن صغائر الذنوب و كبائرها. لِسانَ صِدْقٍ‏ ثناء حسنا و صيتا طيبا في الدنيا يبقى أثره إلى يوم الدين، بتوفيقي للعمل الصالح، حتى يقتدي بي الناس. فِي الْآخِرِينَ‏ الذين يأتون بعدي إلى يوم القيامة.

صفحه بعد