کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 7
[الجزء الاول]
اللّه (بين الكتاب والسنة وسائر الكتب السماوية) (ج 1)
المقدمه
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
الحمدلله الواحد احد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُواً احد
وصلى اللّه على خير خلقه و اشرف بريته خاتم النبيين صلى الله عليه و آله
وبعد إنّ هذا الكتاب الذي بين يديك يتحدث بصورة كامله شاملة عن اللَّه تعالى في كونه وكيانه ذاتاً وصفاتٍ وافعالًا على ضوء كتاب اللَّه وسنة نبى الله محمّد صلى الله عليه و آله والكتابات السماوية، مستعرضا فيها نظرات ومشاكل غير الالهيين والصالحين اجابة عن كل قالة وقيلة تستنكر الوهية اللَّه وربانيته وسرمديته وقسم من اسماءه وصفاته والمستحيل مما ينسب اليه، وانه ككل، « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » « وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ » والله هو المستعان نعم المولى ونعم النصير
الحوزة المباركة العلمية بقم المشرفة محمد الصادقي الطهراني
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 9
«سوره الفاتحة-/ مكية-/ و آياتها سبع»
[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ (7)
«سوره الفاتحة» التى افتتح بها الكتاب تأليفاً كما افتتح تنزيلًا-/ هى صورة مصغرّة عن « تَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ » أفرد اللَّه بها الامتنان على الرسول العظيم صلى الله عليه و آله اذ جعلها ردفاً للقرآن العظيم: « وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » (15: 87) «1» . نجد فيها تجاوياً رائعاً بين كتابى التدوين والتكوين عِدّة وعُدَّة، فآياتها سبع، و أسماءها سبع، كما السماوات سبع، والأرضون سبع، وأيام الأسبوع سبع، والطواف بالبيت والسعى سبعة اشواط، ثم وتغلق بسبعها أبواب الجحيم السبع «2» كما نرى الشياطين بجمرات سبع حيث الشيطنات هى السبع «3» : كما وتفتح بها ابواب الجنة الثمان «4»
(1)-/ عيون اخبار الرضا عليه السلام باسناده الى الامام الحسن العسكرى عليه السلام مسلسلًا عن ابيه عن آباءه عن عليه السلام قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: ان اللَّه عزوجل قال: يا محمد! ولقد آتيناك سبعاً من المثانى والقرآن العظيم، فأفرد الامتنان على بفاتحة الكتاب وجعلها بازاء القرآن العظيم وان فاتحة الكتاب اشرف ما فى كنوز العرش، وانعزوجل خص محمداً صلى الله عليه و آله وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من انبيائه ما خلا سليمان فانه اعطاه منها « بسم اللَّه الرحمن الرحيم » (1: 301 والبحار 92: 227) و فى الدر المنثور 1: 2-/ أخرج الواحدى فى اسباب النزول والثعلبى فى تفسيره عن على عليه السلام قال: نزلت الفاتحة بمكة من كنز من كنوز العرش.
(2)-/ تفسير الفخر الرازى 1: 175 روى ان جبرئيل عليه السلام قال للنبى صلى الله عليه و آله يا محمد! كنت اخشى العذاب علىأُمتك، فلما نزلت الفاتحة أمنت، قال صلى الله عليه و آله: لِمَ يا جبرئيل؟ قال: لان اللَّه تعالى قال « وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ » وآياتها سبع فمن قرأها صارت كل آية طبقاً على باب من ابواب جهنم فتمر امتك عليها سالمين.
(3)-/ وهى: الشيطان-/ البقر-/ النمر، ثم كل جمع بين اثنين منها ثم مجموع الثلاثة فهى سبع.
(4)-/ وعلّها باب المعرفة بما تكبر اللَّه فى صلاتك و-/ 2-/ باب الذكر بالبسملة و-/ 3-/ باب الشكر بالحمدٍ له و-/ 4-/ باب الرجاء بالرحمتين الرحمانية والرحيمية و-/ 5-/ باب الخوف يوم القيامة و-/ 6-/ باب الاخلاص فى العبودية والاستعانة الناتجة عن معرفة الربوبية و 7-/ باب الدعاء والضراعة فى طلب، الهداية و-/ 8-/ باب الاهتداء الى صراط اهل النعمة.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 10
1-/ «فهى فاتحة الكتاب» «1»
لِافتتاحه بها تنزيلًا وتأليفاً براعة بارعة لاستهلاله، حيث تنير علينا دروباً من علوم الكتاب جملةً كما يفتح الكتاب تفصيلًا، فتنفتح بها ابواب خزائن أسرار الكتاب لأنها مفتاح كنور لطائف الخطاب.
2-/ 3 «و هى ام القرآن وام الكتاب» «2» :
أمّاً لتفصيل الكتاب بآياته المحكمات والمتشابهات، كما المحكمات هُنَّ أم الكتاب، فكما المحكمات هُنَّ أم للأطفال المتشابهات، كذلك آيات الكتاب كله هى اطفال هذه الامّ السيدة.
فكل أصل وكل مجتمع وكل مأوى ومحور امّ، والقرآن المفصَّل يضم مربّع الربوبية والنبوة و المعاد وما بين المبدء والمعاد بتفاصيلها، وام القرآن يضمها محكمة مختصرة، حكيمة محتصرة.
و من ثَم الام تأتى بمعنى الراية للعسكر، والفاتحة راية لعساكر السور بآياتها، وهيبة لجنودها، فحقّاً هى راية القرآن اذ تقدمه وتعرِّفه وتعنيه!.
4-/ وهى اساس القرآن:
اذ أسست تفاصيله فيها مجملة جميلة وضّاءه «3» والقرآن المفصّل يتبنّى الأساس أساساً
(1)-/ وقد تواترت الاحاديث لهذا الاسم
(2)-/ الدر المنثور عن النبى صلى الله عليه و آله أنها أم القرآن وأم الكتاب، وفيه اخرج البخارى والدارمى فى سننه وابو داود والترمذى وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه فى تفاسيرهم عن ابى هريرة قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » أمُّ القرآن وام الكتاب والسبع المثانى ومن طريق اهل البيت عليهم السلام روى العياشى 1: 19 عن الامام الصادق عليه السلام قال: اسم اللَّه الأعظم مقطع فى أم الكتاب، وعن عبد الملك بن عمر عنه عليه السلام ان ابليس رن اربع رنّات .. وحين نزل ام الكتاب: وفى دعوات الرواندى عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سمع بعض آبائى رجلا يقرء ام القرآن فقال: شكر وأجر (البحار 92: 261) ورواه مثله محمد بن احمد بن يحيى بسند عن جعفر بن محمد عليه السلام عن ابيه عليه السلام (تهذيب الاحكام 8: 190) وروى الشيخ الطوسى فى تبيانه 1: 22 عن النبى صلى الله عليه و آله انه سماها ام القرآن، وأخرجه القرطبى فى الجامع لاحكام القرآن، عن الترمذى عن ابى بن كعب قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ما انزل اللَّه فى التوراة ولا فى الانجيل مثل ام القرآن.
(3)-/ الدر المنثور 1: 2 اخرج الثعلبى عن الشعبى ان رجلًا شكا اليه وجع الخاصرة فقال: عليك بأساس القرآنقال: وما اساس القرآن؟ قال: فاتحة الكتاب.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 11
لتفاصيله.
5-/ وهى الكافية:
تُجزى ما لا يجزى شىءٌ من القرآن حيث «تكفى من سواها ولا تكفى عنها سواها» «1» فى أولى السورتين من الأوليين لفظياً، حيث تكفى من سائر القرآن فى الركعتين ولا يكفى سائره عنها فيهما، ومعنوياً فانها-/ على اختصارها-/ تحمل متناً حاصراً من غزيرة الوحى الهاطل، و خطاباً لربّنا فى معراج الصلاة اذ تكفى عن كافة التفاصيل المسرودة فى الذكر الحكيم حيث تناسب ذلك الخطاب.
6-/ وهى الحمد:
حيث تحمل أحمد حمد لرب العالمين، وخير ما يحمده به الحامدون، حمد غائب:
«الحمدلله ...» ومن ثم حاضر « إِيَّاكَ نَعْبُدُ ... » فانها بشطريها حمد مهما اختلف الموقف والتعبير وكله عبير، ثم وهى بادءة بالحمد، فلذلك كله سمّيت-/ فيما سميت-/ بسورة الحمد.
7-/ وهى السبع المثانى «2» :
(1)-/ المصدر اخرج الثعلبى عن عفيف بن سالم قال: سألت عبدالله بن يحيى بن ابى كثير عن قراءة فاتحة الكتابخلف الامام فقال عن الكافية تسأل؟ قلت: وما الكافية؟ قال: الفاتحة، اما تعلم أنها تكفى عن سواها ولا تكفى عنها سواها؟
و اخرج ابو نعيم والديلمى عن ابى الدرداء قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: فاتحة الكتاب تجزى ما لا يحزى شىء من القرآن. واخرج الدار قطنى والحاكم عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ام القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضاً عنها.
(2)-/ الدر المنثور 4: 105-/ اخرج الدارمى وابن مردويه عن ابى بن كعب قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: فاتحة الكتاب هى السبع المثانى وفيه 1: 3-/ اخرج الدار قطنى وصححه والبيهقى فى السنن عن ابى هريرة قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: اذا قرأتم الحمد فاقرؤا بسم اللَّه الرحمن الرحيم -/ إنهاام القرآن وأم الكتاب والسبع المثانى و « بسم اللَّه الرحمن الرحيم » احدى آياتها واخرج ما فى معناه عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله البخارى والدارمى فى مسنده وابو داود والترمذى وابن المنذر وابن ابى حاتم وابن مردويه واحمد فى مسنده وابن جرير والطبرانى فى الأوسط والبيهقى والبخارى والنسائى وابن حبان وابو عبيد وابن خزيمة وابو ذر الهروى وعبدالله بن احمد بن حنبل فى زوائد المسند وابن الضريس فى فضائل القرآن-/ أخرجه هؤلاء الحفاظ فى مسانيدهم كما رواه على امير المؤمنين عليه السلام وعمر ايضاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله-/ فما يروى عن ابن عباس فى بعض رواياته وسعيد بن جبير دون نسبة الى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله آنها السبع الطوال: البقرة-/ آل عمران-/ النساءَ المائدة-/ الانعام-/ الأعراف-/ يونس-/ آنها غير الفاتحة، إنها لا تصدق لمخالفتها المتواتر عن الرسول صلى الله عليه و آله أنها الفاتحة، وأنها نزلت قبل السبع الطوال وسواها من مدنيات ومكيات، وأنها ليست مثانى بأى معنى من معانى المثانى اللهم الا كما القرآن كله مثانى: « كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ » ولا يخص السبع.
و من طريق اهل البيت عليهم السلام عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن الآية فقال: فاتحة الكتاب يثنّى فيها القول (العياشى 1: 22) ورواه مثله عن يونس بن عبد الرحمن عمن رفعه قال: سألت ابا عبدالله عليه السلام عن هذه الأية قال: هى سورة الحمد، ورواه مثله عن محمدبن مسلم وعن السدى عمن سمع علياً عليه السلام يقول مثله.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 12
لأنها حسب القرآن العظيم سبعٌ من المثانى: « وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » مهما كان القرآن كله مثانى: « اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ . (39: 29) ولكن « سَبْعاً » ومن ثَمَّ « وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » تخصها بهذه المثانى بما لها من مَثْنَيات ومعانى، فهى تحمل ازدواجية المثانى.
ثم « الْمَثانِي » جمع المَثْنَيَة او المَثنى وهو الذى يُثَنَّى، فأقلها ثلاث مثنيات ولكننا نجد لها سبعاً من المثانى.
1-/ مثنى نزولًا فى عهدى المكى والمدنى، اوّل ما نزلت بمكة، وحين حوّلت القبلة فى المدنية، ولا مَثنى هكذا الّا هِيَهْ!.
2-/ مثنى فى اوّليتها فى التأليف كما فى التنزيل ولا مثنى هكذا الا هِيَه!
3-/ مثنى فى الصلوات مفروضات ومسنونات «1» اذ تثنى فى اولييها الا فى وتر الليل.
4-/ مثنى اذ تثنى بغيرها فى الصلوات كلها الّا فى وتيرة العشاء.
5-/ مثنى فى ثنائية التأويل حيث تعنى القرآن جملة ويعنيها القرآن بالتفصيل.
6-/ مثنى فى المعنى الاتجاه، فنصفها ثناء اللَّه ونصفها عطاء الله.
7-/ ومثنى بثنائية الآيات حيث تتبنَّى فى كلٍّ من السبع أمرين اثنين ف: