کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 50
وَ الْعُدْوانِ » (5: 2) ونستعين بعبادة الله: « وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ » (2: 45) ونستعين برسل اللَّه وكل الهداة الى اللَّه تعرُّفاً الى مرضاة الله، وكل ذلك استعانة اللَّه واستعانة بالله « وَ رَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ » (12: 112)
و الضابطة السارية فى الاستعانة بغير اللَّه فى اللَّه والى اللَّه فى أمور عادية غير عبادية، أن تكون مأذونة بالوحى بصورة خاصة أو عامة، فعدم الإذن-/ اذاً-/ دليل المنع، لأن منصب العون خاص بالله فضلًا عن المنع.
و من المأذونة بصورة عامة هو التعاون والاستعانة فى كافة الأمور والمشاغل الحَيَوية المباحة، وهى فى غير المباحة-/ فقط-/ غير مباحة دون شرك أو الحاد، الّا اذا اشركت باللهام استُقِلَّت بجنب الله.
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ
هل يصح «السراط» كما فى الشواذ؟ كلّا وان اتَّحد المعنى، حيث النص المتواتر هو «الصراط» مهما كان اصله اللغوى من سَرَط الطعام «1» .
و هو هنا الدين ككل لانه مؤَدٍّ الى استجب الثواب واستدفاع العقاب، طريقاً قاصداً ومنهجاً رائداً وبياناً زائداً يوصل الى الهدف المقصود.
إنهاخير دعاء واستدعاء فى قلب السبع الثانى وهى قلب الصلاة كما هى قلب العبادات فانها خير موضوع، وان لها خير موضع فى خير موضوع، فانها بعد خطوات المعرفة والعبودية والاستعانة، فلأن الدعاء هى مخُّ العبادة فلتكن فى مخ العبادة:
و انهادعاء لا يستغنى عنها أحد من عباد اللَّه حتى أسبق السابقين وأقرب المقربين محمد صلى الله عليه و آله وآله الطاهرين عليهم السلام فضلًا عمن دونهم من سائر المخلِصين والمخلَصين وعباد اللَّه أجمعين.
و لَان موقع الدعاء هو اقرب حالات القرب الى الله، فدعاء الهداية وهى قمة الدعاء
(1)-/ فى الدر المنثور 1: 14-/ اهدنا السراط بالسين عن عبدالله بن كثير وابن عباس وفى اسانيد عن ابن عباس «الصراط» وكما اخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبى عن ابى هريرة ان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قرء « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ».
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 51
اصبحت رابع الخطوات، بعد المعرفة الغائبة فى « بسم اللَّه -/ الى-/ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ » ثم الحاضرة بخالص العبادة فى «اياك نعبد» ثم اخرى هى بخالص الاستعانة، فلما اكتملنا خطواتنا الثلاث ووصلنا الى القمة المقصودة، فلكى نَثبت على ما نحن عليه من الهدى، ثم نستزيد هدى على هدى، نقول: « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ».
والهداية هى الدلالة بعطف ولطف بكل مرونة وازدهار دون أية خشونة واستكبار، وحتى بالنسبة لاكبر المستكبرين فرعون: « فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى » (20: 44).
ثم من الهدى-/ وهى رحمة عامة-/ تعنيها «الرحمن» وخاصة تعنيها «الرحيم» وهنا أخصّ تعنيها « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » والخلق فى مثلث الهدى درجات حسب الدرجات.
1-/ ورحمانية الهدى وهى تكوينيه لا سواها: « رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى » (20: 50) مهما اختلفت درجات الخلق وبمستواها هداها، وهى لزام كل خلق دونما حاجة الى استدعاء، فالقوانين المحكمة على المادة تكوينية دونما استثناء من كيماوية وفيزيائية، وفيزيولوجية نباتة ام حيوانية ام انسانية أمَّا هيه-/
و الكون كله على صراط مستقيم فى هذه الهداية الآلهية دونما تخلف واختلاف، حيث الربوبية الآلهية مستقيمة دون خلاف « إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (11: 56):
2-/ ومن ثم تكوينية رحيمية كما فى هدى العقل والفطرة: « وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ » (90:
10) وهما لكافة المكلفين من الملائكة والجِنة والناس اجمعين، امّن هم ممن لا نعرفهم؟ ونحن نطلب فيما نطلب تجلّى الفطرة وزيادة العقل، لكى نهتدى الى صراط مستقيم.
3-/ ام تشريعية ككلِّ شرعة الهية: هدىً للناس وبيّنات من الهدى والفرقان وهذان حاصلان لكل مكلف قدر تكليفه، فلولا هما لم تك من المصلين حتى تطلب الهداية، اذاً فلا دعاءَ لهما ولا استدعاء اللهم الّا تداوماً فيهما واستزادة أن يزيدنا لبّاً ونوراً وفرقاناً لتعرُّفٍ أعرف الى شرعته.
4-/ ام رحيمية تكوينية هى التوفيق لقبول الهداية لمن يتطلّبها: « فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 52
حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ » (7: 30) فكذلك الأمر، فلولا قبول الهدى لما اهتديت الى الصلاة:
5-/ ام هى واقع الهدى بعد الاهتداء اليها توفيقاً لمزيد الايمان وعمل الصالحات: « إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ » (10: 91) « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (5: 116) فهذه من أحسن الدعوات وافضل المستدعيات، لَان هديها من أفضل الهديّات.
6-/ ام هى التوفيق لدوام الهدى والثبات عليها بعد الوصول اليها: « أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » (60: 90) ومنها العصمة والتسديد فى البقا ء على هدي الصراط المستقيم: « وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» (17: 74) « وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا » (17: 86).
7-/ أم هى استزادة من هدى الصراط المستقيم: « وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً » حيث الرسول محمد صلى الله عليه و آله وهو « لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » يتطلب فى صلواته ليل نهار، هديَ الصراط المستقيم، فضلًا عمن دونه فى صراطه.
8-/ أم هى-/ أخيراً-/ صراط الجنة الأخرى على هدي الجنة الأولى، التى هى جُنة عن كل ضلالة فى الأولى والأخرى « وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ » (7: 43) وهى فى الاخرى جنتان ثانيتهما وأولاهما جنة المعرفة والرضوان « وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ».
فبالسبعة الاخيرة من هذه الثمان: عدد أبواب الجنان-/ نغلق ابواب النيران ونفتح ابواب الجنة الثمان: فأولى الهدى هى الفطرة والعقل، غير مكسوفة بطوع الهوى، واخراها هى لمن بلغوا الذروة من الرعيل الأعلى وبينهما متوسطات، ولكّلٍ نصيب مما كسبوا وما ربك بضلام للعبيد، والعطيات حسب القابليات، والطرق الى اللَّه بعدد أنفاس الخلائق، فما من أحدٍ الّا وهو يحتاج هدى الصراط المستقيم.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 53
و لماذا نطلب هداية الصراط المستقيم، دون الهداية «الى» ام «على» ام «ل»؟ علّه لان الهداية «الى» لا تعم الهداية «على» وهى الحيطة الشاملة على الصراط المستقيم، فانها واقع الهدى لا السبيل اليها، والرسول صلى الله عليه و آله هو على صراط مستقيم، مهما كان اليه فى البداية: « قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (6: 161) فقد كان اليه ثم اصبح عليه فكيف يتطلب «اهدنا- الى او على- الصراط المستقيم» ثم الهداية «على» تخص اهليها الخصوص، والهداية «ل» امر بين امرين، و دعاء الهداية فى الصلاة تعم عامة المصلين، وأما هدى الصراط المستقيم فهو يعم مثلث الهدى!
فهدُى الصراط المستقيم فى مثلثٍ ولكلٍّ درجاتٌ، ولان دعاء الهداية عامة فلتشمل كافة المتطلبين، حتى ومن هو على صراط مستقيم، ام هو هو صراط مستقيم حيث يهدى اليه « وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (42: 52).
اذاً ف « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » تعم الهداية «الى» و «ل» و «على» ثم وأعلى منها كالرسول صلى الله عليه و آله وذويه الذين هم-/ فعلًا-/ على صراط مستقيم.
والجمع فى «اهدنا» كما الجمع فى «نعبد ونستعين» يجمع فى دعاء الهداية كل العابدينو المستعينين اللَّه فى مثلث الدرجات، من هو مثلك او دونك ام فوقك، وحاشى لله ان يستجيبك فيمن فوقك كما هى طبيعة الحال، ثم يتركك بمن هو مثلك او دونك على ما أنتم، وهذه من أسس الدعاء أن نجمع الى انفسنا غيرنا من صالحين وطالحين، ليستفيد الطالحون، ويفيدنا الصالحون.
كما «الصراط المستقيم» دون اليه او عليه لمحة الى ان القصد دمجنا فى الصراط المستقيم، ودمجه فينا حتى نصبح نحن الصراط المستقيم، ولكى نثبت عليه ونهدي اليه، فى أية درجة من مدارجه.
و نحن نطلب هداية الدلالة والتوفيق والايصال لما لم نصله حتى الآن، والتثبيت على اصل الهدى التى وصلناها حتى الآن، تثبيتاً حتى لا نرجع القهقرى، ودلالة لما فوقها بمعنييها
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 54
تكاملًا اليها، فنحن-/ اذاً-/ فى أبعاد اربعة من تطلُّب الهدى.
و الصراط-/ كما السراط-/ من سرط الطعام اذا ابتلعه وزرده بسهولة ودون ابقاء، فهو السبيل المستسهلة السوية التى يبتلعها سالكها او تبتلعه، منحدرة الى المقصود، ضامنة لسالكها ان ينحدر ولا ينهدر.
و المذكور منه فى ساير القرآن (45) مرة، موصوفاً فى كله بالمستقيم او ما يعنى معناه كالعزيز الحميد (14: 1) « الْحَمِيدِ » (22: 24) ام « سَواءِ الصِّراطِ » (38: 22)-/ « صِراطاً سَوِيًّا » (19: 43) مما يدل على أن هناك صراطاً غير مستقيم ولا سوى، مضاداً لصراط العزيز الحميد كصراط الجحيم: « احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ » (37: 23) فهو-/ اذاً-/ صراط المغضوب عليهم ويتلوه صراط الضالين.
فصراط المغضوب عليهم الى الشيطان ثم الى الجحيم بسرطهم ابتلاعاً دون ابقاء، فيوصلهم بلا هوادة الى الجحيم.
ثم الضالين يسرطهم صراطهم ابتلاعاً فى ابتلاء الضلال فلا يدعهم يهتدوا، فهم من « بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً »
فقد انقسم الصراط الى ثلاثة نهتدى الى قسم المستقيم « غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ »
فهنا طريق ثم سبيل ومن ثم صراط هو أبلجه وأنهجه، وهو المستقيم للمنعم عليهم.
فالطريق هى التى تُطرق ويُمشى عليها باستواء او ارتفاع ام انحدار، فمنها ما هى الى الجنة « يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ » (46: 30) وما هى الى النار: « إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً » (4: 196) ثم هى بين طريق باطن كما هما، ام وظاهر: « فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً » (20: 77).
والسبيل هى الطريق المنحدرة المسبَّلة للسالكين فهى أخص من الطريق واكثر استعمالًا فى غير الظاهر، وأسهل سلوكاً للسالكين، ولكنها-/ على انحدارها-/ قد توصل الى المنزل
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 55
المقصود بسهولة او صعوبة وقد لا توصل، فلذلك قد تجمع كما الطريق، فليست واحدة الّا طريق او سبيل مستقيم:
« وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » (6: 153)
فالسبل منها سبل السلام ومنها دون ذلك، والصراط المستقيم الى الحق سلام وليس دون ذلك: « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (5: 116) فسبل السلام هى درجات لا تخلو الّا واحدة منها من ظلمات يخرجهم اللَّه منها فيستخلصون الى صراط مستقيم ليس فيه أىّ ظلام، مهما كان هو أيضاً درجات حسب الدرجات.
فبين نقطة العبودية والربوبية صراط مستقيم بين سبل السلام، كما هى بين كافة السبل، ومن ثم هى ايضاً بين كافة الطرق.
خط مستقيم لا عوج له ولا حِوَل عنه، بين سائر الخطوط الملتوية، منحنية او منكسرة، موصلة على عقباتها ام غير موصلة.
و للصراط المستقيم درجات أعلاها صراط الرب ف « إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (11: 56) صراط يخصه لربوبيته لا شريك له فيه ولا يشرك فيه أحداً، اذاً فلسنا نطلبه من ربنا ولا اوّلُ العابدين، وكما لسنا لنطلب صراط الهدى التكوينية الرحمانية الاولى فانها كائنة لزام كل خلق على أية حال! واين صراط من صراط؟
وأدناها «الصورة الانسانية التى هى الطريق الى كل خير والجسر الممدود بين الجنة والنار» ظرفاً صالحاً كأصلح ما يكون لتطلُّب الصراط المستقيم، ولكنها كائنة لكل انسان اياً كان، وحتى من انكدرت فطرته وغرب عقله فهذا يستدعى ربه أن يهديه الى صورته الانسانية حتى يهتدى بها الى صراط مستقيم، ولان الصورة الانسانية درجات سبع من الروح والفطرة والعقل والصدر والقلب واللب والفؤاد، فالمستدعاة منها-/ اذاً-/ لكلٍّ صورة تلو بعض، ليستعد السالك براحلته فى هذه الرحلة المدرسية العالية، معرفة بربه ثم عبودية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 56
اذ لا عبودية الا بعد شىءٍ من المعرفة تجذب الى عبودية.
و بينهما متوسطات من الصراط، كصراط العبودية: « إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ » (3: 51) وهذا الصراط لزامٌ عشير منذ الاول حتى الأخير راحلة ووسيلة وغاية، فبأقدام العبودية والمعرفة يحضر العبد محضر الربوبية الذى هو الصراط المستقيم:
و هو اعتصام بالله: « وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (3: 101) فلا عصمة فى هذه الرحلة دون اعتصام بالله الّا انفصاماً عن العروة الوثقى، ولا اعتصام الا بعصمة المعرفة والعبودية.
كما الاعتصام والايمان به ذريعة الى صراط أعلى مستقيم: « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً » (4:
175) فلا اعتصام الا بايمان كما لا ايمان الا باعتصام بعشيريهما المعرفة والعبودية.
و هذه كلها لا تحصل الّا على ضوء هدى القرآن: « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (5: 16) حيث القرآن أقرب السبل الواضحة المعصومة من الله الى الله، يعرفنا كيف نؤمن بالله و نعتصم بالله و نعرف الله و نعبد الله، مخطئين كل خالجة خارجة عن الحق فى هذه الرحلة.
و الا على هدى رسول القرآن: « وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (42: 52) حيث الرسول كما القرآن بيان من اللَّه يبين القرآن ويفسره، وفى سنته ما لا يتوضح من القرآن، فهو صراط مستقيم، كما القرآن، يهديان الى صراط مستقيم.