کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 55
المقصود بسهولة او صعوبة وقد لا توصل، فلذلك قد تجمع كما الطريق، فليست واحدة الّا طريق او سبيل مستقيم:
« وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ » (6: 153)
فالسبل منها سبل السلام ومنها دون ذلك، والصراط المستقيم الى الحق سلام وليس دون ذلك: « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (5: 116) فسبل السلام هى درجات لا تخلو الّا واحدة منها من ظلمات يخرجهم اللَّه منها فيستخلصون الى صراط مستقيم ليس فيه أىّ ظلام، مهما كان هو أيضاً درجات حسب الدرجات.
فبين نقطة العبودية والربوبية صراط مستقيم بين سبل السلام، كما هى بين كافة السبل، ومن ثم هى ايضاً بين كافة الطرق.
خط مستقيم لا عوج له ولا حِوَل عنه، بين سائر الخطوط الملتوية، منحنية او منكسرة، موصلة على عقباتها ام غير موصلة.
و للصراط المستقيم درجات أعلاها صراط الرب ف « إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (11: 56) صراط يخصه لربوبيته لا شريك له فيه ولا يشرك فيه أحداً، اذاً فلسنا نطلبه من ربنا ولا اوّلُ العابدين، وكما لسنا لنطلب صراط الهدى التكوينية الرحمانية الاولى فانها كائنة لزام كل خلق على أية حال! واين صراط من صراط؟
وأدناها «الصورة الانسانية التى هى الطريق الى كل خير والجسر الممدود بين الجنة والنار» ظرفاً صالحاً كأصلح ما يكون لتطلُّب الصراط المستقيم، ولكنها كائنة لكل انسان اياً كان، وحتى من انكدرت فطرته وغرب عقله فهذا يستدعى ربه أن يهديه الى صورته الانسانية حتى يهتدى بها الى صراط مستقيم، ولان الصورة الانسانية درجات سبع من الروح والفطرة والعقل والصدر والقلب واللب والفؤاد، فالمستدعاة منها-/ اذاً-/ لكلٍّ صورة تلو بعض، ليستعد السالك براحلته فى هذه الرحلة المدرسية العالية، معرفة بربه ثم عبودية
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 56
اذ لا عبودية الا بعد شىءٍ من المعرفة تجذب الى عبودية.
و بينهما متوسطات من الصراط، كصراط العبودية: « إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ » (3: 51) وهذا الصراط لزامٌ عشير منذ الاول حتى الأخير راحلة ووسيلة وغاية، فبأقدام العبودية والمعرفة يحضر العبد محضر الربوبية الذى هو الصراط المستقيم:
و هو اعتصام بالله: « وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (3: 101) فلا عصمة فى هذه الرحلة دون اعتصام بالله الّا انفصاماً عن العروة الوثقى، ولا اعتصام الا بعصمة المعرفة والعبودية.
كما الاعتصام والايمان به ذريعة الى صراط أعلى مستقيم: « فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً » (4:
175) فلا اعتصام الا بايمان كما لا ايمان الا باعتصام بعشيريهما المعرفة والعبودية.
و هذه كلها لا تحصل الّا على ضوء هدى القرآن: « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (5: 16) حيث القرآن أقرب السبل الواضحة المعصومة من الله الى الله، يعرفنا كيف نؤمن بالله و نعتصم بالله و نعرف الله و نعبد الله، مخطئين كل خالجة خارجة عن الحق فى هذه الرحلة.
و الا على هدى رسول القرآن: « وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » (42: 52) حيث الرسول كما القرآن بيان من اللَّه يبين القرآن ويفسره، وفى سنته ما لا يتوضح من القرآن، فهو صراط مستقيم، كما القرآن، يهديان الى صراط مستقيم.
ثم الاسلام المطلق بالعبودية الضافية والتوحيد بالمعرفة الصافية هما الصراط المستقيم، نتذرَّع اليهما بالصورة الانسانية وبالعبودية والايمان والاعتصام بالله، على ضوء هدي القرآن ونبى القرآن: « فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 57
عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (125) «وَ هذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ » (6: 126) « قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » (6: 161) فالهدف هنا ليس هو الرسول والقرآن، فانما هما بما معهما من وسائل زادٌ للسالك الى الصراط المستقيم: اسلام التوحيد وتوحيد الاسلام، كما والصورة الانسانية هى الظرف والراحلة، ولكل درجات حسب درجات السالكين.
فالرسول الهادى الى صراط مستقيم وهو على صراط مستقيم، ليس ليتطلب لنفسه ما هو عليه ويهدى اليه، وانما صراطاً مستقيماً أعلى لنفسه، كما الاستمرار على صراطه المستقيم، ثم وصراطاً مستقيماً يهدى اليه لمن دونه، فهو-/ اذاً-/ فى مثلث الدعاء لمثلث الصراط له ولآخرين، وقد يجمعها « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ » (3: 8) فى بعدى التثبيت والاستزادة، وكما يروى انه «استرشاد لدينه واعتصام بحبله واستزادة فى المعرفة لربه عزوجل وكبرياءه وعظمته» «1» و «ادم لنا توفيقك الذى به اطعناك فيما مضى من أيامنا حتى نطيعك كذلك فى مستقبل اعمارنا .. وهو ما قصر عن العلو وارتفع عن التقصير فاستقام فلم يعدل الى شىءٍ من الباطل» «2» و «أرشدنا للزوم الطريق المؤدى الى محبتك والمبلِّغ دينك والمانع من أن نتبع أهواءنا فنعطب او نأخذ بآرائنا فنهلك» «3»
كل ذلك يعنيها الرسول فى «اهدنا» لغيره تحصيلًا لما قصروا عنه وتثبيتاً لما حصلوا عليه، ولنفسه تداوماً لعصمته وتكاملًا لمعرفته.
و نحن ايضاً مع الرسول نتطلب لا نفسنا وله ولمن دوننا من هذه السبعة من الصورة الانسانية-/ العبودية-/ الايمان الاعتصام بالله-/ كتاب اللَّه-/ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الاسلام لله وتوحيد الله، سبعة فى قلب السبع الثانى يجمعها «الصراط المستقيم» ولكلٍّ درجات، كما
(1)-/ تفسير البرهان 1: 51 عن ابن بابويه فى الفقيه عن الامام الصادق عليه السلام.
(2)-/ المصدر عن الامام امير المؤمنين عليه السلام.
(3)-/ المصدر عن الامام الرضا عليه السلام.
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 58
لكلٍّ اهل، فلا يستغني عنها ككل اىٌ من العالمين وحتى اول العابدين، حيث يطلب لنفسه، استدامة ما هو عليه واستكماله، ولآخرين ما ينقصهم من درجات الصراط المستقيم.
و ان كانت هذه السبع بين درجات ثلاث من اصل الصراط المستقيم كالعبودية الخالصة لله، والاسلام له والتوحيد الخالص والمعرفة به ومن الذرايع اليه، وهى الى الصراط المستقيم، كالايمان والاعتصام بالله وعبوديته على ضوء القرآن بنبى القرآن، ومن الظرف الصالح له كالصورة الانسانية فانها راحلة للسالك، فكيف تُطرق الطريق دون اية راحلة صالحة، والعبودية وسيلة هى احرى منها غايةً، حيث الغاية هى الزلفى والمعرفة، ولكن العبودية هى لزامها على طول الخط، فكلما ازدادت العبودية ازدادت المعرفة وكلما ازدادت المعرفة ازدادت العبودية.
فاسلام التوحيد وتوحيد الاسلام بمعرفة وعبودية قمة هى الغاية المقصودة، وغيرها بين ظرف ووسيلة.
فالاسلام التام هو العبودية التامة، والتوحيد التام هو المعرفة التامة.
ف «اياك نعبد» يمثِّل الأولى الغاية، و «اياك نستعين» الثانية الوسيلة، والعبد يمثل الظرف:
الثالثة، بالفطرة والعقلية السليمة حيت تتقبل هذه وتلك.
و لان النص هنا « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » فقد يشمل مثلث الصراط بمسبعه، به واليه واياه، فاكمِل بها دعاءً وأجمِل.
ثم فاعتراف الجمع فى «نعبد ونستعين» والدعاء للجمع فى « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » ذلك الجمع المثلث هو قاعدة الايمان الجماعى التى تمثل جامعية الاسلام واجتماعيته حتى وفى صلاته حيث تضم ضمن الصَلاةِ لله صِلاتِ بعباد الله:
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ
و النعمة-/ كسراً-/ هى الحالة الحسنة: حسيةً وروحيةً، تأنى فى سائر القرآن (34) مرة وهى فتحاً-/ حالة رديئة، تقليباً لنعمة اللَّه كفراً ونعمة: « وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ (26) وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ » (44: 27) « وَ ذَرْنِي وَ الْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَ مَهِّلْهُمْ
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 59
قَلِيلًا » (73: 11)
و هل تصح «سراط مَن أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين»؟ كما قرء فى الشواذ «1» قطعاً لا، لمخالفتها النص المتواتر فى القرآن مهما اتحد المعنى أو صح اللفظ وهوهنا لا يصح.
فلأن الصراط قد يكون مستقيماً بين نقطتى العبودية والربوبية، ام غير مستقيم يفرِّق بالسالك عن سبيل اللَّه او يحرِّجه، أم هو بين نقطة العبودية والشيطنة وهو صراط الجحيم، لذلك يعرَّف هنا بإثبات وسلبين، فالإثبات يتكفل إستقامة، والسلب الاوَّل لما يقابله من صراط الشيطان، والثانى هو العوان بينهما قضيةَ الضلال، فلا الى الحق عارفاً ولا الى الضلال عامداً، مذبذباً بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء!
فانما المستدعاة هنا هى صراط المنعم عليهم، دون المغضوب عليهم الذين يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها: « وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا » (27: 14) يعرفون الحق ثم يحيدون عنه كأنهم لا يعرفون أو يعرفون باطلًا، ودون الذين ضلوا عن الحق قاصرين او مقصرين فلم يهتدوا اليه.
و لأن الهدى هى الروحية، والصراط الحق المستقيم هنا هو الموصل الى حقها وحاقها، وأن نعم الدنيا تعم المغضوب عليهم والضالين، اذاً ف «انعمت عليهم» تعنى النعمة القمة الروحية، ولانها لم تقيد هنا بقسم دون آخر فهى مطلق النعم السابغة الروحية.
من الصورة الانسانية جسراً الى كل نعمة، والايمان والاعتصام بالله فى صحبة العبودية الصالحة، والاسلام لله وتوحيده على ضوء كتاب الشرعة وسنة رسولها، وافضل النماذج السابقة السابغة للمنعم عليهم-/ على مختلف درجاتهم-/ هم: النبيون والصديقون والشهداء
(1)-/ فى الدر المنثور: 15 بسند عن عمر بن الخطاب ان كان يقرأ: «سراط من انعمت عليهم غير المغضوب عليهموغير الضالين» وعن عبدالله بن الزبير مثله الافى «سراط» وكما عن عكرمة والاسود مثله، وفى نور الثقلين 1: 24 ج 106 تفسير القمى حدثنى ابى عن حماد عن حريز عن ابى عبدالله عليه السلام انه قرأ «صراط من انعمت عليهم غير المغضوب عليهم وغير الضالين» قال: المغضوب عليهم النصاب والضالين اليهود والنصارى، وعنه عن ابن ابى عمير عن ابن اذينة عن ابى عبدالله عليه السلام «غير المغضوب عليهم و غير الضالين».
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 60
و الصالحون: « فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65) وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68) وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً » (4: 70).
هنا نجد القمة العليا بين المنعم عليهم وهو الرسول محمد صلى الله عليه و آله فمن يطع اللَّه والرسول فاولئك مع هؤلاء المنعم عليهم فى تلكَ الطاعة مهما اختلفت المرتبة وكما هم درجات، النبيون اعلاهم والصالحون ادناهم، والصديقون والشهداء اوسطهم، وهم كلهم برِفاقهم المطيعين لله والرسول، عائشون تحت ظل ظليل من هذا الرسول العظيم، وهو على عظمه وصراطه القمة المقتدى به يتطلب فى صلواته ليل نهار: « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ »!
و كيف لا يكون هو صراطاً ومطاعاً للمنعم عليهم طول الزمان وعرض المكان، وقد كانت نبواتهم وكتاباتهم مشروطة بالايمان به ونصرته، فهو اوّلهم ميثاقاً وخاتمهم مبعثاً:
و نرى فى سردٍ حكيم فى الذكر الحكيم للأولين من مربع المنعم عليهم، عديداً من النبيين:
كزكريا-/ يحيى-/ عيسى-/ ابراهيم-/ اسحاق-/ يعقوب-/ موسى-/ اسماعيل وادريس « إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (56) وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (57) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا » (19: 58)
و علّ ممن هدينا واجتبينا من لم يُذكروا من النبيين، وكذلك الصديقين والشهداء
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج1، ص: 61
والصالحين.
ثم النعمة للاولين وأضرابهم من المعصومين كالصديقين، هى نعمة العصمة على درجاتها، فانهم كانوا على صراط مستقيم، هادين الى صراط مستقيم.
والمعيَّة المعنية هنا لمن يطع اللَّه والرسول هى المعية فى أصل الصراط، لا سيما وان الصراط المستقيم الى اللَّه واحد، مهما كان الطرق الى اللَّه بعدد أنفاس الخلائق، والصراط المستقيم-/ على أية حال-/ هو سلالة ما تستهدفه رسالات اللَّه وكتاباته، ويحمله رسل اللَّه كائنين عليه دالين اليه، فلولا الرسول لم يكن قرآن ولا اسلام التوحيد وتوحيد الاسلام، ولا صورة انسانية جادة ولا اعتصام تام بالله ولا عبودية صالحة.
اذاً فالرسول يمثِّل الصراط المستقيم، كما أن صِنوه، ومثيله الذى صنعه على مثاله، وبنيه المعصومين من بَعده، هم الصراط المستقيم بعده كما فى متظافر الروايات.
فطالما النبيون ومن ثَم الصديقون هم على صراط مستقيم، الّا أن لكلٍّ درجاتٍ: « وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ » فالأمة الاسلامية تتطلب الهدى الى صراط الصديقين، وهم طالبون صراط محمد خاتم النبيين صلى الله عليه و آله، وكما سائر النبيين يطلبون صراطه ويؤمنون به قبل ابتعائه، فكلٌ الى ذاك الجمال يشير.
لذلك نرى أن الصراط المطلوب لنا فى صلواتنا هو «صراط محمد وآله» «1» كما يرويه
(1)-/ اخرج الثعلبى فى الكشف والبيان فى الآية قال مسلم بن حيان سمعت ابا بريدة بقول: صراط محمد وآله، وفىتفسير وكيع بن جراح عن سفيان الثورى عن السدى عن اسباط ومجاهد عن عبدالله بن عباس فى الآية قال: قولوا معاشر العباد: ارشدنا الى حب محمد واهل بيته، واخرج الحموى فى فرائد السمطين باسناده عن اصبغ بن نباتة عن على عليه السلام فى قوله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ » قال: الصراط ولا يتنا اهل البيت، واخرج ابن عدى والديلمى فى الصواعق ص 111 عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: اثبتكم على الصراط اشدكم حباً لاهل بيتى واخرج شيخ الاسلام الحموى باسنادة فى فرائد السمطين فى حديث عن الامام جعفر الصادق عليه السلام قوله: نحن خيرة بالله ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم الى الله، اخرج ابو سعيد فى شرف النبوة عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: انا واهل بيتى شجرة فى الجنة واغصانها فى الدنيا فمن تمسك بنا اتخذ الى ربه سبيلًا (ذخائر العقبى ص 16)، واخرجه مثله الحافظ الحسكانى فى شواهد التنزيل (1: 57) بسند متصل عن ابى بريدة وبسند آخر عن ابن عباس وثالث عنه قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لعلى بن ابى طالب: انت الطريق الواضح وانت الصراط المستقيم وانت يعسوب الدين، وبسند رابع عن جابر بن عبدالله قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ان اللَّه جعل علياً وزوجته وابناءه حجج اللَّه على خلقه وهم ابواب العلم فى امَّتى من اهتدى بهم هدى الى صراط مستقيم.
و من طريق اهل البيت فى عيون الاخبار ص 35-/ 36 باسنادة عن سيد العابدين على بن الحسين عليه السلام قال: ليس بين اللَّه وبين حجته حجاب ولا لله دون حجته ستر، نحن ابواب اللَّه ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه ونحن تراجمة وحيه ونحن اركان توحيده ونحن موضع سره.
و فيه عن جعفر بن محمد عليه السلام فى « صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ » يعنى محمداً وذريته.
و فى امالى الصدوق (ص 173) عن النبى صلى الله عليه و آله من سره ان يجوز على الصراط كالريح العاصف ويلج الجنة بغير حساب فليتول وليى ووصيى وصاحبى وخليفتى على امتى على بن ابى طالب ومن سره ان يلج النار فليترك ولايته فوعزة ربى جل جلاله انه باب الذى لا يؤتى الا منه وانه الصراط المستقيم وانه الذى يسأل اللَّه عن ولايته يوم القيامة، واخرج ابن شهر آشوب فى المناقب ج 3: 72 عن ابراهيم الثقفى باسناده عن ابى برزة الاسلمى قال قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فى الآية، ان هذا صراطى مستقيماً فاتبعوه «سألت اللَّه ان يجعلها لعلى ففعل، ورواه مثله المجلسى فى البحار ج 35: 364 والسيد البحرانى فى غاية المرام ج 1: 247 عن الروضة لابن الفارسى وروى محمد بن الحسن الصفار باسناده عن ابى حمزة الثمالى فى الآية قال: هو والله على هو والله الميزان والصراط (غاية المرام ج 1، 246).