کتابخانه تفاسیر
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 287
ذلك ولكن طليق الشهداء يشملهم بمالهم من الزلفى عند اللَّه، الفائقة على سائر الصالحين: «وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» «1» . فهم- إذاً- فوق الصالحين الذين لم يُقتلوا في سبيل اللَّه، فهم- إذاً- من هؤلاء الشهداء.
وقسم ثالث من «الشهداء» هم شهداء الحق بمالهم من مكانة معرفية وعملية في شرعة اللَّه «إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» «2» وهم الشفعاء الخصوص وكذلك سائر الشهداء للَّه: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ» «3» - «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا» «4» .
فهم سائر المؤمنين العالين في درجات الإيمان قدر ما يصلح كونهم من أصحاب الصراط المستقيم، الذين نتطلب هدي صراطهم في صلواتنا ليل نهار.
ف «الشهداء» في طليق القول مهما تعم كل شهداء الأعمال والمستشهدين في سبيل اللَّه نبيين او صديقين وشهداء الحق ولكنهم هنا غيرهما لقرنهم بهما، وكذلك «الصالحين».
فهذه المقارنة المربعة تجعل كلًا من هؤلاء الأربع على حدِّه، مهما اجتمعت كل هذه المواصفات او بعضها في البعض من هؤلاء الأكارم.
وطليق «وَ الشُّهَداءِ» يشمل هؤلاء الثلاث مهما كانوا درجات ثلاث، فالصالحون الذين ليسوا بشهداء بأيٍّ من هذه المعاني الثلاثة هم المعنيون ب «الصَّالِحِينَ» هنا.
فالأنبياء المستشهدون في سبيل اللَّه وهم شهداء الأعمال وشهداء الحق، وهم صديقون عند اللَّه، وهم صالحون، هؤلاء هم أصدق مصاديق المنعم عليهم، ويرأسهم خاتمهم صلى الله عليه و آله «ماتَ أَوْ قُتِلَ» .
والصديقون الشهداء في أبعادها الثلاثة وهم الصالحون القمة بعد النبيين، هؤلاء في الدرجة الثانية، والشهداء بأبعادها هم بعد هؤلاء الصديقين، ثم الصالحون.
(1)). 3: 169
(2)). 43: 86.
(3)). 4: 135
(4). 5: 8
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 288
والائمة من أهل بيت الرسالة المحمدية هم مجمع الثلاثة الأخر، فإنهم الصديقون والأوَّلون بهذه الرسالة القدسية، وهم الشهداء بعد الرسول صلى الله عليه و آله ووسطاء بينه وبين الأمة:
«وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» «1» فانه «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» «2» وهم المستشهدون في سبيل اللَّه.
ثم وهم أصلح الصاحين بعد الرسول صلى الله عليه و آله، إذاً فهم الذروة العليا بعد الرسول صلى الله عليه و آله وأفضل من كافة النبيين والشهداء والصالحين.
فأول المنعم عليهم من أصحاب الصراط المستقيم هو أوّل العابدين وقد جمعت له الرسالات الإلهية وهو افضل الصديقين والشهداء والصالحين، ثم عترته المعصومون الجامعون لهذه المواصفات الثلاث، ثم النبيون والشهداء والصالحون «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» .
ثم الصديقون الذين ليسوا بأنبياء وهم شهداء وصالحون كأفضلهم، ثم الشهداء غير البالغين درجة الصديقين وهم أفضل الصالحين.
ثم الصالحون، وهم ليسوا نبيين ولا في قمة التصديق والشهادة.
فلكل من هؤلاء الأربع درجات اجتمعت كلها في أهل بيت الرسالة المحمدية صلى الله عليه و آله.
ولماذا هنا «رَفِيقاً» بإفراد؟ وقضية الأربع، وكلٌّ مع ذلك جمع فهم جموع: «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» !.
علّه أدبياً لأن الرفيق تأتي للجمع كما المفرد، ومن ثم معنوياً لأنهم واحد في أصل النعمة وهي الصراط المستقيم مهما اختلفت درجاتهم، كما الرسل والرسالات واحدة وهم وهي عدة، لأنها سلسلة واحدة موصولة على مدار التاريخ الرسالي.
ولرؤوس الزاوية من مربع المنعم عليهم مكانتهم العليا وكما يذكر في الذكر الحكيم عديد منهم هم: زكريا- يحيى- عيسى- إبراهيم- اسحاق- يعقوب- موسى- اسماعيل
(1)). 2: 143
(2). 22: 78
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 289
وطبيعة الحال في التدرج الى نعمة الصراط المستقيم أن يتطلب كلٌّ المزيد مما هو عليه، فغير الصالح يتطلب صراط الصالحين، والصالحون يتطلبون صراط الشهداء والشهداء يتطلبون صراط الصديقين والصديقون يتطلبون صراط النبيين والنبيون بسائر اصحاب الصراط والمتطلبين صراطهم يتطلبون صراط اوّل العابدين وهو نفسه يتطلب الدوام على صراطه والمزيد منه وكما أمره ربه «وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً».
فلا وقفة لعجلة التطلب في هدي الصراط المستقيم فإن حق المعرفة والعبودية لا نهاية لهما، والعباد هم دوماً سائرون إلى صراط فصائرون إليه ثم سائرون الى ما فوقه فصائرون، وإلى ما لا حدَّ له.
وليس طلب الهدي إلى الصراط المستقيم محدداً بهذه الحياة القصيرة الزائلة، بل هو بأحرى جار متواتر بعد الموت ثم القيامة الكبرى فإنما الدنيا مزرعة للأخرى فكيف تُحرم في الأخرى عما زرعتَه في الأولى.
ثم الصديقون وهم الدرجة الثانية في ذلك المربع هم أهل بيت الرسالة المحمدية كأصدق مصاديقهم «2» مهما شملت سائر خلفاء النبيين رسلًا وسواهم، أم وغير الخلفاء
(1). 19: 58
(2)). لقد تواتر الحديث من طريق الفريقين أن علياً عليه السلام هو أول الصديقين ومن طريق اخواننا نذكر زهاء أربعين منالفطاحل الذين نقلوا أو أخرجوا تفسير الصديقين بعلي عليه السلام:
منهم أحمد بن حنبل في الفضائل 165- عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: الصديقون ثلاثة حبيب البحار وهو مؤمن آل يس وحزقيل وهو مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب عليه السلام وهو أفضلهم.
ومنهم الثعلبي في تفسيره كما في العمدة لأبن بطريق 112 عن عبد بن عبداللَّه قال سمعت علياً عليه السلام يقول: انا عبداللَّه وأخو رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كلُّ مفتر صليت قبل الناس سبع سنين.
ومنهم ابن المغازلي الواسطي كما في المعدة لأبن بطريق 113، والرازي في تفسيره 27: 57، وابن حجر الهيتمي في الصواعق 123 والكشفي الترمذي في مناقب مرتضوي 55 والشيخ سليمان القندوزي في ينابيع المودة 124، والواحدي في أسباب النزول 64، وأبو نعيم الاصبهاني في «ما نزل في شأن علي» وفي كتابه «منقبة المطهرين» والسيد علي الهمداني في «الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» وابن المغازلي وابن فورك وإبراهيم الحمويني وصاحب صخائص علوي والماوردي والقشيري والثماني والنقاش والقفال وعبداللَّه الحسين كلهم على ما في اللوامع والزمخشري في الكشاف 1: 164 والخازن في تفسيره 1: 249 وابن الأثير في أسد الغابة 4: 25 والطبري في ذخائر العقبى 88 وسبط ابن الجوزي في التذكرة 17 والكنجي في كفاية الطالب 108 والرياض النضرة 206 والقرطبي في تفسيره 3: 347 وغياث بن همام في جيب السير 2: 12 وأبو حيان في البحر المحيط وابن أبي الحديد في شرح النهج 1: 7 والهيتمي في مجمع الزوائد 6: 324 والسيوطي في الدر المنثور 1: 363 وفي لباب النقول في أسباب النزول 42 والشوكاني في فتح القدير 1: 265 والشبلنجي في نور الأبصار 105 والشافعي في مسنده 2: 97 والبخاري في صحيحه 6: 102
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 290
كمريم وفاطمة الصديقة الكبرى عليها السلام.
وهذه المعية اللّامعة ليست فقط في الحياة الدنيا، بل وبأحرى في جنة المأوى وكما يروى عن رسول الهدى صلى الله عليه و آله «1» ، ولا تعني أنهم في درجتهم، بل هم ملحقون بهم تابعين.
ثم الطالبون لهدى صراط المنعم عليهم هم في بداية الأمر معهم ولمّا يصلوا إلى ما هم واصلون، فإذا وصلوا فهم منهم، فالواصل إلى درجة الصالحين هو منهم ومع الشهداء، فإذا وصلوا إلى هدي الشهداء فهم منهم ومع الصديقين، فإذا وصلوا إلى هديهم فهو منهم ومع النبيين، فإذا أصبحوا منهم فهم منهم ثم يتطلبون صراطاً فوقهم كصراط أوّل العابدين، كما أنه يتطلب في «اهْدِنَا» الثباتَ على صراطه والإرتقاء منه إلى ما فوقه فالطرق إلى اللَّه بعدد انفاس الخلائق.
«ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» «2» .
«ذلِكَ» البعيد المدى، العريق الهدى من هدي الصراط المستقيم ولحوقاً بأهله «الْفَضْلُ» كل الفضل «مِنَ اللَّهِ» لا سواه إلا كما سعاه، فاللَّه هداه كما سعاه «وَ كَفى بِاللَّهِ عَلِيماً» «عَلِيماً» بموارد فضله قابلية وفاعلية.
و «الْفَضْلُ» هنا ذو وجهين اثنتين، فهو مشار إليه وذلك معه مبتدءٌ و «مِنَ اللَّهِ» خبره، أم هو الخبر والمشار إليه هو المتقدم ذكره من إيمان بشروطه ونعمة الصراط المستقيم والهدي إليه والمعية المشرفة للذين يطيعون اللَّه والرسول صلى الله عليه و آله معهم.
ف «الْفَضْلُ» محلًّى باللّام يستغرق كل فضل، وهو خبر «ذلِكَ» و «مِنَ اللَّهِ» خبر له ثان أم وصف ل «الْفَضْلُ» .
(1). الدر المنثور 2: 182
(2). سورة النساء، الآية: 70
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 291
محمد صلى الله عليه و آله هو المنذر وعلى وعترته المعصومون هم لكلقوم هادون
لقد طعنوا في نبوته بنكران الحشر أولًا، وباستعجال عذاب الإستئصال ثانياً، وهنا يستأصلونها- في زعمهم- أن ليست لنبوته آية ثالثاً- وبذلك الثالوث المنحوس يظنونهم غالبين! ولم يأتوا فيها بشيء مبين إلّا شبهات واهية وادعاآت خاوية!.
«لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ» هي مقالة الناكرين لهذه الرسالة السامية، وليست هي من آيات الشرعة التدوينية فهنالك القرآن أفضل آية! إذاً فهي آية تكوينية لرسالته كما اوتي رسل اللَّه من قبل: «وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ...» «2» فقد كانت له آيات تكوينية عابرة على ضوء آية القرآن القمة الاصيلة، ولكنهم كانوا يتطلبون منه آية كما أوتي رسل اللَّه، تعذيبية مدمرة، ام ارشادية مقترحة كما يشتهون، وهذه الآية كأضرابها اجابة قاطعة عما كانوا يقترحون، فعن آيات مستأصلة: «وَ ما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً» «3» «4» وعن سائر الآيات الحسية العابرة «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» فتلك الآيات الغابرة كانت تهدي من له شرعة عابرة، ولكنما الشرعة الدائبة القرآنية فآيتها دائبة كما هيه، فلا تكون- إذاً- كما ارسل الاولون.
وعن مطلق الآيات المقترحة أياً كانت «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ» دونما اصالة في الاتيان بآية، ام وكالة عن اللَّه في أية آية: «وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها
(1). سورة الرعد، الآية: 7
(2)). 6: 124
(3)). 17: 59
(4). راجع تفسيرها في «الفرقان» في الاسراء
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 292
قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَ ما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ» «1» .
طبيعة آيات الرسالات ان تدل على صادق الوحي تدوينية كانت ام تكوينية، تخويفية أمّاهيه، فانما الغاية المقصودة منها هي الحجة البالغة الإلهية، فليست- اذاً- في كمياتها وكيفياتها، في أمكنتها وأزمنتها، في الرسل الذين يؤتونها، ليست في ذلك كله إلّا كما يراه اللَّه ويرضاه صالحة للتدليل على رسالة الوحي، ف «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» «2» :
رسالة الوحي، ورسالة الآية الدالة على الوحي أمّاهيه من كميته وكيفية في ايّ زمان او مكان من رسالته.
ف «لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ» نكرانٌ لربوبيته له وان كان رباً، اذ ما خوله استنزال آيات كما يريدون، ومنها السيئة التي بها يستعجلون، وكساير الآيات التي ارسل بها النبيون، والجواب كلمة قاطعة قاصعة: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» و «إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَ إِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَ ذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، قُلْ كَفى بِاللَّهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً ...» «3» «وَ يَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا ...» «4» مما يخص العلم بالآيات المعجزات والقدرة عليها واستصلاحها باللَّه تعالى شانه العزيز.
وهنا نجد في الاجابة عن سؤال «لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ» تعريفاً بكيان الرسول ككل «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ» انذاراً بالوحي «إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ» «5» واما الوحي وآية الوحي فلست منهما في شيء، فانهما- فقط- من اللَّه دون سواه! ثم «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» من رسول كما أنا، ومن وحي كما القرآن، ومن آية للوحي كالقرآن وما قبله من آيات معجزات، ومن ساير ما يدل على رسالة الوحي.
ليس «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» عطفا على «مُنْذِرٌ» اذ لم يكن الرسول بشخصه ولا برسالته هادياً لكل قوم، حيث الاقوام قبله وقبل اقوامه كانت لهم هدات سواه، ثم الصيغة
(1). 6: 109
(2)). 6: 124
(3)). 29: 59
(4)). 10: 20
(5)). 21: 45
التفسير الموضوعى للقرآن الكريم، ج7، ص: 293
الصحيحة عن مغزى العطف «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» حتى لا يلتبس المعني بينه وبين سواه حيث القرآن بيان في قمته، ثم لا رباط في هداه «لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» كما لا رباط بخصوص الهدات اليه، فلتعم كل هدى لكل قوم اصلية وفرعية، رسالة ام آية لها معجزة تدل عليه.
فإنما «إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ» تسلب عنه سائر المسؤوليات، والمسئُلات إلّا الانذار، فليس آية الوحي بيده كما الوحي، فانهما من عند اللَّه، ثم اللَّه لا يهدي كل الاقوام بنسق واحد وآية واحدة، وبل «وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ» إلى رسالة الوحي، «هادٍ» رسولي ككافة الآيات المعجزة وفقاً لمناسبات الزمن وأهله والحاجيات التي يعيشونها، ووفقا لصبغة الرسالة وصيغتها وصنيعتها، فالرسالة القرآنية في أجواء الفصاحة والبلاغة تتطلب آية خالدة تمشي مع الزمن هادية في كل الزمن حتى آخر الزمن، وهي بمتناول الأيدي في كل مكان وزمان، زمن الرسول وبعده حتى آخر زمن التكليف، اذاً فلا هادي إلى رسالة الوحي الاخير إلّا نفس الوحي الأخير في صيغة التعبير، وما يحويه من كل صغير وكبير: «أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ» ؟!، مهما كان نفس الرسول قرآناً كما القرآن وافضل، حيث يزيد بياناً وتفسيراً وتعبيراً علمياً وتطبيقاً «إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ» «1» فهو والقرآن يهديان الى رسالة وحيه اصالة، ولكنما الهداية المنفصلة عنه الى وحيه وشرعته تتمثل فى الهدات معه وبعده، و «لِكُلِّ قَوْمٍ» يشملهم ومَن قبلهم من رجالات السماء وخلفائِهم، والقرآن آية خالدة تمشي مع الزمن بردح يوازي ردح الرسالة لرسول الزمن محمد صلى الله عليه و آله.
فلا تنوب مناب هذه الآية الخالدة أيّة آية مضت في الرسالات الخالية غير الخالدة، إذ ليست لتهدي الى هذه الرسالة السامية حجة لها بالغة، إلّا عابرة غابرة تخص زمن الرسول.
ومن ثم هناك هادٍ رسالي كمن رباه الرسول وصنعه على عينه من هارون لموسى والحواريين للمسيح، ومن علي امير المؤمنين للرسول الاقدس محمد صلى الله عليه و آله فانه هادٍ