کتابخانه تفاسیر
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 255
و المراد بالجهالة: الجهل و السفه اللذان يحملان صاحبهما على ارتكاب ما لا يليق بالعقلاء، و ليس المراد بها عدم العلم.
قال مجاهد: كل من عصى اللّه- تعالى- عمدا أو خطأ فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته.
و قال ابن عطية: الجهالة هنا بمعنى تعدى الطور، و ركوب الرأس: لا ضد العلم.
و منه ما جاء في الخبر: «اللهم إنى أعوذ بك من أن أجهل، أو يجهل على».
و منه قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلين «1»
و المعنى: ثم إن ربك- أيها الرسول الكريم-، لكثير الغفران و الرحمة لأولئك الذين عملوا الأعمال السيئة، بدافع الجهل و السفه و الطيش و عدم تدبر العواقب، ثم إنهم بعد ذلك تابوا توبة صادقة عن تلك الأعمال السيئة، و لم يكتفوا بذلك بل أصلحوا من شأن أنفسهم، حيث أوقفوها عند حدود اللّه- تعالى- و أجبروها على تنفيذ أوامره، و اجتناب نواهيه.
قال الآلوسى: و التقييد بالجهالة قيل: لبيان الواقع، لأن كل من يعمل السوء لا يعمله إلا بجهالة.
و قال العسكري: ليس المعنى أنه- تعالى- يغفر لمن يعمل السوء بجهالة، و لا يغفر لمن عمله بدون جهالة، بل المراد أن جميع من تاب فهذه سبيله. و إنما خص من يعمل السوء بجهالة، لأن أكثر من يأتى الذنوب يأتيها بقلة فكر في عاقبة الأمر، أو عند غلبة الشهوة، أو في جهالة الشباب: فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك «2» .
و اسم الإشارة في قوله: ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا يعود إلى الأعمال السيئة التي عملوها قبل التوبة و الإصلاح. أى: ثم تابوا توبة صادقة من بعد أن عملوا ما عملوا من سيئات، و أصلحوا نفوسهم فهيأوها للسير على الطريق المستقيم.
و الضمير في قوله: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها يعود إلى التوبة و ما يصاحبها من فعل للطاعات و من اجتناب للسيئات.
(1، 2) تفسير الآلوسى ج 14 ص 249.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 256
أى: إن ربك- أيها الرسول الكريم- من بعد هذه التوبة النصوح، لكثير المغفرة و الرحمة للتائبين.
و التعبير- بثم- في قوله: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ ... و قوله: ... ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لبيان الفرق الشاسع بين رحمة اللّه- تعالى- بعباده، و بين ما يصدر عن بعضهم من كفران و ارتكاب للمعاصي، و بين المصرين على فعل السوء، و بين التائبين عنه.
و كرر- سبحانه- إِنَّ رَبَّكَ مرتين في الآية الواحدة، لتأكيد الوعد و إظهار كمال العناية بإنجازه.
و شبيه بهذه الآية الكريمة قوله- تعالى-: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً «1» .
ثم مدح- سبحانه- خليله ابراهيم مدحا عظيما، و أنه بشره بالعطاء الذي يسعده في دنياه و آخرته، و أمر نبيه محمدا صلى اللّه عليه و سلم باتباع ملة أبيه إبراهيم، فقال- تعالى-:
[سورة النحل (16): الآيات 120 الى 124]
فأنت ترى أن اللّه- تعالى- قد وصف خليله ابراهيم- عليه السلام- بجملة من الصفات الفاضلة. و المناقب الحميدة.
وصفه أولا- بأنه كانَ أُمَّةً .
(1) سورة النساء الآية 17.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 257
و لفظ أُمَّةً يطلق في اللغة بإطلاقات متعددة، منها: الجماعة، كما في قوله- تعالى-: وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ «1» أى: جماعة من الناس ...
و منها: الدين و الملة، كما في قوله- تعالى-: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ..* «2» أى:
على دين و ملة.
و منها: الحين و الزمان كما في قوله- سبحانه-: وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ «3» . أى: إلى زمان معين ..
و المراد بقوله- سبحانه-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً .. أى: كان عنده من الخير ما كان عند أمة، أى جماعة كثيرة من الناس، و هذا التفسير مروى عن ابن عباس.
و قال مجاهد: سمى- عليه السلام- أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما.
و في صحيح البخاري أنه قال لزوجته سارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيرى و غيرك.
و يصح أن يكون المراد بقوله- تعالى-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً .. أى: كان إماما يقتدى به في وجوه الطاعات. و في ألوان الخيرات، و في الأعمال الصالحات، و في إرشاد الناس إلى أنواع البر، قال- تعالى-: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً .. «4» .
و وصفه ثانيا- بأنه كان «قانتا للّه» أى مطيعا للّه، خاضعا لأوامره و نواهيه، من القنوت و هو الطاعة مع الخضوع.
و وصفه- ثالثا- بأنه كان، حنيفا، أى: مائلا عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. من الحنف بمعنى الميل و الاعوجاج، يقال: فلان برجله حنف أى اعوجاج و ميل.
و منه قول أم الأحنف بن قيس و هي تداعبه:
و اللّه لو لا حنف برجله
ما كان في فتيانكم من مثله
و وصفه- رابعا- بأنه منزه عن الإشراك باللّه- تعالى- فقال: وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
(1) سورة القصص الآية 23.
(2) سورة الزخرف الآية 22.
(3) سورة هود الآية 8.
(4) سورة البقرة الآية 124.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 258
أى: و لم يكن ابراهيم- عليه السلام- من الذين أشركوا مع اللّه- تعالى- آلهة أخرى في العبادة أو الطاعة، أو في أى من الأمور، بل أخلص عبادته لخالقه- عز و جل-.
قال- كما حكى القرآن عنه-: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ «1» .
و وصفه- خامسا- بقوله- سبحانه-: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ أى: معترفا بفضل اللّه- تعالى- عليه، و مستعملا نعمه فيما خلقت له، و مؤديا حقوق خالقه فيها. قال- تعالى-: وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أى: قام بأداء جميع ما كلفه اللّه به.
و بعد أن مدح- سبحانه- إبراهيم بتلك الصفات الجامعة لمجامع الخير، أتبع ذلك ببيان فضله- تعالى- عليه فقال: اجْتَباهُ أى اختاره و اصطفاه للنبوة. من الاجتباء بمعنى الاصطفاء و الاختيار.
و اجتباء اللّه- تعالى- لعبده معناه: اختصاصه ذلك العبد بخصائص و مزايا يحصل له عن طريقها أنواع من النعم بدون كسب منه.
وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ أى: و أرشده إلى الطريق القويم، الذي دعا الصالحون ربهم أن يرشدهم إليه، حيث قالوا في تضرعهم: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ . و هو طريق الإسلام.
وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً أى: و جمعنا له خير الدنيا من كل ما يحتاج المؤمن إليه ليحيا حياة طيبة، كهدايته إلى الدين الحق، و منحه نعمة النبوة، و إعطائه الذرية الصالحة، و السيرة الحسنة، و المال الوفير.
و قد أشار القرآن الكريم إلى جانب من هذه النعم، كما في قوله- تعالى-: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ «2» .
و كما في قوله- تعالى-: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ كُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا .. «3» .
وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ أى: و إنه في الدار الآخرة لمندرج في عباد اللّه الصالحين، الذين رضى اللّه عنهم و رضوا عنه، و الذين كانت لهم جنات الفردوس نزلا.
(1) سورة الأنعام الآية 79.
(2) سورة الشعراء الآية 84.
(3) سورة مريم الآية 49.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 259
ثم ختم- سبحانه- هذه النعم التي منحها لخليله إبراهيم، بأمر نبيه محمد صلى اللّه عليه و سلم أن يتبع ملة أبيه إبراهيم- عليه السلام- فقال- تعالى-: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
و المراد بملة إبراهيم: شريعته التي أمره اللّه- تعالى- باتباعها في عقيدته و عبادته و معاملاته، و هي شريعة الإسلام، التي عبر عنها آنفا بالصراط المستقيم في قوله- تعالى-:
اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ .
و المراد باتباع الرسول صلى اللّه عليه و سلم له في ذلك: الاقتداء به في التوحيد و في أصول الدين، الثابتة في كل الشرائع، لا الفروع الشرعية التي تختلف من شريعة إلى أخرى، بحسب المصالح التي يريدها اللّه- تعالى- لعباده.
أى: ثم أوحينا إليك- أيها الرسول الكريم- بأن تتبع في عقيدتك و شريعتك مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً أى: شريعته التي هي شريعة الإسلام.
قال صاحب الكشاف: قوله- تعالى-: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ .. في «ثم» هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و إجلال محله، و الإيذان بأن أشرف ما أوتى خليل اللّه إبراهيم من الكرامة، و أجل ما أوتى من النعمة، اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لملته، من جهة أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة، من بين سائر النعوت التي أثنى اللّه عليه بها «1» .
و قال القرطبي: و في هذه الآية دليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول فيما يؤدى إلى الصواب، و لا درك على الفاضل في هذا، فإن النبي صلى اللّه عليه و سلم أفضل الأنبياء، و قد أمر بالاقتداء بهم، قال- تعالى-: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ .. «2» و قال- سبحانه- هنا: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً .. «3» .
و قوله: حَنِيفاً حال من إبراهيم، أى: من المضاف إليه، و صح ذلك لأن المضاف هنا و هو مِلَّةَ كالجزء من المضاف إليه و هو إبراهيم من حيث صحة الاستغناء بالثاني عن الأول، لأن قولك: أن اتبع إبراهيم حنيفا كلام تام ..
و قد أشار ابن مالك- رحمه اللّه- إلى هذا المعنى بقوله:
و لا تجز حالا من المضاف له
إلا إذا اقتضى المضاف عمله
(1) تفسير الكشاف ج 2 ص 434.
(2) سورة الأنعام الآية 90.
(3) تفسير القرطبي ج 10 ص 190.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 260
أو كان جزء ماله أضيفا
أو مثل جزئه فلا تحيفا
و قوله- سبحانه-: وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ تنزيه لإبراهيم- عليه السلام- عن أى لون من ألوان الإشراك باللّه- تعالى-.
أى: و ما كان إبراهيم- عليه السلام- من المشركين مع اللّه- تعالى- آلهة أخرى لا في عقيدته و لا في عبادته و لا في أى شأن من شئونه.
و في ذلك رد على المشركين الذين زعموا أنهم على ملة ابراهيم، ورد- أيضا- على اليهود و النصارى الذين زعموا أن إبراهيم- عليه السلام- كان على ملتهم.
قال- تعالى-: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ «1» .
و بعد أن بين- سبحانه- حقيقة عقيدة إبراهيم، و مدحه بجملة من الصفات الجليلة، و بين جانبا من مظاهر فضله- سبحانه- عليه، أتبع ذلك ببيان أن تحريم العمل في يوم السبت أمر خاص باليهود، و لا علاقة له بشريعة إبراهيم أو بشريعة محمد صلى اللّه عليه و سلم فقال- تعالى-: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ... .
و المراد بالسبت: اليوم المسمى بهذا الاسم، و أصله- كما يقول ابن جرير- الهدوء و السكوت في راحة و دعة، و لذلك قيل للنائم مسبوت لهدوئه و سكون جسده و استراحته، كما قال- جل ثناؤه-: وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً أى: راحة لأبدانكم .. «2» .
و الكلام على حذف مضاف، و المعنى: إنما جعل تعظيم يوم السبت، و التخلي فيه للعبادة، عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ و هم اليهود، حيث أمرهم نبيهم موسى- عليه السلام- بتعظيم يوم الجمعة، فخالفوه و اختاروا السبت.
قال الجمل ما ملخصه: قوله- سبحانه-: عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أى: خالفوا نبيهم، حيث أمرهم: أن يعظموا يوم الجمعة بالتفرغ للعبادة فيه، و شدد عليهم بتحريم الاصطياد فيه: فليس المراد بالاختلاف أن بعضهم رضى، و بعضهم لم يرض، بل المراد به امتناع الجميع- حيث قالوا لا نريد يوم الجمعة، و اختاروا السبت.
ثم قال: و في معنى الآية قول آخر. قال قتادة: إن الذين اختلفوا فيه هم اليهود، حيث استحله بعضهم و حرمه بعضهم، فعلى هذا القول يكون معنى قوله إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ .. .
(1) سورة آل عمران الآية 67.
(2) تفسير ابن جرير الطبري ج 1 ص 327.
التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج8، ص: 261
أى: وبال يوم السبت و لعنته عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ ، و هم اليهود، حيث استحله بعضهم فاصطادوا فيه، فعذبوا و مسخوا .. و ثبت بعضهم على تحريمه فلم يصطد فيه، فلم يعذبوا .. و القول الأول أقرب إلى الصحة «1» .
و قال الإمام ابن كثير: و قد ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم- أى أهل الكتاب- أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض اللّه عليهم- أى يوم الجمعة- فاختلفوا فيه، فهدانا اللّه له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا و النصارى بعد غد» «2» .
ثم بين- سبحانه- حكمه العادل فيهم فقال: وَ إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ . أى: و إن ربك- أيها الرسول الكريم- ليحكم بين هؤلاء المختلفين يوم القيامة، بأن ينزل بهم العقوبة التي يستحقونها بسبب مخالفتهم لنبيهم، و إعراضهم عن طاعته فيما أمرهم به من تعظيم يوم الجمعة.
و يصح أن يكون المعنى: و إن ربك ليحكم بحكمه العادل بين هؤلاء اليهود الذين اختلفوا في شأن يوم السبت، حيث استحله بعضهم، و حرمه البعض الآخر، فيجازى كل فريق بما يستحقه من ثواب أو عقاب.
و بذلك نرى الآيات الكريمة قد مدحت إبراهيم- عليه السلام- مدحا عظيما، و ذكرت جانبا من المآثر التي أكرمه اللّه- تعالى- بها، و برأته مما ألصقه به المشركون و أهل الكتاب من تهم باطلة، و دعاوى كاذبة.
ثم ختم- سبحانه- السورة الكريمة بتلك الآيات الجامعة لآداب الدعوة إلى اللّه، و الهادية إلى مكارم الأخلاق، فقال- تعالى-:
[سورة النحل (16): الآيات 125 الى 128]
(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 2 ص 605.