کتابخانه تفاسیر
التفسير لكتاب الله المنير
الجزء الأول
(سورة البقرة)
الجزء الثاني
سورة آل عمران
(سورة النساء)
الجزء الثالث
سورة المائدة
((سورة الأنعام))
((سورة الأعراف))
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
سورة التوبة
(سورة يونس)
(سورة هود)
سورة يوسف
الجزء الخامس
(سورة الرعد)
(سورة ابراهيم)
(سورة الحجر)
(سورة النحل)
«سورة بنى إسرائيل»
(سورة الكهف)
(سورة مريم)
(سورة طه)
الجزء السادس
(سورة الأنبياء)
(سورة الحج)
سورة المؤمنون
(سورة النور)
(سورة الشعراء)
((سورة النمل))
(سورة القصص)
(سورة العنكبوت)
(سورة الروم)
(سورة الأحزاب)
(سورة سبأ)
((سورة يس))
(سورة الصافات)
(سورة ص)
الجزء السابع
سورة حم السجدة
كتاب الطهارة و فيه آيات:
الجزء الثامن
تتمة تفسير سور القرآن
خاتمة الكتاب
الفصول الأربعة
البحوث الأربعة
(3) لم انتبذت العصور المعاصرة عنه:
و جوامع جهات انتباذها عنه تذكر ضمن امور
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 10
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
المالكية علقة بين الموجود العاقل و ما له تمام الاختصاص به و كمال التصرف فيه و الدين هو الجزاء و منه قول الحماسى.
و لم يبق سوى العدوان
دنّا هم كما دانوا
اى جزينا هم بمثل ما فعلوه بنا: و اللّه الصانع لكل شيء مالك بحكم ابداعه إياه و صنعته له و من جملة ابداعه الزمان و المكان و ما يسببهما و يولّد هما فلم خصص مالكيته للزمان هنا ب يَوْمِ الدِّينِ و هو يوم القيامة و ظرف النشأة الثانية ذلك ليفيد تعالى ان الإنسان في حياته الظاهرية هذه قد يتجافى عن عقله و تدبراته الصحيحة فلا يلحظ الّا الأسباب القشرية فلا يرجو الّا المتمكن الغنى لأنه يرى ان الدرهم في قبضته و لا يخاف الّا النافذ القوى لأنه يشاهد السوط بيده يضرب به متى أراد ان يضرب و يكف عن الضرب متى قصد الكف و لا يرى للّه سبحانه خزانه خاصه حتى يستميح منها و لا سوطا ظاهرا حتى يهابه و على حساب هذه الظاهرة فسق من فسق عن امر اللّه و هم الكثيرون لأن الكثرة مع القشريين طبعا.
اما يوم القيامة حيث يجرّد اللّه سبحانه كل شيء عن لباسه للمحاكمة فلا يوجد غنى و لا نافذ و لا يبقى مع الإنسان الّا عمله فهناك يتجلى للمحشورين قاطبة عراؤهم عن كل شيء من المادة و حاجتهم الى غنى نافذ لم تعزله تفاوتات الظروف عن صلاحياته الملازمة له و لا يجدونه في غير اللّه سبحانه لذلك ترى أعين الجميع منوطة به و موصولة بعظمته و منتظرة لما يكون منه من إيصال رحمة او إيقاع نقمة.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 11
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
ايّا ضمير نصب منفصل و الكاف حرف خطاب و العبادة اظهار العبودية امام المعبود بالعمل الموظف من الشرع او بما ينساق اليه الوجدان و الاستعانة طلب الإعانة و المساعدة و كان من مقتضى السياق ان يقال ايّاه نَعْبُدُ لكنه التفت من الغيبة الى الخطاب و الذي دعى الى هذا الالتفات بهذا التعبير هو ان الناطق لمّا عرف اللّه و وصفه بانه مالك كل ما في الكون و خالقه و انه وحده الذي يجازى على الخير و الشر إذ كل قدره مستمده من قدرته و كل ما سواه من هامد و متحرك و ناطق و صامت مخلوق له وجد ان مثل هذه الذات هو الذي يجوز ان يعبد و بما انه منعم على مخلوقاته بالانعام الجسام التي رصيدها الوجود وجبت له العبادة بعد ان جازت بأصل تصوّر حقيقته و لزم على الممكن المحتاج في ذاته ان يمدّ يد الاستجداء منه اليه.
و بعد ان كانت هذه الذات المتحدث عنها بأنها علة كلّ معلول و مصدر كل افاضه و ان كلّ ما سواها مستمد منها صادر عنها موضوع قضية سيقت من باب بيان حقيقة متأصلة جاءت هدف احكام أخر لان سياق التوصيف و التعريف اهّلها لأن تكون نقطة مواجهة و لائحة خطاب تفزع إليها الممكنات بأسرها و تواجهها بإبداء التضرع و اظهار الخضوع و إبراز الحاجة بعد ان عرفت منها ما لم تكن تعرف.
و في الآية دليل عقلي واضح على حرمة الخضوع و اظهار العبودية لغير اللّه بأصل الخلقة و حرمة الاستعانة بغيره ايضا، نعم للعظماء المنعمين من عباد اللّه المحسنين حق من الخضوع الذي مآله للمرجع الأعلى و المبدأ الأجلى، و هكذا ترجع الاستعانة بأهل الايمان الى
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 12
الاستعانة باللّه سبحانه لأن المؤمن يرى نفسه هو و ما يملك لمولاه الذي خلقه و أعطاه فأن أعان إخاله في اللّه فقد أعانه بما أنعم اللّه به عليه و انه ليس في ذلك الّا واسطة إيصال لا اكثر.
و انما كررت كلمة إِيَّاكَ مع العبادة و الاستعانة فقيل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ و لم يقل إِيَّاكَ نَعْبُدُ و نستعين لتثبيت النتيجة و تأكيدها كما يقال للمنعم المترسل المتفضل في انعامه الجزيل أنت الذي فعلت معى كذا و أنت الذي دفعت عنى كذا اعترافا بمنعميته و طردا لكل احد سواه عن ملابسه إصدار هذه النعم حتى لا تذهب بالأذهان احتمالات لا مقيل لها من الواقع و على هذا الأساس شرّع في اللغة باب التأكيد اللفظي حيث يقال جاءني زيد زيد و المعنوي حيث يقال جاءني زيد نفسه و للتثبيت و التأكيد المذكورين قدّم المفعول على الفعل فقيل ايّاك نعبد و لم يقل نعبد ايّاك لان التقديم مفيد للاختصاص بالفطرة.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 13
[سورة الفاتحة (1): آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
الهداية الدلالة و الإرشاد و ابانة المطلب للجاهل به او الضّال عنه و الصِّراطَ هو الطريق الواضح المتسع الذي يقبل من سلكه و لا يضايقه من ضيقه و المستقيم المعتدل الذي لا اعوجاج فيه.
سورة الحمد كلها آيات مترتبة بالطبع و على مستواه جرى الوضع فكون اللّه تعالى مالكا لكل العوالم خالقا لها من لازمه ان يكون هو المتصرف بها المجازى للعاقل منها على ما يعمل من خير و شر و من لازمه ان يكون هو المعبود للمخلوق و المستعان به و من وظيفة العاقل المستعين بعد أن يجد مصدر الإعانة غير محدود القدرة ان يطلب منه أم الإعانات التي يستطيع ان يستولدها اولادا كثيرين يكون كل ولد منهم أبا لآخرين و يسرى هذا التوالد بما تتكون منه أسر لها اهمّيتها في الكثرات المادية و المعنوية و تلك الأمّ هي الهداية الى الطرق المنتجة فأن في اطار هذه الكلمة كل خير يفرض حتى ان صاحبها لمحدوديته لا يستطيع ان ينهى كل خيراتها و ثمراتها لخروجها عن العدّ و الحدّ ثم كشف الناطق كشفا توضيحيا عن معنى الصِّراطَ الذي طلب الانعام بالهداية اليه من المنعم المقتدر فقال.
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 14
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
و انما قلنا ان هذا الكشف توضيحى لان الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ طريق الغارق في نعم اللّه الموصول بتوجه اللّه اليه و مثل هذا السالك لا يكون مغضوبا عليه و لا ضالًّا لأن غضب المولى انما يثيره انحراف العبد عن الجادة اللازمة السلوك و الضالّ لا استقامة له في طريقه.
و الداعي الى هذه الكشوف التوضيحية من العبد لمولاه الذي يعلم سرّه و مخزون ضميره إبداء العبد شعوره للجميع امّا امام المولى المطّلع فللتحدث بالمواهب التي آتاها لعبده و من أعظمها الشعور السالم و امّا امام من سوى ربّه فلإفادتهم انه عبد عاقل يمشى على ضوء شعوره فلا يطلب الّا الطلبة النفيسة الضامنة لسعادة الدارين و جلب توجههم الى ان يطلبوا من بارئهم نظير ما طلبه حتى يسعدوا بالهداية كما سعد هو بها.
و قد أشار الكتاب العزيز الى نصاب هؤلاء المنعم عليهم بقوله مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ .
و الى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بقوله مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ و هم اليهود لقوله تعالى وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ و الى الضَّالِّينَ بقوله وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ و هم النصارى
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 15
(سورة البقرة)
خ خ مدنية و هي مائتان و سبع و ثمانون آية خ خ سميت سورة البقرة بذلك لما فيها من قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً .
[سورة البقرة (2): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
في مفتتح جملة من سور القرآن الحكيم جملة من هذه الحروف المقطعة و لا شكّ انّها من قسم متشابه الكتاب الذي نصّ اللّه تعالى على وجوده فيه كما سيجيء بيانه في محلّه: و قد كثرت كلمات العلماء حول هذه الحروف و لكنها بأسرها يلوح عليها اثر الإهمال فلا جدوى في التعرض لها أصلا و خير ما فيها قول من قال ان المراد بها ان هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته من جنس هذه الحروف التي تتحاورون بها في خطبكم و كلامكم فإذا لم تقدروا عليه فأعلموا انه من عند اللّه لان عجزكم عن مثل هذه الصياغة مع توفر المادة التي يصاغ منها دليل واضح على اعجاز هذا القرآن و صدوره عن اللّه سبحانه.
[سورة البقرة (2): آية 2]
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
اظهر الوجوه فيما أراه من تركيب هذه الآية تبعا للمعنى المستظهر ان اسم الإشارة مبتدأ و الْكِتابُ بدل منه او عطف بيان و جملة لا رَيْبَ فِيهِ حال منهو هُدىً لِلْمُتَّقِينَ خبر المبتدأ بهذا اللون ذلِكَ الْكِتابُ حال كونه غير محطّة للريب فيه هاد للمتقين.
ذا اسم اشارة للقريب و الكاف الخطابية حرف يفيد بعد المشار اليه و تزاد اللام مع الكاف لتأكيد البعد و الْكِتابُ مصدر و هو هنا بمعنى اسم المفعول و أصله في اللغة الجمع من قولهم كتبت القربة إذا خرزتها
التفسير لكتاب الله المنير، ج1، ص: 16
اى جمعت أطرافها المنحازة بعضا الى بعض بشريط منها او من غيرها و منه كتيبة الجند لانضمام بعض الجنود الى بعض و الريب هو اضطراب النفس المثير لتشككها و الهدى و الهداية بمعنى الدلالة و اتقاء الشيء هو الخوف من عواقبه: و تقوى العبد خوفه من مغبة ما يخوّف منه.
و معنى الآية ان هذا القرآن الذي جمع الفرائد و الفوائد و الشوارد ممّا يعود لسعادة البشرية على ما تحتويه و تفتقر اليه، و إذا كان على الوصف فهو لا ينبغي ان يكون محطة للشكّ فيه و لا فيما يحتويه، دالّ و مرشد الى طرق السعادة لكل من يريد الحياة على تنبّه و تحذّر و التفات و خوف من الوقوع في المداحض و المزالّ.
و الأمر كذلك حقا فأن من يتخذ مضامين هذا الْكِتابُ مخطّطا لشئونه الداخلية و الخارجية فهو سعيد قطعا لأن هذا الْكِتابُ قد حدّد خطى الإنسان بحدود صحيحة تبعد به عن المضايقة و تنشمر به عن الأسفاف و الترهل و ان و سما بالتحرر عند الجهلاء الذين جهلوا الحياة بكافة حروفها و جميع شئونها و شروح ذلك تأتى في غضون هذا التفسير ان شاء اللّه تعالى.
و انّما أشار سبحانه و هو في مفتتح السورة بكلمة ذلِكَ المفيدة للبعد ابعادا لمقام الْكِتابُ و تعزيزا لمحلّه و تشريفا له بإعلائه و احالة الى ما سلف منه نزولا و احتل من بقعة النفس مكانا كما يقال زيد ذلك الرجل العظيم: و نظائره كثيرة في استعمالات اهل اللسان.