کتابخانه تفاسیر
التفسير لكتاب الله المنير
الجزء الأول
(سورة البقرة)
الجزء الثاني
سورة آل عمران
(سورة النساء)
الجزء الثالث
سورة المائدة
((سورة الأنعام))
((سورة الأعراف))
الجزء الرابع
(سورة الأنفال)
سورة التوبة
(سورة يونس)
(سورة هود)
سورة يوسف
الجزء الخامس
(سورة الرعد)
(سورة ابراهيم)
(سورة الحجر)
(سورة النحل)
«سورة بنى إسرائيل»
(سورة الكهف)
(سورة مريم)
(سورة طه)
الجزء السادس
(سورة الأنبياء)
(سورة الحج)
سورة المؤمنون
(سورة النور)
(سورة الشعراء)
((سورة النمل))
(سورة القصص)
(سورة العنكبوت)
(سورة الروم)
(سورة الأحزاب)
(سورة سبأ)
((سورة يس))
(سورة الصافات)
(سورة ص)
الجزء السابع
سورة حم السجدة
كتاب الطهارة و فيه آيات:
الجزء الثامن
تتمة تفسير سور القرآن
خاتمة الكتاب
الفصول الأربعة
البحوث الأربعة
(3) لم انتبذت العصور المعاصرة عنه:
و جوامع جهات انتباذها عنه تذكر ضمن امور
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 333
و تدعو الى الصلح و الصفاء و دليل هذا المطلب ان المتدينين لا تحدث منهم هذه الشقاوات و لا يردّ علينا بان اغلبية الدنيا تتركز على الديانات فان هذا الترّكز أصبح اسما فارغا من طريق هذه الثقافات العاطلة الباطلة فإنك قد تجد الأب ملتزما بخطة الدين و لكن أبناءه لمّا لابسوا هذه الثقافات أخذوا يهزئون به و يهرجون عليه و بهؤلاء حدثت الفتن بين الناس و كثر القتل و السلب و النهب و الهياج و الصراخ على غير محصّل سوى الهلاك و الإبادة و هؤلاء هم الذين أحدثوا الأحزاب و تضاربوا عليها و أقاموا الدنيا و اقعدوها و بلبلوا الأوضاع و صاحوا بالهدوء صيحة واحدة دمّرت العامر و اطاحت بالقائم.
(الفصل الثاني) و في الدرجة الثانية من اهداف القرآن تعرضه لسيرة الأنبياء و الرسل
فقلّما توجد سورة الّا الصغار القصار جدّا لا تذكر قصّة لنبىّ او لأنبياء و الداعي الى ذلك ان منطق الرسل المضبوط فيما قرأناه في القرآن منطق متين و زين مشفوع بتوأدة و عقل و لطف و اتزان و فيه خير سياسة للناس بجميع اقشارهم و نراهم يطمأنون البائسين و المظلومين و يليّنون عريكة المتغطرسين و يحاولون جمع الصفوف و تقارب الطبقات و جلب توجه الكبير للصغير و احترام الصغير للكبير عباراتهم مأنوسة و طيشهم مأمون و تغطرسهم معدوم و قناعتهم ظاهرة و زهد هم فيما عند اهل الدنيا مكشوف و مثل هؤلاء الساسة هم الذين يستطيعون تقويم المجامع و تثقيف الأفراد لا غيرهم فأنت ايّها الممعن النظر فيما تحدث به القرآن عن نوح مع قومه و هود مع جماعته و صالح مع معاشريه و ابراهيم مع معاصريه و لوط و شعيب و موسى و عيسى و محمّد تقف على
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 334
مسرحيات لها اهميتها الأدبية الأخلاقية التربوية و بالفعل استطاعت هذه السياسات الهادئة المرنة العامرة بالروح البعيدة عن المادة ان تخلق من الوحوش الكواسر أناسا كمّلا اثمروا اثمارات مهمّة في دنيا البشرية.
(الفصل الثالث) و في الدرجة الثالثة من اهداف القرآن الكريم تعرضه للأدب الحىّ و الخلق الفاضل
فقلّما تمرّ ايّها القارئ على سورة كبيرة او متوسطة و أحيانا الصغار منها و لا تجد ذكرا لذم الكذب و مدح الصدق و ذمّ الغدر و مدح الوفاء و ذمّ النفاق و مدح الصراحة في الايمان و ذمّ الخيانة و مدح الأمانة و ذمّ الأكل للمال بالباطل و مدح المكاسب السالمة و ذمّ البخل و حبّ المال و مدح السخاء و القناعة و ذمّ التجبر و التكبر و مدح التواضع و الاعتدال و ذمّ الغيبة و النميمة و التجسس و التنابز بالألقاب الى غير ذلك من صنوف الأخلاق الرذيلة و الجليلة و قد كتب الاخلاقيون من المسلمين المجلدات العامرة بالبحوث النقية عن الأخلاق فاضلها و مرذولها على ضوء آيات الذكر الحكيم ما فيه بلغة لمن يريد ان يسير في خطّ الإنسانية و البشرية الواقعيّة و قد سار على هذا الخط منذ صدر الإسلام و حتى في هذه الأواخر التي لمسنا طرفا منها في أول عمرنا زرافات و وحدان كانوا مشعل النور في بنى آدم و كان درس الأخلاق له ميزته ما بين الدروس و يا للأسف أصبح هذا الخط اليوم مهجورا فما اكثر رذائل الأخلاق بين الناس الى حدّ أصبحت الفضيلة تعدّ من سيماء البسطاء المغلوبين على عقولهم الفاقدين للّباقة و الكياسة فيما يقال في حقهم كما أصبح الغدر و الكذب و التزوير و الدجل و الخيانة شارة رؤساء الجماهير و السفراء و أكابر الناس حتى
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 335
المتلبسين بلباس اهل العلم و الدين منهم و لا شكّ ان اثر هذه المفاسد وضعي طبيعي لا يحتاج الى ان يقول اللّه في حقّه اقلّ قول فان ذلك كأثر الجوع عند فراغ المعدة و اثر العطش في السموم اللاهب و امّا مفاسد الدعارة فشيء غير قابل للتوصيف أصلا و أهم شعار التمدن اليوم هو تسفل الأخلاق و انحطاطها بصورة بشعة و لا أغرق إذا قلت ان البلد كله ما خور لفحشاء و حانة لخمور و رقص و عربدة و لهو ساقط و تعرّ مبتذل و اسفاف مقيت و هذا الوضع ممّا يجرّ بالإنسان الى التدهور في كلّ شيء لا في الأخلاق وحدها بل حتى في صلب المعيشة بما هي معيشة و كلّما توسعت الجامعات و الكليات و الدراسات الدارجة اتسع خرق الأدب فنزع و انكمش وضع الخلق الحسن فدفع و نتيجة ذلك الدمار الماحق.
(الفصل الرابع) و في الدرجة الرابعة من اهداف القرآن الكريم تعرضه للاحكام الشرعية
من واجب و حرام و مكروه و مسنون و مباح و الاحكام الشرعية أغلبها منبعث عن الجانب الاخلاقى الذي تحدثنا عنه كحرمة الزنا و الخمر و الكذب و الغيبة و ما الى ذلك غير ان هناك خصوصيات تكون في بعض الواجبات الشرعية ليس لها اثر ظاهر في الأخلاقيات مثل وجوب الوضوء او الغسل للصلاة و مثل الصلاة نفسها و مثل الحج و الصوم الى غير ذلك من كليات و جزئيات توجد في أرباع الفقه الاربعة عبادات و عقود و ايقاعات و احكام و لكنّ العقلاء بعد بحثهم لها على ضوء العلم و مقاييسه وجدوها من اهمّ النكات في حياة بنى آدم من اوّل فرع من فروع فقه الطهارة الى آخر فرع فقه الديات و ليس هنا من مجال لبحث ذلك لاحتياجه الى مجلدات ضخمة و فنّ الفقه الاستدلالي المبسط كفيل بأكثر ذلك نعم
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 336
نحن نشير الى واحدة من تلك الكميات الوفيرة بنحو النموذج فنقول حتّم الشارع على المكلف بالصلاة ان يقرء فاتحة الكتاب في أطراف ليله و نهاره عشر مرّات و فاتحة الكتاب فيها إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ مما يفيد اختصاص المعبود بالحقّ و هو خالق الكائنات و مدبر أمورها بالعبادة و الاستعانة دون غيره و في ذلك من جلالة العبد المكلف ما لا يخفى من العزة و الطموح و التحرر من قيد البشر كائنا من كان مصداقه و في دعوته الى الخضوع لمن يستحقّ الخضوع و هو اللّه البرئ من الغطرسة الفارغة و الانتهاز الممقوت و التحيز الى جانب دون آخر الّا على ملاك الفضيلة فان الأفاضل مقربون اليه و الأراذل بعيدون عنه كما يقضى المنطق بذلك و في فاتحة الكتاب اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ و في ذلك من التعرف على الطرق المستقيمة الموصلة الى المقاصد الشريفة ما فيه كل الوضوح فإذا قيل في حقّ الصلاة انها قربان كل تقى و خير موضوع و معراج المؤمن و انها تنهى عن الفحشاء و المنكر فقد قيل الحقّ في ذلك دون الإغراق و المبالغة و الصلاة واحدة من العبادات و في كل عضو من اعضائها شبيه ما سلف في الصلاة فتقنين الاحكام من ذات اللّه الخالق العالم بما خلق هو أقصى ما يمكن تصوره في مصلحة البشريّة و ان ما يقنّنه الناس فيه آفات و عاهات.
و هذه العناصر الاربعة التي تعرّض لها القرآن هي من الحسّاسيّة بمكان لا يعرفه الّا من يعيره النظر الحادّ الوزين إنصافا فالقرآن المجيد على طول أبعاده أعظم محاوره التي يدور عليها هو ما أسلفنا الإشارة اليه خصوصا و قد نزل في آفاق معتمة من ظلمة
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 337
الجهل مغبّرة بالآثام و الجرائم و الانحرافات صارخة بالتشويشات و الوحشيات فمراعاته في ظرفه تدل على عمق اعجازه،
[الإشكالات الأربعة]
و امّا ما يساق حوله من الإشكالات التافهة فنحن نشير اليه ايضا إتماما للمقصود فنقول الإشكالات المثارة حوله تتركز على النقاط التالية.
(1) انه التزم السجع و السجع تكلّف
و ربّما عمىّ المقصود و سلبه وضوحه لو عبّر عنه بعبارات غير مقيدة بالأسجاع و هذا الأشكال لا قيمة له بعد احراز جواهر مقاصده على ان اسجاع القرآن غير متكلفة فان بين نظرة الناظر الفنّان إليها و بين نظرته مثلا في مقامات الحريري و غيرها من الكتب المسجوعة المدوّنة باقلام أدباء كبار لهم قيمتهم الأدبية من الفروق ما يعترف به كل احد هذا و المحسنات البديعية لا يمكن إنكارها إذا جاءت على مدّ السهولة و السماح و هي زينة البلاغة و قد أطبق على ذلك عامة اهل اللسان نعم إذا تكلّفها الناطق و تمحّلها الكاتب و تعمّت من أجل مراعاتها المقاصد كانت مذمومة و الحقّ ان القرآن ليس من هذا الرديف بل بالعكس ففيه من الكنايات و الاستعارات و التشبيهات و المجازات المرسلة ما يقيم السليقة و يقعدها إعجابا به و بأدبه و الاستشهاد بأدب القرآن من أعلا شواهد كتب البلاغة كما هو معروف.
(2) انه اكثر و أطال في أوصاف الجنّة و نعيمها و النار و جحيمها
و هذا الأشكال كسابقه تافه ايضا فانه تعالى يصرّ على النعيم و الجحيم المادّى في يوم الجزاء للمطيعين و العصاة و يعتبره من الأمور المحققة لا التي ستتحقق و هو مطلب معقول في نفسه و امّا المدّ الذي فيه فهو تكبير لحقيقة لا تخييل محض إعطاء للقضية كلّ جلوتها و للحقيقة أعظم صورها فالصور الملتقطة تارة تكون من الصغر
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 338
بمقدار الأنملة و حتى لسلاسل جبال هملايا و تارة تكون من الكبر بما تستبين معه حتى خطوط الأنملة بصورة مسارب الأنهار ليقف الإنسان منها على دقّة التخاطيط بجلاء و هو امر مطلوب للجميع لان به إشباع النفس بالحقيقة اشباعا ما وراءه متطلّب مزيد و القرآن صنع هذا الصنع للبشرية التي يقودها للخير حب التمتع بآثار الخير المادية و يبعدها عن الشرّ كراهة التلوّث بالقذر المادّي و ليست البشرية كلها علىّ بن ابى طالب الذي كان يقول ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنّتك و لكنني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك على ان الروح التي تربعت في علىّ المنقطع النظير في مصاديق بنى الإنسان أشار إليها تعالى بقوله و رضوان من اللّه اكبر.
(3) انه كرّر قصص أنبيائه عشرات المرّات بعبارات متقاربات
و لا طائل في هذا التطويل و جواب ذلك انّ سوق العبر و كل ما فيه مدّكر للبشر و مهما طال و كثر له الأثر الفعّال في توجيه النفوس فان النفس طاغية على الحقّ تتباعد عن الحقيقة ميّالة الى الاسفاف و لذلك لا تراها تملّ من الجرائم و فعلها صباح مساء و هذا هو نزق الشهوة و عفريت القوّة أحالا من الإنسان قرودا في الفساد و فراعنة في الظلم و الاستبداد طوال الأجيال و القرون من دون ان يحصل فيهم ملل او كلل عن مداناة ذلك و ملابسته فمثل هذا المخلوق تجب مسايرته على طول الخط بالعظات الناجعات و الإرشادات الواضحات حتى يكع بعض الشيء عن نزواته و تفرعنه.
(4) انه كرّر و اكثر من لزوم الجهاد و قتل الكفّار و المشركين و سفك الدماء امر مبغوض للعقلاء
و جوابه ان هذا القرآن نفسه كم صبّر أنبيائه على ملاقاة المكاره و كم تراخى مع الفسدة و قطّاع طرق
التفسير لكتاب الله المنير، ج8، ص: 339
الخير و بطبيعة الحال يجب الوقوف امام العرامات إذا لم تؤثر فيها الرياضات، اقام نوح بين قومه 950 عاما يعالجهم بالعبر و العظات فلم ينجع فيهم ذلك فكم ترى يكون الصبر عليهم و قس عليه غيره من الأنبياء بتفاوت في طوال الزمان و قصره فالجهاد انما يجب لصالح البشرية لا لخاصة انسان خاص او بداعي شهوة و نزوة هؤلاء يقدمون على هذه الإشكالات التافهة و يدعون ورائهم تهجم القوى الكبرى على الناس لأجل سلب أوطانهم و منابع حياتهم على طول قرون الثقافة فيما يزعمون فهذه الحروب العالمية الكبرى التي طحنت عظام البشرية على جميع محدبات الكرة الأرضية و هذه تنزّيات الممالك الكبرى على ما دونها صباح مساء لم يسألوا عن سببها و داعي اثارتها نعم يعلمون ذلك لأنها بأيديهم حصلت و كانت و هي اليوم كائنة و ستكون بلا مبرر سوى الإطاحة بالناس و إذلالهم و التفكه بإراقة دمائهم و ازعاجهم عن أوطانهم و العبث بمقدراتهم و الضحك عليهم استهزاء و تهكما لأنهم ضعفاء عن مقاومة صواريخهم و قذائفهم، فأين هذا عن جهاد الكافر المفسد و المشرك الخائن اللذين لا يحاولان الا اضاعة الدرب على المستطلعين للدرب و سلوكه.
[البحوث الأربعة]
(ثم يجب علينا ان نبحث (1) عن الدين و انّه ما هو في نفسه و (2) عن انشعابات الفرق منه بعد موت المؤسس و (3) عن انتباذ العصور المعاصرة عنه و (4) عن وظيفة الإنسان العاقل الحرّ في مضامير مجتمعه المعاصر)
(1) ما هو الدين في نفسه: