کتابخانه تفاسیر
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 46
فرغ منه عشية الثلاثاء 4 جمادي الأولى 1239 ه. و نسخة خط يده عند حفيده علي بن محمد بن علي بن الحسين بن عبد اللّه الشبر. و نسخة أخرى بخط الكاتب، و عليها خط صاحب الجواهر أيضا عند حفيد المؤلف المذكور. و ثالثة في مكتبة (التقوى) بطهران و قد تصدى السيد نصر اللّه صاحب هذه المكتبة بتصحيحه، و طبعه في 1352 ه «1» ، كما أشار الشيخ الطهراني إلى هذا كله أيضا في ذكر الجوهر الثمين، قائلا:
«و يأتي مختصره الموسوم ب «الوجيز» الذي تصدى لطبعه بطهران الحاج السيد نصر اللّه التقوى في 1352 ه» «2» .
و أخيرا، و بعد هذا كله:
أشكر كل الذين ساهموا في إخراج هذه التفاسير إلى الوجود و أتحفوا المكتبة الإسلامية بهذا الكتاب النفيس، و خاصة «دار الزهراء للنشر و الطباعة و التوزيع» في بيروت و التي التزمت طبعه و توزيعه.
راجيا من اللّه سبحانه أن يوفقنا جميعا لإحياء التراث الإسلامي، و الكشف عن هذه الكنوز الفكرية الثمينة، و هو ولي التوفيق، لندن في: 14- صفر- 1407 ه 19- 10- 1986 م.
(1) الطهراني- الذريعة: 25/ 42.
(2) الذريعة: 5/ 288.
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 47
مقدّمة المؤلف
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه منزّل القرآن الكريم، و الفرقان العظيم، و الذكر الحكيم، و مرسل النبي القويم، ذي الفيض العميم، و الفضل الجسيم، الهادي إلى صراط مستقيم.
و الصلاة على سيّد المرسلين، و خاتم النبيين، و من كان نبيا و آدم بين الماء و الطين، و آله خلفاء الخلائق، و أرباب المعارف و الحقائق، و كنوز الأسرار و الدقائق، الذين أوتوا علم الكتاب تأويلا و تفسيرا، و أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهرهم تطهيرا.
أما بعد:- فيقول: المذنب الجاني، و الأسير الفاني، أفقر الخلق إلى ربه الغني، عبد اللّه بن محمد رضا الحسيني، وفقه اللّه لطاعاته و مراضيه، و جعل مستقبل حاله خيرا من ماضيه، إني بعد ما صرفت عمري، و أفنيت دهري، بفضل اللّه و منّه، و توفيقه و يمنه، في تتبع الأخبار، و استقراء الآثار، الواردة عن النبي و آله الأطهار، عليهم صلوات الملك الغفار، آناء الليل و أطراف النهار، جمعا و تأليفا، و كتابة و مطالعة، و قراءة و تدريسا و شرحا، فوردت بحمد اللّه تعالى حياضها، و رويت من زلالها، و ميّزت بين صحاحها و مراضها، اشتد شوقي إلى تفسير الكتاب المجيد، الذي لا
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 48
يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، و كان يمنعني من ذلك قصور الباع، و قلّة الإطلاع، في هذه الصناعة، و صرف جوهرة العمر في الإضاعة، مع تبلبل البال، و كثرة الاشغال، و تفاقم الأحوال، و اختلال أمر العلم و الاشتغال، فرأيت بعد ان استخرت اللّه سبحانه، ان أحرّر تفسيرا، يشير إلى جملة من النكات اللطيفة و المعاني، و تصحيح القراءة و المباني، و يشتمل على جملة من الأخبار و الآثار، المروي عن النبي و آله الأطهار، و سميته بالجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، و أرجو من اللّه تعالى، أن يوفقني بعد إتمامه، الى كتابة تفسير، كالبحر الغزير، يحيط بكل منطوق و مفهوم، و يجمع جميع العلوم، و يشتمل على التأويل و البيان، و التفسير و النقير و القطمير، و باللّه أستعين، و انه خير موفق و معين.
الاستعاذة من تفسير الإمام هي ما أمر اللّه بها عباده عند قراءتهم القرآن، قال و إذا قرأت القرآن، فاستعذ باللّه من الشيطان الرجيم، و عن علي (ع) أعوذ: أمتنع باللّه السميع لمقال الأخيار و الأشرار، و لكل المسموعات من الأعلان و الأسرار، العليم بأفعال الأبرار و الفجار، و بكل شيء مما كان، و ما يكون و ما لا يكون، أن لو كان، كيف كان يكون، من الشيطان البعيد من كل خير، الرجيم المرجوم باللعن، المطرود من، بقاع الخير.
عبد اللّه شبر
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 49
سورة الفاتحة
و هي سبع آيات مكية، و قيل نزلت ثانيا بالمدينة، و تسمّى فاتحة الكتاب، لأنها مفتتحة، و أم الكتاب، لاشتمالها على جمل معانيه و الحمد لذكره فيها، و السبع المثاني لأنها سبع آيات اتفاقا، و إن اختلفت في عدّ البسملة دون أنعمت عليهم أو العكس، و تثنى في الفريضة أو الإنزال.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 50
روي ما قرأت الحمد على وجع سبعين مرّة إلا سكن. و قال الباقر (ع) من لم يبرئه الحمد لم يبرئه شيء. و قال الصادق (ع) لو قرأت الحمد على ميت سبعين مرّة ثم ردّت فيه الرّوح ما كان عجبا، و قال (ع) اسم اللّه الأعظم يقطّع في أم الكتاب، و في النبوي، أنها أفضل سورة أنزلها اللّه في كتابه، و انها شفاء من كل داء إلا السام، يعني الموت.
و سئل الصادق (ع) عن قوله تعالى: و لقد آتيناك سبعا من المثاني، قال:
هي سورة الحمد، و هي سبع آيات، منها بسم اللّه الرحمن الرحيم و انما سمّيت المثاني لأنها تثنى في الركعتين.
بِسْمِ اللَّهِ آية من الفاتحة، و من كل سورة عدا براءة، باجماعنا، و النصوص المتواترة. و الباء للاستعانة، إشعارا بأن الفعل، لا يوجد بدونه، أو المصاحبة، لأنّ التبرك باسمه تعالى ادخل في الأدب، من جعله آلة، و في الرّد على المشركين بتبركهم باسم آلهتهم. و السورة مقولة على السنة العبّاد، تعليما لهم، أو اشعارا بأن التصدير باسمه وحده في كل فعل و تأليف أمر واجب و التعبير بلفظ الغائب للتعظيم، كقول الخليفة:
الأمير يأمرك بكذا، و كسر الباء، و لام الأمر، و لام الاضافة، داخلا على المظهر. و حق الحروف المفردة الفتح، لاختصاصها «1» بلزوم الجر، و الامتياز عن لام الابتداء، و انما كان حقّها ذلك، لأنه أخ السكون في الخفة، و متعلق الظرف فعل لاصالته في العمل و قلّة الإضمار، مؤخر لأهمّيّة اسمه تعالى، و يقدّر في كل مقام، ما يناسبه، كأتلو، و أقرأ، و أحلّ و أرتحل، و أذبح، في القراءة و الحل و الارتحال و الذبح.
و الاسم من السّمو، و أصله سمو حذف عجزه و سكن أوّله، و زيد في ابتدائه، همزة بشهادة التكبير و التصغير. أو من السمة، و أصله وسم، حذفت الواو و عوّض عنها الهمزة و لم يقل باللّه، لأن التبرك باسمه،
(1) الظاهر أنّ قوله: (لاختصاصها) تعليل لقوله: (و كسر الباء آلخ)
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 51
و ليعم كل أسمائه، و اللّه، أصله إله، حذفت الهمزة، و عوض عنها، أداة التعريف، لكنّه مختص بالمعبود بالحق، و الإله كان لكل معبود، ثم غلّب في المعبود بالحق، و هو من إله، «بالفتح» عبد أو تحير، أو «الكسر» سكن أو فزع أو ولع، لأنه معبود تتحير فيه العقول و تطمئن بذكره القلوب، و يفزع إليه اهل الذنوب. و قيل: أصله لاه ليها و لاها، احتجب و ارتفع، فأدخلت عليه الأداة. و في المرتضوي: اللّه معناه المعبود الذي تأله فيه الخلق، و يوله إليه، المستور عن ادراك الأبصار، المحجوب عن الأوهام و الخطرات.
و هو علم شخص، للّذات المقدسة، الجامعة لكل كمال، و إلا لم تفد كلمة الشهادة التوحيد، و قيل: اسم لمفهوم واجب الوجود، بدليل سورة التوحيد، و تفخّم لامه إذا فتح ما قبلها أو ضم، و حذف ألفه لحن.
و الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفتان مشبهتان من رحم «بالكسر» بعد نقله إلى المضموم، كغضبان من غضب، و عليم من علم.
و الرحمة في الأصل: رقّة القلب المفضية للإحسان، و هي و نحوها بالنسبة إليه تعالى، من باب: خذ الغايات و اترك المبادي، فالمقصود غاياتها من الأفعال، لا مبدئها من الانفعال.
و الرحمن: أبلغ لاقتضاء زيادة المباني زيادة المعاني، و هي هنا، اما باعتبار الكم، بحسب كثرة أفراد المرحومين و قلّتها، و عليه حمل، يا رحمن الدنيا، لشموله المؤمن و الكافر، و رحيم الآخرة، للاختصاص بالمؤمن. أو باعتبار الكيف، و عليه حمل يا رحمن الدنيا و الآخرة، و رحيم الدنيا، لجسامة نعم الآخرة كلها، بخلاف نعم الدنيا، فمعنى الرحمن، البالغ في الرحمة غايتها، و لذا اختص به تعالى، و انما قدم، و مقتضى الترقي العكس، لصيرورته بالاختصاص كالواسطة بين العلم و الوصف، فناسب توسيطه بينهما، أو لأن الملحوظ في مقام التعظيم جلائل النعم، و غيرها
الجوهر الثمين في تفسير الكتاب المبين، ج1، ص: 52
كالتتمة، فقدم، و اردف بالرحيم، للتعميم تنبيها على أن جلائلها و دقائقها منه تعالى، لئلا يأنف عباده من سؤال الحقير من جنابه و للفاصلة.
و خص البسملة بهذه الأسماء، اعلاما، بان الحقيق بان يستعان به، في مجامع الأمور، هو المعبود الحقيقي، البالغ في الرحمة غايتها، المولى للنعم كلها.
و في النبوي: بسم اللّه الرحمن الرحيم، آية من فاتحة الكتاب و هي سبع آيات، تمامها بسم اللّه الرحمن الرحيم،. و سئل الصادق (ع) عن السبع المثاني و القرآن العظيم، هي الفاتحة، قال: نعم. قيل: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من السبع المثاني، قال: نعم هي أفضلهن.
و قال علي (ع): بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، آية من فاتحة الكتاب، و هي سبع آيات، تمامها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. و قال الصادق (ع):
لا تدع بسم اللّه الرحمن الرحيم، و ان كان بعده شعر. و سئل الرضا (ع) عن الاسم ما هو؟ قال: صفة لموصوف ... و عنه (ع): معنى قول القائل، بسم اللّه أي أسم على نفسي بسمة من سمات اللّه عز و جل، و هي العبادة، قيل له ما السمة؟، قال: العلامة. و سئل الصادق (ع) عن أسماء اللّه عزّ و جل، و اشتقاقها، فقال: اللّه هو مشتق من اله، و اله يقتضي مألوها، و الاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئا، و من عبد الاسم و المعنى فقد أشرك و عبد اثنين، و من عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد. ثم قال (ع): للّه عزّ و جل تسعة و تسعون اسما، فلو كان الاسم هو المسمّى، لكان كل اسم منها هو إله «1» ، و لكن اللّه عزّ و جل، معنى يدل عليه بهذه الأسماء، و كلها غيره. و عنه