کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 118

و لأن موقع الدعاء هو أقرب حالات القرب إلى اللّه، فدعاء الهداية و هي قمّة الدعاء أصبحت رابع الخطوات، بعد المعرفة الغائبة في‏ «بِسْمِ اللَّهِ‏ - الى- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» ثم الحاضرة بخالص العبادة في‏ «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» ثم أخرى هي بخالص الاستعانة، فلما اكتملنا خطواتنا الثلاث و وصلنا إلى القمة المقصودة، فلكي نثبت على ما نحن عليه من الهدى، ثم نستزيد هدى على هدى، نقول: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» .

و الهداية هي الدلالة بعطف و لطف بكل مرونة و ازدهار، دون أية خشونة و استكبار، و حتى بالنسبة لأكبر المستكبرين فرعون: «فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً. لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏» (20: 44) .

ثم من الهدى- و هي رحمة- عامة تعنيها «الرحمن» و خاصة تعنيها «الرحيم» و هنا أخصّ تعنيها «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» و الخلق في مثلث الهدى درجات حسب الدرجات.

1- و رحمانية الهدى هي تكوينية لا سواها: «رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏» (20: 50) مهما اختلفت درجات الخلق و بمستواها هداها، و هي لزام كلّ خلق دونما حاجة إلى استدعاء، فالقوانين المحكّمة على المادة تكوينية دونما استثناء، من كيماوية و فيزيائية و فيزيولوجية نباتة أم حيوانية أم إنسانية أمّا هيه- و الكون كله على صراط مستقيم في هذه الهداية الإلهية دونما تخلّف و اختلاف، حيث الربوبية الإلهية مستقيمة دون خلاف‏ «إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (11: 56) :

2- و من ثم تكوينية رحيمية كما في هدى العقل و الفطرة: «وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ» (90: 10) و هما لكافة المكلفين من الملائكة و الجنة و الناس‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 119

أجمعين امّن هم ممن لا نعرفهم؟ و نحن نطلب فيما نطلب تجلّي الفطرة و زيادة العقل، لكي نهتدي إلى صراط مستقيم.

3- أم تشريعية ككلّ شرعة إلهية: هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ‏ و هذان حاصلان لكل مكلف قدر تكليفه، فلولاهما لم تك من المصلين حتى تطلب الهداية، إذا فلا دعاء لهما و لا استدعاء اللهم إلّا تداوما فيهما و استزادة، أن يزيدنا لبّا و نورا و فرقانا لتعرّف أعرف إلى شرعته.

4- ام رحيمية تكوينية هي التوفيق لقبول الهداية لمن يتطلّبها «فَرِيقاً هَدى‏ وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» (7: 30) فكذلك الأمر، فلولا قبول الهدى لما اهتديت إلى الصلاة:

5- ام هي واقع الهدى بعد الاهتداء إليها توفيقا لمزيد الإيمان و عمل الصالحات: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ» (10: 91) «قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (5: 116) فهذه من أحسن الدعوات و أفضل المستدعيات لأن هديها من أفضل الهديّات.

6- ام هي التوفيق لدوام الهدى و الثبات عليها بعد الوصول إليها: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ (60: 90) و منها العصمة و التسديد في البقاء على هدي الصراط المستقيم‏ «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» (17: 74) «وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا» (17: 86) .

7- أم هي استزادة من هدي الصراط المستقيم‏ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 120

حيث الرسول محمد (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و هو «لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» يتطلّب في صلواته ليل نهار هدي الصراط المستقيم، فضلا عمن دونه في صراطه.

8- ام هي- أخيرا- صراط الجنة الأخرى على هدي الجنة الأولى، التي هي جنّة عن كل ضلالة في الأولى و الأخرى: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ (7: 43) و هي في الأخرى جنتان ثانيتهما و أولاهما جنة المعرفة و الرضوان: «وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ» .

فبالسبعة الأخيرة من هذه الثمان:- عدد أبواب الجنان- نغلق أبواب النيران و نفتح أبواب الجنة الثمان: فأولى الهدى هي الفطرة و العقل، غير مكسوفة بطوع الهوى، و أخراها هي لمن بلغوا الذروة من الرعيل الأعلى و بينهما متوسطات، و لكلّ نصيب مما كسبوا و ما ربك بظلام للعبيد، و العطيّات حسب القابليات، و الطرق إلى اللّه بعدد أنفاس الخلائق، فما من أحد إلّا و هو يحتاج هدي الصراط المستقيم.

و لماذا نطلب هداية الصراط المستقيم، دون الهداية «إلى» أم «على» أم «ل»؟ علّه لأن الهداية «إلى» لا تعم الهداية «على» و هي الحيطة الشاملة على الصراط المستقيم، فإنها واقع الهدى، لا السبيل إليها و الرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) هو على صراط مستقيم، مهما كان إليه في البداية:

«قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً ..» (6: 161) فقد كان إليه ثم أصبح عليه فكيف يتطلّب «اهدنا إلى او على الصراط المستقيم»! ثم الهداية «على» تخص أهلها الخصوص، و الهداية «ل» أمر بين أمرين، و دعاء الهداية في الصلاة تعم عامة المصلين، و أما هدى الصراط المستقيم فهو يعم مثلث الهدى!

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 121

فهدى الصراط المستقيم في مثلّث و لكلّ درجات، و لأن دعاء الهداية عامة فلتشمل كافة المتطلّبين، حتى و من هو على صراط مستقيم، أم هو هو صراط مستقيم حيث يهدي إليه‏ «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (42: 52) .

إذا ف «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» تعم الهداية «إلى» و «ل» و «على» ثم و أعلى منها كالرسول (صلى اللّه عليه و آله و سلم) و ذويه الذين هم- فعلا- على صراط مستقيم.

و الجمع في «اهدنا» كما الجمع في «نعبد و نستعين» يجمع في دعاء الهداية كل العابدين اللّه و المستعينين اللّه في مثلث الدرجات، من هو مثلك أو دونك أم فوقك، و حاش للّه أن يستجيبك فيمن فوقك كما هي طبيعة الحال، ثم يتركك بمن هو مثلك أو دونك على ما أنتم، و هذه من أسس الدعاء أن نجمع إلى أنفسنا غيرنا من صالحين و طالحين، ليستفيد الطالحون، و يفيدنا الصالحون.

كما «الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» دون إليه أو عليه لمحة إلى أن القصد دمجنا في الصراط المستقيم، و دمجه فينا حتى نصبح نحن الصراط المستقيم، و لكي نثبت عليه و نهدي إليه، في أيّة درجة من مدارجه.

و نحن نطلب هداية الدلالة و التوفيق و الإيصال لما لم نصله حتى الآن، و التثبيت على أصل الهدى التي وصلناها حتى الآن، تثبيتا حتى لا نرجع القهقرى، و دلالة لما فوقها بمعنييها تكاملا إليها، فنحن- إذا- في أبعاد أربعة من تطلّب الهدى.

و الصراط- كما السراط- من سرط الطعام إذا ابتلعه و زرده بسهولة و دون إبقاء، فهو السبيل المستسهلة السوية التي يبتلعها سالكها أو تبتلعه،

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 122

منحدرة إلى المقصود، ضامنة لسالكها أن ينحدر و لا ينهدر.

و المذكور منه في ساير القرآن (45) مرة، موصوفا في كله بالمستقيم أو ما يعني معناه كالعزيز الحميد (14: 1) و الحميد (22: 24) ام‏ «سَواءِ الصِّراطِ» (38: 22) - «صِراطاً سَوِيًّا» (19: 43) مما يدل على أن هناك صراطا غير مستقيم و لا سوي، مضادا لصراط العزيز الحميد كصراط الجحيم. احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ (37: 23) فهو- إذا- صراط المغضوب عليهم و يتلوه صراط الضالين.

فصراط المغضوب عليهم إلى الشيطان ثم إلى الجحيم يسرطهم ابتلاعا دون إبقاء، فيوصلهم بلا هوادة إلى الجحيم.

ثم الضالين يسرطهم صراطهم ابتلاعا في ابتلاء الضلال، فلا يدعهم ليهتدوا، فهم من‏ «بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً» فقد انقسم الصراط إلى ثلاثة، نهتدي إلى قسم المستقيم‏ «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ» .

فهنا طريق ثم سبيل و من ثمّ صراط هو أبلجه و أنهجه، و هو المستقيم للمنعم عليهم.

فالطريق هي التي تطرق و يمشى عليها باستواء أو ارتفاع أم انحدار، فمنها ما هي إلى الجنة: «يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى‏ طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ» (46: 30) و ما هي إلى النار: «إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً» (4: 196) ثم هي بين طريق باطن كما هما، ام و ظاهر: «فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً» (20: 77) .

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 123

و السبيل هي الطريق المنحدرة المسبّلة للسالكين، فهي أخص من الطريق و أكثر استعمالا في غير الظاهر، و أسهل سلوكا للسالكين، و لكنها- على انحدارها- قد توصل إلى المنزل المقصود بسهولة أو صعوبة و قد لا توصل، فلذلك قد تجمع كما الطريق، فليست واحدة إلّا طريق او سبيل مستقيم:

«وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» (6: 153) .

فالسبل منها سبل السلام و منها دون ذلك، و الصراط المستقيم إلى الحق سلام و ليس دون ذلك: «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (5: 116) فسبل السلام هي درجات لا تخلو إلّا واحدة منها من ظلمات يخرجهم اللّه منها فيستخلصون إلى صراط مستقيم ليس فيه أيّ ظلام، مهما كان هو أيضا درجات حسب الدرجات.

فبين نقطة العبودية و الربوبية صراط مستقيم بين سبل السلام، كما هي بين كافة السبل، و من ثم هي ايضا بين كافة الطرق.

خط مستقيم لا عوج له و لا حول عنه، بين سائر الخطوط الملتوية، منحنية او منكسرة، موصلة على عقباتها أم غير موصلة.

و للصراط المستقيم درجات أعلاها صراط الرب ف «إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (11: 56) صراط يخصه لربوبيته، لا شريك له فيه و لا يشرك فيه أحدا، إذا فلسنا نطلبه من ربنا و لا أوّل العابدين، و كما لسنا لنطلب صراط الهدى التكويني، الرحمانية الأولى، فإنها كائنة لزام كل خلق على أية حال! و أين صراط من صراط؟

و أدناها «الصورة الإنسانية التي هي الطريق إلى كل خير، و الجسر

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏1، ص: 124

الممدود بين الجنة و النار» (48) ظرفا صالحا كأصلح ما يكون لتطلّب الصراط المستقيم، و لكنها كائنة لكل إنسان أيا كان، و حتى من انكدرت فطرته و غرب عقله، فهذا يستدعى ربه أن يهديه إلى صورته الإنسانية حتى يهتدي بها إلى صراط مستقيم، و لأن الصورة الإنسانية درجات سبع، من الروح و الفطرة و العقل و الصدر و القلب و اللب و الفؤاد، فالمستدعاة منها- إذا- لكلّ صورة تلو بعض، ليستعدّ السالك براحلته في هذه الرحلة المدرسية العالية، معرفة بربه ثم عبودية، إذ لا عبودية إلّا بعد شي‏ء من المعرفة تجذب إلى عبودية.

و بينهما متوسطات من الصراط، كصراط العبودية: «إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» (3: 51) و هذا الصراط لزام عشير منذ الأول حتى الأخير، راحلة و وسيلة و غاية، فبإقدام العبودية و المعرفة يحضر العبد محضر الربوبية الذي هو الصراط المستقيم.

و هو اعتصام باللّه: «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (3: 101) فلا عصمة في هذه الرحلة دون اعتصام باللّه إلّا انفصاما عن العروة الوثقى، و لا اعتصام إلا بعصمة المعرفة و العبودية.

كما الاعتصام و الايمان به ذريعة إلى صراط أعلى مستقيم: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَ فَضْلٍ وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً» (4: 174) فلا اعتصام إلا بإيمان كما لا إيمان إلا باعتصام بعشيريهما المعرفة و العبودية.

صفحه بعد