کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 154

و ما تأخر، انها عساكر أقوياء أمناء تذود عن ساحة الرسول و صمة العصيان، و تختصه بأفضل مراحل الرسالة و الايمان! إن الرسول محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- كان بهذا المعنى- من أذنب الخلق، ذنب العصيان عن ميول الطغاة بما جاء به في دعوته الباهظة لأهوائهم، الجاهزة لاجتثات جذورهم، الدافعة عن حوزة الإسلام، التي ارغمتهم و حطتهم عن جبروتهم و طاغوتهم.

و ما استعمال الذنب كثيرا في موارد العصيان‏ «1» بالذي يحوله دوما إلى العصيان، كما الإنسان لو استعمل كثيرا في الأشرار، لا يحول ذلك دون استعماله في الأخيار، و انما يتبع القرائن في مواردها، فيعطى الحق في معاني هذه الألفاظ كما تعنى.

«.. ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ» فما كانوا يكمنون له من قبل و من بعد صار مبتورا بالفتح، و ما أصابوه من قبل أو أرادوه من بعد صار مجبورا بالفتح، فأصبح الفتح له مفتاحا محبورا لكل فتح.

و رغم ما فسر به الجاهلون ذنب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخذ بعد الفتح في تعبده لربه أكثر مما مضى، فلو كان هو ذنب العصيان لعكس أمر الطاعة و تساهل عنها إذ غفر له ما تأخر كما تقدم، لكنه كان يجيب السائلين: «أ فلا أكون عبدا شكورا»؟ تفسيرا لذنبه خلاف ما فسروه و استغلوه، و تبكيتا لمن يستغل سوء التفسير ذريعة للإباحية و اللامبالات، كلا فإنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استفاض بعد

(1). الحق أن تفسر لغات القرآن كما كانت تعنى منها وقت النزول، حيث اللغات قد تجر معها معاني اخرى على طول الزمن و تختلف الاستعمالات، و قد ذكر الذنب في القرآن بمختلف الصيغ 37 مرة و الذنب مرتين و هذا هو اصل الذنب كما عن الراغب في غريب القرآن، و الاول قد يعنى منه الطاعة او المعصية و قد تعمهما، و كل حسب القرائن الدالة، و ما المستعمل في العصيان هنا اكثر من غيره مهما كانت الاكثرية الساحقة تعنى العصيان في غير القرآن.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 155

ذلك من معين الرحمة أمعن مما مضى و أمتن، إذ

«صام و صلى حتى انتفخت قدماه و تعبد حتى صار كالشن البالي فقيل له أ تفعل هذا بنفسك و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: أ فلا أكون عبدا شكورا» «1»

و ليست شاكرية العبد في عبادته بالتي تجعله كالشن البالي و متورم القدمين، لو كان غفر ما تأخر من ذنبه، عفوا عن مطلق عصيانه، كضمان له فيما يأتي كما ضمن ما مضى، إلا عند من غرب عقله و عزب لبّه! .. و إنما زاد في شكره لربه لنعمة الفتح المبين.

وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ‏ و هذه هي الدعامة الثانية لعرش الدولة الإسلامية:

«إتمام النعمة» فإن النعمة ابتدأت بالإسلام منذ بزوغه، و لكنها كانت سجالا:

خليطة بالغمة للأمة و النقمة لرسول الأمة، إذ كانت الغوائل من هنا و هناك تترى عليه و عليهم تباعا تلو بعض، و إن كانت في المدينة أقل.

إنه كان نعمة التأليف و الوحدة فأكملت بفتح مكة الذي وحد الجزيرة عن‏

(1). الدر المنثور 6: 71- اخرج ابن مردويه و البيهقي في الأسماء و الصفات و ابن عساكر عن أبي هريرة ان النبي (ص) لما نزلت‏ «إِنَّا فَتَحْنا ..» صام و ..

و

من طريق اهل البيت عن الامام الرضا عليه السلام في جوابه للمأمون‏ إذ سأله: يا ابن رسول اللّه (ص)! أليس من قولك ان الأنبياء معصومون؟ قال: بلى- قال: فما معنى قول اللّه- الى ان قال-: فأخبرني عن قول اللّه تعالى: «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ» ؟

قال الرضا (ع): لم يكن احد عند مشركي مكة أعظم ذنبا من رسول اللّه (ص) لأنهم كانوا يعبدون من دون اللّه ثلاثمائة و ستين صنما فلما جاءهم بالدعوة الى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم و عظم و قالوا اجعل الآلهة إلها واحدا ... فلما فتح اللّه على نبيه مكة قال له يا محمد! «إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ» عند مشركي أهل مكة بدعاءك توحيد اللّه فيما تقدم و ما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم و خرج بعضهم عن مكة و من بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد إذا دعى الناس اليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفورا بظهوره عليهم فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن (ع)!.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 156

آخرها ثم إلى غيرها: «وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» (3: 103) .

و كان نعمة الغلبة أحيانا و سجالا فأصبحت الآن تامة لا تفسح لأحد مجالا في حربهم: «اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ» (5: 11) و أما الآن فلا ايدي معادية تبسط او تهم، إذ قطعت بفتح مكة، و من قبل كانت تهم و تبسط، و ان كانت تكف بجنود إلهية غير مرئية أم ماذا: «اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا» (33: 10) كما كان يوم الأحزاب.

و أخيرا إكمال الدين أحكاميا، و تخليدا للدولة الإسلامية بتأبيد زعامة سليمة تقطع طموح من كانوا يتحينون فرصة الانقلاب بموت الرسول، تخليدها بذلك الانتصاب الكبير يوم الغدير، راجعا عن حجة الوداع: «.. الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ...» (5: 3) إكمالا في جانبي الشريعة و زعامتها الخالدة، فيأسا للذين كفروا من إفنائها أو اغتصاب و احتلال زعامتها، اللهم إلا تدخلا جانبيا لا يجتثها من جذورها، إلا أن يخرجوا عن الدين، و لكنه مدعم بهاتين الدعامتين مهما تركته حملته، فبناية الدعوة مدعمة بما يضمن بقاءها كما فعل اللّه، و لكنها لا تضمن إلا لمن تضمنها كما أراد اللّه، ثم تتهدم في نفوس صغار صغار لا يتضمنونها، و هي باقية في كتاب الدعوة، في ضمير الكون و عمقه! مجالا واسعا لمن يتحملون و يتضمنون: تطبيقا لها بزعامتها السليمة كما بدأت بالبشير النذير، و كما تخلدت يوم الغدير.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 157

وَ يَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً كدعامة ثالثة لعرش الرسالة، و ترى أن صاحب الرسالة لم يكن على صراط مستقيم منذ الدعوة إلى ثامنة الهجرة التي فيها فتحت مكة، و من ثم اهتدي إلى صراط مستقيم؟!، و هو أول معتصم باللّه‏ «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (3: 101) و هو أفضل مهدي إلى صراط مستقيم طول الرسالة: «قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ..» (6: 161) بل و هو على صراط مستقيم محيطا عليه لزاما به: «وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (36: 4) كيف لا «وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» (42: 52) !.

في الحق إن الصراط المستقيم له درجات و جنبات، فأولى الدرجات هداية الدلالة له و قد هدي صاحب هذه الرسالة منذ البدء، و قبل الرسالة كان مهديا إليه خاصا لنفسه حتى تهيأ للعالمين، ثم الهداية الثانية هي الاستمرار عليه مستزيدا فيه بعصمة إلهية، بعد محاولات بشرية و رسولية، و هو دوما دون انقطاع بحاجة ماسة إلى هذه العصمة،: «وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» (17: 74) و هذه الدرجة هي التي يطلبها هو و المؤمنون- على درجته و درجاتهم- في صلواتهم ليل نهار: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» ثبتنا و أدم لنا توفيقك، فلو شاء اللّه لذهب بالذي أوحى إليه فإنه ليس لزاما للرب إلا بما كتب على نفسه الرحمة: وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا. إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (17: 87) .

هذا- و لكنما الدرجة هذه لا تختص بما بعد الفتح، فإنه مهدي بها على طول الخط، فإنما الاختلاف قبل الفتح في الجنبات لا الدرجات: صراطا مستقيما للداعية في الدعوة، حيث أزيلت الشبكات و الأشواك و العقبات عن طريقها بفتح مكة، و صراطا مستقيما لتقبل الدعوة الإسلامية، حيث الفتح فتح سبيلا واسعا لمن‏

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 158

كانوا في شك من صاحب الدعوة، و صراطا مستقيما في تكميل الدين و إتمام النعمة و كما حصل بفتح مكة، و صراطا مستقيما في العبادة و تطبيق الشريعة إذ زالت عنهم التقية، و انقلبت على المشركين، إذ أسلم كثير منهم، مهما نافق آخرون عائشين تحت الرقابة الإسلامية و رايتها و رعايتها.

وَ يَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً كدعامة رابعة لهذه الدولة السامية، نصرا في كافة الميادين، و إلا فإنه و النبيون معه منصورون: وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (37: 172) لا هم فحسب، بل و المؤمنون أيضا، و لا في الآخرة فحسب بل في الأولى أيضا: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (40: 51).

هذا- و لكنما النصر الموعود عزيز، مهما كان سواه له و لسواه سجالا قبل الفتح: قد يغلبون و قد يغلبون هنا في الأولى، مهما كانوا غالبين معنى و في الآخرة، فكل نصر لكل منصور قبل الفتح المبين كان عضالا و سجالا فيه مجال قل أو كثر لأطراف النضال، و أما بعد الفتح فنصر عزيز يتغلب كافة الحركات المضادة في الجزيرة و حولها زمن الرسول، و الزمن التي كانت الدولة الإسلامية- أو تكون- ناحية منحى الرسول، اللهم إلا في فيما شذت عنه فتشذ عن النصر العزيز و لحد قد يتغلب العدو الكافر المستعمر فلا نصر فضلا عن العزيز ف إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ‏ .

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً .

ما هي السكينة و على من تنزل؟

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 159

إنها حالة روحانية إيمانية «1» تنزل على قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم و اطمئنانا مع اطمئنانهم، تستكن فيها فتطمئنها و تسكنها «2» عما ربما تردها من فورات و اضطرابات تجيش بشتى المشاعر و تستجيش مختلف المظاهر، إذ تلقي ظلالا كريمة على هذه القلوب من نور، فتصبح نورا على نور فتظل في ظلها طمأنينة و راحة، يقينا و ثقة، زيادة عما كان من الإيمان.

فلا مهبط- إذا- لسكينة الايمان إلا الإيمان على درجاته و جنباته و حالاته، و يشترك فيها المؤمنون أجمع، كلّ حسب قابلياته و متطلباته، نزولا من أعلى الإيمان كما للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الى أدناه كما لأدنى المؤمنين، و صعودا من أدناه الى أعلاه و بينهم متوسطات، فلا تشذ قلبا من هذه و تلك إلا و تنزل فيه‏ «لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ» .

إن السكينة في القرآن نجدها في صنوف مثلثة من الآيات: بين نازلة على المؤمنين كما في ثلاث: هذه، و أخرى هنا «فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً» (18) و ثالثة: «إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ..» (2: 248) .

و بين شاملة للرسول و المؤمنين في اثنتين: هنا و في التوبة: فأنزل اللّه- «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ- سَكِينَتَهُ عَلى‏ رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» (26) (9: 26).

و بين خاصة بالرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في التوبة- ايضا- تاركة صاحبه في الغار دون أية سكينة: «.. إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ..» (9: 40) .

(1). تظافرت الأحاديث عن الصادقين عليهما السلام بكلمة واحدة ان‏

«السكينة هي الايمان».

(2) هي الفعلية بمعنى الساكنة او المسكونة لأنها تلازم القلب و تسكن فيه لتسكّنه عن اضطراب.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏27، ص: 160

ترى لماذا يحرم هذا اليتيم في هذه اليتيمة عن السكينة و هو صاحبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الغار، و على أمسّ الحاجة إليها إذ حزن لحد نهاه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عنه: «لا تحزن» في حين تنزل على الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لم يحزن؟! «1» انا لا ادري! ثم: الإيمان عمل كله و القول بعض ذلك العمل .. حالات درجات و طبقات و منازل، فمنه التام المنتهي تمامه، و منه الناقص المبيّن نقصانه، و منه الراجح الزائد رجحانه: «وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ..» (9: 124)

(1). قد يذاد هنا عن ساحة الخليفة بأنه النازل عليه السكينة هنا فانه الذي حزن و لكي تكمل صحبته بإيمانه- و ترى كيف يختص اللّه أبا بكر بسكينته و إنزال جنود عليه غير مرئية و جعله كلمة اللّه العليا- ثم يحرم رسوله عن هذه و تلك، و هو الذي تنزل عليه سكينة العصمة و الطمأنينة دوما- مع المؤمنين و منفردا كما مضت آياته.

ثم ترى من هو المضمر في «إلا تنصروه» إلا الرسول (ص) فهو هو إذا المنصور في الغار «من داخل قلبه»: بانزال السكينة عليه «و من خارجه» بتأييده بجنود غير مرئية، و جعله كلمة اللّه العليا: «فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ ..» و لم يأت ذكر الخليفة أبي بكر إلا هامشيا «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ» ثم نرى ان الرسول هو ركن الكلام هنا و هناك «1- الا تنصروه 2- فقد نصره الله 3- إذ أخرجه .. 4- ثاني اثنين 5- إذ يقول 6- لصاحبه ..» و بعد هذه الستة الصريحة في الرسول (ص) ما هذا الذي يحول وجه الكلام و نتيجة النصرة: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها ... وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا» يحول هذا المثلث البارع من نصر اللّه الموعودة المحققة- عنه الى صاحبه، أ تحويلا لمهمة الرسالة عن الرسول (ص) الى صاحبه في الغار ترفيعا لساحة الخليفة، و تخفيضا لساحة الرسالة.

صفحه بعد