کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن

الجزء الأول

الجزء الثاني و العشرون

الجزء الخامس و العشرون

الجزء السادس و العشرون

الجزء السابع و العشرون

الجزء الثامن و العشرون

رسالة من صاحب تفسير«الميزان» تعريفا بتفسير الفرقان مقدمة

الجزء التاسع و العشرون

الجزء الثلاثون

المقدمة المدخل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن


صفحه قبل

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 153

بذكر اللسان، و من ثم بكل هؤلاء الذين وقفوا عن الحراك في تحكيم ذكر اللّه في قلوبهم، أو يتباطئون في الحراك، مهما انقلب ذكر من اللّه إلى قلوبهم، فليس لذكر اللّه حد و لا نهاية، و على السالك أن يتسارع في هذه السبيل حتى يتوفاه الموت، و من ثم يسرع بالعجلة التي قدمها لنفسه.

(أَ لَمْ يَأْنِ) : ألم يأت آن و حين‏ (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتهم دون قلوبهم، أو بقلوبهم أحيانا دون أخرى، أو ببعضها دون الآخر، أو بدرجة دون تزايد (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ) كل ما يذكر اللّه‏ (وَ ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) قرآنا و أيا كان، (وَ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ) من اليهود و النصارى‏ (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ) : الأجل و الفترة بين الرسالات‏ (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) شاءوا أم أبوا وَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ‏ ) و هم العامدون الضالون المضللون. فقيل منهم ضالون جهلا و قصورا فهم ليسوا بفاسقين، و قليل من هؤلاء القلة مؤمنون صامدون رغم طول الآماد و بواعث القساوات، و هنيئا لهذه القلة المؤمنة، اللهم اجعلنا من هؤلاء القلة من الملة الحنيفة المحمدية، و في أقسى الزمن و أطول الفترات: دور الانتظار، نظرة الانتصار.

و ترى هل من فرج بعد الانكسار بما تقاست القلوب في فترة الانتظار، و ماتت الأرض؟ اللهم نعم:

اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ .

إن إحياء الأرض بعد موتها، لا بعد إماتتها، توحي ان موتها منها، و إحياءها من اللّه، فهي إذا الحياة الروحية، بعد موتها عنها بما قست القلوب‏ «1»

(1).

الكافي باسناده عن أبي ابراهيم موسى بن جعفر (ع) في الآية: قال‏ : ليس يحييها بالقطر و لكن يبعث اللّه عز و جل رجالا فتحي الأرض لإحياء العدل و لإقامة الحد فيها انفع في الأرض من القطر أربعين صباحا.

أقول: سلب الاحياء بالقطر عله سلب الحصر، و كما يزعمه البسطاء، فإن الآية تشملها و ان تلويحا.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 154

و إن كانت تشمل حياتا قبلها بموتها هي الحياة النباتية و الحيوانية و الإنسانية الجسدانية، و كذلك حياتا بعدها هي الحياة الاخرى عند القيامة الكبرى، و لكنما المقصود الأصيل من الحياة هنا هي الوسطى: الروحية السامية، زمن قيام الدولة الإسلامية الكبرى بزعامة القائم المهدي عليه التحية و السلام‏ «1» ، لمكان (بعد موتها) و ان الآية تحتف بها آيات لا تناسب الحياة المادية فحسب:

(ألم يأن ...) (ان المصدقين ...) و إن كانت تلمح بالحياة الاولى و الاخرى أيضا.

فالأرض المبشّر بإحيائها هي الأرض الناقصة من أطرافها: (أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) (13: 41) و هو ذهاب نورها و بهجتها بذهاب علماءها العارفين باللّه، و مؤمنيها المتمسكين بدين اللّه.

كما و انها أراضي القلوب التي خوت عن خشية اللّه، و انطفت عن نور معرفة اللّه، فاللّه تعالى يحيي هذه و تلك، زمن الانتظار أحيانا، و زمن الانتصار تماما، إذ لا حكم إلا اللّه، فلا يعبد إذا إلا اللّه.

فلا يقوم قائم الانتصار إلا بعد ما ملئت الأرض ظلما و جورا و هذا موتها، فهو يملأها قسطا و عدلا، و هذا إحياءها، و إن كان لا بد لتأسيس هذه الدولة العالمية من مساعدين من أقوياء المسلمين، فهم أولاء، العشرة آلاف جنود

(1).

كمال الدين و تمام النعمة باسناده إلى سلام بن المستنير عن أبي جعفر (ع) : في قول اللّه تعالى: اعلموا ان اللّه يحيي الأرض بعد موتها. قال: يحيي اللّه تعالى بالقائم بعد موتها، يعني بموتها كفر أهلها و الكافر ميت.

و فيه باسناده إلى سليط قال: قال الحسين بن علي (ع) منا اثنى عشر مهديا أولهم امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) و آخرهم التاسع من ولدي هو القائم بالحق به يحيي الأرض بعد موتها و يظهر به الدين الحق على الدين كله و لو كره المشركون.

و في روضة الكافي باسناده إلى محمد الحلبي‏ انه سال أبا عبد اللّه (ع) عن قول اللّه عز و جل:

اعلموا ان اللّه يحيي الأرض بعد موتها- قال: العدل بعد الجور.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 155

المهدي (ع) و ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا اصحاب الألوية، إضافة إلى من يرجعهم اللّه من سائر المؤمنين الأشداء رجعة الاستعداد او الاستدعاء! اللهم اجعلنا منهم احياء او أمواتا.

إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَ لَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ‏ :

مزيد تأكيد لإقراض اللّه قرضا حسنا متصدقا فيه و في سواه من إنفاق في سبيل اللّه، و التصدق هو التجافي عن حق لمن يحتاجه، بتكلف، كأن يحبه كثيرا، أو يحتاجه دون ضرورة أم ماذا.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ‏ :

ان الصديقين و الشهداء عند اللّه ليسوا أناسا خصوصا تحتكر لهم هذه المقامات، و تحجز لهم لأنهم أصحاب القرابات الى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو أيا من ميزات اللهم إلا القربات: الإيمان باللّه و رسوله و ان كان له درجات، فالصديق و الشهيد عند اللّه هو الذي بلغ الذروة من الإيمان عقيديا و عمليا، فإن الإسلام شريعة لا مجال فيها للطبقيات في نيل الدرجات.

و من المؤمنين الذروة من فرّ بدينه من أرض الى أرض مخافة الفتنة على نفسه و دينه‏ «1» مما يدل على أن دينه أعز عنده مما سواه، و ان كانوا هم أيضا درجات.

صحيح أن المؤمن لن يصل الى درجة النبيين، إلا أن له أن يضاهيهم فيصل‏

(1).

الدر المنثور 6: 176 أخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال قال رسول اللّه (ص): «... كتب عند اللّه صديقا فإذا مات قبضه اللّه شهيدا و تلا هذه الآية ثم قال: و الفارون بدينهم من أرض الى أرض يوم القيامة مع عيسى بن مريم في درجته في الجنة».

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 156

الى درجة الشهداء و الصديقين و كما هم شهداء و صديقون: «وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا» (19: 41) «وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا» (19: 56) «وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ» (5: 75) فالصديقون و الشهداء هم من مربع النور: الرعيل الأعلى المنعم عليهم: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» (4: 69) فقد بلغ الصديقون الى درجة يؤمر المصلون أجمعون أن يهديهم اللّه صراطهم: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» (1: 5) فهم البالغون القمة في النعمات الروحية الإلهية، اللهم إلا رسالة الوحي في غير النبيين منهم.

إذا فبإمكان المؤمن أن يصطف في صفوف النبيين اللهم إلا الوحي و العصمة الخاصة بهم، فإنهما جذبة إلهية لمن كمّل سيره الى اللّه، فيصطفيه اللّه تكميلا لما قصر هو عنه، فالنبوة بين سعي بشري و اصطفاء مكمل إلهي.

و لأنهم صديقون عند ربهم، فهم الشهداء عند ربهم كما النبيون شهداء:

«وَ جِي‏ءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» (39: 69) و محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو شهيد الشهداء: نبيين و صديقين: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً» (4: 41) .

إنهم يشهدون على أعمال العباد لأنهم صديقون لا يكذبون و لا يسهون، فحياتهم الصدق دون أية كذبة، و لا تورية إلا ما يشاء اللّه و يرضى، و كيف يمكن إلقاء الشهادة ممن لم يتلق الأعمال، فهم- إذا- يلقّون أعمال العباد و يتلقونها يوم الدنيا حتى يشهدوا بها و يلقوها في الاخرى، كما و أنهم شهداء عند اللّه:

حضورا عنده و ليسوا غيّبا، يشاهدون جلاله و جماله، كبرياءه و مناله، عميان عمن سوى اللّه، لا يرون شيئا إلا و قد يرون اللّه قبله و بعده و معه و فيه، رؤية علم و معرفة كأنها عيان: «اعبد ربك كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك».

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 157

و هم كذلك شهداء اللّه و حججه يوم الدنيا، يدلون اليه، مجاهدين في التدليل عليه، مثلث الشهادة الصادقة للصديقين و حسن أولئك رفيقا.

هؤلاء لهم أجرهم كما سعوا، و نورهم كما قدموا و لا يظلمون فتيلا «وَ الَّذِينَ كَفَرُوا» باللّه و رسله‏ «وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» : رسلا و رسالات بسائر الآيات‏ «أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ» : نار شديدة التأجج، كما هم كانوا نارا على أصحاب النعيم.

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ :

ان الحقيقة في الحياة الدنيا، وراء كل ما يبدو فيها هي الحياة الخماسية الزهيدة الجوفاء، دون بقاء و لا وفاء، تجمعها «انها حياة الغرور»: غرور لعب و لهو و زينة و تفاخر و تكاثر، و من ثم هي‏ (فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) لمن أبصر إليها فأعمته عن حقيقتها، و هي هي‏ (مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ) لمن أبصر بها فبصرته، فهي من طبعها حياة الغرور لمن لا يحدّ البصر، و هي ثانية حياة المغفرة و الرضوان لحديدي البصر! فعلى السالك السبيل من هذه القنطرة الخطرة أن يعمق النظر و يحد البصر، لكي لا يغره باللّه الغرور في هذه الحياة الغرور.

انها حياة ذات وجهين و وجهتين: باطنها فيه الرحمة و ظاهرها من قبله العذاب، و كما تضرب هي سورا بين أهل الجنة و النار يوم القرار.

فبإمكان الإنسان أن يجعل من الحياة الدنيا حياة عليا، أن يقنطرها للأخرى، و يستخدمها للارتقاء في مراقي العبودية و التقى، فان الدنيا مدرسة الآخرة!.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 158

يجعل بدل اللعب الطفولي، العمل البناء البطولي، و بدل اللهو عن ذكر اللّه لهوا عما سوى اللّه و عيشة مع اللّه، و بدل زينة الحياة الدنيا، زينة الحياة العليا:

الإيمان و التقوى، و بدل التفاخر بالأرذل الأدنى، التناصر فيما يحب اللّه و يرضى، و بدل التكاثر في الأموال و الأولاد، التكاثر في المثل العليا.

ان دور اللعب هو دور الطفولة، يتعبون أنفسهم فيما لا يعنى، فتذهب أتعابهم سدى، و اللهو دور الشبان، إذ يلتهون عن مهمات الحياة الى ملذاتها و ملماتها، و عن عقلياتها الى شهواتها، ثم لا يبقى لهم بعد انقضاءها إلا حسرات، إذ يرى تقضّي العمر و المال و اللذة العمياء، و الزينة في الملابس و المراكب و المساكن دور الكهولة أو ما يشارفها، بعد ما انقضى ثورة اللهو و الشهوة، ثم بعد الكهولة دور التفاخر بالأحساب و الأنساب و المناصب و الألقاب الفارغة الجوفاء، و أخيرا دور التكاثر في الأموال و الأولاد و قد يتخطى الأحياء الى الأموات: (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ. حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) .

و من الناس النسناس من يعيش هذه الأدوار طول حياته، صبيا في كهولته، شابا في طفولته، طفلا في رجولته، يلعب و يلهو و هو شيخ هرم، و يلعب دور الزينة و التفاخر و التكاثر في سني عمره كلها (فأولى لهم ثم أولى لهم)!.

و هنا الآية تمثل خير الأمثال للحياة الدنيا (كمثل غيث) مثلا عن الحياة العليا، الخليطة بزخارف الدنيا: (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (10: 24) .

و الغيث من الغوث: المطر المغيث العطشى، و المغيث الحب و النوى، و كذلك الحياة العليا الإيمانية تغيث أصحابها عن غرور الدنيا و زخرفاتها، و هي الحياة المستجيبة لنداء الفطرة و رسالات السماء.

الفرقان فى تفسير القرآن بالقرآن، ج‏28، ص: 159

كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ‏ : هل الكفار هنا هم الزرّاع إذ يكفرون البذر و يسترونه تحت التراب؟ و قد يناسبه الغيث و النبات! و لكنها إذا آية يتيمة في هكذا كفر بين آيات الكفار كلها «1» ! أم هم الكافرون الساترون الحاجبون الفطرة عن نور الحق، و الساترون سائر الحق بحجب التكذيب و الإنكار؟

قد يلائمه سائر آيات الكفار، و غير فصيح و لا صحيح أن يعني به في هذه اليتيمة غير ما عنى به في سائر العشرين آية، فلما ذا لم يقل الزرّاع لو كان معنيا من الكفار، كما في سائر آيات الزرّاع‏ «2» ؟ و قد قورن بالكفار في واحدة منها:

«يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ» (48: 29) ! و لكنما العجاب من نبات الغيث لا يخص الكفار، زرّاعا أم غير زرّاع، بل يعجب المؤمن و الكافر، و لا سيما الزرّاع مؤمنين أو كافرين! قد يعني به الزرّاع هنا مضمّنا الكفار، تورية و إلماعا الى إعجابهم بالحياة الدنيا، فالغيث يعجب الزراع و أحرى، و يعجب الكفار زراعا و سواهم، و أين عجب من عجب؟ عجب كافر و هو عجاب كافر، و عجب مؤمن و هو عجاب مؤمن، عجب لاه، و عجب من رحمة اللّه.

«ثُمَّ يَهِيجُ» النبات‏ «فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً» : كسرا هشيما تذروه الرياح، و هكذا ينتهي شريط الحياة الدنيا العاجلة الزهيدة، ثم هي‏ «وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ» للزراع الكافرين المعجبين بظاهر الحياة الدنيا، اللاعبين اللاهين المتزينين المتفاخرين المتكاثرين‏ «وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ» للزراع المؤمنين، الذين استفادوا من غيث الحياة إغاثة لها عن دنياها، فما زخرفوها أو دنّسوها بغرورها و زورها، بل أنبتوها من هذه الممرة الكأداء نباتا حسنا،

(1). و هي احدى و عشرون آية لا يحتمل معنى الزرع إلا في هذه.

صفحه بعد