کتابخانه تفاسیر
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل
الجزء الأول
سورة البقرة
سورة آل عمران
سورة النساء
سورة المائدة
الجزء الثاني
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة التوبة
سورة يونس
سورة هود عليه السلام
سورة يوسف
سورة الرعد
سورة إبراهيم
سورة الحجر
سورة النحل
سورة الإسراء
سورة الكهف
الجزء الثالث
سورة مريم
سورة طه
سورة الأنبياء
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبإ
سورة الملائكة
الجزء الرابع
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
سورة المؤمن
سورة[فصلت، و تسمى] السجدة
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
سورة محمد صلى الله عليه و سلم
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة التغابن
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المرسلات
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 455
فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ فقد أبلغت في إخزائه. و هو نظير قوله فقد فاز. و نحوه في كلامهم: من أدرك مرعى الصمان «1» فقد أدرك، و من سبق فلانا فقد سبق وَ ما لِلظَّالِمِينَ اللام إشارة إلى من يدخل النار و إعلام بأنّ من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة و لا غيرها «2» ، تقول:
سمعت رجلا يقول كذا، و سمعت زيداً يتكلم. فتوقع الفعل على الرجل و تحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره، و لو لا الوصف أو الحال لم يكن منه بد، و أن يقال سمعت كلام فلان أو قوله. فإن قلت: فأىّ فائدة في الجمع بين المنادى و ينادى؟ قلت: ذكر النداء مطلقاً ثم مقيداً بالإيمان تفخيما لشأن المنادى؛ لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادى للإيمان. و نحوه قولك: مررت بهاد يهدى للإسلام. و ذلك أنّ المنادى إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب، أو لإطفاء النائرة، أو لإغاثة المكروب، أو لكفاية بعض النوازل، أو لبعض المنافع، و كذلك الهادي قد يطلق على من يهدى للطريق و يهدى لسداد الرأى و غير ذلك؛ فإذا قلت: ينادى للإيمان، و يهدى للإسلام، فقد رفعت من شأن المنادى و الهادي و فخمته. و يقال: دعاه لكذا و إلى كذا، و ندبه له و إليه، و ناداه له و إليه. و نحوه: هداه للطريق و إليه، و ذلك أن معنى انتهاء الغاية و معنى الاختصاص واقعان جميعاً، و المنادى هو الرسول (أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ) ، (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ) . و عن محمد بن كعب: القرآن. أَنْ آمِنُوا أى آمنوا، أو بأن آمنوا ذُنُوبَنا كبائرنا سَيِّئاتِنا صغائرنا مَعَ الْأَبْرارِ مخصوصين بصحبتهم، معدودين في جملتهم. و الأبرار: جمع برّ أو بارّ، كرب و أرباب، و صاحب و أصحاب عَلى رُسُلِكَ على هذه صلة للوعد، كما في قولك: وعد اللَّه الجنة على الطاعة. و المعنى: ما وعدتنا على تصديق رسلك. ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادى للإيمان و هو الرسول و قوله آمنا و هو التصديق و يجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف، أى ما وعدتنا منزلا على رسلك، أو محمولا على رسلك، لأن الرسل محملون ذلك (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) و قيل: على ألسنة رسلك. و الموعود هو الثواب. و قيل:
النصرة على الأعداء. فإن قلت: كيف دعوا اللَّه بإنجاز ما وعد و اللَّه لا يخلف الميعاد؟ قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد أو هو باب من اللجأ إلى اللَّه و الخضوع له، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة و السلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك
(1). قوله «من أدرك مرعي الصمان» في الصحاح: موضع إلى جنب رمل عالج. و عالج: موضع بالبادية به رمل. (ع)
(2). قوله «فلا ناصر له بشفاعة و لا غيرها» هذا عند المعتزلة. أما عند أهل السنة، فمن يدخل النار من المؤمنين يخرج بالشفاعة أو بالعفو، كما حقق في محله. (ع)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 456
التذلل لربهم و التضرع إليه، و اللجأ الذي هو سيما العبودية.
[سورة آلعمران (3): آية 195]
يقال استجاب له و استجابه:
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ «1»
أَنِّي لا أُضِيعُ قرئ بالفتح على حذف الياء، و بالكسر على إرادة القول. و قرئ:
لا أضيع، بالتشديد مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بيان لعامل بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أى يجمع ذكوركم و إناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر، أى من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم و اتحادكم. و قيل المراد وصلة الإسلام. و هذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد اللَّه عباده العاملين. و روى أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول اللَّه، إنى أسمع اللَّه تعالى يذكر الرجال في الهجرة و لا يذكر النساء «2» . فنزلت فَالَّذِينَ هاجَرُوا تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له و التفخيم، كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة، و هي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى اللَّه بدينهم من دار الفتنة، و اضطرّوا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها و نشوّا بما سامهم «3» المشركون من الخسف وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي من أجله و بسببه، يريد
(1).
و داع دعا يا من يهيب إلى الندى
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى و ارفع الصوت جهرة
لعل أبى المغوار منك قريب
لكعب بن سعد الغنوي، يرثى أخاه هرم و كنيته أبو المغوار. و «جهرة» مفعول مطلق مؤكد. و «أبى» مجرور بلعل، و هي لغة عقيل. و استعمال لعل في الأمر البعيد- مع أنها للرجاء و القرب- دليل على شدة ولهه و تنزيله البعيد منزلة القريب. و روى: «لعل أبا المغوار» على اللغة المشهورة. يقول: و رب داع إلى المكارم لم يهبه أحد فقلت له: ادع مرة أخرى برفع صوتك، لعل أخي يكون قريبا فيجيبك على عادته، فانه كثيراً ما يطلب معالى الأمور. و هذا من باب التمثيل و التخييل، لأنه لا داعى في الواقع.
(2). أخرجه الترمذي، من رواية عمرو بن دينار أخبرنى سلمة- رجل من ولد أم سلمة رضى اللَّه عنها- قال قالت أم سلمة.
(3). قوله «بما سامهم» في الصحاح: يقال سامه الخسف، و سامه خسفا، و خسفا أيضا بالضم: اى أولاه ذلا. (ع)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 457
سبيل الدين وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا و غزوا المشركين و استشهدوا. و قرئ: و قتلوا، بالتشديد. و قتلوا و قاتلوا- على التقديم- بالتخفيف و التشديد. و قتلوا، و قتلوا، على بناء الأول للفاعل و الثاني للمفعول. و قتلوا، و قاتلوا، على بنائهما للفاعل ثَواباً في موضع المصدر المؤكد بمعنى إثابة أو تثويباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لأن قوله: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ ....) (وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ) في معنى. لأثيبنهم. و عِنْدَهُ مثل: أن يختص به و بقدرته و فضله، لا يثيبه غيره و لا يقدر عليه، كما يقول الرجل: عندي ما تريد، يريد اختصاصه به و بملكه و إن لم يكن بحضرته. و هذا تعليم من اللَّه كيف يدعى و كيف يبتهل إليه و يتضرّع. و تكرير (رَبَّنا) من باب الابتهال، و إعلام بما يوجب حسن الإجابة و حسن الإثابة، من احتمال المشاق في دين اللَّه، و الصبر على صعوبة تكاليفه، و قطع لأطماع الكسالى المتمنين عليه، و تسجيل على من لا يرى الثواب «1» موصولا إليه، بالعمل بالجهل و الغباوة.
و روى عن جعفر الصادق رضى اللَّه عنه: من حزبه أمر فقال خمس مرات (ربنا) أنجاه اللَّه مما يخاف و أعطاه ما أراد، و قرأ هذه الآية. و عن الحسن: حكى اللَّه عنهم أنهم قالوا خمس مرات (ربنا) ثم أخبر أنه استجاب لهم، إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء و ما يستجاب به، فلا بد من تقديمه بين يدي الدعاء.
[سورة آلعمران (3): الآيات 196 الى 197]
(لا يَغُرَّنَّكَ) الخطاب لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم أو لكل أحد، أى لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق و المضطرب و درك العاجل و إصابة حظوظ الدنيا، و لا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في الأرض، و تصرفهم في البلاد يتكسبون و يتجرون و بتدهقنون «2» . و عن ابن عباس: هم أهل مكة. و قيل: هم اليهود. و روى أن أناسا من المؤمنين كانوا يرون ما كانوا فيه من الخصب و الرخاء و لين العيش فيقولون: إن أعداء اللَّه فيما نرى من الخير و قد هلكنا من الجوع و الجهد. فإن قلت: كيف جاز أن يغتر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم بذلك حتى ينهى عن الاغترار
(1). قوله «و تسجيل على من لا يرى الثواب» يريد أهل السنة القائلين يجوز على اللَّه أن يتفضل على العبد بدون عمل و لا يجب عليه إثابة العامل. و قد حقق في محله. (ع)
(2). قوله «و يتجرون و يتدهقنون» يتملئون و يتمتعون بلين الطعام و طيب الشراب. أفاده الصحاح، في مادة دهق، و مادة دهقن. و الأوفق بما في الصحاح: يتدهمقون، حيث قال: قال الأصمعى: الدهمقة: لين الطعام و طيبة ورقته. و حديث عمر «لو شئت أن يدهمق لي لفعلت، و لكن اللَّه عاب قوما فقال: أذهبتم طيباتكم ... الآية» و لم يذكر الدهقنة بهذا المعنى تصريحا. (ع)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 458
به؟ قلت: فيه وجهان أحدهما أن مدرة القوم و متقدّمهم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعاً، فكأنه قيل: لا يغرنكم. و الثاني: أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم كان غير مغرور بحالهم فأكد عليه ما كان عليه و ثبت على التزامه، كقوله: (وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ) ، (وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)* ، (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) و هذا في النهى نظير قوله في الأمر (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) و قد جعل النهى في الظاهر للتقلب و هو في المعنى للمخاطب، و هذا من تنزيل السبب منزلة المسبب، لأنّ التقلب لو غرّه لاغتر به، فمنع السبب ليمتنع المسبب. و قرئ: لا يغرنك بالنون الخفيفة مَتاعٌ قَلِيلٌ خبر مبتدإ محذوف، أى ذلك متاع قليل و هو التقلب في البلاد، أراد قلته في جنب ما فإنهم من نعيم الآخرة، أو في جنب ما أعدّ اللَّه للمؤمنين من الثواب، أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه و كل زائل قليل. قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجْعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع «1» » وَ بِئْسَ الْمِهادُ و ساء ما مهدوا لأنفسهم.
[سورة آلعمران (3): آية 198]
النزل و النزل: ما يقام للنازل. و قال أبو الشعراء الضبي:
وَ كُنَّا إذَا الْجَبَّارُ بِاْلْجَيْشِ ضَافَنَا
جَعَلْنَا الْقَنَا وَ الْمُرهِفَاتِ لَهُ نُزْلَا «2»
و انتصابه إمّا على الحال من جنات لتخصصها بالوصف و العامل اللام: و يجوز أن يكون بمعنى مصدر «3» موّكد، كأنه قيل: زرقاء، أو عطاء مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ من الكثير الدائم خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل، و قرأ مسلمة بن محارب و الأعمش (نُزُلًا) بالسكون. و قرأ يزيد بن القعقاع: لكنّ الذين اتقوا، بالتشديد.
[سورة آلعمران (3): آية 199]
(1). أخرجه مسلم من حديث المستورد بن شداد به.
(2). لأبى الشعراء الضبي. و الجبار: الملك العاتي. و ضافه يضيفه: نزل عنده ضيفا، أى إذا نزل بنا الجبار مع جيشه نزول الضيف. و فيه تهكم به حيث جاء محارباً، فشبهه بمن جاء للمعروف طالبا، و رشح ذلك التشبيه يجعل الرماح و السيوف المرهفات المسنونات نزلا له، و هو الطعام المعد للضيف
(3). قوله «و يجوز أن يكون بمعنى مصدر» في قوة: و أما على المصدر، لأنه يجوز ... الخ. (ع)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 459
وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ عن مجاهد: نزلت في عبد اللَّه بن سلام و غيره من مسلمة أهل الكتاب. و قيل: في أربعين من أهل نجران، و اثنين و ثلاثين من الحبشة، و ثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا. و قيل: في أصحمة النجاشي ملك الحبشة، و معنى أصحمة «عطية» بالعربية. و ذلك أنه لما مات نعاه جبريل إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم؛ فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم، فخرج إلى البقيع و نظر إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي و صلى عليه و استغفر له: فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلى على علج نصراني لم يره قط و ليس على دينه «1» ، فنزلت. و دخلت لام الابتداء على اسم «إنّ» لفصل الظرف بينهما؛ كقوله: (وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ) . وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ من القرآن وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من الكتابين خاشِعِينَ لِلَّهِ حال من فاعل يؤمن، لأن من يؤمن في معنى الجمع لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم و كبارهم أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أى ما يختص بهم من الأجر و هو ما وعدوه في قوله: (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) ، (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) . إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ لنفوذ عمله في كل شيء، فهو عالم بما يستوجبه كل عامل من الأجر. و يجوز أن يراد: إنما توعدون لآت قريب بعد ذكر الموعد.
[سورة آلعمران (3): آية 200]
(1). ذكره الثعلبي من قول ابن عباس و قتادة. و لفظه «فخرج إلى البقيع. و كشف له من المدينة إلى أرض الحبشة بأبصر سرير النجاشي» و الباقي نحوه، و قد ذكر إسناده إليهما آخر الكتاب. و ذكره الواحدي بلا إسناد، و رواه الطبري و ابن عدى في ترجمة أبى بكر الهذلي، و اسمه: سلمى، و هو ضعيف- عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن جابر دون قوله «و نظر إلى أرض الحبشة، فأبصر سرير النجاشي، و زاد فيه، و كبر أربعا، و الطبراني في الأوسط» من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد قال «لما قدم على النبي صلى اللَّه عليه و سلم وفاة النجاشي قال: اخرجوا فصلوا على أخ لكم لم نره قط؛ فخرج بنا، و تقدم النبي صلى اللَّه عليه و سلم و وقفنا خلفه، فصلى و صلينا، فلما انصرفنا قال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلى على علج نصراني لم يره قط فأنزل اللَّه تعالى: (وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) .
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 460
اصبروا على الدين و تكاليفه وَ صابِرُوا أعداء اللَّه في الجهاد، أى غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبراً منهم و ثباتا. و المصابرة: باب من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه، تخصيصا لشدته و صعوبته وَ رابِطُوا و أقيموا في الثغور رابطين خيلكم فيها، مترصدين مستعدين للغزو. قال اللَّه عز و جل: (وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ) و عن النبي صلى اللَّه عليه و سلم «من رابط يوما و ليلة في سبيل اللَّه كان كعدل صيام شهر «1» و قيامه، لا يفطر، و لا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة».
و عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم «من قرأ سورة آل عمران أعطى بكل آية منها أمانا على جسر جهنم» «2» و عنه عليه الصلاة و السلام: «من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى اللَّه عليه و ملائكته حتى تحجب الشمس» «3» .
(1). أخرجه أحمد و ابن أبى شيبة من حديث سلمان أتم منه و لابن حبان من حديث سلمان «رباط يوم و ليلة في سبيل اللَّه أفضل من صيام شهر و قيامه جاع لا يفطر، و قام لا يفتر» و أصله في مسلم، و وهم الحاكم فاستدركه.
(2). أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من حديث أبى بن كعب و سيأتى آخر الكتاب، و رواه ابن مردويه من وجه آخر عن أبى بن كعب، و الواحدي في التفسير الأوسط من حديث أبى أمامة رضى اللَّه عنه.
(3). أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس، و إسناده ضعيف.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ج1، ص: 461
سورة النساء
مدنية، و هي مائة و ست و سبعون آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة النساء (4): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا النَّاسُ يا بنى آدم خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فرعكم من أصل واحد و هو نفس آدم أبيكم «1» . فإن قلت: علام عطف قوله وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها ؟ قلت: فيه وجهان: أحدهما أن يعطف على محذوف، كأنه قيل: من نفس واحدة أنشأها أو ابتدأها، و خلق منها زوجها.
و إنما حذف لدلالة المعنى عليه. و المعنى: شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها، و هي أنه أنشأها من تراب و خلق زوجها حواء من ضلع من أضلاعها وَ بَثَّ مِنْهُما نوعي جنس الإنس و هما الذكور و الإناث، فوصفها بصفة هي بيان و تفصيل بكيفية خلقهم منها. و الثاني: أن يعطف على خلقكم، و يكون الخطاب في: (يا أَيُّهَا النَّاسُ) للذين بعث إليهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و سلم.
و المعنى: خلقكم من نفس آدم، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه، و خلق منها أمكم حواء و بث منهما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً غيركم من الأمم الفائتة للحصر. فإن قلت: الذي يقتضيه سداد نظم الكلام و جزالته أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يوجبها أو يدعوا إليها و يبحث عليها، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره موجبا للتقوى و داعيا إليها؟ قلت: لأنّ
(1). قال محمود: «معناه فرعكم من أصل واحد و هو نفس آدم أبيكم و علام عطف ... الخ» قال أحمد: