کتابخانه تفاسیر
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 347
أو كلما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم «1»
و قال قتادة: للمعتبرين.
وَ إِنَّها يعني قرى قوم لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ بطريق واضح.
قاله قتادة، و مجاهد، و الفراء، و الضحاك: بطريق معلّم ليس بخفي و لا زائغ.
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ و قد كان أصحاب الغيضة لكافرين، و هم قوم شعيب كانوا أصحاب غياض و رياض و شجر متناوش متكاوش ملتف و كانوا يأكلون في الصيف الفاكهة الرطبة و في الشتاء اليابسة و كان عامة شجرهم الدوم و هو المقل فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ بالعذاب، و ذلك أن الله سلّط عليهم الحرّ سبعة أيام لا يمنعهم منه شيء، فبعث الله عليهم سحابة فالتجأوا إلى ظلّها يلتمسون روحها فبعث الله عليهم منها نارا فأحرقتهم «2» فذلك قوله: فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وَ إِنَّهُما يعني مدينة قوم لوط و مدينة أصحاب الأيكة لَبِإِمامٍ مُبِينٍ طريق مستبين، و سمّي الطريق إماما لأنه يؤتم به.
وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ أي الوادي، و هو مدينة ثمود و قوم صالح و هي فيما بين المدينة و الشام الْمُرْسَلِينَ أراد صالحا وحده.
عبد الله بن عمر و جابر بن عبد الله قالا : مررنا مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم على الحجر، فقال لنا رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين حذرا بأن يصيبكم مثل ما أصابهم» ثمّ قال: «هؤلاء قوم صالح أهلكهم الله إلّا رجلا في حرم الله منعه حرم الله من عذاب الله» قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: «أبو رغال» [178] ثمّ زجر صلّى اللّه عليه و سلّم فأسرع حتّى خلفها «3» .
وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا يعني الناقة و ولدها و [السير] «4» فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ من الخراب و وقوع الجبل عليهم فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ يعني صيحة العذاب و الهلاك مُصْبِحِينَ في وقت الصبح و هو نصب على الحال فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ من الشرك و الأعمال الخبيثة. وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ و إن القيامة لجائية فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ فأعرض عنهم و اعف عفوا حسنا، نسختها آية القتال.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ .
(1) البيت لطريف بن تميم العنبري، انظر: تفسير الطبري: 16/ 113، الصحاح: 4/ 1402.
(2) تفسير الثعالبي: 4/ 235، الدرّ المنثور: 4/ 104.
(3) جامع البيان للطبري: 14/ 66، كنز العمال: 16/ 16 ح 43742.
(4) هكذا في الأصل.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 348
[سورة الحجر (15): الآيات 87 الى 99]
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي اختلفوا فيه.
روى عبد الوهاب عن ابن مسعود عن أبي نصر عن رجل من عبد القيس يقال له جابر أو جويبر عن ابن مسعود أن عمر قال: السبع المثاني هي فاتحة الكتاب.
روى إسماعيل السدي عن عبد خير عن علي (رضي اللّه عنه) وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال:
فاتحة الكتاب [179].
عن ابن سيرين أن ابن مسعود قال في السبع المثاني: فاتحة الكتاب، وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ سائر القرآن.
و عن عبد الرحمن عن أحمد الطابقي قال: أتيت أبا هريرة و هو في المسجد فقرأت عليه فاتحة القرآن.
فقال أبو هريرة: هذه السبع المثاني.
شعبة عن قتادة في قوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ، قال: هي فاتحة الكتاب.
و سمعت الكلبي يقول: هي أمّ الكتاب.
ابن جريج عن عطاء في قوله تعالى سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال: هي أم القرآن و الآية السابعة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .
و هذا قول الحسن و أبي العالية و سعيد بن جبير و إبراهيم و ابن أبي مليكة و عبد الله بن عبيد ابن عمرو و مجاهد و الضحاك و الربيع بن أنس و صالح الحنفي قاضي مرو.
و يدل عليه ما روى أبو سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ سبع آيات إحداهن بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و هي السبع المثاني و هي أم القرآن و هي فاتحة الكتاب» [180] «1» .
(1) تفسير الطبري: 1/ 73.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 349
و روى ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السبع المثاني و القرآن العظيم» [181].
و روى حفص بن عاصم عن أبي سعيد المعلّى عن أبيّ بن كعب قال : كنت أصلي فناداني رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم فلم أجبه، فلمّا صلّيت أتيته، فقال: «ما منعك أن تجيبني»؟ قلت: كنت أصلي، قال: «أو لم يقل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ «1» » [182] الآية.
ثمّ قال: «لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن نخرج من المسجد» فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت: يا رسول الله إنك قلت لأعلمنك أعظم سورة في القرآن.
قال: «نعم، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هي السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيت» «2» .
و عن أبي هريرة قال : قرأ أبي بن كعب على رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم أمّ القرآن. فقال: «و الذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في القرآن مثلها، إنها السبع المثاني و القرآن العظيم الذي أوتيت» [183] «3» .
عن ابن جريج قال: أخبرني أبي أنّ سعيد بن جبير أخبره فقال له: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ، قال: هي أم القرآن، قال: هي، و قرأ عليّ سعيد بن جبير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حتّى ختمها، ثمّ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الآية السابعة.
قال سعيد بن جبير: لأبي: و قرأ عليّ ابن عبّاس كما قرأتها عليك، ثمّ قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة:
قال ابن عبّاس: قد ادخرها الله لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.
فقلت: هذه إختيار الصحاح إن السبع المثاني هي فاتحة الكتاب، و أن الله تعالى امتن على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بهذه السورة كما امتن عليه بجميع القرآن، و قيل: نزلت هذه السورة في [خيبر].
و في هذا دليل على إن الصلاة لا تجوز إلّا بها و يؤيد ما قلنا ما
روى الزهري عن محمّد بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم : «فاتحة الكتاب عوض من كل القرآن، و القرآن كلّه ليس منه عوض» [184].
و اختلف العلماء في حديث آيات هذه السورة مثاني، فقال ابن عبّاس و الحسن و قتادة و الربيع: لأنها تثنى في كل صلاة و في كل ركعة.
(1) سورة الأنفال: 24.
(2) مسند أبي داود الطيالسي: 178 و السنن الكبرى: 6/ 375.
(3) المصدر السابق.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 350
و قال بعضهم: سمّيت مثاني لأنها مقسومة بين الله و بين العبد قسمين اثنين، بيانه و الذي يدل عليه ما
روى أبو السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم : «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج هي خداج غير تمام» [185] «1» .
قال أبو السائب لأبي هريرة : إني أحيانا أكون وراء الامام.
قال: فغمز أبو هريرة ذراعي، و قال: يا فارسي اقرأها في نفسك إني سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «قال الله قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين فنصفها لي، و نصفها لعبدي، و لعبدي ما سأل».
و قال رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم: «اقرؤا، يقول: العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، فيقول الله: حمدني عبدي، و يقول العبد: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، فيقول الله: أثنى عليّ عبدي، فيقول العبد: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، فيقول الله: مجّدني عبدي، يقول العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قال: هذه الآية بيني و بين عبدي، يقول العبد: اهْدِنَا الصِّراطَ إلى آخره، يقول الله: فهذا لعبدي و لعبدي ما سأل» [186] «2» .
و يقال: سمّيت (مثاني) لأنها منقسمة إلى قسمين: نصفها ثناء و نصفها دعاء، و نصفها حق الربوبية و نصفها حق العبودية، و قيل: لأن ملائكة السماوات يصلّون الصلوات بها، كما أن أهل الأرض يصلّون بها. و قيل: لأن حروفها و كلماتها مثنّاة، و مثل الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* ، إِيَّاكَ و إِيَّاكَ ، الصِّراطَ ... صِراطَ ، عَلَيْهِمْ ... عَلَيْهِمْ ، غَيْرِ ... غير، في قراءة عمر.
و قال الحسين بن الفضل و غيره: لأنها تقرأ مرّتين كل مرّة معها سبعون ألف ملك، مره بمكة من أوائل ما نزل من القرآن، و مرة بالمدينة، و السبب هو أن سبع قوافل وافت من بصرى و أذرعات ليهود بني قريضة و النضير في يوم واحد و فيها أنواع من البز و أوعية [و أفاوية] الطيب و الجواهر و أمتعة البحر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها و لأنفقناها في سبيل الله فأنزل الله تعالى هذه السورة «3» .
و قال: لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير لكم من هذه السبع القوافل، و دليل هذه التأويل قوله في عقبها: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية.
و قيل: لأنها متصدرة بالحمد، و الحمد كل كلمة تكلم بها آدم حين عطس و هي آخر كلام أهل الجنة من ذريته، قال الله: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ «4» .
(1) مسند أحمد: 2/ 285.
(2) الدرّ المنثور: 1/ 6، الجامع الصغير: 2/ 237.
(3) أسباب النزول للواحدي: 187.
(4) سورة يونس: 10.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 351
و قيل: لأن الله استثناها و ادّخرها لهذه الأمة فما أعطاها غيرهم، كما روينا في خبر سعيد ابن جبير عن ابن عبّاس.
و قال أبو زيد اللخمي: لأنها تثني أهل الدعارة و الشرارة عن الفسق و البطالة من قول العرب ثنيت عنائي، قال الله: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ «1» .
و قيل: لأن أولها ثناء على الله عزّ و جلّ.
و قال قوم: إن السبع المثاني هو السبع الطوال، و هي: سورة البقرة، و آل عمران، و النساء، و المائدة، و الأنعام، و الأعراف، و الأنفال، و التوبة معا.
و قال بعضهم: يونس، و عليه أكثر المفسرين.
روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي ، قال: السبع الطوال.
سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال: هو السبع الطوال.
و هو قول عمر، و رواية أبي بشر و جعفر بن المغيرة و مسلم البطين عن سعيد بن جبير، و رواية ليث و ابن أبي نجيح عن مجاهد، و رواية عبيد بن سليمان عن الضحاك. يدل عليه ما
روى أبو أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم قال : «إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، و أعطاني المبين مكان الإنجيل، و أعطاني الطواسين مكان الزبور و فضلني ربي بالمفصّل» [187] «2» .
و روى الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: أوتي رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم السبع المثاني الطوال، و أعطي موسى ستا فلما ألقى الألواح رفعت اثنان و بقي أربع.
روى عروة عن عائشة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال : «من أخذ السبع الأول فهو حبر» [188] «3» .
قال ابن عبّاس: و إنما سميت السبع الطوال مثاني؛ لأن الفرائض و الحدود و الأمثال و الخبر و العبر تثبت فيه.
طاوس و أبو مالك: القرآن كلّه مثاني، و هي رواية العوفي عن ابن عبّاس قال: ألم تسمع إلى قول الله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ «4» و سمّي القرآن مثاني لأن القصص ثبتت فيه.
(1) سورة هود: 5.
(2) تفسير القرطبي: 13/ 87 و فيه: و فضلني بالحواميم و المفصل ما قرأهنّ نبي قبلي.
(3) مسند أحمد: 6/ 82.
(4) سورة الزمر: 23.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 352
و على هذا القول المراد بالسبع سبعة أسباع القرآن. و يكون فيه إضمار تقديره: و هي للقرآن العظيم.
فاحتج بقول الشاعر:
الى الملك القرم و ابن الهمام
و ليث الكتيبة في المزدحم «1»
مجازة: الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة في المزدحم.
و روى عتاب بن بشر عن حنيف عن زياد بن أبي مريم في قوله: سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي قال:
أعطيتك سبعة أجزاء و هي سبع معان في القرآن: مرّ، و انه، و بشّر، و أنذر، و اضرب الأمثال و أعدد النعم، و آتيتك نبأ القرآن «2» .
لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ يا محمّد إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ من الكفار متمنيا إياها. نهى رسوله عن الرغبة في الدنيا.
و قال أنس : مرّت برسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم إبل أيام الربيع و قد حبست في أبعارها و أبوالها. فغطى رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم عينه بكمّه و قال: «بهذا أمرني ربي» [189] ثمّ تلا هذه الآية.
وَ اخْفِضْ جَناحَكَ ليّن جانبك لِلْمُؤْمِنِينَ و ارفق بهم.
و الجناحان من ابن آدم جانباه، و منه قوله: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ أي جنبك و ناحيتك.
وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَما أَنْزَلْنا ، قال الفراء: مجازه: أنذركم عذابا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ . فأختلفوا فيهم.
فروى الأعمش عن أبي ظبيان قال: سمعت ابن عبّاس يقول في قوله: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ ، قال: هم اليهود و النصارى.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ جزّءوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه و كفروا ببعضه.
و قال عكرمة: سمّوا مقتسمين لأنّهم كانوا يستهزؤن فيقول بعضهم: هذه السورة لي. و قال بعضهم: هذه لي، فيقول أحدهم: لي سورة البقرة، و يقول الآخر: لي سورة آل عمران.
و قال مجاهد: هم اليهود و النصارى، قسّموا كتابهم ففرّقوه و بدّدوه.
و قال مقاتل: كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا عقاب
(1) تفسير الطبري: 2/ 137، تفسير القرطبي: 1/ 385.
(2) تفسير الطبري: 14/ 76.
الكشف و البيان عن تفسير القرآن، ج5، ص: 353
مكة و طرقها و قعدوا على أبوابها و أنقابها و إذا جاء الحجاج، قال فريق منهم: لا تغتروا بخارج منّا يدعي النبوة فإنه مجنون.
و قالت طائفة أخرى: على طريق آخر أنه كاهن.
و قالت طائفة: عرّاف. و قالت طائفة شاعر، و الوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما، فإذا سئل عن رسول الله صلّى اللّه عليه و سلّم قال: صدق لوليك المقتسمين.
و قال مقاتل بن حيان: هم قوم اقتسموا القرآن، فقال بعضهم: سحر، و قال بعضهم:
سمر، و قال بعضهم: كذب. و قال بعضهم: شعر، و قال بعضهم: أساطير الأولين.
و قال بعضهم: هم الذين تقاسموا صالح و أرادوا تبييته.
و قرأ قول الله: وَ كانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَ لا يُصْلِحُونَ قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ «1» الآية.
الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ يعني عضوا كتاب الله و نبيه و أمره و نهيه أي كذبوا.
و قوله: عِضِينَ ، قال بعضهم: هو جمع عضو و هو مأخوذ من قولهم عضيت يعضيه إذا فرّقته.
و قال رؤبة:
و ليس دين الله بالمعضى «2»
يعني: بالمفرّق.
و قال آخر:
و عضى بني عوف، فأما عدوهم
فأرضي و أمّا العز منهم فغيرا «3»
يعني بقوله عضّني بني عوف: سبّاهم و قطعهم بلسانه.
و قال آخرون: بل هو جمع عضة، يقال: عضه و عضين. مثل يره و يرين، و كرة و كرين، و قلة و قلين، و عزة و عزين، و أصله عضهه ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا الهاء من الشفة و أصلها شفهه و من الشاة و أصلها شاهه يدلك على ذلك التصغير تقول: شفيهة و غويهة، و معنى العضة: الكذب و البهتان،
و في الحديث : «لا يعضه بعضكم بعضا» «4» .
(1) سورة النمل: 48. 49.
(2) تفسير الطبري: 14/ 306.
(3) تفسير الطبري: 14/ 87.