کتابخانه تفاسیر
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 301
و أما الثاني فلأن قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ ، يفيد معنى الاختصاص باللطف و الاسترسال في المسارة لكن أدب الحضور كان يقتضي من إبراهيم و هو عبد عليه طابع الذلة و التواضع أن لا يسترسل، و لا يعد نفسه مختصا بكرامة القرب متشرفا بحظيرة الأنس، بل يراها واحدا من العبيد الأذلاء المربوبين، فيسلم لرب يستكين إليه جميع العالمين فيقول: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ .
[معنى الإسلام- مراتب الإسلام و الإيمان.]
و الإسلام و التسليم و الاستسلام بمعنى واحد، من السلم، و أحد الشيئين إذا كان بالنسبة إلى الآخر بحال لا يعصيه و لا يدفعه فقد أسلم و سلم و استسلم له، قال تعالى «بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ» : البقرة- 112، و قال تعالى: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً» : الأنعام- 79، و وجه الشيء ما يواجهك به، و هو بالنسبة إليه تعالى تمام وجود الشيء، فإسلام الإنسان له تعالى هو وصف الانقياد و القبول منه لما يرد عليه من الله سبحانه من حكم تكويني، من قدر و قضاء، أو تشريعي من أمر أو نهي أو غير ذلك، و من هنا كان له مراتب بحسب ترتب الواردات بمراتبها.
الأولى: من مراتب الإسلام، القبول لظواهر الأوامر و النواهي بتلقي الشهادتين لسانا، سواء وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ» : الحجرات- 14، و يتعقب الإسلام بهذا المعنى أول مراتب الإيمان و هو الإذعان القلبي بمضمون الشهادتين إجمالا و يلزمه العمل في غالب الفروع.
الثانية: ما يلي الإيمان بالمرتبة الأولى، و هو التسليم و الانقياد القلبي لجل الاعتقادات الحقة التفصيلية و ما يتبعها من الأعمال الصالحة و إن أمكن التخطي في بعض الموارد، قال الله تعالى في وصف المتقين: «الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَ كانُوا مُسْلِمِينَ» : الزخرف- 69، و قال أيضا: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً» : البقرة- 208، فمن الإسلام ما يتأخر عن الإيمان محققا فهو غير المرتبة الأولى من الإسلام، و يتعقب هذا الإسلام المرتبة الثانية من الإيمان و هو الاعتقاد التفصيلي بالحقائق الدينية، قال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ» : الحجرات- 15، و قال
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 302
أيضا: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ» : الصف- 11، و فيه إرشاد المؤمنين إلى الإيمان، فالإيمان غير الإيمان.
الثالثة: ما يلي الإيمان بالمرتبة الثانية فإن النفس إذا أنست بالإيمان المذكور و تخلقت بأخلاقه تمكنت منها و انقادت لها سائر القوى البهيمية و السبعية، و بالجملة القوى المائلة إلى هوسات الدنيا و زخارفها الفانية الداثرة، و صار الإنسان يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، و لم يجد في باطنه و سره ما لا ينقاد إلى أمره و نهيه أو يسخط من قضائه و قدره، قال الله سبحانه: «فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» : النساء- 65، و يتعقب هذه المرتبة من الإسلام المرتبة الثالثة من الإيمان، قال الله تعالى «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» إلى أن قال: «وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» : المؤمنون- 3، و منه قوله تعالى: «إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ» إلى غير ذلك، و ربما عدت المرتبتان الثانية و الثالثة مرتبة واحدة.
و الأخلاق الفاضلة من الرضاء و التسليم، و الحسبة و الصبر في الله، و تمام الزهد و الورع، و الحب و البغض في الله، من لوازم هذه المرتبة.
الرابعة: ما يلي، المرتبة الثالثة من الإيمان فإن حال الإنسان و هو في المرتبة السابقة مع ربه حال العبد المملوك مع مولاه، إذ كان قائما بوظيفة عبوديته حق القيام، و هو التسليم الصرف لما يريده المولى أو يحبه و يرتضيه، و الأمر في ملك رب العالمين لخلقه أعظم من ذلك و أعظم و إنه حقيقة الملك الذي لا استقلال دونه لشيء من الأشياء لا ذاتا و لا صفة، و لا فعلا على ما يليق بكبريائه جلت كبرياؤه.
فالإنسان- و هو في المرتبة السابقة من التسليم- ربما أخذته العناية الربانية فأشهدت له أن الملك لله وحده لا يملك شيء سواه لنفسه شيئا إلا به لا رب سواه، و هذا معنى وهبي، و إفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الإنسان فيه، و لعل قوله تعالى:
رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ، وَ أَرِنا مَناسِكَنا ، الآية، إشارة
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 303
إلى هذه المرتبة من الإسلام فإن قوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، قالَ، أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ الآية ظاهره أنه أمر تشريعي لا تكويني، فإبراهيم كان مسلما باختياره، إجابة لدعوة ربه و امتثالا لأمره، و قد كان هذا من الأوامر المتوجهة إليه (ع) في مبادئ حاله، فسؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الإسلام و إراءة المناسك سؤال لأمر ليس زمامه بيده أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده فالإسلام المسئول في الآية هو هذه المرتبة من الإسلام و يتعقب الإسلام بهذا المعنى المرتبة الرابعة من الإيمان و هو استيعاب هذا الحال لجميع الأحوال و الأفعال، قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ» : يونس- 62، فإن هؤلاء المؤمنين المذكورين في الآية يجب أن يكونوا على يقين من أن لا استقلال لشيء دون الله، و لا تأثير لسبب إلا بإذن الله حتى لا يحزنوا من مكروه واقع، و لا يخافوا محذورا محتملا، و إلا فلا معنى لكونهم بحيث، لا يخوفهم شيء، و لا يحزنهم أمر، فهذا النوع من الإيمان بعد الإسلام المذكور فافهم.
قوله تعالى: وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ، الصلاح ، و هو اللياقة بوجه ربما نسب في كلامه إلى عمل الإنسان و ربما نسب إلى نفسه و ذاته، قال تعالى: «فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً» : الكهف- 110، و قال تعالى: «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ» : النور- 32.
و صلاح العمل و إن لم يرد به تفسير بين من كلامه تعالى غير أنه نسب إليه من الآثار ما يتضح به معناه.
فمنها: أنه صالح لوجه الله، قال تعالى: «صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ» : الرعد- 22، و قال تعالى: «وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ» : البقرة- 272.
و منها: أنه صالح لأن يثاب عليه، قال تعالى: «ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً» : القصص- 80.
و منها: أنه يرفع الكلم الطيب الصاعد إلى الله سبحانه قال تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» : فاطر- 10، فيستفاد من هذه الآثار المنسوبة
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 304
إليه أن صلاح العمل معنى تهيؤه و لياقته لأن يلبس لباس الكرامة و يكون عونا و ممدا لصعود الكلام الطيب إليه تعالى، قال تعالى: «وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ» : الحج- 37، و قال تعالى: «كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ، وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ، وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً» : الإسراء- 20، فعطاؤه تعالى بمنزلة الصورة، و صلاح العمل بمنزلة المادة.
و أما صلاح النفس و الذات فقد قال تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَ الصِّدِّيقِينَ، وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ، وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» : النساء- 69، و قال تعالى: «وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ» : الأنبياء- 86، و قال تعالى حكاية عن سليمان: «وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ» : النمل- 19، و قال تعالى: «وَ لُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً إلى قوله وَ أَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» : الأنبياء- 75، و ليس المراد الصلاح لمطلق الرحمة العامة الإلهية الواسعة لكل شيء و لا الخاصة بالمؤمنين على ما يفيده قوله تعالى: «وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» : الأعراف- 156، إذ هؤلاء القوم و هم الصالحون، طائفة خاصة من المؤمنين المتقين، و من الرحمة ما يختص ببعض دون، بعض قال تعالى «يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ» : البقرة- 105 و ليس المراد أيضا مطلق كرامة، الولاية و هو تولي الحق سبحانه أمر عبده، فإن الصالحين و إن شرفوا بذلك، و كانوا من الأولياء المكرمين على ما بيناه سابقا في قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» : فاتحة الكتاب- 5 و سيجيء في تفسير الآية لكن هذه أعني الولاية صفة مشتركة بينهم و بين النبيين، و الصديقين، و الشهداء فلا يستقيم إذن عدهم طائفة خاصة في قبالهم.
نعم الأثر الخاص بالصلاح هو الإدخال في الرحمة، و هو الأمن العام من العذاب كما ورد المعنيان معا في الجنة، قال تعالى: «فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ» : الجاثية- 30، أي في الجنة، و قال تعالى: «يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ» : الدخان- 55 أي في الجنة.
و أنت إذا تدبرت قوله تعالى: «وَ أَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا» : الأنبياء- 75 و قوله:
«وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ» : الأنبياء- 72 حيث نسب الفعل إلى نفسه تعالى لا إلى
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 305
العبد- ثم تأملت أنه تعالى قصر الأجر و الشكر على ما بحذاء العمل و السعي قضيت بأن الصلاح الذاتي كرامة ليست بحذاء العمل و الإرادة و ربما تبين به معنى قوله تعالى: «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها» - و هو ما بالعمل- و قوله: «وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ» - و هو أمر غير ما بالعمل على ما سيجيء بيانه إن شاء الله في تفسير قوله تعالى: «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها» : ق- 35.
ثم إنك إذا تأملت حال إبراهيم و مكانته في أنه كان نبيا مرسلا و أحد أولي العزم من الأنبياء، و أنه إمام، و أنه مقتدى عدة ممن بعده من الأنبياء و المرسلين و أنه من الصالحين بنص قوله تعالى: «وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ» : الأنبياء- 72، الظاهر في الصلاح المعجل على أن من هو دونه في الفضل من الأنبياء أكرم بهذا الصلاح المعجل و هو ( (ع)) مع ذلك كله يسأل اللحوق بالصالحين الظاهر في أن هناك قوما من الصالحين سبقوه و هو يسأل اللحوق بهم فيما سبقوه إليه، و أجيب بذلك في الآخرة كما يحكيه الله تعالى في ثلاثة مواضع من كلامه حيث قال تعالى: «وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» : البقرة- 130، و قال تعالى: «وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» : العنكبوت- 27، و قال تعالى: «وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ» : النحل- 122، فإذا تأملت ذلك حق التأمل قضيت بأن الصلاح ذو مراتب بعضها فوق بعض و لم تستبعد لو قرع سمعك أن إبراهيم ( (ع)) سأل اللحوق بمحمد «ص» و آله الطاهرين ( (ع)) فأجيب إلى ذلك في الآخرة لا في الدنيا فإنه (ع) يسأل اللحوق بالصالحين، و محمد «ص» يدعيه لنفسه. قال تعالى: «إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ» : الأعراف- 196 فإن ظاهر الآية أن رسول الله «ص» يدعي لنفسه الولاية فالظاهر منه أن رسول الله «ص» هو المتحقق بالصلاح الذي يدعيه بموجب الآية لنفسه و إبراهيم كان يسأل الله اللحوق بعده من الصالحين يسبقونه في الصلاح فهو هو.
قوله تعالى: وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ ، أي وصى بالملة.
قوله تعالى: فَلا تَمُوتُنَ ، النهي عن الموت و هو أمر غير اختياري للإنسان، و التكليف إنما يتعلق بأمر اختياري إنما هو لرجوعه إلى أمر يتعلق بالاختيار، و التقدير احذروا أن يغتالكم الموت في غير حال الإسلام، أي داوموا و الزموا الإسلام لئلا يقع
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 306
موتكم إلا في هذا الحال، و في الآية إشارة إلى أن الدين هو الإسلام كما قال تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» : آل عمران- 19.
قوله تعالى: وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ ، في الكلام إطلاق لفظ الأب على الجد و العم و الوالد من غير مصحح للتغليب، و حجة فيما سيأتي إن شاء الله تعالى في خطاب إبراهيم لآزر بالأب.
قوله تعالى: إِلهاً واحِداً ، في هذا الإيجاز بعد الإطناب بقوله: إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ «إلخ» دفع لإمكان إبهام اللفظ أن يكون إلهه غير إله آبائه على نحو ما يتخذه الوثنيون من الآلهة الكثيرة.
قوله تعالى: وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، بيان للعبادة و أنها ليست عبادة كيفما اتفقت بل عبادة على نهج الإسلام و في الكلام جملة أن دين إبراهيم هو الإسلام و الموروث منه في بني إبراهيم كإسحق و يعقوب و إسمعيل، و في بني إسرائيل، و في بني إسمعيل من آل إبراهيم جميعا هو الإسلام لا غير، و هو الذي أتى به إبراهيم من ربه فلا حجة لأحد في تركه و الدعوة إلى غيره.
(بحث روائي)
في الكافي، عن سماعة عن الصادق ( (ع)): الإيمان من الإسلام بمنزلة الكعبة الحرام من الحرم- قد يكون في الحرم و لا يكون في الكعبة- و لا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم.
و فيه، عن سماعة أيضا عن الصادق ( (ع)) قال: الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله و التصديق برسول الله، به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث- و على ظاهره جماعة الناس، و الإيمان الهدى و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام.
أقول: و في هذا المضمون روايات أخر و هي تدل على ما مر بيانه من المرتبة الأولى من الإسلام و الإيمان.
و فيه، عن البرقي عن علي (ع): قال الإسلام هو التسليم و التسليم هو اليقين
، و فيه، عن كاهل عن الصادق: لو أن قوما عبدوا الله- وحده لا شريك له- و أقاموا الصلاة
الميزان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 307
و آتوا الزكاة، و حجوا البيت، و صاموا شهر رمضان- ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه رسول الله- إلا صنع بخلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم- لكانوا بذلك مشركين
الحديث.
أقول: و الحديثان يشيران إلى المرتبة الثالثة من الإسلام و الإيمان.
و في البحار، عن إرشاد الديلمي، و ذكر سندين لهذا الحديث، و هو من أحاديث المعراج- و فيه: قال الله سبحانه: يا أحمد هل تدري أي عيش أهنى و أي حياة أبقى؟