کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 63

فإنا من جهة سبق عهد الذهن بالقصة أو الأمر الممثل له نجرد المثل عن الخصوصيات المكتنفة بالكلام كالصباح و القوم و السري، و نفهم من ذلك أن المراد: أن حسن تأثير عمل و تحسين فعله إنما يظهر إذا فرغ منه و بدا أثره، و أما هو ما دام الإنسان مشتغلا به محسا تعب فعله فلا يقدر قدره، و يظهر ذلك تجريد ما تمثل به من الشعر، و أما إذا لم نعهد الممثل و جمدنا على الشعر أو المثل خفي عنا الممثل و عاد المثل خبرا من الأخبار، و لو لم نجمد و انتقلنا إجمالا إلى أنه مثل لم يمكنا تشخيص المقدار الذي يجب طرحه بالتجريد و ما يجب حفظه للفهم و هو ظاهر.

و لا مخلص عن هذين المحذورين إلا بتفريق المعاني الممثل لها إلى أمثال مختلفة، و تقليبها في قوالب متنوعة حتى يفسر بعضها بعضا، و يوضح بعضها أمر بعض، فيعلم بالتدافع الذي بينها أولا: أن البيانات أمثال و لها في ما وراءها حقائق ممثلة، و ليست مقاصدها و مراداتها مقصورة على اللفظ المأخوذ من مرتبة الحس و المحسوس و ثانيا: بعد العلم بأنها أمثال: يعلم بذلك المقدار الذي يجب طرحه من الخصوصيات المكتنفة بالكلام، و ما يجب حفظه منها للحصول على المرام، و إنما يحصل ذلك بأن هذا يتضمن نفي بعض الخصوصيات الموجودة في ذلك. و ذاك نفي بعض ما في هذا.

و إيضاح المقاصد المبهمة و المطالب الدقيقة بإيراد القصص المتعددة و الأمثال و الأمثلة الكثيرة المتنوعة أمر دائر في جميع الألسنة و اللغات من غير اختصاص بقوم دون قوم، و لغة دون لغة، و ليس ذلك إلا لأن الإنسان يشعر بقريحة البيان مساس حاجته إلى نفي الخصوصيات الموهمة لخلاف المراد في القصة الواحدة أو المثل الواحد بالخصوصيات النافية الموجودة في قصة أخرى مناسبة أو مثل آخر مناسب.

فقد تبين أن من الواجب أن يشتمل القرآن الكريم على الآيات المتشابهة، و أن يرفع التشابه الواقع في آية بالأحكام الواقع في آية أخرى، و اندفع بذلك الإشكال باشتمال القرآن على المتشابهات لكونها مخلة لغرض الهداية و البيان.

[نتائج هذه الأبحاث و هي عشرة]

و قد ظهر من جميع ما تقدم من الأبحاث على طولها أمور:

الأول: أن الآيات القرآنية تنقسم إلى قسمين: محكم و متشابه، و ذلك من جهة اشتمال الآية وحدها على مدلول متشابه و عدم اشتمالها.

الثاني: أن لجميع القرآن محكمه و متشابهه تأويلا. و أن التأويل ليس من قبيل‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 64

المفاهيم اللفظية بل من الأمور الخارجية نسبته إلى المعارف و المقاصد المبينة نسبة الممثل إلى المثال، و أن جميع المعارف القرآنية أمثال مضروبة للتأويل الذي عند الله.

الثالث: أن التأويل يمكن أن يعلمه المطهرون و هم راسخون في العلم.

الرابع: أن البيانات القرآنية أمثال مضروبة لمعارفها و مقاصدها، و هذا المعنى غير ما ذكرناه في الأمر الثاني من كون معارفه أمثالا و قد أوضحناه فيما مر.

الخامس: أن من الواجب أن يشتمل القرآن على المتشابهات، كما أن من الواجب أن يشتمل على المحكمات.

السادس: أن المحكمات أم الكتاب إليها ترجع المتشابهات رجوع بيان.

السابع: أن الإحكام و التشابه وصفان يقبلان الإضافة و الاختلاف بالجهات بمعنى أن آية ما يمكن أن تكون محكمة من جهة، متشابهة من جهة أخرى فتكون محكمة بالإضافة إلى آية و متشابهة بالإضافة إلى أخرى. و لا مصداق للمتشابه على الإطلاق في القرآن، و لا مانع من وجود محكم على الإطلاق.

الثامن: أن من الواجب أن يفسر بعض القرآن بعضا.

التاسع: أن للقرآن مراتب مختلفة من المعنى، مترتبة طولا من غير أن تكون الجميع في عرض واحد فيلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، أو مثل عموم المجاز، و لا هي من قبيل اللوازم المتعددة لملزوم واحد، بل هي معان مطابقية يدل على كل واحد منها اللفظ بالمطابقة بحسب مراتب الأفهام.

و لتوضيح ذلك نقول: قال الله تبارك و تعالى: «اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ» : آل عمران- 102، فأنبأ أن للتقوى الذي هو الانتهاء عما نهى الله عنه و الايتمار بما أمر الله به مرتبة هي حق التقوى، و يعلم بذلك أن هناك من التقوى ما هو دون هذه المرتبة الحقة، فللتقوى الذي هو بوجه العمل الصالح مراتب و درجات بعضها فوق بعض.

و قال أيضا: «أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ» : آل عمران- 163، فبين أن العمل مطلقا سواء كان صالحا أو طالحا درجات و مراتب، و الدليل على أن المراد بها

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 65

درجات العمل قوله: وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ‏ ، و نظير الآية قوله تعالى: «وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» : الأحقاف- 19، و قوله تعالى: «وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ» : الأنعام- 132، و الآيات في هذا المعنى كثيرة، و فيها ما يدل على أن درجات الجنة و دركات النار بحسب مراتب الأعمال و درجاتها.

و من المعلوم أن العمل من أي نوع كان هو من رشحات العلم يترشح من اعتقاد قلبي يناسبه، و قد استدل تعالى على كفر اليهود و على فساد ضمير المشركين و على نفاق المنافقين من المسلمين و على إيمان عدة من الأنبياء و المؤمنين بأعمالهم و أفعالهم في آيات كثيرة جدا يطول ذكرها، فالعمل كيف كان يلازم ما يناسبه من العلم و يدل عليه.

و بالعكس يستلزم كل نوع من العمل ما يناسبه من العلم و يحصله و يركزه في النفس كما قال تعالى: «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» : العنكبوت- 69، و قال تعالى: «وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» : الحجر- 99، و قال أيضا: «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ» : الروم- 10، و قال: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى‏ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ» : البراءة- 77، و الآيات في هذا المعنى أيضا كثيرة تدل الجميع على أن العمل صالحا كان أو طالحا يولد من أقسام المعارف و الجهالات (و هي العلوم المخالفة للحق ما يناسبه.

و قال تعالى- و هو كالكلمة الجامعة في العمل الصالح و العلم النافع-: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ» : الفاطر- 10، فبين أن شأن الكلم الطيب و هو الاعتقاد الحق أن يصعد إلى الله تعالى و يقرب صاحبه منه، و شأن العمل الصالح أن يرفع هذا العلم و الاعتقاد. و من المعلوم أن ارتفاع العلم في صعوده إنما هو بخلوصه من الشك و الريب و كمال توجه النفس إليه و عدم تقسيم القلب فيه و في غيره (و هو مطلق الشرك) فكلما كمل خلوصه من الشك و الخطوات اشتد صعوده و ارتفاعه.

و لفظ الآية لا يخلو عن دلالة على ذلك فإنها عبرت في الكلم الطيب بالصعود

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 66

و وصف العمل بالرفع، و الصعود يقابل النزول كما أن الرفع يقابل الوضع، و هما أعني الصعود و الارتفاع وصفان يتصف بهما المتحرك من السفل إلى العلو بنسبته إلى الجانبين فهو صاعد بالنظر إلى قصده العلو و اقترابه منه، و مرتفع من جهة انفصاله من السفل و ابتعاده منه، فالعمل يبعد الإنسان و يفصله من الدنيا و الإخلاد إلى الأرض بصرف نفسه عن التعلق بزخارفها الشاغلة و التشتت و التفرق بهذه المعلومات الفانية غير الباقية و كلما زاد الرفع و الارتفاع زاد صعود الكلم الطيب، و خلصت المعرفة عن شوائب الأوهام و قذارات الشكوك، و من المعلوم أيضا كما مر: أن العمل الصالح ذو مراتب و درجات، فلكل درجة من العمل الصالح رفع الكلم الطيب و توليد العلوم و المعارف الحقة الإلهية على ما يناسب حالها. و الكلام في العمل الطالح و وضعه الإنسان نظير الكلام في العمل الصالح و رفعه و قد مر بعض الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» : الحمد- 6.

فظهر أن للناس بحسب مراتب قربهم و بعدهم منه تعالى مراتب مختلفة من العمل و العلم، و لازمه أن يكون ما يتلقاه أهل واحدة من المراتب و الدرجات غير ما يتلقاه أهل المرتبة و الدرجة الأخرى التي فوق هذه أو تحتها، فقد تبين أن للقرآن معاني مختلفة مترتبة.

و قد ذكر الله سبحانه أصنافا من عباده و خص كل صنف بنوع من العلم و المعرفة لا يوجد في الصنف الآخر كالمخلصين و خص بهم العلم بأوصاف ربهم حق العلم، قال تعالى:

«سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» : الصافات- 160، و خص بهم أشياء أخر من المعرفة و العلم سيجي‏ء بيانها إن شاء الله تعالى، و كالموقنين و خص بهم مشاهدة ملكوت السماوات و الأرض قال تعالى: «وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» : الأنعام- 75، و كالمنيبين و خص بهم التذكر، قال تعالى: «وَ ما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ» : المؤمن- 13، و كالعالمين و خص بهم عقل أمثال القرآن، قال تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ» : العنكبوت- 43، و كأنهم أولوا الألباب و المتدبرون لقوله تعالى: «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها» : محمد ص- 24، و لقوله تعالى: «أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» : النساء- 82، فإن مؤدى الآيات‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 67

الثلاث يرجع إلى معنى واحد و هو العلم بمتشابه القرآن و رده إلى محكمه، و كالمطهرين خصهم الله بعلم تأويل الكتاب قال تعالى: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» : الواقعة- 79، و كالأولياء و هم أهل الوله و المحبة لله و خص بهم أنهم لا يلتفتون إلى شي‏ء إلا الله سبحانه و لذلك لا يخافون شيئا و لا يحزنون لشي‏ء، قال تعالى: «أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ» : يونس- 62، و كالمقربين و المجتبين و الصديقين و الصالحين و المؤمنين و لكل منهم خواص من العلم و الإدراك يختصون بها، سنبحث عنها في المحال المناسبة لها.

و نظير هذه المقامات الحسنة مقامات سوء في مقابلها، و لها خواص رديئة في باب العلم و المعرفة، و لها أصحاب كالكافرين و المنافقين و الفاسقين و الظالمين و غيرهم، و لهم أنصباء من سوء الفهم و رداءة الإدراك لآيات الله و معارفه الحقة، طوينا ذكرها إيثارا للاختصار، و سنتعرض لها في خلال أبحاث هذا الكتاب إن شاء الله.

العاشر: أن للقرآن اتساعا من حيث انطباقه على المصاديق و بيان حالها فالآية منه لا يختص بمورد نزولها بل يجري في كل مورد يتحد مع مورد النزول ملاكا كالأمثال التي لا تختص بمواردها الأول، بل تتعداها إلى ما يناسبها، و هذا المعنى هو المسمى بجري القرآن، و قد مر بعض الكلام فيه في أوائل الكتاب.

بحث روائي‏

في تفسير العياشي،: سئل أبو عبد الله (ع) عن المحكم و المتشابه قال: المحكم ما يعمل به و المتشابه ما اشتبه على جاهة.

أقول: و فيه تلويح إلى أن المتشابه مما يمكن العلم به.

و فيه، أيضا عنه (ع): أن القرآن محكم و متشابه: فأما المحكم فتؤمن به و تعمل به و تدين، و أما المتشابه فتؤمن به و لا تعمل به، و هو قول الله عز و جل:

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ- فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ- وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ- وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ- كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا . و الراسخون في العلم هم آل محمد.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 68

أقول: و سيجي‏ء كلام في معنى قوله (ع): و الراسخون في العلم هم آل محمد.

و فيه، أيضا عن مسعدة بن صدقة قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الناسخ و المنسوخ- و المحكم و المتشابه قال: الناسخ الثابت المعمول به، و المنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه، و المتشابه ما اشتبه على جاهة.

قال: و في رواية: الناسخ الثابت، و المنسوخ ما مضى، و المحكم ما يعمل به، و المتشابه ما يشبه بعضه بعضا.

و في الكافي، عن الباقر (ع) في حديث قال: فالمنسوخات من المتشابهات‏

و في العيون، عن الرضا (ع): من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم. ثم قال إن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن، فردوا متشابهها إلى محكمها، و لا تتبعوا متشابهها فتضلوا.

أقول: الأخبار كما ترى متقاربة في تفسير المتشابه، و هي تؤيد ما ذكرناه في البيان السابق: أن التشابه يقبل الارتفاع، و أنه إنما يرتفع بتفسير المحكم له. و أما كون المنسوخات من المتشابهات فهو كذلك كما تقدم و وجه تشابهها ما يظهر منها من استمرار الحكم و بقائه، و يفسره الناسخ ببيان أن استمراره مقطوع. و أما ما ذكره (ع) في خبر العيون: أن في أخبارنا متشابها كمتشابه القرآن و محكما كمحكم القرآن، فقد وردت في هذا المعنى عنهم (ع) روايات مستفيضة، و الاعتبار يساعده فإن الأخبار لا تشتمل إلا على ما اشتمل عليه القرآن الشريف، و لا تبين إلا ما تعرض له و قد عرفت فيما مر: أن التشابه من أوصاف المعنى الذي يدل عليه اللفظ و هو كونه بحيث يقبل الانطباق على المقصود و على غيره لا من أوصاف اللفظ من حيث دلالته على المعنى نظير الغرابة و الإجمال، و لا من أوصاف أعم من اللفظ و المعنى.

و بعبارة أخرى: إنما عرض التشابه لما عرض عليه من الآيات لكون بياناتها جارية مجرى الأمثال بالنسبة إلى المعارف الحقة الإلهية، و هذا المعنى بعينه موجود في الأخبار ففيها متشابه و محكم كما في القرآن،

و قد ورد عن النبي ص أنه قال: إنا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم‏

و في تفسير العياشي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (ع): أن رجلا قال لأمير المؤمنين (ع): هل تصف لنا ربنا نزداد له حبا و معرفة؟ فغضب و خطب‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏3، ص: 69

الناس فقال فيما قال- عليك يا عبد الله بما دلك عليه القرآن من صفته" و تقدمك فيه الرسول من معرفته، و استضئ من نور هدايته- فإنما هي نعمة و حكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت و كن من الشاكرين، و ما كلفك الشيطان عليه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، و لا في سنة الرسول و أئمة الهدى أمره فكل علمه إلى الله، و لا تقدر عظمة الله و اعلم يا عبد الله: أن الراسخين في العلم- الذين اختارهم الله عن الاقتحام- في السدد المضروبة دون الغيوب- فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره- من الغيب المحجوب، فقالوا آمنا به كل من عند ربنا، و قد مدح الله اعترافهم بالعجز- عن تناول ما لم يحيطوا به علما، و سمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه- منهم رسوخا فاقتصر على ذلك- و لا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين.

أقول: قوله (ع): و اعلم يا عبد الله أن الراسخين في العلم إلخ ظاهر في أنه (ع) أخذ الواو في قوله تعالى: وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ‏ ، للاستيناف دون العطف كما استظهرناه من الآية و مقتضى ذلك أن ظهور الآية لا يساعد على كون الراسخين في العلم عالمين بتأويله، لا أنه يساعد على عدم إمكان علمهم به، فلا ينافي وجود بيان آخر يدل عليه كما تقدم بيانه و هو ظاهر بعض الأخبار عن أئمة أهل البيت كما سيأتي. و قوله (ع):

الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب، خبر أن، و الكلام ظاهر في تحضيض المخاطب و ترغيبه أن يلزم طريقة الراسخين في العلم بالاعتراف بالجهل فيما جهله فيكون منهم، و هذا دليل على تفسيره (ع) الراسخين في العلم بمطلق من لزم ما علمه و لم يتعد إلى ما جهله. و المراد بالغيوب المحجوبة بالسدد: المعاني المرادة بالمتشابهات المخفية عن الأفهام العامة و لذا أردفه بقوله ثانيا: فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره، و لم يقل بجملة ما جهلوا تأويله فافهم.

و في الكافي، عن الصادق (ع): نحن الراسخون في العلم و نحن نعلم تأويله.

صفحه بعد