کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 404

إذا أصابهم بفعالهم هذا وباله السيئ ثم جاءوك يحلفون بالله قائلين ما أردنا بالتحاكم إلى غير الكتاب و الرسول إلا الإحسان و التوفيق و قطع المشاجرة بين الخصوم.

قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ» إلخ تكذيب لقولهم فيما اعتذروا به، و لم يذكر حال ما في قلوبهم، و أنه ضمير فاسد لدلالة قوله: «فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ» على ذلك إذ لو كان ما في قلوبهم غير فاسد كان قولهم صدقا و حقا و لا يؤمر بالإعراض عمن يقول الحق و يصدق في قوله.

و قوله: وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً أي قولا يبلغ في أنفسهم ما تريد أن يقفوا عليه و يفقهوه من مفاسد هذا الصنيع، و أنه نفاق لو ظهر نزل بهم الويل من سخط الله تعالى.

قوله تعالى: «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ» ، رد مطلق لجميع ما تقدمت حكايته من هؤلاء المنافقين من التحاكم إلى الطاغوت، و الإعراض عن الرسول، و الحلف و الاعتذار بالإحسان و التوفيق. فكل ذلك مخالفة للرسول بوجه سواء كانت مصاحبة لعذر يعتذر به أم لا، و قد أوجب الله طاعته من غير قيد و شرط فإنه لم يرسله إلا ليطاع بإذن الله، و ليس لأحد أن يتخيل أن المتبع من الطاعة طاعة الله، و إنما الرسول بشر ممن خلق إنما يطاع لحيازة الصلاح فإذا أحرز صلاح من دون طاعته فلا بأس بالاستبداد في إحرازه، و ترك الرسول في جانب، و إلا كان إشراكا بالله، و عبادة لرسوله معه، و ربما كان يلوح ذلك في أمور يكلمون فيها رسول الله ص يقول قائلهم له إذا عزم عليهم في مهمة: أ بأمر من الله أم منك؟.

فذكر الله سبحانه أن وجوب طاعة النبي ص وجوب مطلق، و ليست إلا طاعة الله فإنها بإذنه نظير ما يفيده قوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏ الآية: «النساء: 80».

ثم ذكر أنهم لو رجعوا إلى الله و رسوله بالتوبة حين ما خالفوا الرسول بالإعراض لكان خيرا لهم من أن يحلفوا بالله، و يلفقوا أعذارا غير موجهة لا تنفع و لا ترضي رسول الله ص لأن الله سبحانه يخبره بحقيقة الأمر، و ذلك قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ‏ إلى آخر الآية.

قوله تعالى: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ‏ إلخ، الشجر - بسكون الجيم- و الشجور : الاختلاط يقال: شجر شجرا و شجورا أي اختلط، و منه التشاجر

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 405

و المشاجرة كأن الدعاوي أو الأقوال اختلط بعضها مع بعض، و منه قيل للشجر: شجر لاختلاط غصونها بعضها مع بعض، و الحرج الضيق.

و ظاهر السياق في بدء النظر أنه رد لزعم المنافقين أنهم آمنوا بالنبي ص مع تحاكمهم إلى الطاغوت فالمعنى: فليس كما يزعمون أنهم يؤمنون مع تحاكمهم إلى الطاغوت بل لا يؤمنون حتى يحكموك «إلخ».

لكن شمول حكم الغاية أعني قوله: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ‏ «إلخ» لغير المنافقين، و كذا قوله بعد ذلك: «وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ» إلى قوله: «ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» يؤيد أن الرد لا يختص بالمنافقين بل يعمهم و غيرهم من جهة أن ظاهر حالهم أنهم يزعمون أن مجرد تصديق ما أنزل من عند الله بما يتضمنه من المعارف و الأحكام إيمان بالله و رسوله و بما جاء به من عند ربه حقيقة، و ليس كذلك بل الإيمان تسليم تام باطنا و ظاهرا فكيف يتأتى لمؤمن حقا أن لا يسلم للرسول حكما في الظاهر بأن يعرض عنه و يخالفه، أو في باطن نفسه بأن يتحرج عن حكم الرسول إذا خالف هوى نفسه، و قد قال الله تعالى لرسوله: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ‏ : «النساء: 105».

فلو تحرج متحرج بما قضى به النبي ص فمن حكم الله تحرج لأنه الذي شرفه بافتراض الطاعة و نفوذ الحكم.

و إذا كانوا سلموا حكم الرسول، و لم يتحرج قلوبهم منه كانوا مسلمين لحكم الله قطعا سواء في ذلك حكمه التشريعي و التكويني، و هذا موقف من مواقف الإيمان يتلبس فيه المؤمن بعدة من صفات الفضيلة أوضحها: التسليم لأمر الله، و يسقط فيه التحرج و الاعتراض و الرد من لسان المؤمن و قلبه، و قد أطلق في الآية التسليم إطلاقا.

و من هنا يظهر أن قوله: فَلا وَ رَبِّكَ‏ إلى آخر الآية، و إن كان مقصورا على التسليم لحكم النبي ص بحسب اللفظ لأن مورد الآيات هو تحاكمهم إلى غير رسول الله ص مع وجوب رجوعهم إليه إلا أن المعنى عام لحكم الله و رسوله جميعا، و لحكم التشريع و التكوين جميعا كما عرفت.

بل المعنى يعم الحكم بمعنى قضاء رسول الله ص و كل سيرة سار بها أو عمل عمل به لأن الأثر مشترك فكل ما ينسب بوجه إلى الله و رسوله بأي نحو كان لا يتأتى‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 406

لمؤمن بالله حق إيمانه أن يرده أو يعترض عليه أو يمله أو يسوءه بوجه من وجوه المساءة فكل ذلك شرك على مراتبه، و قد قال تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ‏ : «يوسف: 106».

قوله تعالى: «وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ» إلى قوله: «ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» قد تقدم في قوله: وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا نساء 4 إن هذا التركيب يدل على أن الحكم للهيئة الاجتماعية من الأفراد و هو المجتمع، و أن الاستثناء لدفع توهم استغراق الحكم و استيعابه لجميع الأفراد، و لذلك كان هذا الاستثناء أشبه بالمنفصل منه بالمتصل أو هو برزخ بين الاستثنائين: المتصل و المنفصل لكونه ذا جنبتين.

على هذا فقوله‏ «ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ» وارد مورد الإخبار عن حال الجملة المجتمعة أنهم لا يمتثلون الأحكام و التكاليف الحرجية الشاقة التي تماس ما يتعلق به قلوبهم تعلق الحب الشديد كنفوسهم و ديارهم، و استثناء القليل لدفع التوهم.

فالمعنى: و لو أنا كتبنا أي فرضنا عليهم قتل أنفسهم و الخروج من ديارهم و أوطانهم المألوفة لهم ما فعلوه أي لم يمتثلوا أمرنا، ثم لما استشعر أن قوله: ما فعلوه يوهم أن ليس فيهم من هو مؤمن حقا مسلم لحكم الله حقيقة دفع ذلك باستثناء القليل منهم، و لم يكن يشمله الحكم حقيقة لأن الإخبار عن حال المجتمع من حيث إنه مجتمع و لم تكن الأفراد داخلة فيه إلا بتبع الجملة.

و من هنا يظهر أن المراد قتل الجملة الجملة و خروج الجملة و جلاؤهم من جملة ديارهم كالبلدة و القرية دون قتل كل واحد نفسه، و خروجه من داره كما في قوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى‏ بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏ : «البقرة: 54»، فإن المقصود بالخطاب هو الجماعة دون الأفراد.

قوله تعالى: «وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً» في تبديل الكتابة في قوله: وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ‏ ، بالوعظ في قوله: ما يُوعَظُونَ بِهِ‏ إشارة إلى أن هذه الأحكام الظاهرة في صورة الأمر و الفرض ليست إلا إشارات إلى ما فيه صلاحهم و سعادتهم فهي في الحقيقة مواعظ و نصائح يراد بها خيرهم و صلاحهم.

و قوله: لَكانَ خَيْراً لَهُمْ‏ أي في جميع ما يتعلق بهم من أولاهم و أخراهم، و ذلك أن خير الآخرة لا ينفك من خير الدنيا بل يستتبعه، و قوله: «وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً» أي‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 407

لنفوسهم و قلوبهم بالإيمان لأن الكلام فيه، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ‏ الآية: «إبراهيم: 27».

قوله تعالى: «وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً» أي حين تثبتوا بالإيمان الثابت، و الكلام في إبهام قوله: «أَجْراً عَظِيماً» كالكلام في إطلاق قوله: «لَكانَ خَيْراً لَهُمْ» .

قوله تعالى: «وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً» قد مضى الكلام في معنى الصراط المستقيم في ذيل قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ : «الحمد: 6» في الجزء الأول من الكتاب.

قوله تعالى: «وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ» إلى قوله: «حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» جمع بين الله و الرسول في هذا الوعد الحسن مع كون الآيات السابقة متعرضة لإطاعة الرسول و التسليم لحكمه و قضائه، لتخلل ذكره تعالى بينها في قوله: وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ‏ «إلخ» فالطاعة المفترضة طاعته تعالى و طاعة رسوله، و قد بدأ الكلام على هذا النحو في قوله‏ : أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ‏ الآية.

و قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏ ، يدل على اللحوق دون الصيرورة فهؤلاء ملحقون بجماعة المنعم عليهم، و هم أصحاب الصراط المستقيم الذي لم ينسب في كلامه تعالى إلى غيره إلا إلى هذه الجماعة في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ : «الحمد: 7»، و بالجملة فهم ملحقون بهم غير صائرين منهم كما لا يخلو قوله: «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» من تلويح إليه، و قد تقدم أن المراد بهذه النعمة هي الولاية.

و أما هؤلاء الطوائف الأربع أعني النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين فالنبيون هم أصحاب الوحي الذين عندهم نبأ الغيب، و لا خبرة لنا من حالهم بأزيد من ذلك إلا من حيث الآثار، و قد تقدم أن المراد بالشهداء شهداء الأعمال فيما يطلق من لفظ الشهيد في القرآن دون المستشهدين في معركة القتال، و أن المراد بالصالحين هم أهل اللياقة بنعم الله.

و أما الصديقون‏ فالذي يدل عليه لفظه هو أنه مبالغة من الصدق، و من الصدق ما هو في القول، و منه ما هو في الفعل، و صدق الفعل هو مطابقته للقول لأنه حاك عن الاعتقاد فإذا صدق في حكايته كان حاكيا لما في الضمير من غير تخلف، و صدق القول مطابقته لما في الواقع، و حيث كان القول نفسه من الفعل بوجه كان الصادق في فعله لا يخبر إلا عما يعلم صدقه و أنه حق، ففي قوله الصدق الخبري و المخبري جميعا.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 408

فالصديق الذي لا يكذب أصلا هو الذي لا يفعل إلا ما يراه حقا من غير اتباع لهوى النفس، و لا يقول إلا ما يرى أنه حق، و لا يرى شيئا إلا ما هو حق فهو يشاهد حقائق الأشياء، و يقول الحق، و يفعل الحق.

و على ذلك فيترتب المراتب فالنبيون و هم السادة، ثم الصديقون و هم شهداء الحقائق و الأعمال، و الشهداء و هم شهداء الأعمال، و الصالحون و هم المتهيئون للكرامة الإلهية.

و قوله تعالى: «وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً» أي من حيث الرفاقة فهو تمييز، قيل:

و لذلك لم يجمع، و قيل: المعنى: حسن كل واحد منهم رفيقا، و هو حال نظير قوله:

ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا : «الحج: 5».

قوله تعالى: «ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ عَلِيماً» تقديم‏ «ذلِكَ» و إتيانه بصيغة الإشارة الدالة على البعيد و دخول اللام في الخبر يدل على تفخيم أمر هذا الفضل كأنه كل الفضل، و ختم الآية بالعلم لكون الكلام في درجات الإيمان التي لا سبيل إلى تشخيصها إلا العلم الإلهي.

و اعلم أن في هذه الآيات الشريفة موارد عديدة من الالتفات الكلامي متشابك بعضها مع بعض فقد أخذ المؤمنون في صدر الآيات مخاطبين ثم في قوله: «وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ» كما مر غائبين، و كذلك أخذ تعالى نفسه في مقام الغيبة في صدر الآيات في قوله:

أَطِيعُوا اللَّهَ‏ الآية، ثم في مقام المتكلم مع الغير في قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ‏ الآية، ثم الغيبة في قوله: بِإِذْنِ اللَّهِ‏ الآية، ثم المتكلم مع الغير في قوله: وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا الآية، ثم الغيبة في قوله: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ‏ الآية.

و كذلك الرسول أخذ غائبا في صدر الآيات في قوله: وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ‏ الآية، ثم مخاطبا في قوله: ذلِكَ خَيْرٌ الآية، ثم غائبا في قوله: وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ‏ الآية، ثم مخاطبا في قوله: فَلا وَ رَبِّكَ‏ الآية، ثم غائبا في قوله: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ‏ الآية، ثم مخاطبا في قوله: وَ حَسُنَ أُولئِكَ‏ الآية، فهذه عشر موارد من الالتفات الكلامي و النكات المختصة بكل مورد مورد ظاهرة للمتدبر.

بحث روائي‏

في تفسير البرهان، عن ابن بابويه بإسناده عن جابر بن عبد الله الأنصاري*: لما أنزل‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 409

الله عز و جل على نبيه محمد ص: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ- وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ « قلت: يا رسول الله عرفنا الله و رسوله- فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ فقال (ص): هم خلفائي يا جابر- و أئمة المسلمين من بعدي: أولهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر- ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم سميي محمد و كنيي حجة الله في أرضه- و بقيته في عباده ابن الحسن بن علي ذاك- الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة- لا يثبت فيه على القول بإمامته- إلا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت له يا رسول الله- فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته- فقال (ص) إي و الذي بعثني بالنبوة- إنهم يستضيئون بنوره، و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس- و إن تجلاها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله- و مخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله.

أقول: و عن النعماني بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن علي (ع) ما في معنى الرواية السابقة، و رواها علي بن إبراهيم بإسناده عن سليم عنه (ع)، و هناك روايات أخر من طرق الشيعة و أهل السنة، و فيها ذكر إمامتهم بأسمائهم من أراد الوقوف عليها فعليه بالرجوع إلى كتاب ينابيع المودة و كتاب غاية المرام للبحراني و غيرهما.

و في تفسير العياشي، عن جابر الجعفي قال*: سألت أبا جعفر (ع) عن هذه الآية:

«أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال: الأوصياء.

أقول: و في تفسير العياشي، عن عمر بن سعيد عن أبي الحسن (ع)* مثله و فيه: علي بن أبي طالب و الأوصياء من بعده.

و عن ابن شهرآشوب*: سأل الحسن بن صالح عن الصادق (ع) عن ذلك- فقال:

الأئمة من أهل بيت رسول الله ص:

أقول: و روى مثله الصدوق عن أبي بصير عن الباقر (ع)* و فيه: قال: الأئمة من ولد علي و فاطمة إلى أن تقوم الساعة.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 410

و في الكافي، بإسناده عن أبي مسروق عن أبي عبد الله (ع) قال*: قلت له: إنا نكلم أهل الكلام- فنحتج عليهم بقول الله عز و جل: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» فيقولون: نزلت في المؤمنين، و نحتج عليهم بقول الله عز و جل:

«قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏» فيقولون: نزلت في قربى المسلمين قال: فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذا و شبهه إلا ذكرته، فقال لي: إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة، قلت: و كيف أصنع؟ فقال: أصلح نفسك ثلاثا و أطبه، قال: و صم و اغتسل و ابرز أنت و هو إلى الجبال- فتشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه- ثم أنصفه، و ابدأ بنفسك، و قل: اللهم رب السموات السبع و رب الأرضين السبع- عالم الغيب و الشهادة الرحمن الرحيم- إن كان أبو مسروق جحد حقا و ادعى باطلا- فأنزل عليه حسبانا من السماء و عذابا أليما، ثم رد الدعوة عليه فقل: و إن جحد حقا و ادعى باطلا- فأنزل عليه حسبانا من السماء و عذابا أليما.

ثم قال لي: فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه، فوالله ما وجدت خلقا يجيبني إليه.

و في تفسير العياشي، عن عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر (ع) * في قوله: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال: هي في علي و في الأئمة- جعلهم الله مواضع الأنبياء غير أنهم لا يحلون شيئا و لا يحرمونه.

أقول: و الاستثناء في الرواية هو الذي قدمنا في ذيل الكلام على الآية أنها تدل على أن لا حكم تشريعا إلا لله و رسوله.

و في الكافي، بإسناده عن بريد بن معاوية قال*: تلا أبو جعفر (ع): أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم- فإن خفتم تنازعا في الأمر- فأرجعوه إلى الله و إلى الرسول و إلى أولي الأمر منكم.

قال: كيف يأمر بطاعتهم و يرخص في منازعتهم- إنما قال ذلك للمارقين الذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ‏ .

أقول: الرواية لا تدل على أزيد من كون ما تلاه (ع) تفسير للآية و بيانا للمراد منها، و قد تقدم في البيان السابق توضيح دلالتها على ذلك، و ليس المراد هو القراءة كما ربما يستشعر من قوله: تلا أبو جعفر (ع).

و يدل على ذلك اختلاف اللفظ الموجود في الروايات كما

صفحه بعد