کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 242

و لم يزل منذ رفع عيسى بن مريم (ع)، و اختلف حواريوه و الدعاة السائحون من تلامذتهم فيما بينهم نشب الاختلاف فيما بينهم، و لم يزل ينمو و يكثر حتى تبدل إلى الحروب و المقاتلات و الغارات و أنواع الشرد و الطرد و غير ذلك حتى انتهى إلى حروب عالمية كبري تهدد الأرض بالخراب و الإنسانية بالفناء و الانقراض.

كل ذلك من تبدل النعمة نقمة و إنتاج السعي ضلالا «وَ سَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ‏ .

[سورة المائدة (5): الآيات 15 الى 19]

يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (17) وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى‏ نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى‏ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (19)

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 243

(بيان)

لما ذكر تعالى أخذه الميثاق من أهل الكتاب على نصرة رسله و تعزيرهم و على حفظ ما آتاهم من الكتاب ثم نقضهم ميثاقه تعالى الذي واثقهم به دعاهم إلى الإيمان برسوله الذي أرسله و كتابه الذي أنزله، بلسان تعريفهما لهم و إقامة البينة على صدق الرسالة و حقية الكتاب، و إتمام الحجة عليهم في ذلك:

أما التعريف فهو الذي يشتمل عليه قوله: « يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً» (إلخ)، و قوله: « يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى‏ فَتْرَةٍ» (إلخ).

و أما إقامة البينة فما في قوله: « يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ» (إلخ) فإن ذلك نعم الشاهد على صدق الرسالة من أمي يخبر بما لا سبيل إليه إلا للأخصاء من علمائهم، و كذا قوله: « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ» (إلخ) فإن المطالب الحقة التي لا غبار على حقيتها هي نعم الشاهد على صدق الرسالة و حقية الكتاب.

و أما إتمام الحجة فما يتضمنه قوله‏ : «أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ» . و قد رد الله تعالى عليهم في ضمن الآيات قول البعض: « إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» و قول اليهود و النصارى. « نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ».

قوله تعالى: « يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» أما بيانه كثيرا كانوا يخفون من الكتاب فكبيانه آيات النبوة و بشاراتها كما يشير إليه قوله تعالى: « الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ»: الآية (الأعراف: 157) و قوله تعالى: « يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ» الآية: (البقرة: 146) و قوله: « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ‏ - إلى قوله- ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ»

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 244

الآية: الفتح: 29) و كبيانه (ص) حكم الرجل الذي كتموه و كابروا فيه الحق على ما يشير إليه قوله تعالى فيما سيأتي: « لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ» الآيات: (المائدة: 41) و هذا الحكم أعني حكم الرجم موجود الآن في الإصحاح الثاني و العشرين من سفر التثنية من التوراة الدائرة بينهم.

و أما عفوه عن كثير فهو تركه كثيرا مما كانوا يخفونه من الكتاب، و يشهد بذلك الاختلاف الموجود في الكتابين، كاشتمال التوراة على أمور في التوحيد و النبوة لا يصح استنادها إليه تعالى كالتجسم و الحلول في المكان و نحو ذلك، و ما لا يجوز العقل نسبته إلى الأنبياء الكرام من أنواع الكفر و الفجور و الزلات، و كفقدان التوراة ذكر المعاد من رأس و لا يقوم دين على ساق إلا بمعاد، و كاشتمال ما عندهم من الأناجيل و لا سيما إنجيل يوحنا على عقائد الوثنية.

قوله تعالى: « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ» ظاهر قوله: « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ» كون هذا الجائي قائما به تعالى نحو قيام كقيام البيان أو الكلام بالمبين و المتكلم و هذا يؤيد كون المراد بالنور هو القرآن، و على هذا فيكون قوله: « وَ كِتابٌ مُبِينٌ» معطوفا عليه عطف تفسير، و المراد بالنور و الكتاب المبين جميعا القرآن، و قد سمى الله تعالى القرآن نورا في موارد من كلامه كقوله تعالى: « وَ اتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ» : (الأعراف:

157) و قوله: « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا» : (التغابن: 8) و قوله:

«وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً» : (النساء: 174).

و من المحتمل أن يكون المراد بالنور النبي ص على ما ربما أفاده صدر الكلام في الآية، و قد عده الله تعالى نورا في قوله: « وَ سِراجاً مُنِيراً» : (الأحزاب: 46).

قوله تعالى: « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ» الباء في قوله: « بِهِ» للآلة و الضمير عائد إلى الكتاب أو إلى النور سواء أريد به النبي ص أو القرآن فمآل الجميع واحد فإن النبي ص أحد الأسباب الظاهرية في مرحلة الهداية، و كذا القرآن و حقيقة الهداية قائمة به قال تعالى: « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ»: (القصص: 56)، و قال: « وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 245

صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ» (الشورى: 53) و الآيات كما ترى تنسب الهداية إلى القرآن و إلى الرسول ص في عين أنها ترجعها إلى الله سبحانه فهو الهادي حقيقة و غيره سبب ظاهري مسخر لإحياء أمر الهداية.

و قد قيد تعالى قوله: « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ» بقوله: « مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ» و يئول إلى اشتراط فعلية الهداية الإلهية باتباع رضوانه، فالمراد بالهداية هو الإيصال إلى المطلوب، و هو أن يورده الله تعالى سبيلا من سبل السلام أو جميع السبل أو أكثرها واحدا بعد آخر.

و قد أطلق تعالى السلام فهو السلامة و التخلص من كل شقاء يختل به أمر سعادة الحياة في دنيا أو آخرة، فيوافق ما وصف القرآن الإسلام لله و الإيمان و التقوى بالفلاح و الفوز و الأمن و نحو ذلك، و قد تقدم في الكلام على قوله تعالى: « اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» : (الحمد: 6) في الجزء الأول من الكتاب أن لله سبحانه بحسب اختلاف حال السائرين من عباده سبلا كثيرة تتحد الجميع في طريق واحد منسوب إليه تعالى يسميه في كلامه بالصراط المستقيم قال تعالى: « وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» : (العنكبوت: 69)، و قال تعالى: « وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ» : (الأنعام: 153) فدل على أن له سبلا كثيرة لكن الجميع تتحد في الإيصال إلى كرامته تعالى من غير أن تفرق سالكيها و يبين كل سبيل سالكيه عن سالكي غيره من السبل كما هو شأن غير صراطه تعالى من السبل.

فمعنى الآية- و الله العالم-: يهدي الله سبحانه و يورد بسبب كتابه أو بسبب نبيه من اتبع رضاه سبلا من شأنها أنه يسلم من سار فيها من شقاء الحياة الدنيا و الآخرة، و كل ما تتكدر به العيشة السعيدة.

فأمر الهداية إلى السلام و السعادة يدور مدار اتباع رضوان الله، و قد قال تعالى:

«وَ لا يَرْضى‏ لِعِبادِهِ الْكُفْرَ» : (الزمر: 7)، و قال: « فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى‏ عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ»: (التوبة: 96) و يتوقف بالآخرة على اجتناب سبيل الظلم و الانخراط في سلك الظالمين، و قد نفى الله سبحانه عنهم هدايته و آيسهم من نيل هذه الكرامة الإلهية بقوله: « وَ اللَّهُ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 246

لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» : (الجمعة: 5) فالآية أعني قوله: « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ» تجري بوجه مجرى قوله: « الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ» : (الأنعام: 82).

قوله تعالى‏ : «وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ» في جمع الظلمات و إفراد النور إشارة إلى أن طريق الحق لا اختلاف فيه و لا تفرق و إن تعددت بحسب المقامات و المواقف بخلاف طريق الباطل.

و الإخراج من الظلمات إلى النور إذا نسب إلى غيره تعالى كنبي أو كتاب فمعنى إذنه تعالى فيه إجازته و رضاه كما قال تعالى: « كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ» : (إبراهيم: 1) فقيد إخراجه إياهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ليخرج بذلك عن الاستقلال في السببية فإن السبب الحقيقي لذلك هو الله سبحانه و قال: « وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» : (إبراهيم: 5) فلم يقيده بالإذن لاشتمال الأمر على معناه.

و إذا نسب ذلك إلى الله تعالى فمعنى إخراجهم بإذنه إخراجهم بعلمه و قد جاء الإذن بمعنى العلم يقال: أذن به‏ أي علم به، و من هذا الباب قوله تعالى: « وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ» : (التوبة: 3) «فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى‏ سَواءٍ» : (الأنبياء: 109)، و قوله: « وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» : (الحج: 27) إلى غيرها من الآيات.

و أما قوله تعالى‏ : «وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، فقد أعيد فيه لفظ الهداية لحيلولة قوله: « وَ يُخْرِجُهُمْ»، بين قوله‏ «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ»، و بين هذه الجملة، و لأن الصراط المستقيم كما تقدم بيانه في سورة الفاتحة طريق مهيمن على الطرق كلها فالهداية إليه أيضا هداية مهيمنة على سائر أقسام الهداية التي تتعلق بالسبل الجزئية.

و لا ينافي تنكير قوله: « صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» كون المراد به هو الصراط المستقيم الوحيد الذي نسبه الله تعالى في كلامه إلى نفسه- إلا في سورة الفاتحة- لأن قرينة المقام تدل على ذلك، و إنما التنكير لتعظيم شأنه و تفخيم أمره.

قوله تعالى: « لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» هؤلاء إحدى الطوائف الثلاثة التي تقدم نقل أقوالهم في سورة آل عمران، و هي القائلة باتحاد الله سبحانه‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 247

بالمسيح فهو إله و بشر بعينه، و يمكن تطبيق الجملة أعني قولهم‏ : «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» على القول بالبنوة و على القول بثالث ثلاثة أيضا غير أن ظاهر الجملة هو حصول العينية بالاتحاد.

قوله تعالى: « قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ» وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (الآية) هذا برهان على إبطال قولهم: من جهة مناقضة بعضه بعضا لأنهم لما وضعوا أن المسيح مع كونه إلها بشر كما وصفوه بأنه ابن مريم جوزوا له ما يجوز على أي بشر مفروض من سكان هذه الأرض، و هم جميعا كسائر أجزاء السماوات و الأرض و ما بينهما مملوكون لله تعالى مسخرون تحت ملكه و سلطانه، فله تعالى أن يتصرف فيهم بما أراد، و أن يحكم لهم أو عليهم كيفما شاء، فله أن يهلك المسيح كما له أن يهلك أمه و من في الأرض على حد سواء من غير مزية للمسيح على غيره، و كيف يجوز الهلاك على الله سبحانه؟! فوضعهم أن المسيح بشر يبطل وضعهم أنه هو الله سبحانه للمناقضة.

فقوله: « فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» كناية عن نفي المانع مطلقا فملك شي‏ء من الله هو السلطنة عليه تعالى في بعض ما يرجع إليه، و لازمها انقطاع سلطنته عن ذلك الشي‏ء، و هو أن يكون سبب من الأسباب يستقل في التأثير في شي‏ء بحيث يمانع تأثيره تعالى أو يغلب عليه فيه، و لا ملك إلا لله وحده لا شريك له إلا ما ملك غيره تمليكا لا يبطل ملكه و سلطانه.

و قوله: « إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» إنما قيد المسيح بقوله‏ : «ابْنُ مَرْيَمَ» للدلالة على كونه بشرا تاما واقعا تحت التأثير الربوبي كسائر البشر، و لذلك بعينه عطف عليه‏ «أُمَّهُ» لكونها مسانخة له من دون ريب، و عطف عليه‏ «مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» لكون الحكم في الجميع على حد سواء.

و من هنا يظهر أن في هذا التقييد و العطف تلويحا إلى برهان الإمكان، و محصله أن المسيح يماثل غيره من أفراد البشر كأمه و سائر من في الأرض فيجوز عليه ما يجوز عليهم لأن حكم الأمثال فيما يجوز و فيما لا يجوز واحد، و يجوز على غيره أن يقع تحت حكم الهلاك فيجوز عليه ذلك و لا مانع هناك يمنع، و لو كان هو الله سبحانه لما جاز عليه ذلك.

و قوله: « وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما» في مقام التعليل للجملة السابقة،

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏5، ص: 248

و التصريح بقوله: « وَ ما بَيْنَهُما» مع أن القرآن كثيرا ما يعبر عن عالم الخلقة بالسماوات و الأرض فقط إنما هو ليكون الكلام أقرب من التصريح، و أسلم من ورود التوهمات و الشبهات فليس لمتوهم أن يتوهم أنه إنما ذكر السماوات و الأرض و لم يذكر ما بينهما، و مورد الكلام مما بينهما.

و تقديم الخبر أعني قوله: « وَ لِلَّهِ» للدلالة على الحصر، و بذلك يتم البيان، و المعنى:

كيف يمكن أن يمنع مانع من إرادته تعالى إهلاك المسيح و غيره و وقوع ما أراده من ذلك، و الملك و السلطنة المطلقة في السماوات و الأرض و ما بينهما لله تعالى لا ملك لأحد سواه؟

فلا مانع من نفوذ حكمه و مضي أمره.

و قوله: « يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ» في مقام التعليل للجملة السابقة عليه أعني قوله: « وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما» فإن‏ الملك‏ - بضم الميم- و هو نوع سلطنة و مالكية على سلطنة الناس و ما يملكونه إنما يتقوم بشمول القدرة و نفوذ المشيئة، و لله سبحانه ذلك في جميع السماوات و الأرض و ما بينهما، فله القدرة على كل شي‏ء و هو يخلق ما يشاء من الأشياء فله الملك المطلق في السماوات و الأرض و ما بينهما فخلقه ما يشاء و قدرته على كل شي‏ء هو البرهان على ملكه كما أن ملكه هو البرهان على أن له أن يريد إهلاك الجميع ثم يمضي إرادته لو أراد، و هو البرهان على أنه لا يشاركه أحد منهم في ألوهيته.

و أما البرهان على نفوذ مشيته و شمول قدرته فهو أنه الله عز اسمه، و لعله لذلك كرر لفظ الجلالة في الآية مرات فقد آل فرض الألوهية في شي‏ء إلى أنه لا شريك له في ألوهيته.

قوله تعالى: « وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى‏ نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ» لا ريب أنهم لم يكونوا يدعون النبوة الحقيقية كما يدعيه معظم النصارى للمسيح (ع) فلا اليهود كانت تدعي ذلك حقيقة و لا النصارى، و إنما كانوا يطلقونها على أنفسهم إطلاقا تشريفيا بنوع من التجوز، و قد ورد في كتبهم المقدسة هذا الإطلاق كثيرا كما في حق آدم‏ «1» و يعقوب‏ «2» و داود «3»

(1) آية 38 من الإصحاح الثالث من إنجيل لوقا.

(2) آية 22 من الإصحاح الرابع من سفر الخروج من التوراة.

صفحه بعد