کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 245

فكل زوجين من هذه الأزواج الثلاثة ممتاز بمزية و الترتيب مع ذلك من حيث نعم الدنيا فداود و سليمان كانا أكثر تمتعا من نعمها من أيوب و يوسف، و هما من موسى و هارون، أو الترتيب من حيث الفضل الديني فالظاهر أن موسى و هارون أفضل من أيوب و يوسف، و هما أفضل من داود و سليمان لجمعهما بين الصبر في الضراء و الشكر في السراء.

و القسم الثاني: زكريا و يحيى و عيسى و إلياس، و هؤلاء قد امتازوا بشدة الزهد في الدنيا، و الإعراض عن لذائذها، و الرغبة عن زينتها، و لذلك خصهم هنا بوصف الصالحين لأن هذا الوصف أليق بهم عند مقابلتهم بغيرهم و إن كان كل نبي صالحا و محسنا على الإطلاق.

و القسم الثالث: إسماعيل و اليسع و يونس و لوط، و أخر ذكرهم لعدم الخصوصية إذ لم يكن لهم من ملك الدنيا و سلطانها ما كان للقسم الأول، و لا من المبالغة من الإعراض عن الدنيا ما كان للقسم الثاني، انتهى ملخصا.

و في تفسير الرازي، ما يقرب منه و إن كان ما ذكره أوجه بالنسبة إلى ما ذكره الرازي، و يرد على ما ذكراه جميعا أنهما جعلا القسم الثالث من لا خصوصية له يمتاز به و هو غير مستقيم فإن إسماعيل (ع) قد ابتلاه الله بأمر الذبح فصبر على ما امتحنه الله تعالى به قال تعالى: «فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى‏ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ‏ - إلى أن قال- إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ» (الصافات: 108) و هذا من الخصائص الفاخرة التي اختص الله بها إسماعيل (ع)، و بلاء مبين امتاز به حتى جعل الله تعالى التضحية في الحج طاعة عامة مذكرة لمحنته في جنب الله و ترك عليه في الآخرين على أنه شارك أباه الكريم في بناء الكعبة و كفى به ميزا.

و كذلك يونس النبي (ع) امتحنه الله تعالى بما لم يمتحن به أحدا من أنبيائه و هو ما التقمه الحوت فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

و أما لوط فمحنه في جنب الله مذكورة في القرآن الكريم فقد قاسى المحن في أول أمره مع إبراهيم (ع) حتى هاجر قومه و أرضه في صحابته، ثم أرسله الله إلى‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 246

أهل سدوم و ما والاه مهد الفحشاء التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين حتى إذا شملهم الهلاك لم يوجد فيهم غير بيت المسلمين و هو من بيت لوط خلا امرأته.

و أما اليسع فلم يذكر له في القرآن قصة، و إنما ورد في بعض الروايات أنه كان وصي إلياس و قد أتى قومه بما أتى به عيسى بن مريم (ع) من إحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و قد ابتلى الله قومه بالسنة و القحط العظيم.

فالأحسن أن يتمم الوجه المذكور لترتيب الأسماء المعدودة في الآية بأن يقال:

إن الطائفة الأولى المذكورين- و هم ستة- اختصوا بالملك و الرئاسة مع الرسالة، و الطائفة الثانية- و هم أربعة- امتازوا بالزهد في الدنيا و الإعراض عن زخارفها، و الطائفة الثالثة- و هم أربعة- أولو خصائص مختلفة و محن إلهية عظيمة يختص كل بشي‏ء من المميزات و الله أعلم.

ثم إن الذي ذكره في أثناء كلامه من تفضيل موسى و هارون على أيوب و يوسف، و تفضيلهما على داود و سليمان بما ذكره من الوجه، و كذا جعله الصلاح بمعنى الزهد و الإحسان كل ذلك ممنوع لا دليل عليه.

قوله تعالى: « وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ‏ » هذا التعبير يؤيد ما قدمناه أن المراد بيان اتصال سلسلة الهداية حيث أضاف الباقين إلى المذكورين بأنهم متصلون بهم بأبوة أو بنوة أو أخوة.

قوله تعالى: « وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ » قال الراغب في المفردات:، يقال: جبيت‏ الماء في الحوض جمعته و الحوض الجامع له‏ جابية و جمعها «جواب» قال الله تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ‏ ، و منه أستعير جبيت الخراج جباية و منه قوله تعالى: يُجْبى‏ إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ، و الاجتباء الجمع على طريق الاصطفاء قال عز و جل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ‏ .

قال: و اجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد، و ذلك للأنبياء و بعض من يقارنهم من الصديقين و الشهداء كما قال تعالى:

وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ‏ ، فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ و قوله تعالى: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‏ ، و قال عز و جل: يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ‏ ، انتهى.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 247

و الذي ذكره من معنى الاجتباء و إن كان كذلك على ما يفيده موارد وقوعه في كلامه تعالى لكنه لازم المعنى الأصلي بحسب انطباقه على صنعه فيهم و الذي يعطيه سياق الآيات أن العناية تعلقت بمعنى الكلمة الأصلي و هو الجمع من مواضع و أمكنة مختلفة متشتتة فيكون تمهيدا لما يذكر بعده من الهداية إلى صراط مستقيم كأنه يقول: و جمعناهم على تفرقهم حتى إذا اجتمعوا و انضم بعضهم إلى بعض هديناهم جميعا إلى صراط كذا و كذا.

و ذلك لما عرفت أن المقصود بالسياق بيان اتصال سلسلة المهتدين بهذه الهداية الفطرية الإلهية، و المناسب لذلك أن يتصور لهم اجتماع و توحد حتى تشمل جمعهم الرحمة الإلهية، و يهتدوا مجتمعين بهداية واحدة توردهم صراطا واحدا مستقيما لا اختلاف فيه أصلا فلا يختلف بحسب الأحوال، و لا بحسب الأزمان، و لا بحسب الأجزاء، و لا بحسب الأشخاص السائرين فيه، و لا بحسب المقصد.

و ذلك أن صراطهم الذي هداهم الله إليه و إن كان يختلف بحسب ظاهر الشرائع سعة و ضيقا إلا أن ذلك إنما هو بحسب الإجمال و التفصيل و قلة استعداد الأمم و كثرته، و الجميع متفق في حقيقة واحدة و هو التوحيد الفطري و العبودية التي تهدي إليه البنية الإنسانية بحسب نوع الخلقة التي أظهرها الله سبحانه على ذلك و من المعلوم أن الخلقة الإنسانية بما أنها خلقة إنسانية لا تتغير و لا تتبدل تبدلا يقضي بتبدل أصول الشعور و الإرادة الإنسانيين فحواس الإنسان الظاهرة و إحساساته و عواطفه الباطنة و مبدأ القضاء و الحكم الذي فيه و هو العقل الفطري لا تزال تجري بحسب الأصول على وتيرة واحدة و إن اختلفت الآراء و المقاصد بحسب الاستكمال التدريجي الذي يتعلق بالنوع و التنبه بجهات حوائج الحياة.

فلا يزال الإنسان يشعر بحاجته في المأكل و المشرب و الملبس و المسكن و المنكح، و يشتهي ما يريح نفسه الشحيحة، و يكره ما يؤلمه و يضربه، و يأمل سعادة الحياة و يخشى الشقاء و سوء العاقبة و إن اختلفت مظاهر حياته و صور أعماله عصرا بعد عصر و جيلا بعد جيل.

قال تعال: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» : (الروم: 30) فالدين الحنيف‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 248

الإلهي الذي هو قيم على المجتمع الإنساني هو الذي تهدي إليه الفطرة و تميل إليه الخلقة البشرية بحسب ما تحس بحوائجها الوجودية، و تلهم بما يسعدها فيها من الاعتقاد و العمل، و بتعبير آخر من المعارف و الأخلاق و الأعمال.

و هذا أمر لا يتغير و لا يتبدل لأنه مبني على الفطرة التكوينية التي لا سبيل للتغير و التبدل إليها فلا يختلف بحسب الأحوال و الأزمان بأن يدعو إلى السعادة الإنسانية في حال دون حال أو في زمان دون زمان، و لا بحسب الأجزاء بأن يزاحم بعض أحكام الدين الحنيف بعضه الآخر بتناقض أو تضاد أو أي شي‏ء آخر يؤدي إلى إبطال بعضها بعضا فإن الجميع ترتضع من ثدي التوحيد الذي يعدلها أحسن تعديل كما أن القوى البدنية إذا تنافت أو أراد بعضها أن يطغى على بعض فإن هناك حاكما مدبرا يدبر كلا على حسب ما له من الوزن و التأثير في تقويم الحياة الإنسانية.

و لا بحسب الأشخاص فإن المهتدين بهذه الهداية القيمة الفطرية لا يختلف مسيرهم، و لا يدعو آخرهم إلا إلى ما دعا إليه أولهم و إن اختلفت دعوتهم بالإجمال و التفصيل بحسب اختلاف أعصار الإنسانية تكاملا و رقيا كما قال تعالى: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ» (آل عمران: 19) و قال: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ» (الشورى: 13).

و لا بحسب المقصد و الغاية فإنه التوحيد الذي يئول إليه شتات المعارف الدينية و الأخلاق الفاضلة و الأحكام الشرعية قال تعالى: «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» : (الأنبياء: 92) و قال: «وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» : (الأنبياء: 25).

و قد ظهر بما تقدم معنى قوله تعالى: « وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ » و قد نكر الصراط من غير أن يذكر على طريق العهد كما في قوله: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» : (الحمد: 7) لتتوجه عناية الذهن إلى اتصافه بالاستقامة- و الاستقامة في الشي‏ء كونه على وتيرة واحدة في صفته و خاصته- فالصراط الذي هدوا إليه صراط لا اختلاف فيه في جهة من الجهات و لا حال من الأحوال لما أنه صراط مبني على الفطرة كما أن الفطرة الإنسانية و هي نوع خلقته و كونه لا تختلف من حيث إنها خلقة إنسانية في الهداية و الاهتداء إلى مقاصد الإنسان التكوينية.

فهؤلاء المهديون إلى مستقيم الصراط في أمن إلهي من خطرات السير و عثرات‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 249

الطريق إذ كان الصراط الذي يسلكونه و المسير الذي يضربون فيه لا اختلاف فيه بالهداية و الإضلال و الحق و الباطل و السعادة و الشقاوة بل هو مؤتلف الأجزاء و متساوي الأحوال يقوم على الحق و يؤدي إلى الحق لا يدع صاحبه في حيرة، و لا يورده إلى ظلم و شقاء و معصية قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ» (الأنعام: 82).

قوله تعالى: « ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ » إلى آخر الآية. يبين تعالى أن الذي ذكره من صفة الهداية التي هدى بها المذكورين من أنبيائه هو المعرف لهداه الخاص به الذي يهدي به من يشاء من عباده.

فالهدى إنما يكون هدى- حق الهدى- إذا كان من الله سبحانه، و الهدى إنما يكون هدى الله إذا أورد المتلبس به صراطا مستقيما اتفق على الورود فيه أصحاب الهدى و هم الأنبياء المكرمون (ع)، و اتفق أجزاء ذلك الصراط في الدعوة إلى كلمة التوحيد و إقامة دعوة الحق و الاتسام بسمة العبودية و التقوى.

أما الطريق الذي يفرق فيه بين رسل الله فيؤمن فيه ببعض و يكفر ببعض أو يفرق فيه بين أحكام الله و شرائعه فيؤخذ فيه ببعض و يترك بعض، و الطرق التي لا تضمن سعادة حياة المجتمع الإنساني أو يسوق إلى بعض ما ليس فيه السعادة الإنسانية فتلك هي الطرق التي لا مرضاة فيها لله سبحانه و قد انحرفت فيها عن شريعة الفطرة إلى مهابط الضلال و مزالق الأهواء، و الاهتداء إليها ليس اهتداء بهدى الله سبحانه.

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا» : (النساء: 151) و قال: «أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى‏ أَشَدِّ الْعَذابِ» : (البقرة: 85) و قال: «وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» : (القصص: 50) يريد أن الطريق الذي فيه اتباع الهوى إنما هو ضلال لا يورد سالكه سعادة الحياة و ليس بهدى الله لأن فيه ظلما و الله سبحانه لم يجعل الظلم و لن يجعله مما يتوسل به إلى سعادة و لا أن السعادة تنال بظلم.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 250

و بالجملة هدى الله سبحانه من خاصته أنه لا يشتمل على ضلال و لا يجامع ضلالا بالتأدية إليه، و إنما هو الهدى محضا تتلوه السعادة محضة عطاء غير مجذوذ لكن لا على حد العطايا المعمولة فيما بيننا التي ينقطع معها ملك المعطي (بالكسر) عن عطيته و ينتقل إلى المعطى (بالفتح) فيحوزه على أي حال سواء شكر أو كفر.

بل هذه العطية الإلهية إنما تقوم على شريطة التوحيد و العبودية فلا كرامة لأحد عليه تعالى و لا أمن له منه إلا بالعبودية محضا و لذلك ذيل الكلام بقوله: « وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ » و إنما ذكر الإشراك لأن محط البيان إنما هو التوحيد.

قوله تعالى: « أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ » الإشارة باللفظ المفيد للبعد للدلالة على علو شأنهم و رفعة مقامهم، و المراد بإيتائهم الكتاب و غيره إيتاء جمعهم ذلك بوصف المجموع و إن كان بعضهم لم يؤتوا بعض المذكورات كما مر في تفسير قوله:

« وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ‏ » فإن الكتاب إنما أوتيه بعض الأنبياء كنوح و إبراهيم و موسى و عيسى (ع).

و الكتاب إذا نسب في كلامه تعالى إلى الأنبياء (ع) نوعا من النسبة يراد به الصحف التي تشتمل على الشرائع و يقضى بها بين الناس فيما اختلفوا فيه كقوله تعالى:

«كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» : (البقرة: 213) و قوله: «إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ‏ - إلى أن قال- وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» : (المائدة: 48) إلى غير ذلك من الآيات.

و الحكم‏ هو إلقاء النسبة التصديقية بين أجزاء الكلام كقولنا: فلان عالم، و إذا كان ذلك في الأمور الاجتماعية و القضايا العملية التي تدور بين المجتمعين عد نوع النسبة حكما كما تسمى نفس القضية حكما كما يقال يجب على الإنسان أن يفعل كذا و يحرم عليه أن يفعل كذا أو يجوز له أن يفعل كذا أو أحب أو أكره أن تفعل كذا فتسمى الوجوب و الحرمة و الجواز و الاستحباب و الكراهة أحكاما كما تسمى القضايا المشتملة عليها أحكاما، و لأهل الاجتماع أحكام أخر ناشئة من نسب أخرى كالملك و الرئاسة و النيابة و الكفاية

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏7، ص: 251

و الولاية و غير ذلك.

و إذا قصد به المعنى المصدري أريد به إيجاد الحكم و جعله إما بحسب التشريع و التقنين كما يجعل أهل التقنين أحكاما صالحة ليجري عليها الناس و يعملوا بها في مسير حياتهم لحفظ نظام مجتمعهم، و إما بحسب التشخيص و النظر كتشخيص القضاة و الحكام في المنازعات و الدعاوي أن المال لفلان و الحق مع فلان و كتشخيص أهل الفتيا في فتاواهم و قد يراد به إنفاذ الحكم كحكم الوالي و الملك على الناس بما يريدان في حوزة الولاية و الملك.

و الظاهر من الحكم في الآية بقرينة ذكر الكتاب معه أن يكون المراد به معنى القضاء فيكون المراد من إيتاء الكتاب و الحكم إعطاء شرائع الدين و القضاء بحسبها بين الناس كما هو ظاهر عدة من الآيات كقوله تعالى: «وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ» : (البقرة: 213) و قوله: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا» : (المائدة: 44) و قوله: «لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ»: (النساء: 105) و قوله: «وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ»: (الأنبياء: 78) و قوله:

«يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» : (- ص: 26) إلى غير ذلك من الآيات و هي كثيرة، و إن كان مثل قوله تعالى حكاية عن إبراهيم (ع): «رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ» : (الشعراء: 83) لا يأبى بظاهره الحمل على المعنى الأعم.

و أما النبوة فقد تقدم في تفسير قوله: «كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ» الآية: (البقرة: 213) أن المراد بها التحقق بأنباء الغيب بعناية خاصة إلهية و هي الأنباء المتعلقة بما وراء الحس و المحسوس كوحدانيته تعالى و الملائكة و اليوم الآخر.

صفحه بعد