کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الميزان فى تفسير القرآن

الجزء الأول

المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب.

(2)«سورة البقرة و هي مائتان و ست و ثمانون آية»(286)

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

[سورة البقرة(2): الآيات 49 الى 61]

(الأخلاق) بيان (بحث روائي في البرزخ و حياة الروح بعد الموت) (بحث فلسفي) تجرد النفس أيضا. (بحث أخلاقي) (بحث روائي آخر) في متفرقات متعلقة بما تقدم

الجزء الثاني

بقية سورة البقرة

الجزء الثالث

(3) سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية(200)

الجزء الرابع

بقية سورة آل عمران

(4) سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية(176)

الجزء الخامس

(5)«سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية»(120)

الجزء السادس

بقية سورة المائدة

الجزء السابع

(6)(سورة الأنعام - مكية و هي مائة و خمس و ستون آية)(165)

الجزء الثامن

(7) سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية(206)

الجزء التاسع

(9)(سورة التوبة مدنية و هي مائة و تسع و عشرون آية)(129)

الجزء العاشر

(11)(سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرين آية)(123)

[سورة هود(11): الآيات 36 الى 49]

(بيان) (بحث روائي)

الجزء الحادي عشر

(12) سورة يوسف مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

الجزء الثاني عشر

الجزء الثالث عشر

(17) سورة الإسراء مكية و هي مائة و إحدى عشرة آية(111)

(18) سورة الكهف مكية و هي مائة و عشر آيات(110)

الجزء الرابع عشر

الجزء الخامس عشر

الجزء السادس عشر

الجزء السابع عشر

الجزء الثامن عشر

الجزء التاسع عشر

الجزء العشرون

الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 17

(بيان)

فصل ثان من قصة موسى (ع) فيه ذكر بعض ما وقع بعد بلوغه أشده فأدى إلى خروجه من مصر و قصده مدين.

قوله تعالى: « وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى‏ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها » إلخ، لا ريب أن المدينة التي دخلها على حين غفلة من أهلها هي مصر، و أنه كان يعيش عند فرعون، و يستفاد من ذلك أن القصر الملكي الذي كان يسكنه فرعون كان خارج المدينة و أنه خرج منه و دخل المدينة على حين غفلة من أهلها، و يؤيد ما ذكرنا ما سيأتي من قوله: « وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى‏ » على ما سيجي‏ء من الاستظهار.

و حين الغفلة من أهل المدينة هو حين يدخل الناس بيوتهم فتتعطل الأسواق و تخلو الشوارع و الأزقة من المارة كالظهيرة و أواسط الليل.

و قوله: « فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ‏ » أي يتنازعان و يتضاربان، و قوله: « هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ‏ » حكاية حال تمثل به الواقعة، و معناه: أن أحدهما كان إسرائيليا من متبعيه في دينه- فإن بني إسرائيل كانوا ينتسبون يومئذ إلى آبائهم إبراهيم و إسحاق و يعقوب (ع) في دينهم و إن كان لم يبق لهم منه إلا الاسم و كانوا يتظاهرون بعبادة فرعون- و الآخر قبطيا عدوا له لأن القبط كانوا أعداء بني إسرائيل، و من الشاهد أيضا على كون هذا الرجل قبطيا قوله في موضع آخر يخاطب ربه: «وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ» : الشعراء: 14.

و قوله: « فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ‏ » الاستغاثة: الاستنصار من الغوث بمعنى النصرة أي طلب الإسرائيلي من موسى أن ينصره على عدوه القبطي.

و قوله: « فَوَكَزَهُ مُوسى‏ فَقَضى‏ عَلَيْهِ‏ » ضميرا « فَوَكَزَهُ‏ » و « عَلَيْهِ‏ » للذي من عدوه و الوكز - على ما ذكره الراغب و غيره- الطعن و الدفع و الضرب بجمع الكف،

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 18

و القضاء هو الحكم و القضاء عليه كناية عن الفراغ من أمره بموته، و المعنى: فدفعه أو ضربه موسى بالوكز فمات، و كان قتل خطإ و لو لا ذلك لكان من حق الكلام أن يعبر بالقتل.

و قوله: « قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ‏ » الإشارة بهذا إلى ما وقع بينهما من الاقتتال حتى أدى إلى موت القبطي و قد نسبه نوع نسبة إلى عمل الشيطان إذ قال: « هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ‏ » و « مِنْ‏ » ابتدائية تفيد معنى الجنس أو نشوئية، و المعنى: هذا الذي وقع من المعاداة و الاقتتال من جنس العمل المنسوب إلى الشيطان أو ناش من عمل الشيطان فإنه هو الذي أوقع العداوة و البغضاء بينهما و أغرى على الاقتتال حتى أدى ذلك إلى مداخلة موسى و قتل القبطي بيده فأوقعه ذلك في خطر عظيم و قد كان يعلم أن الواقعة لا تبقى خفية مكتومة و أن القبط سيثورون عليه و أشرافهم و ملؤهم و على رأسهم فرعون سينتقمون منه و من كل من تسبب إلى ذلك أشد الانتقام.

فعند ذلك تنبه (ع) أنه أخطأ فيما فعله من الوكز الذي أورده مورد الهلكة و لا ينسب الوقوع في الخطإ إلى الله سبحانه لأنه لا يهدي إلا إلى الحق و الصواب فقضي أن ذلك منسوب إلى الشيطان.

و فعله ذاك و إن لم يكن معصية منه لوقوعه خطأ و كون دفاعه عن الإسرائيلي دفعا لكافر ظالم، لكن الشيطان كما يوقع بوسوسته الإنسان في الإثم و المعصية كذلك يوقعه في أي مخالفة للصواب يقع بها في الكلفة و المشقة كما أوقع آدم و زوجه فيما أوقع من أكل الشجرة المنهية فأدى ذلك إلى خروجهما من الجنة.

فقوله: « هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ‏ » انزجار منه عما وقع من الاقتتال المؤدي إلى قتل القبطي و وقوعه في عظيم الخطر و ندم منه على ذلك، و قوله: « إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ‏ » إشارة منه إلى أن فعله كان من الضلال المنسوب إلى الشيطان و إن لم يكن من المعصية التي فيها إثم و مؤاخذة بل خطأ محضا لا ينسب إلى الله بل إلى الشيطان الذي هو عدو مضل مبين، فكان ذلك منه نوعا من سوء التدبير و ضلال السعي يسوقه إلى عاقبة وخيمة و لذا لما اعترض عليه فرعون بقوله: « وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 19

مِنَ الْكافِرِينَ‏ » أجابه بقوله: «فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ» : الشعراء: 20.

قوله تعالى: « قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏ » اعتراف منه عند ربه بظلمه نفسه حيث أوردها مورد الخطر و ألقاها في التهلكة، و منه يظهر أن المراد بالمغفرة المسئولة في قوله: « فَاغْفِرْ لِي‏ » هو إلغاء تبعة فعله و إنجاؤه من الغم و تخليصه من شر فرعون و ملئه، كما يظهر من قوله تعالى: « وَ قَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ» : طه: 40.

و هذا الاعتراف بالظلم و سؤال المغفرة نظير ما وقع من آدم و زوجه المحكي في قوله تعالى: «قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» الأعراف: 23.

قوله تعالى: « قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ‏ » قيل:

الباء في قوله: « بِما أَنْعَمْتَ‏ » للسببية و المعنى رب بسبب ما أنعمت علي، لك علي أن لا أكون معينا للمجرمين فيكون عهدا منه لله تعالى و قيل: الباء للقسم و الجواب محذوف و المعنى: أقسم بما أنعمت علي لأتوبن أو لأمتنعن فلن أكون ظهيرا للمجرمين، و قيل:

القسم استعطافي و هو القسم الواقع في الإنشاء كقولك بالله زرني، و المعنى أقسمك أن تعطف علي و تعصمني فلن أكون ظهيرا للمجرمين.

و الوجه الأول هو الأوجه لأن المراد بقوله: « بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ‏ »- على ما ذكروه- أما إنعامه تعالى عليه إذ حفظه و خلصه من قتل فرعون و رده إلى أمه، و أما إنعامه عليه إذ قبل توبته من قتل القبطي و غفر له بناء على أنه علم مغفرته تعالى بإلهام أو رؤيا أو نحوهما و كيف كان فهو إقسام بغيره تعالى، و المعنى أقسم بحفظك إياي أو أقسم بمغفرتك لي، و لم يعهد في كلامه تعالى حكاية قسم من غيره بغيره بهذا النحو.

و قوله: « فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ‏ » قيل: المراد بالمجرم من أوقع غيره في الجرم أو من أدت إعانته إلى جرم كالإسرائيلي الذي خاصمه القبطي فأوقعت إعانته موسى في جرم القتل فيكون في لفظ المجرمين مجاز في النسبة من حيث تسمية السبب الموقع في الجرم مجرما.

و قيل: المراد بالمجرمين فرعون و قومه و المعنى: أقسم بإنعامك علي لأتوبن فلن‏

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 20

أكون معينا لفرعون و قومه بصحبتهم و ملازمتهم و تكثير سوادهم كما كنت أفعله إلى هذا اليوم.

و رد هذا الوجه الثاني بأنه لا يناسب المقام.

و الحق أن قوله: « رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ‏ » عهد من موسى (ع) أن لا يعين مجرما على إجرامه شكرا لله تعالى على ما أنعم عليه، و المراد بالنعمة و قد أطلقت إطلاقا الولاية الإلهية على ما يشهد به قوله تعالى: «فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ» : النساء: 69.

و هؤلاء أهل الصراط المستقيم مأمونون من الضلال و الغضب لقوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ»، : الفاتحة:

7 و ترتب الامتناع عن إعانة المجرمين على الإنعام بهذا المعنى ظاهر لا سترة عليه.

و من هنا يظهر أن المراد بالمجرمين أمثال فرعون و قومه دون أمثال الإسرائيلي الذي أعانه فلم يكن في إعانته جرم و لا كان وكز القبطي جرما حتى يتوب (ع) منه كيف؟ و هو (ع) من أهل الصراط المستقيم الذين لا يضلون بمعصيته، و قد نص تعالى على كونه من المخلصين الذين لا سبيل للشيطان إليهم بالإغواء حيث قال: «إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا» : مريم: 51.

و قد نص تعالى أيضا آنفا بأنه آتاه حكما و علما و أنه من المحسنين و من المتقين من أمره أن لا تستخفه عصبية قومية أو غضب في غير ما ينبغي أو إعانة و نصرة لمجرم في إجرامه.

و قد كرر « قالَ‏ » ثلاثا حيث قيل: « قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ‏ » « قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي‏ » « قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَ‏ » و ذلك لاختلاف السياق في الجمل الثلاث فالجملة الأولى قضاء منه و حكم، و الجملة الثانية استغفار و دعاء، و الجملة الثالثة عهد و التزام.

قوله تعالى: « فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى‏ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ‏ » تقييد « فَأَصْبَحَ‏ » بقوله: « فِي الْمَدِينَةِ » دليل على أنه بقي في المدينة و لم يرجع إلى قصر فرعون، و الاستصراخ‏ الاستغاثة برفع الصوت من الصراخ بمعنى الصياح، و الغواية إخطاء الصواب خلاف الرشد.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 21

و المعنى: فأصبح موسى في المدينة- و لم يرجع إلى بلاط فرعون- و الحال أنه خائف من فرعون ينتظر الشر ففاجأه أن الإسرائيلي الذي استنصره على القبطي بالأمس يستغيث به رافعا صوته على قبطي آخر قال موسى للإسرائيلي توبيخا و تأنيبا:

إنك لغوي مبين لا تسلك سبيل الرشد و الصواب لأنه كان يخاصم و يقتتل قوما ليس في مخاصمتهم و المقاومة عليهم إلا الشر كل الشر.

قوله تعالى: « فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ‏ » إلى آخر الآية، ذكر جل المفسرين أن ضمير « قالَ‏ » للإسرائيلي الذي كان يستصرخه و ذلك أنه ظن أن موسى إنما يريد أن يبطش به لما سمعه يعاتبه قبل بقوله: « إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ‏ » فهاله ما رأى من إرادته البطش فقال:

« يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ‏ » إلخ، فعلم القبطي عند ذلك أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس فرجع إلى فرعون فأخبره الخبر فائتمروا بموسى و عزموا على قتله.

و ما ذكروه في محله لشهادة السياق بذلك فلا يعبأ بما قيل: إن القائل هو القبطي دون الإسرائيلي، هذا و معنى باقي الآية ظاهر. و في قوله: « أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما » تعريض للتوراة الحاضرة حيث تذكر أن المتقاتلين هذين كانا جميعا إسرائيليين، و فيه أيضا تأييد أن القائل: « يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ » إلخ، الإسرائيلي دون القبطي لأن سياقه سياق اللوم و الشكوى.

قوله تعالى: « وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى‏ قالَ يا مُوسى‏ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ‏ » إلخ، الائتمار المشاورة، و النصيحة خلاف الخيانة.

و الظاهر كون قوله: « مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ » قيدا لقوله: « جاءَ » فسياق القصة يعطي أن الائتمار كان عند فرعون و بأمر منه، و أن هذا الرجل جاء من هناك و قد كان قصر فرعون في أقصى المدينة و خارجها فأخبر موسى بما قصدوه من قتله و أشار عليه بالخروج من المدينة.

و هذا الاستئناس من الكلام يؤيد ما تقدم أن قصر فرعون الذي كان يسكنه كان خارج المدينة، و معنى الآية ظاهر.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 22

قوله تعالى: « فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ » فيه تأييد أنه ما كان يرى قتله القبطي خطأ جرما لنفسه.

(بحث روائي)

في تفسير القمي، قال": فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة- حتى بلغ مبلغ الرجال- و كان ينكر عليه ما يتكلم به موسى (ع) من التوحيد- حتى هم به فخرج موسى من عنده و دخل المدينة- فإذا رجلان يقتتلان- أحدهما يقول بقول موسى و الآخر يقول بقول فرعون- فاستغاثه الذي من شيعته فجاء موسى- فوكز صاحب فرعون فقضى عليه و توارى في المدينة.

فلما كان الغد جاء آخر- فتشبث بذلك الرجل الذي يقول بقول موسى- فاستغاث بموسى فلما نظر صاحبه إلى موسى قال له. أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ‏ ؟

فخلى عن صاحبه و هرب.

و في العيون، بإسناده إلى علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا (ع)- فقال له المأمون: يا ابن رسول الله- أ ليس من قولك: إن الأنبياء معصومون؟

قال: بلى. قال: فأخبرني عن قول الله: « فَوَكَزَهُ مُوسى‏ فَقَضى‏ عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ‏ » قال الرضا (ع): إن موسى (ع) دخل مدينة من مدائن فرعون- على حين غفلة من أهلها و ذلك بين المغرب و العشاء- فوجد فيها رجلين يقتتلان- هذا من شيعته و هذا من عدوه- فقضى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات، قال: هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ‏ - يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين- لا ما فعله موسى (ع) من قتله « إِنَّهُ‏ » يعني الشيطان « عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ‏ ».

قال المأمون: فما معنى قول موسى: « رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي‏ »؟

قال: يقول: وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة- فاغفر لي أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني- فغفر له إنه هو الغفور الرحيم. قال موسى: رب بما أنعمت علي من القوة- حتى قتلت رجلا بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين- بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.

الميزان فى تفسير القرآن، ج‏16، ص: 23

فأصبح موسى (ع) في المدينة خائفا يترقب- فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه على آخر- قال له موسى إنك لغوي مبين- قاتلت رجلا بالأمس و تقاتل هذا اليوم- لأؤدبنك و أراد أن يبطش به- فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما و هو من شيعته- قالَ: يا مُوسى‏ أَ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ؟ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ- وَ ما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ‏ . قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن.

[سورة القصص (28): الآيات 22 الى 28]

وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى‏ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (22) وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى‏ لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)

صفحه بعد