کتابخانه تفاسیر
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 218
تأكيدا وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ أي: المديون، لأنّه المشهود عليه.
و الإملال: الإملاء. وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ في الإملال وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ و لا ينقص من الحق شَيْئاً قدرا أو وصفا فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً : ناقص العقل مبذّرا أَوْ ضَعِيفاً : صبيا أو: شيخا مختلا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أو غير مستطيع أَنْ يُمِلَّ هُوَ لخرس أو جهل اللّغة فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ أي من يلي أمره كالأب و الجدّ و الوصيّ و الحاكم و الوكيل و المترجم، على تفصيل في محله وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ : اطلبوا أن يشهد شاهدان مِنْ رِجالِكُمْ المؤمنين.
و يفيد اشتراط بلوغ الشاهد و ايمانه.
و الأمر للاستحباب، أو: الإرشاد فَإِنْ لَمْ يَكُونا أي: الشّهيدان رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ فليشهد رجل وَ امْرَأَتانِ و هو مخصوص بالأموال مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ لعدالته عندكم. و القيد للجميع أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما الشهادة بأن تنساها فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى و علّة اعتبار تعدّد المرأة: التذكير، لكن جعل الضّلال علّة لكونه سببا له، كقولهم: «أعددت الخشبة أن يميل الحائط فأدعمه» فكأنه قيل:
إرادة أن تذكّر إحداهما الاخرى إن ضلّت. و يشعر بنقص ضبطهن. و قرأ «حمزة» «إن تضلّ»- على الشّرط-، و رفع «فتذكّر»، و «ابن كثير» و «أبو عمرو»: «فتذكر» من «الإذكار» «1» وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا لإقامة الشّهادة أو تحمّلها.
و سمّوا «شهداء» لمجاز المشارفة. و «ما» مزيدة. و ظاهر النهي: التحريم وَ لا تَسْئَمُوا : و لا تملّوا أَنْ تَكْتُبُوهُ أي: الدّين أو الحق صَغِيراً كان أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ المسمّى ذلِكُمْ أي: الكتب أَقْسَطُ : أعدل عِنْدَ اللَّهِ وَ أَقْوَمُ : و أثبت لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا : و أقرب إلى أن لا تشكّوا في قدر الدين و أجله
(1) حجة القراءات: 150 و تفسير مجمع البيان 1: 395 و تفسير البيضاوي 1: 270.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 219
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً نصبها «عاصم» خبرا «1» أي: إلّا أن تكون التّجارة تجارة حاضِرَةً حالّة، و تعمّ المبايعة بعين- أو: دين- غير مؤجل، و لا يبعد تخصيصها بالأوّل.
و رفعها الباقون «2» - على «كان» التامة- أو: على انّها الاسم، و الخبر: تُدِيرُونَها أي: تتعاطونها بَيْنَكُمْ يدا بيد و الاستثناء من التّداين و التّعامل، أي إن كانت المعاملة بيعا يدا بيد فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها لبعدها عن الشك و التنازع وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ مطلقا للاحتياط. و الأمر للاستحباب أو: الإرشاد وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ نهاهما عن ترك الإجابة و التحريف في الكتابة و الشهادة- إن بني للفاعل-، أو: نهي عن الضرار بهما باستعجالهما عن مهمّ، أو: تكليف الكاتب قرطاسا و نحوه، أو: الشهيد مؤنة مجيئه من بلد- إن بني للمفعول-، وَ إِنْ تَفْعَلُوا المضارة فَإِنَّهُ فُسُوقٌ : خروج عن الطّاعة، لاحق بِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ في أوامره و نواهيه وَ يُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ما فيه مصالحكم وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ لعلّ تكرار لفظة «اللّه» في الجمل الثلاثة لكونه أدخل في التّعظيم من الضّمير.
[283]- وَ إِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ مسافرين وَ لَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ تقوم مقام الوثيقة، أو: فالوثيقة رهان. و تقييد الارتهان بالسفر و عدم وجدان الكاتب، خرّج مخرج الغالب.
و اعتبر الجمهور- سوى «مالك»- فيه القبض، «3» و عليه أكثر الأصحاب.
و ادّعى «الطبرسي» عليه الإجماع، «4» و كأنّه لم يعتد بالخلاف. و قرأ «ابن كثير» و «ابن عامر»: «فرهن» «5» ك «سقف» و كلاهما جمع رهن، بمعنى: المرهون. فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
(1- 2) حجة القراءات: 151.
(3) ذكر ذلك البيضاوي في تفسيره 1: 271.
(4) تفسير مجمع البيان 1: 400.
(5) حجة القراءات: 152.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 220
: فإن وثق الدّائن بالمديون و لم يرتهن منه فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ أي: دينه الذي ائتمنه عليه، و سمي أمانة لذلك. وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ في الخيانة وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ أيّها الشّهود وَ مَنْ يَكْتُمْها مع تمكّنه من أدائها فَإِنَّهُ آثِمٌ خبر «إنّ» قَلْبُهُ فاعله، أو مبتدأ و «آثم» خبره، و الجملة خبر «إنّ» و أسند الإثم إلى القلب لأن الكتمان فعله، أو: لأنه رئيس الأعضاء، فكأنه قيل: تمكّن الإثم في نفسه. و ملك أشرف أعضائه وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ترهيب.
[284]- لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ ملكا و خلقا وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ من السّوء أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ في القيامة فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فضلا وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ عدلا، و لا يدخل- فيما يخفيه الإنسان- ما ليس في وسعه الخلوّ منه، كحديث النفس، و لكن ما اعتقده و عزم عليه «1» و لا ينافيه ما اشتهر: انه لا يعاقب بعزم المعصية، و يثاب بعزم الطّاعة، لجواز كون معناه: أنّه لا يعاقب عقاب تلك المعصية و إن عوقب عقاب العزم، بخلاف عزم الطّاعة فانّه يثاب به ثواب تلك الطاعة تفضّلا منه تعالى. و رفعهما «2» «ابن عامر» و «عاصم» استئنافا، و جزمهما الباقون عطفا على الجزاء «3» وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فيقدر على المغفرة و العذاب.
[285]- آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ عطف على الرّسول كُلٌ أي: كلّ واحد منهم، فالضّمير المنويّ للرسول و المؤمنين، أو: مبتدأ، و الضمير للمؤمنين، و الخبر: جملة: «كلّ» آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ . و قرأ «حمزة» و «الكسائي»: «و كتابه»، «4» أي: القرآن أو: الجنس لا نُفَرِّقُ يقولون:
(1) يريد: لكن يدخل فيما يخفيه الإنسان ما اعتقده و عزم عليه. فيعاقب عليه.
(2) اي: «يغفر» و «يعذب».
(3) حجة القراءات: 152، و الجزاء هو قوله تعالى: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ .
(4) حجة القراءات: 152.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 221
لا نفرّق. و قرأ «يعقوب» بالياء، «1» و الفعل ل «كلّ» «2» بَيْنَ أَحَدٍ بمعنى: الجمع- لوقوعه في سياق النفي-، و لذلك دخل عليه «بين» مِنْ رُسُلِهِ أي نؤمن بجميعهم لا ببعض دون بعض وَ قالُوا سَمِعْنا قولك وَ أَطَعْنا أمرك غُفْرانَكَ رَبَّنا : اغفر غفرانك وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ : المرجع بعد الموت، و هو إقرار بالبعث.
[286]- لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها إلّا ما تتسع فيه طاقتها، و لا تضيق عنه، أي: ما دونها لَها ما كَسَبَتْ من خير وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ من شرّ، لا يثاب بطاعتها، و لا يؤاخذ بذنبها غيرها.
و خصّ الكسب بالخير و الاكتساب بالشرّ، لأن في الاكتساب اعتمالا، و الشرّ تشتهيه النّفس الأمّارة، فهي أعمل في تحصيله بخلاف الخير رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا إن تعرضنا لما يؤدي بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو: إغفال، أو: إن تركنا، أو: أذنبنا، أو يكون الدّعاء به لاستدامة فضله تعالى ك اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «3» رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً عبء «4» يأصر حامله، أي: يحبسه مكانه لثقله، استعير للتكليف الشاق كَما حَمَلْتَهُ حملا مثل حملك عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا كتكليف بني إسرائيل بقتل الأنفس، و قطع موضع النّجاسة و غير ذلك «5» رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ من العقوبات وَ اعْفُ : و امح عَنَّا ذنوبنا وَ اغْفِرْ لَنا و استرها و لا تفضحنا بها وَ ارْحَمْنا و أنعم علينا أَنْتَ مَوْلانا الأولى بنا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فمن حقّ المولى أن ينصر عبيده على أعدائهم.
(1) تفسير مجمع البيان 1: 402.
(2) اي ان الفعل و هو: «لا يفرّق»- على قراءة يعقوب- ل «كلّ آمن».
(3) في سورة الفاتحة الآية: 5.
(4) في «الف»: عبا و العب: الحمل و الثقل.
(5) للتفصيل ينظر تفسير نور الثقلين 1: 306 و الاحتجاج للطبرسي 1: 327.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 223
سورة آل عمران
[3] مائتين آية مدنيّة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [1- 2]- الم* اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ حق «الميم» الوقف عليها، و الابتداء بما بعدها، و قرأ بها «عاصم» و فتحها الباقون، «1» لا لإلتقاء الساكنين- لجوازه في الوقف، و لذا لم يحرّك في «لام»-، بل لإلقاء فتحة الهمزة عليها، إيذانا بأنّها في حكم الثابت؛ لأنها حذفت تخفيفا، لا للدرج؛ إذ الميم في حكم الوقف. الْحَيُّ الْقَيُّومُ روي أنّ ذلك اسم اللّه الأعظم. «2» [3]- نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ : القرآن نجوما بِالْحَقِ بالصدق في إخباره، أو بما يحقق أنه منه تعالى، و هو حال، و كذا مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ جملة على موسى و عيسى، و هما أعجميّان، و قيل: مشتقان من
(1) تفسير مجمع البيان 1: 405 و تفسير الكشّاف 1: 410.
(2) ورد ذلك عن ابن عباس- كما في تفسير مجمع البيان 1: 407.
الوجيز فى تفسير القرآن العزيز، ج1، ص: 224
الوريّ «1» و النجل. «2» و وزنهما: «تفعلة» و «إفعيل».
[4]- مِنْ قَبْلُ : من قبل تنزيل القرآن هُدىً لِلنَّاسِ لقومهما وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ جنس الكتب السماوية، فإنها تفرّق بين الحق و الباطل، من عطف العام على الخاص، أو: القرآن. و كرّر ذكره بوصفه المادح له، تعظيما لشأنه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ من كتبه و غيرها لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بكفرهم وَ اللَّهُ عَزِيزٌ : غالب لا يمنع من أن يعذّب ذُو انْتِقامٍ لا يقدر على مثله أحد.
و النقمة: عقوبة المجرم.
[5- 6]- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ كلّيّ أو: جزئي، إيمان أو: كفر، كائن فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ أي: في العالم، فعبّر عنه بهما؛ إذ الحس لا يتجاوزهما و فيه تقرير للحياة و في هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ من الصور المختلفة، تقرير للقيّومية، و اثبات لعلمه تعالى بإتقان فعله في تصوير الجنين، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا يعلم غيره علمه، و لا يقدر قدرته الْعَزِيزُ في سلطانه الْحَكِيمُ في أفعاله.
قيل: هذا حجاج على من زعم أنّ «عيسى» كان ربّا، و هم وفد «نجران» حاجّوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيه، فنزلت أوائل السورة إلى نيف و ثمانين آية، تقريرا لحجاجه عليهم. «3» [7]- هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ : أحكمت عبارتها «4» بالحفظ من الاحتمال، هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ : أصله، يردّ إليها غيرها.
(1) الوري: مأخوذ من: وري الزند. و هو نوره و ضياءه.
(2) الإنجيل معرب انجليون باليونانية و معناه إنباء جيد او بشارة او خبر مفرح- كما في محيط المحيط «إنجيل»-.
(3) قاله الكلبي و محمّد بن إسحاق و الربيع بن أنس- كما في تفسير مجمع البيان 2: 406.