کتابخانه تفاسیر
بحر العلوم، ج1، ص: 10
آخر المخطوطة من التفسير، و تنتهي بتفسير سورة الناس. و عليها تاريخ النسخ آخر المخطوطة لوحة (ب) و تنتهي بتفسير سورة الناس و عليها تاريخ النسخ 644
بحر العلوم، ج1، ص: 11
بسم اللّه الرحمن الرحيم
مقدمة المصنف
باب الحث على طلب التفسير
قال: أخبرنا أبو الفضل جبريل بن أحمد اليوناني قال: أنبأنا أبو محمد لقمان بن حكيم بن خلف الفرغاني بأوزكندة قال: حدثنا الفقيه أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي رحمة اللّه عليه، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال: أخبرنا محمد بن جعفر الكرابيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا وكيع، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن مرة الهمذاني قال: قال ابن مسعود رضي اللّه عنه: من أراد العلم فليثر القرآن- و في رواية أخرى فليؤثر القرآن- فإن فيه علم الأولين و الآخرين. و روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال: ما من شيء إلا و علمه في القرآن غير أن آراء الرجال تعجز عنه.
حدثنا أبو جعفر محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا محمد بن الفضل الضبّي، عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السّلمي، قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنهم كانوا يقرءون على النبي صلى اللّه عليه و سلم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى، حتى يعلموا ما فيها من العلم و العمل.
قال الفقيه: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد المعلم قال: حدثنا أبو عمران الفريابي قال: حدثنا عبد الرحمن بن جبير بن حبيب قال: حدثنا داود بن المخبر قال:
حدثنا عباد بن كثير، عن عبد خير، عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه-: أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال في خطبته: «أيّها النّاس، قد بين اللّه لكم في محكم كتابه ما أحلّ لكم و ما حرّم عليكم، فأحلوا حلاله، و حرموا حرامه، و آمنوا بمتشابهه، و اعملوا بمحكمه، و اعتبروا بأمثاله» قال: فلما أمر النبي صلى اللّه عليه و سلم بأن يحلّ حلاله و يحرم حرامه، ثم لا يمكن أن يحلّ حلاله، و يحرم حرامه إلا بعد ما يعلم تفسيره. و لأن اللّه تعالى أنزل القرآن هدى للناس، و جعله حجة على جميع الخلق لقوله: وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19]؛ فلما كان القرآن حجة على
بحر العلوم، ج1، ص: 12
العرب و العجم، ثم لا يكون حجة عليهم إلا بعد تفسيره برأيه، فدلّ ذلك على أن طلب تفسيره و تأويله واجب.
و لكن لا يجوز لأحد أن يفسر القرآن من ذات نفسه برأيه، ما لم يتعلم و يعرف وجوه اللغة و أحوال التنزيل، لأنه روي في الخبر ما حدثنا به محمد بن الفضيل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا وكيع عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «من قال في القرآن بغير علم، فليتبوأ مقعده من النّار». و روى أبو صالح، عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النّار».
قال الفقيه: حدثنا محمد بن الفضيل قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو حفص، عن ابن مجاهد قال: قال رجل لأبي: أنت الذي تفسر القرآن برأيك؟ فبكى أبي ثم قال: إني إذا لجريء. لقد حملت التفسير عن بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم رضي اللّه عنهم.
و روي عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه أنه سئل عن قوله تعالى: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا [عبس: 31] فقال: لا أدري ما الأبّ. فقيل له: قل من ذات نفسك يا خليفة رسول اللّه. قال:
أيّ سماء تظلّني و أي أرض تقلّني، إذا قلت في القرآن بما لا أعلم. فإذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة و أحوال التنزيل، فتعلم التفسير و تكلف حفظه فلا بأس بذلك، و يكون ذلك على سبيل الحكاية. و اللّه أعلم.
بحر العلوم، ج1، ص: 13
سورة الفاتحة
[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حدثنا القاضي الخليل بن أحمد قال: حدثنا السراج قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال:
حدثنا خالد، عن داود، عن عامر قال: كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يكتب: باسمك اللهم؛ فلما نزل في سورة هود بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها [هود: 41] كتب: بسم اللّه؛ فلما نزل في سورة بني إسرائيل قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110] كتب؛ بسم اللّه الرحمن؛ فلما نزل في سورة النمل إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النمل: 30] كتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم.
ففي هذا الخبر دليل على أنه ليس من أول كل سورة، و لكنه بعض آية من كتاب اللّه تعالى من سورة النمل. فأما تفسير قوله: بِسْمِ اللَّهِ ، يعني: بدأت باسم اللّه، و لكن لم يذكر بدأت، لأن الحال ينبئ أنك مبتدئ فيستغنى عن ذكره. و أصله: باسم اللّه بالألف، و لكن حذفت من الاسم لكثرة الاستعمال، لأنها ألف وصل، و ليست بأصلية، بدليل أنها تسقط عند التصغير، فتقول سميّ. و قال بعضهم: معنى قوله بِسْمِ اللَّهِ ، يعني: بدأت بعون اللّه و توفيقه و بركته، و هذا تعليم من اللّه تعالى لعباده، ليذكروا اسم اللّه تعالى عند افتتاح القراءة و غيرها، حتى يكون الافتتاح ببركة اسم اللّه تعالى. و قوله اللَّهِ هو اسم موضوع ليس له اشتقاق، و هو أجلّ من أن يذكر له الاشتقاق، و هو قول الكسائي. قال أبو الليث رحمه اللّه: هكذا سمعت أبا جعفر يقول: روي عن محمد بن الحسن أنه قال: هو اسم موضوع ليس له اشتقاق. و روي عن الضحاك أنه قال: إنّما سمي اللَّهِ إلها، لأن الخلق يولهون إليه في قضاء حوائجهم، و يتضرعون إليه عند شدائدهم. و ذكر عن الخليل بن أحمد البصري أنه قال: لأن الخلق يألهون إليه، بنصب اللام، و يألهون بكسر اللام أيضا، و هما لغتان و قيل أيضا: إنه اشتق من الارتفاع.
و كانت العرب تقول للشيء المرتفع «لاه»، و كانوا يقولون إذا طلعت الشمس: طلعت لاهة، غربت لاهة و قيل أيضا: إنما سمي اللَّهِ ، لأنه لا تدركه الأبصار، «ولاه» معناه احتجب كما قال القائل:
لاه ربّي عن الخلائق طرّا
خالق الخلق لا يرى و يرانا
بحر العلوم، ج1، ص: 14
و قيل أيضا: سمي اللَّهِ لأنه يوله قلوب العباد بحبه.
و أما «الرحمن» فالعاطف على جميع خلقه بالرزق لهم، و لا يزيد في رزق التقيّ لأجل تقاه، و لا ينقص من رزق الفاجر لأجل فجوره. و ما كان في لغة العرب على ميزان «فعلان» يراد به المبالغة في وصفه، كما يقال: شبعان، و غضبان، إذا امتلأ غضبا. فلهذا سمى نفسه رحمانا، لأن رحمته وسعت كل شيء، فلا يجوز أن يقال لغير اللّه تعالى «الرحمن»، لأن هذا الوصف لا يوجد في غيره.
و أما «الرحيم» فالرفيق بالمؤمنين خاصة، يستر عليهم ذنوبهم في الدنيا، و يرحمهم في الآخرة، و يدخلهم الجنة. و قيل أيضا: إنما سمى نفسه رحيما، لأنه لا يكلف عباده جميع ما يطبقون، و كل ملك يكلف عباده جميع ما يطيقون، فليس برحيم.
و روي عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال في قوله تعالى: بِسْمِ اللَّهِ قال:
اسمه شفاء من كل داء، و عون على كل دواء. و أما الرحمن فهو عون لمن آمن به، و هو اسم لم يسم به غيره. و أما «الرحيم» فلمن تاب و آمن و عمل صالحا.
و قد فسره بعضهم على الحروف، و روى عبد الرحمن المديني، عن عبد اللّه بن عمر:
أن عثمان بن عفان- رضي اللّه عنهم- سأل صلى اللّه عليه و سلم عن تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فقال:
أما الباء: فبلاء اللّه و روحه، و نصره و بهاؤه؛ و أما السين: فسناء اللّه، و أما الميم: فملك اللّه؛ و أما اللّه: فلا إله غيره؛ و أما الرحمن: فالعاطف على البر و الفاجر من خلقه؛ و أما الرحيم:
فالرفيق بالمؤمنين خاصة.
و روي عن كعب الأحبار أنه قال: الباء، بهاؤه، و السين: سناؤه و لا شيء أعلى منه، و الميم: ملكه، و هو على كل شيء قدير، فلا شيء يعازه. و قد قيل: إن كل حرف هو افتتاح اسم من أسمائه؛ فالباء: مفتاح اسمه بصير، و السين: مفتاح اسمه سميع، و الميم: مفتاح اسمه ملك، و الألف: مفتاح اسمه اللّه، و اللام: مفتاح اسمه لطيف، و الهاء: مفتاح اسمه هادي، و الراء: مفتاح اسمه رزاق، و الحاء: مفتاح اسمه حليم، و النون: مفتاح اسمه نور. و معنى هذا كله: دعاء اللّه عند الافتتاح.
بحر العلوم، ج1، ص: 15
سبع آيات مدنية روي عن مجاهد أنه قال: سورة فاتحة الكتاب مدنية، و روى أبو صالح عن ابن عباس أنه قال: هي مكية. و يقال: نصفها نزل بمكة و نصفها نزل بالمدينة. حدثنا الحاكم أبو الفضل، محمد بن الحسين الحدادي قال: حدثنا أبو حامد المروزي قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال: حدثنا عمر بن يونس قال: حدثنا جهضم بن عبد اللّه بن العلاء عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إنّ في كتاب اللّه لسورة ما أنزل اللّه على نبيّ مثلها، فسأله أبي بن كعب عنها فقال: إنّي لأرجو أن لا تخرج من الباب حتّى تعلمها، فجعلت أتبطّأ، ثم سأله أبيّ عنها فقال: كيف تقرأ في صلاتك؟ قال: بأمّ الكتاب.
فقال: و الّذي نفسي بيده، ما أنزل في التّوراة و الإنجيل و القرآن مثلها، و إنّها السّبع المثاني و القرآن العظيم الّذي أعطيته» و قال بعضهم: السبع المثاني، هي السبع الطوال سورة: البقرة، و آل عمران، و الخمس التي بعدها، و سماها مثاني لذكر القصص فيها مرتين. و قال أكثر أهل العلم: هي سورة الفاتحة؛ و إنما سميت السبع، لأنها سبع آيات؛ و إنما سميت المثاني، لأنها تثنى بقراءتها في كل صلاة.
و قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو عبد اللّه، محمد بن حامد الخزعوني قال: حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن مروان، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي
بحر العلوم، ج1، ص: 16
صالح، مولى أم هانئ، عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ قال:
الشكر للّه. و معنى قول ابن عباس: الشكر للّه، يعني الشكر للّه على نعمائه كلها و قد قيل:
(الحمد للّه) يعني الوحدانية للّه. و قد قيل: الألوهية للّه. و روي عن قتادة أنه قال: معناه الحمد للّه، الذي لم يجعلنا من المغضوب عليهم و لا الضالين. ثم معنى قوله (الحمد للّه) قال بعضهم: «قل» فيه مضمر يعني: قل: الحمد للّه. و قال بعضهم: حمد الرب نفسه، ليعلم عباده فيحمدوه.
و قال أهل اللغة: الحمد هو الثناء الجميل، و حمد اللّه تعالى هو: الثناء عليه بصفاته الحسنى، و بما أنعم على عباده، و يكون في الحمد معنى الشكر و فيه معنى المدح و هو أعم من الشكر، لأن الحمد يوضع موضع الشكر، و لا يوضع الشكر موضع الحمد. و قال بعضهم:
الشكر أعم، لأنه باللسان و بالجوارح و بالقلب، و الحمد يكون باللسان خاصة. كما قال اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: 13].
و روي عن ابن عباس أنه قال: الحمد للّه كلمة كل شاكر، و ذلك أن آدم عليه السلام، قال حين عطس: الحمد للّه فقال اللّه تعالى: يرحمك اللّه، فسبقت رحمته غضبه. و قال اللّه تعالى لنوح: فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون: 28] و قال إبراهيم- عليه السلام-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ [إبراهيم: 39] و قال في قصة داود و سليمان: وَ قالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل: 15] و قال لمحمد- عليه السلام-: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً [الإسراء: 111] و قال أهل الجنة:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: 34] فهي كلمة كل شاكر.
و قوله تعالى: رَبِّ الْعالَمِينَ قال ابن عباس- رضي اللّه عنهما-: سيد العالمين. و هو رب كل ذي روح تدب على وجه الأرض. و يقال: معنى قوله رَبِّ الْعالَمِينَ : خالق الخلق و رازقهم و مربيهم و محولهم من حال إلى حال، من نطفة إلى علقة، و من علقة إلى مضغة.
و الرب في اللغة: هو السيد قال اللّه تعالى: ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ [يوسف: 50]، يعني إلى سيدك. و الربّ: هو المالك يقال: ربّ الدار، و ربّ الدابة و الرب هو المربي من قولك: ربي يربي. و قوله: (العالمين) كل ذي روح و يقال: كل من كان له عقل يخاطب، مثل بني آدم و الملائكة و الجن، و لا يقع على البهائم و لا على غيرها. و روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال:
«إنّ للّه تعالى ثمانية عشر ألف عالم، و إنّ دنياكم منها عالم واحد» و يقال: كل صنف من الحيوان عالم على حده.