کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 64
أقول: معنى الروايتين واضح ممّا مرّ، و كأنّ الاولى أدقّ تفسيرا من الثانية، و الثانية تفسّر الصراط بصراط العبادة، و لذلك فسّر الهداية بإدامة التوفيق لكونها حاصلة بالفعل، و هو من الصراط المستقيم كما مرّ.
و منها: ما عنه أيضا عن عليّ- عليه السلام-: الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ في الدنيا ما قصر عن الغلوّ و ارتفع عن التقصير و استقام ... و في الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنّة. «1»
أقول: معناه ظاهر، و قوله: «و في الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنّة» مبنيّ على ما سيجيء من أنّ الآخرة مطابقة للاولى.
و منها: ما في الفقيه عن الصادق- عليه السلام- قال: الصراط المستقيم أمير المؤمنين- عليه السلام-، «2» و رواه العيّاشي أيضا. «3»
و منها: ما في المعاني عن الصادق- عليه السلام- قال: هي «4» الطريق إلى معرفة اللّه، و هما صراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الآخرة، فأمّا الصراط [الذي] في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة، و من لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه [عن الصراط] في الآخرة فتردّى في نار جهنّم. «5»
و منها: ما فيه أيضا عن السجّاد- عليه السلام- قال: ليس بين اللّه و بين حجّته حجاب، و لا للّه دون حجّته ستر، نحن أبواب اللّه، و نحن الصراط المستقيم،
(1). معاني الأخبار: 33، الحديث: 4.
(2). معاني الأخبار: 32، الحديث: 3.
(3). تفسير العيّاشي 1: 24، الحديث: 25.
(4). في المصدر: «هو».
(5). معاني الأخبار: 32، الحديث: 1.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 65
و نحن عيبة علمه، و نحن تراجمة وحيه، و نحن أركان توحيده، و نحن موضع سرّه. «1»
أقول: و أنت بعد التأمّل فيما ذيّلنا به قوله سبحانه: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً، «2» تعرف معنى هذه الروايات الثلاث المفسّرة للصراط المستقيم بالإمام أو بخصوص عليّ- عليه السلام-، و لا تحتاج أن تحمل أمثال هذه المعارف الغالية التي حواها كلامه سبحانه على المجاز و الكناية و نحوهما من تفنّنات البيان، فقد مرّ أنّ هذه المعاني ذوات مراتب بحسب التحقّق، فللكفر مراتب و للإيمان مراتب، و أمّا نفس المعنى فصدقه على الجميع واحد، و إنّما الاختلاف بحسب خصوصيّات المصاديق كما ذكره المحقّقون فقالوا: إنّ الألفاظ في تعيّنها بإزاء المعاني غير مقيّدة بما احتفّت به المصاديق من القيود، و إنّما هي من خصوصيّات المصاديق، فالميزان- مثلا- اسم لما يوزن به الشيء و الوزن يختلف باختلاف الموزون، فذات الكفّتين- مثلا- لوزن الأثقال، و الذرع لوزن الأطوال، و المكيال لوزن الحجم، و المسطرة لوزن السطر، و كذا العروض لوزن الشعر، و المنطق لوزن التصوّر و التصديق إلى غير ذلك.
و يدلّ على ذلك أنّا نرى عرف اللغة إذا وجد آلة جديدة تفي بغرض القديمة سمّاها باسمها من غير توقّف و اعتبار علاقة و نحوها.
و أمّا أنّ هناك رجلا حاول وضع اللغة العربيّة أو غيرها ثمّ زوّج المعاني الموجودة عنده و في عصره من ألفاظ اخترعها و اقترحها بوضع شخصي، ثمّ الحقيقة و المجاز و التراكيب لوضع نوعي و حكم بأنّ ما وراء ذلك غلط، فدون إثباته نقلا أو عقلا خرط القتاد، و إنّما هي تطوّرات و تحوّلات في الألفاظ
(1). معاني الأخبار: 35، الحديث: 5.
(2). الرعد (13): 17.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 66
و المعاني جبّل عليها الإنسان في حياته المدنيّة على ما قرّر في محلّه.
و بالجملة، فالسير على صراط العبادة- مثلا- سير بالحقيقة في صراط بالحقيقة و إن خالف قطع الإنسان بأقدامه الصراط من أديم الأرض، و السير في صراط المعرفة كذلك، و كلّ منهما سير أيضا في إنسان ليس عنده غيره من أصحاب الصراط.
و قد عرفت أنّ المفهوم من كلامه سبحانه هو ذلك، فافهم ذلك.
و منها: ما في المعاني في معنى صِراطَ الَّذِينَ، عن عليّ- عليه السلام-:
أي قولوا: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك و طاعتك، و هم الذين قال اللّه تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «1» . «2»
و منها: ما رواه الصدوق عن الصادق- عليه السلام- قال: قول اللّه في الحمد:
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ، يعني محمّدا و ذرّيّته. «3»
أقول: و هو من الجري، و يمكن أن يكون النظر إلى كون صراطهم أكمل الصرط، فهو من التفسير.
و منها: ما في المعاني عن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: شيعة عليّ الذين أنعمت عليهم بولاية عليّ بن أبي طالب- عليه السلام- لم يغضب عليهم و لم يضلّوا. «4»
(1). النساء (4): 69.
(2). معاني الأخبار: 36، الحديث: 9.
(3). معاني الأخبار: 36، الحديث: 7.
(4). معاني الأخبار: 36، الحديث: 8.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 67
أقول: و كأنّه مستفاد من قوله تعالى: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ، «1» و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ، «2» فإنّ في الآية الاولى حكاية قضيّة المعيّة، و في الثانية وعد الإلحاق، فافهم.
و يناسبه ما رواه ابن شهر آشوب عن تفسير وكيع بن الجرّاح عن [سفيان] الثوري عن السدّي عن أسباط و مجاهد عن ابن عبّاس في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ، قال: قولوا معاشر العباد: أرشدنا إلى حبّ محمّد و أهل بيته. «3»
أقول: و كأنّه استفاده من قوله سبحانه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، «4» و قوله تعالى: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا. «5»
و منها: ما في المعاني في قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ، عن عليّ- عليه السلام-: إنّ المغضوب عليهم هم اليهود الذين قال اللّه فيهم: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ، «6» و الضالّين هم النصارى الذين قال اللّه فيهم: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً «7» . «8»
(1). النساء (4): 69.
(2). الحديد (57): 19.
(3). المناقب 3: 73.
(4). الشورى (42): 23.
(5). الفرقان (25): 57.
(6). المائدة (5): 60.
(7). المائدة (5): 77.
(8). لم نجده في معاني الأخبار، و لكن روي نحوه في تفسير الإمام: 50؛ و تأويل الآيات:
32؛ و تفسير العيّاشي 1: 24 الحديث: 27.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 68
أقول: و هو من الجري.
و منها: ما في تفسير القمّي عن الصادق- عليه السلام-: أنّ المغضوب عليهم النصّاب، و الضالّين هم أهل «1» الشكوك الذين لا يعرفون الإمام. «2»
أقول: و هو أيضا من الجري.
و منها: ما في العيون عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين- عليه السلام- قال: لقد سمعت «3» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول «4» : قال اللّه عزّ و جلّ:
قسّمت فاتحة الكتاب بيني و بين عبدي، فنصفها لي، و نصفها لعبدي. و لعبدي ما سأل، إذا قال العبد: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال اللّه جلّ جلاله: بدأ عبدي باسمي، و حقّ عليّ أن أتمّم له اموره و ابارك له في أحواله، فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قال جلّ جلاله: حمدني عبدي و علم أنّ النعم التي له من عندي و أنّ البلايا التي اندفعت «5» عنه فبتطوّلي «6» اشهدكم فإنّي اضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة و أدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، و إذا قال:
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قال اللّه جلّ جلاله: اشهدكم لأوفرنّ من نعمتي «7» حظّه، و لأجزلنّ من عطائي نصيبه، فإذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، قال اللّه تعالى:
اشهدكم كما اعترف بأنّي أنا المالك يوم الدين لأمتهلنّ «8» يوم الحساب حسابه،
(1). في المصدر:- «أهل»
(2). تفسير القمّي 1: 29.
(3). في المصدر:- «لقد سمعت»
(4). في المصدر:- «يقول»
(5). في المصدر: «دفعت»
(6). في المصدر: «فبطولي»
(7). في المصدر: «رحمتي»
(8). في المصدر: «لاسهّلنّ»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج1، ص: 69
و لأتقبّلنّ حسناته و لأتجاوزنّ عن سيّئاته، فإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ، قال اللّه عزّ و جلّ: صدق عبدي إيّاي يعبد، اشهدكم لأثيبنّه على عبادته ثوابا يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي فإذا قال العبد: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، قال اللّه تعالى:
بي استعان و إليّ التجأ، اشهدكم لاعيننّه على أمره و لاغيثنّه في شدائده، و لآخذنّ بيده يوم نوائبه، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ إلى آخر السورة، قال اللّه عزّ و جلّ: هذا لعبدي، و لعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي و أعطيته ما أمّل و آمنته ممّا منه و جل. «1»
أقول: معناها ظاهر ممّا مرّ، و قد روى الصدوق قريبا منه في العلل «2» عن الرضا- عليه السلام-.
و اعلم أنّ هذه السورة تسمّى بأسماء كثيرة، منها: امّ الكتاب، و فاتحة الكتاب، و سورة الحمد، و السبع المثاني. و الأخبار تدلّ على أنّ هذه الأسماء كانت متداولة في زمن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-. و ربما يستفاد من تسميتها بفاتحة الكتاب وجود تأليف مّا للقرآن في زمن النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.
(1). عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 1: 300- 301، الحديث: 59.