کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 180
أقول: أي جميع أقسام الوحي من تكليم و إرسال ملك و نحو ذلك، كما سيجيء إن شاء اللّه.
و يمكن أن يشمل أقسام الموحى به أيضا كما في قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ «1» .
و في تفسير العيّاشي و كتاب كمال الدين عن الباقر- عليه السلام-: «و كان بين آدم و نوح من الأنبياء مستخفين و مستعلنين، و لذلك خفي ذكرهم في القرآن و لم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ يعني لم يسمّ «2» المستخفين كما سمّى المستعلنين من الأنبياء» «3» .
أقول: و سيجيء الكلام في الكلام فيما سيجيء إن شاء اللّه.
قوله سبحانه: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ
لمّا كان المقام مظنّة أن لا يشهد بذلك أهل الكتاب و المشركون، استدركه بقوله:
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ و قوله: وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ . و قوله: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ ، نفس الشهادة، و هو إشعار بحقّيّته و أنّه بعلم اللّه سبحانه، نظير قوله: قُلْ أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ «4» ، فإنّ علم اللّه تعالى عين الواقع.
(1). الشورى (42): 13.
(2). في المصدر: «لم أسم» بدلا عن «لم يسمّ»
(3). تفسير العيّاشي 1: 285، الحديث: 306؛ كمال الدين 1: 215، الحديث: 2، الباب: 22.
(4). يونس (10): 18.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 181
و قيل: لمّا نزلت قوله: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ، قالوا: ما نشهد لك بهذا، فنزلت «1» .
و في تفسير القمّي عن الصادق- عليه السلام-: «إنّما انزلت لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ في عليّ» «2» .
أقول: و نظيره ما في الكافي و تفسير العيّاشي عن الباقر- عليه السلام- في قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا : «إنّ الذين كفروا و ظلموا آل محمّد حقّهم» «3» .
و فيهما «4» أيضا عنه: قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ في ولاية عليّ «5» ، الحديث.
و جميع ذلك من الجري، أو شأن النزول.
(1). بحار الأنوار 18: 156.
(2). تفسير القمي 1: 159.
(3). الكافي 1: 424، الحديث: 59؛ تفسير العيّاشي 1: 45، الحديث: 49.
(4). أي الكافي و تفسير العيّاشي.
(5). الكافي 1: 424، الحديث: 59؛ تفسير العيّاشي 1: 285، الحديث: 307.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 182
[ [سورة النساء (4): الآيات 176 الى 172]
] قوله سبحانه: وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
قد مرّ الكلام في المسيح- عليه السلام- و ما يعطيه القرآن له من المقام، و هو مع
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 183
ذلك إنسان مادّي، فما له من الكمال غير ذاتيّ، بمعنى أنّه غير حاصل له في أوّل وجوده إلّا بالتدريج، بخلاف الملائكة و خاصّة المقرّبين منهم، فكمالهم ذاتيّ موجود في أصل وجودهم، و سيجيء إن شاء اللّه بيان حقيقته فيما سيجيء.
فتوهّم الاستنكاف و الاستكبار فيهم أقرب من توهّمه على موجود بشريّ و إن كان أرفع قدرا من جهة اخرى منهم، و هذا هو الوجه في الترقّي المستفاد من قوله: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ .
قوله سبحانه: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً
في المجمع عن الصادق- عليه السلام-: «و النور ولاية عليّ- عليه السلام-» «1» .
و في تفسير العيّاشي عنه- عليه السلام-: «البرهان محمّد، و النور عليّ، و الصراط المستقيم عليّ- عليه السلام-» «2» .
أقول: و قد مرّ الكلام في معنى الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ «3» و الولاية في سورة الفاتحة، و سيجيء تمام الكلام في المائدة.
قوله سبحانه: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ
روي أنّ جابر بن عبد اللّه كان مريضا فعاده رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا رسول اللّه، إنّ لي الكلالة فما أصنع في مالي؟ فنزلت «4» .
(1). مجمع البيان 3: 252.
(2). تفسير العيّاشي 1: 285، الحديث: 308.
(3). الفاتحة (1): 6.
(4). مجمع البيان 3: 28.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 184
و في تفسير القمّي عن الباقر- عليه السلام-: «إذا مات الرجل و له اخت تأخذ نصف [ما ترك من] الميراث [لها نصف الميراث] بالآية، كما تأخذ البنت لو كانت، و النصف الباقي يردّ عليها بالرحم إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الاخت أخ أخذ الميراث كلّه بالآية؛ لقوله تعالى: وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فإن كانت «1» اختين أخذتا الثلثين بالآية و الثلث الباقي بالرحم، و إن كانوا إخوة رجالا و نساء فللذكر مثل حظّ الانثيين و ذلك كلّه إذا لم يكن للميّت ولد و أبوان و زوجة» «2» .
أقول: و هذا المضمون مرويّ في روايات كثيرة «3» ، و في عدّة منها أنّ الآية مختصّة بميراث الكلالة لأبوين أو لأب فقط.
قوله سبحانه: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا
أي كراهة أن تضلّوا، و هو استعمال شائع في الكلام.
تمّ الجزء الأوّل من «تفسير البيان في الموافقة بين الحديث و القرآن» في الثاني عشر من ربيع الثاني سنة ألف و ثلاثمائة و خمس و ستّين هجريّة قمريّة بيد مؤلّفه الفقير إلى اللّه محمّد حسين الطباطبائي.
(1). في نسخة: «كانتا» [منه- رحمه اللّه-].
(2). تفسير القمّي 1: 159- 160.
(3). راجع: وسائل الشيعة 26: 145، أبواب ميراث الأخوة و الأجداد.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 185