کتابخانه تفاسیر
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 214
بالكافرة الغير المؤدّية للجزية و الحربيّة، كما لا تعرّض في قوله:
وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ، مع ما فيه من تقريب البين بالبيان السابق لحال المشركة و الكافرة، فلو عبّر بالنسخ كان بمعنى التفسير، و قد مرّ في سورة البقرة عند قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ «1» ، أنّ النسخ أعمّ من المصطلح عليه في الفقه، و في المقام روايات أخر تؤيّد ما مرّ.
كما في الفقيه عن الصادق- عليه السلام- في الرجل المؤمن يتزوّج النصرانيّة و اليهوديّة قال: إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهوديّة و النصرانيّة؟
فقيل: يكون له فيها الهوى، فقال: إن «2» فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير و اعلم أنّ عليه في دينه «3» غضاضة «4» .
و فيه عن الباقر- عليه السلام-: إنّه سئل عن الرجل المسلم أيتزوّج المجوسيّة؟ قال: لا، و لكن إن كانت له أمة مجوسيّة فلا بأس أن يطأها و يعزل عنها، و لا يطلب ولدها «5» .
و في التهذيب عن الصادق- عليه السلام-: لا بأس أن يتمتّع الرجل باليهوديّة و النصرانيّة و عنده حرة «6» .
أقول: و الروايات في هذه المعاني كثيرة، و للكلام بقيّة محلّها الفقه، و ما ذكرناه ظاهر ما يقتضيه سياق اللفظ.
(1). البقرة: (2): 106.
(2). في المصدر: «فإن»
(3). في المصدر:+ «في تزويجه إيّاها»
(4). من لا يحضره الفقيه 3: 407؛ الكافي 5: 356.
(5). من لا يحضره الفقيه 3: 407؛ مع تفاوت يسير في لفظ السؤال.
(6). تهذيب الأحكام 7: 256.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 215
قوله سبحانه: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ
الكفر أصله الستر، فهو يتعلّق بأمر ثابت كالكفر باللّه و برسوله و باليوم الآخر و الكفر بأنعم اللّه، فالكفر بالإيمان يقضي بوجود إيمان ثابت، فليس المراد به المصدر، بل إسم المصدر و هو ما يثبت عند المؤمن من الاعتقادات الحقّة فيؤوّل معنى الكفر بها إلى ترك العمل بها مع ثبوت العلم، و لذلك فسرت به في عدّة أخبار.
ففي تفسير العيّاشي عن عبيد بن زرارة، قال سألت أبا عبد اللّه [- عليه السلام-] عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ، قال: ترك العمل الذي أقرّ به، من ذلك أن يترك الصلاة من غير سقم و لا شغل «1» .
أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة رواها في الكافي و تفسير العيّاشي عنه عليه السلام و عن أحدهما- عليهما السلام- «2» و التمثيل في غالبها بالصلاة كما في هذه الرواية؛ لأنّ اللّه سبحانه سمّاها إيمانا في قوله: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «3» في سورة البقرة.
و فيه أيضا: عن أبان بن عبد الرحمان، قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السلام- يقول: أدنى ما يخرج به الرجل من الإسلام أن يرى الرأي بخلاف الحقّ فيقيم عليه قال: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ، و قال عليه السلام:
الذي يكفر بالإيمان، الذي لا يعمل بما أمر اللّه به و لا يرضى به «4» .
(1). تفسير العيّاشي 1: 296.
(2). الكافي 2: 384- 387؛ تفسير العيّاشي 1: 297.
(3). البقرة (2): 143.
(4). تفسير العيّاشي 1: 297.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 216
أقول: قوله عليه السلام: أن يرى الرأي بخلاف الحق ...، أن يتحقّق عنده الحقّ و يثبت، ثم يقيم على خلافه كما يشعر به آخر الحديث، و من المعلوم أنّ الإقامة و المداومة على معنى يقتضي دوام الإرادة له، و هي لا تتحقّق إلّا عن علم بالصلاح، و هو الرأي فعنده علم بالحقّ متروك، و علم بخلاف الحقّ مرضي عنده، و لذلك كان كفرا.
و أمّا الترك مرّة أو مرّات من غير إقامة عليه فليس من الكفر في شيء، و لذلك صرّح به في بعض الروايات كما في تفسير العيّاشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال عليه السلام: هو ترك العمل حتى يدعه أجمع، «1» الحديث.
و أمّا الخروج بذلك عن الإسلام فربّما يستفاد من مثل قوله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً* أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً «2» و قوله: لا يُؤْمِنُوا بِها وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَ إِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ كانُوا عَنْها غافِلِينَ* وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ «3» .
و هذا تشريك في الحدّ من غير تعميم للحكم، و نظائره في كلامه سبحانه كثيرة، و أساسها كون هذه الأمور حقائق مشكّكة ذوات مراتب.
و في تفسير القمّي قال عليه السلام: من آمن ثمّ أطاع أهل الشرك «4» .
(1). تفسير العيّاشي 1: 297.
(2). الكهف (18): 103- 105.
(3). الأعراف (7): 146- 147.
(4). تفسير القمّي 1: 163.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 217
و في البصائر: عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر- عليه السلام- عن قول اللّه تبارك و تعالى: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ ، قال: تفسيرها في بطن القرآن، [يعنى:] و من يكفر بولاية عليّ، و عليّ هو الإيمان «1» .
أقول: و هو من الجري و في معناه بعض روايات اخر، و قوله- عليه السلام-:
و عليّ هو الإيمان، قد تقدّم توضيح نظيره في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ من سورة الفاتحة «2»
(1). بصائر الدرجات: 97.
(2). الفاتحة (1): 6.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 218
[ [سورة المائدة (5): الآيات 7 الى 6]
] قوله سبحانه: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا - إلى قوله- إِلَى الْكَعْبَيْنِ في تفسير العياشي عن بكير بن أعين، قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السلام- قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ما معنى إِذا قُمْتُمْ ؟
قال: إذا قمتم من النوم «1» ، الحديث.
(1). تفسير العياشي 1: 297.
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 219
أقول: و رواه في التهذيب عنه- عليه السلام «1» -، و هو أقرب الوجوه في تفسير قوله إِذا قُمْتُمْ و يتكفّل نقض النوم فقط و أمّا سائر الأحداث فمستفاد من قوله: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ، كما لا يخفى.
و قد قيل معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة و أنتم على غير طهر، أو إذا أردتم القيام إليها بناءا على وجوبه لكلّ صلاة.
و فيه أيضا عن زرارة قال قلت لأبي جعفر- عليه السلام-: أخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي له أن يوضّأ، الذي قال اللّه [عزّ و جلّ]، فقال: الوجه الذي أمر اللّه [عزّ و جلّ] بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر، و إن نقص منه أثم، ما دارت [عليه] السبّابة و الوسطى و الإبهام من قصاص الشعر «2» إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا «3» ، و ما سوى ذلك فليس من الوجه «4» ، قلت: الصدغ ليس من الوجه؟ قال: لا «5» .
قال زرارة: فقلت «6» لأبي جعفر- عليه السلام-: ألا تخبرني من أين علمت و قلت إنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك و قال «7» : يا زرارة! قاله «8» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قد نزل به الكتاب من اللّه تعالى، لأنّ اللّه قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ، فعرفنا أنّ الوجه كلّه ينبغي له أن
(1). تهذيب الأحكام 1: 7.
(2). في المصدر: «شعر الرأس»
(3). في المصدر:+ «فهو من الوجه»
(4). في المصدر:- «من الوجه»
(5). تهذيب الأحكام 1: 54- 55.
(6). في المصدر: «قلت»
(7). في المصدر: «ثمّ قال»
(8). في الأصل: «قال»
تفسير البيان فى الموافقة بين الحديث و القرآن، ج3، ص: 220
يغسل، ثم قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه، فعرفنا أنّهما ينبغي أن تغسلا إلى المرفقين، ثم فصّل بين الكلام فقال:
وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ ، فعلمنا حين قال: بِرُؤُسِكُمْ ، أنّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال:
وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، فعرفنا حين وصلهما بالرأس أنّ المسح على بعضهما، ثمّ فسّر ذلك رسول اللّه [صلّى اللّه عليه و آله] للناس [فضيّعوه]، ثم قال:
فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ ، ثمّ وصل بها وَ أَيْدِيَكُمْ ، فلمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا لأنّه قال: بِوُجُوهِكُمْ ، ثمّ قال: مِنْهُ أي من ذلك التيمّم، لأنّه علم أنّ ذلك أجمع لا يجري على الوجه لأنّه يعلّق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ، و لا يعلّق ببعضها «1» .
أقول: و الرواية مشهورة رواها جمع من الرواة مجموعا و مقطّعة عن زرارة «2» .
و قد زاد في الفقيه قال زرارة: قلت [له]: أرأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال:
كلّما أحاط به [من] الشعر فليس على العباد أن يطلبوه، و لا يبحثوا عنه، و لكن يجري عليه الماء «3» .
أقول: و هو استفادة الحكم من لفظة الوجه.
و في تفسير العيّاشي عن الصادق- عليه السلام-: إنّ عليّا- عليه السلام-
(1). تفسير العيّاشي 1: 299؛ نقله المؤلف من العيّاشي و نسخته مطابق للعيّاشي؛ تهذيب الأحكام 1: 61- 62.
(2). وسائل الشيعة 3: 364؛ الكافي 3: 30؛ تهذيب الأحكام 1: 61؛ الاستبصار 1: 62.