کتابخانه تفاسیر
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 77
أحوال النفس و ماهيتها و غرائب آثارها بذوق العيان- دون مزاحمة البرهان».
و كما مضى القول فعبقريّة صدر المتألهين هي البرهنة على العقائد الذوقية و المطالب العرفانية. و هو- رحمه اللّه- عارف تلبّس الفلسفة:
«79» «و نحن قد جعلنا مكاشفاتهم الذوقية مطابقة للقوانين البرهانية».
فهذه الفرقة أولا:
«80» «لشهودهم بالنور الإلهي الحق و صفاته و أفعاله و كيفيّة تصرفاته في الوجود لا يتطرّق عليهم الشبهة، و لا يدخل في قلوبهم الريبة ... فلا- يظنن أحد أن ورعهم في أمور الدين و احتياطهم في عدم القول في مسألة شرعية بمجرد الظن و التخمين يكون أقلّ من ورع غيرهم و احتياطه ...
فإذا كان حالهم على هذا المنوال من العلم و المعرفة و الورع و التقوى فالقدح من أحد فيهم في مسألة اعتقادية دينية يدلّ على قصور رتبة القادح و سوء فهمه و قلّة انصافه».
«81» «و إنما تتبّعنا كلمات هؤلاء العرفاء ... لأنها صدرت عن معدن الحكمة و مشكاة النبوة و منبع القرب و الولاية».
و ثانيا إنهم:
«82» «لاستغراقهم بما هم عليه من الرياضات و المجاهدات و عدم تمرّنهم في التعاليم البحثيّة و المناظرات العلمية ربما لم يقدروا على تبيين مقاصدهم، و تقرير مكاشفاتهم على وجه التعليم ... و لهذا قلّ من عباراتهم ما خلت عن مواضع النقوض و الإيرادات».
(79) الاسفار الاربعة: ج 6 ص 263.
(80) تفسير آية الكرسي: 317.
(81) مفاتيح الغيب: 209.
(82) الاسفار الاربعة: ج 6 ص 284.
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 78
«83» «لكن لحسن ظنّنا بهذه الأكابر، لما نظرنا في كتبهم و وجدنا منهم تحقيقات شريفة، و مكاشفات لطيفة و علوما غامضة مطابقة لما أفاضه اللّه على قلوبنا و ألهمنا به- مما لا نشكّ فيه، و نشكّ في وجود الشمس في رابعة النهار- حملنا ما قالوه و وجّهنا ما ذكروه حملا صحيحا و وجها وجيها في غاية الشرف و الإحكام».
و الفارق بينه و بينهم:
«84» «إن من عادة الصوفيّة الاقتصار على مجرّد الذوق و الوجدان فيما حكموا عليه. و أما نحن فلا نعتمد كلّ الاعتماد على ما لا برهان عليه قطعيّا و لا نذكرها في كتبنا الحكميّة».
«85» فمثلا: «لاح لهم بضرب من الوجدان و تتبّع أنوار الكتاب و السنّة أن جميع الأشياء حيّ، ناطق، ذاكر للّه، مسبّح، ساجد له ... و نحن بحمد اللّه عرفنا ذلك بالبرهان و الايمان جميعا. و هذا أمر قد اختصّ بنا بفضل اللّه و حسن توفيقه».
محيي الدين بن العربي
قلّما يعظّم صدر المتألهين أو يثنى على أحد كتعظيمه و ثنائه على ابن العربي.
يقول بأنه «قدوة المكاشفين» «86» و «عندنا من أهل المكاشفة» «87» و الظاهر منه اعتقاده أنه على مذهب الإمامية. ففي شرح الأصول من الكافي يقول بعد نقل كلمات ابن العربي في الإمام المنتظر- روحي و أرواح العالمين لمقدمه الفداء:
(83) الاسفار الاربعة: ج 6 ص 183.
(84) الاسفار الاربعة: ج 9 ص 234.
(85) الاسفار الاربعة: ج 7 ص 153.
(86) الاسفار الاربعة: ج 9 ص 45.
(87) التفسير: ج 3 ص 49.
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 79
«88» «و اعلم أن أكثر ما ذكره فيما نقلناه من عبارته أولا موجود في كتب الحديث. بعضها على طريقة أصحابنا، و بعضها على غير طريقهم. و انظروا أيها الإخوان إلى ما في طيّ كلامه من المعاني الدالة على كيفيّة مذهبه. كقوله: «إن للّه خليفة» و قوله: «أسعد الناس به أهل الكوفة» و قوله: «أعداؤه مقلّدة العلماء أهل الاجتهاد» و قوله: «إنه على ضلالة» «89» و قوله: «لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد و زمانه قد انقطع»- إلى آخره ...».
و قلّما يوجد مقام يردّ عليه أو لا يتكلّف في توجيه كلامه. قال في الأسفار الاربعة بعد نقل كلامه:
«90» «و إنما نقلنا بطوله، لما فيها من الفوائد النفيسة، و للاتّفاق في كثير من وجوه الحشر المذكورة فيها لما ذكرناه- و إن وقعت المخالفة في البعض».
و في موضع آخر بعد نقل كلامه أيضا:
«91» «و إنما نقلنا بطولها لما فيها من بعض التحقيقات المطابقة لما نحن عليه من الحكمة البرهانية. و إن كان فيها بعض أشياء مخالفة لها».
و في التفسير ينبّه علي أمور في كلامه يخالف الظاهر و يوجّهه إلى وجوه صحيحة:
«92» «لئلا يقع من أحد سوء ظنّ بهذا الشيخ العظيم».
(88) شرح الأصول من الكافي: الحديث الحادي و العشرون من كتاب العقل و الجهل ص 111.
(89) نقل قول عن المتظاهرين بالعلم عند ظهوره عليه السلام، إذا حكم فيهم بغير ما يرضون.
(90) الاسفار الاربعة: ج 9 ص 234.
(91) الاسفار الاربعة: ج 9 ص 253.
(92) التفسير: ج 2 ص 259.
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 80
«93» «و فيه مساهلات كما وقعت الإشارة إليه مبناها ضيق العبارة عن تأدية المراد. و إلا فالشيخ أجلّ رتبة من ذلك».
و في مسألة إيمان فرعون التي اعترض عليه كثيرون:
«94» «و يفوح من هذا الكلام رائحة الصدق و قد صدر من مشكاة التحقيق و موضع القرب و الولاية».
و بالجملة فتأثير فكر ابن العربي في الخطوط الرئيسيّة من فلسفة صدر المتألهين واضح لا ينكر. و نصوص عبارات كتبه أو مضامينه عند اشتغال صدر المتألهين بالتحقيق الأدقّ لا يقل.
صدر الدين القونوي
تلميذ محيي الدين، و هو الذي جمع شتات أقوال ابن العربي في كتبه، و نظمّها نظما تعليميّا. و لهذا ترى كثرة تأثّر صدر المتألهين من تأليفاته. و من أبرز ذلك ما نقل في تفسير سورة الفاتحة من فقرات كتاب إعجاز البيان في تفسير الفاتحة للقونوي. «95» و تأثّر صدر المتألهين و ثناؤه عليه يرجع في الجملة إلى شرح القونوي لكلمات استاذه، و تقريره لها. كما أن ذلك شأن الآخرين من متابعي مذهبه.
آخرون من العرفاء:
و من العرفاء الذين يتأمّل صدر المتألهين في كتبهم و ينقل عنهم عين القضاة
(93) تعليقات حكمة الاشراق: 518.
(94) التفسير: 3/ 364.
(95) من أمثله ذلك ما نقل في تفسير اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (في أن الإنسان أشرف الخلائق) راجع إعجاز البيان ص 456 و 457. و في تفسير غير المغضوب عليهم (مظاهر الرحمة و الغضب) راجع إعجاز البيان ص 470 و كذا (درجات غضبه تعالى) راجع ص 465 و 475.
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 81
الهمداني، فقد نقل عنه مطالب في موارد شتّى. على أنه في كتابه زبدة الحقائق رام إلى بيان المطالب الذوقية بلسان أهل البرهان. و لذلك قد أثبت اسمه في تاريخ تأليف الحكمة المتعالية و إن لم يوفق في ذلك إلا شيئا قليلا.
و ايضا منهم علاء الدولة السمناني و السهروردي صاحب عوارف المعارف و الخواجه عبد اللّه الانصاري و جلال الدين الرومي و عبد الرزاق الكاشاني و غيرهم.
ه- المتصوّفة:
الغرض من المتصوّفة ناس يدعون معرفة الحقّ و ينسبون أنفسهم إلى مقام الإرشاد و القطبية، فيغترّ بهم عوام الناس. و لأنهم لا يطلبون من مريديهم تزكية النفس و تصفية الباطن- لكون أنفسهم أخلّاء عنها- يتبعهم العوام الذين لهم حبّ المعرفة، لما عندهم من الفطرة الأصلية، و لكن يشقّ عليهم العمل و الاشتغال بالرياضات الشرعيّة. فهذه القوّاد الجهّال يرفعون ذلك المانع عن قبال مريديهم فيسير سببا لإقبال الناس عليهم. و هم من هذا الطريق يصلون إلى أموال و مقام و اشتهار في البلاد.
و لكونهم حفّاظا لمنافع الحكام و السلاطين يصيرون ذوي مكنة و قبول عند أهل الدولة و الشوكة. و يورث ذلك ازدهار اشتهارهم و تبسّطهم في البلاد:
«96» «اين گروه از ياد خدا غافلانند، كجا از اهل دلانند؟! اگر ذرّهاى از نور معرفت در دل ايشان تابيده مىبودى كجا در خانه ظلمه و اهل دنيا را قبله خود مىساختند».
و الظنّ الغالب شدة الابتلاء بهم في عصر صدر المتألهين، إذ الدولة الصفوية نفسها كانت منتمية إلى فرقة صوفية، و سلاطينهم مدّعين قطبية هذه الفرقة. و لذلك شوهد من علماء ذلك العصر جدّا و اهتماما بردّهم و مناهضتهم، و يوجد ردودا
(96) سه اصل: 18.
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 82
عليهم في كتب علماء ذلك العصر و ما بعده. كالشيخ البهائي، و العلامة محمد باقر المجلسي و المولى محمد طاهر القمي و المقدس الأردبيلي و صدر المتألهين- رضوان اللّه عليهم أجمعين.
هذه الجماعة الذين ليست عندهم معرفة علمية و لا شهود كشفيّ. سمعوا كلمات و أقوالا من العرفاء، و لم يفهموا مغزاها و معناها، فتفوّهوا بكلمات و أقوال ضلّوا بها و أضلوا. و لذلك لا يدع صدر المتألهين فرصة في التحامل عليهم و تسفيه أقوالهم و عقائدهم.
«97» «إن بعض الجهلة من المتصوّفين المقلّدين- الذين لم يحصّلوا طريق العلماء العرفاء، و لم يبلغوا مقام العرفان- توهّموا، لضعف عقولهم و وهن عقيدتهم و غلبة سلطان الوهم على نفوسهم أن لا تحقّق بالفعل للذات الأحدية ...».
ثم إنه لم يقنع بما كتب في ذمّهم في كتبه و رسائله المطوّلة و المختصرة فألّف في ذلك رسالة على حدة سمّاها: «كسر أصنام الجاهلية» بيّن فيها صفات هذه الأشخاص و كشف عن فضائحهم، فقال في وصفهم. «98» «و أيم اللّه إنهم لا يعرفون شيئا من هذه المعاني إلا بالأسامي ... و الحال إنهم عند اللّه من الفجار المنافقين وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ و هم عند أهل اللّه و أرباب القلوب من الحمقاء المجانين، و الأشقياء المردودين ... و ذلك لأن أحدا منهم لم يكن له علم يترتّب، و لا قلب يراقب، و لا عمل يهذّب، و لا خلق يؤدّب سوى اتّباع الهوى و الشيطان ...».
قال عند ما ذكر شطحياتهم:
(97) الاسفار الاربعة: ج 2 ص 345.
(98) كسر أصنام الجاهلية: 3 و 4.
تفسير القرآن الكريم، المقدمة، ص: 83
«99» «و من نطق بشيء من هذه الكلمات فقتله أفضل في دين اللّه من إحياء عشرة».
و عند ما يذكر تأويلهم للنصوص.
«100» «و بهذا الطريق توسّلت الباطنيّة إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها و تنزيلها على رأيهم. فيجب الاحتراز عن الاغترار بتلبيساتهم.
فإن شرهم أعظم على الدين من شر الشياطين. إذ الشياطين بوساطتهم يتدرّع إلى انتزاع الدين من قلوب المسلمين».
و هو يعبّر عنهم بالمتصوفة، و جهلة الصوفية. و لا ينظر إلى آرائهم و أقوالهم إلا تحكّما وردّا. و لما استشهد أحيانا في مطاوي كتبه بكلمات حكمية في المواعظ عنهم استدرك و قال:
«101» «و ليعذرني إخواننا- أصحاب الفرقة الناجية- ما أفعله في أثناء الشرح و تحقيق الكلام و تبيين المرام، من الاستشهاد بكلام بعض المشايخ المشهورين عند الناس، و إن لم يكن مرضي الحال عندهم. نظرا إلى ما
قال إمامنا أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تنظر إلى من قال، و انظر إلى ما قال».
و يجدر بنا أن نشير إلى أن أكثر ما ينقله صدر المتألّهين من ذلك كان لكثرة إلمامه بكتب الغزالي في الخطابيات و التمثيلات و نقله منها.
و- العلماء الظاهريون
«102» «لما كان للكتاب ظهرا و بطنا و حدا و مطلعا ... كان للشريعة ظاهر و
(99) كسر أصنام الجاهلية: 29.
(100) كسر أصنام الجاهلية: 30.
(101) شرح الأصول من الكافي: المقدمة ص 5.