کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

الفصل الاول في حقيقة العلم و الجهل المشابه للعلم الفصل الثانى في شرافة هذا العلم و خساسة الجهل الفصل الثالث في ان العلم كلما ازداد ضعفت الانانية، و الجهل كلما ازداد زادت الانانية الفصل الرابع في تلازم العلم و العمل و اقتضاء العلم الحيرة و الخشية و العزلة الفصل الخامس في فضل قراءة القرآن و فضل التوسل به باى نحو كان الفصل السادس في آداب القراءة و كيفيتها و مراتب القراء الفصل السابع في جواز تفسير آيات القرآن و أخبار المعصومين عليه السلام و النظر فيها و التأمل في مفاهيمها و التفكر في معانيها و المراد بها و التدبر في مقاصدها و الغايات المؤول إليها و استعلام تنزيلها و استنباط تأويلها بقدر استعداد المفسر الناظر الفصل الثامن في الفرق بين الظهر و البطن و التنزيل و التأويل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و العام و الخاص الفصل التاسع في تحقيق التفسير بالرأى الذى ورد حرمته و مذمته في الاخبار الفصل العاشر في ان علم القرآن بتمام مراتبه منحصر في محمد صلى الله عليه و آله و أوصيائه الاثنى عشر و ليس لغيرهم الا بقدر مقامه الفصل الحادي عشر في تحقيق ان القرآن ذو وجوه الفصل الثاني عشر في جواز نزول القرآن بوجوه مختلفة في ألفاظه الفصل الثالث عشر في وقوع الزيادة و النقيصة و التقديم و التأخير و التحريف و التغيير في القرآن الذى بين أظهرنا الذى أمرنا بتلاوته و امتثال أوامره و نواهيه و اقامة احكامه و حدوده الفصل الرابع عشر
سورة الفاتحة

سورة البقرة

تحقيق مراتب الوجود و انه حقيقة واحدة مشككه

تحقيق معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء تحقيق جريان الحروف المقطعة على لسان المنسلخ عن هذا البنيان معنى تأويل القرآن و بطونه في الوجوه المحتملة في اعراب فواتح السور و عدم اعرابها تحقيق كون جميع الكتب المدونة حقه و باطله صور الكتاب الحقيقى الذى هو حقيقة القرآن تحقيق الكتاب و مصاديقه تحقيق معنى الكلام الفرق بين الكتاب و الكلام تحقيق ان الإنسان ما لم يخرج من أسر نفسه لا يدرك من القرآن الا اللفظ و العبارة تحقيق معنى الهداية تحقيق معنى التقوى و مراتبها بيان سر ظهور بعض الشطحيات من السلاك تحقيق قوله تعالى ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات تحقيق الايمان و مراتبه تحقيق الصلوة و مراتبها تحقيق استمرار الصلوة و الزكاة للإنسان تكوينا بيان الكفر و اقسامه تحقيق مراتب القلب و إطلاقاته و تحقيق ختم القلب و البصر بيان اشتراء الضلالة بالهدى تحقيق الرعد و البرق و السحاب و المطر تحقيق معنى من دون الله الاشارة الى وجوه اعجاز القرآن بيان قطع ما امر الله به ان يوصل تحقيق الإفساد في الأرض تحقيق تكرار الأحياء و الاماتة للإنسان تحقيق خلق جميع الأشياء حتى السموم و ذوات السموم لنفع الإنسان تحقيق مادة الملك و أقسام الملائكة تحقيق كيفية قول الله و أمره للملائكة تحقيق معنى التسبيح و التقديس و الفرق بينهما تحقيق معنى الاسم و بيان تعليم آدم الأسماء كلها و بيان اللطائف المندرجة في الاية الشريفة تحقيق مراتب العالم و كيفية خلق الاجنة و الشياطين تحقيق توبة العبد تحقيق توبة الرب في توبة العبد تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون تحقيق و تفصيل لاشتراء الثمن القليل بالآيات تحقيق الأمر بالمعروف و موارده تحقيق الوالدين و النسبة الروحانية حكاية ملك سليمان و كونه في خاتمه و رمز ذلك تحقيق السحر حكاية هاروت و ماروت و رموزها تحقيق الولى و النصير تحقيق الظلم تحقيق المسجد تحقيق ابتلاء إبراهيم بكلمات تحقيق مراتب الخلق من النبوة و الرسالة و الخلة و الامامة بيان خطوات الشيطان تحقيق القول على الله بما لا يعلمه تحقيق نزول الكتاب جملة و نجوما تحقيق كون القرآن بينات من الهدى تحقيق قربه تعالى تحقيق اجابته تعالى و عدم اجابته للعباد تحقيق إتيان البيوت من الأبواب و منع الإتيان من الظهور تحقيق الإفساد في الأرض و إهلاك الحرث و النسل تحقيق معنى الرجوع الأمور الى الله تعالى تحقيق مراتب كمال الإنسان تحقيق الولى و النبى و الرسول و الامام بيان حرمة شرب دخان الأفيون تحقيق تكيف النفوس من مجاورها تحقيق النعمة و مراتبها بحسب مراتب الإنسان بيان حكمة عدة النساء بيان الصلوة الوسطى بيان قرض الله و تحقيقه بيان التابوت و السكينة تحقيق الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين و تحقيق بعض المطالب و تحقيق افعال العباد بحيث لا يلزم من نسبتها الى الله جبر للعباد و لا من نسبتها الى العباد تفويض إليهم و لا تعدد في النسبة يستدعى ذكر مقدمات: بيان الاحاطة بما شاء الله من علمه تحقيق الاستمساك بالعروة الوثقى و بيان العروة الوثقى بيان ابتغاء مرضات الله بحيث لا يخل بإخلاص العمل بيان الحكمة و مراتبها بيان الخبط من مس الشيطان

الجزء الثاني

سورة الانعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة الرعد سورة إبراهيم

الجزء الرابع

سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة الطور سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الدهر سورة المرسلات سورة النبا سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الشمس سورة و الليل سورة و الضحى سورة الم نشرح سورة و التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الفلق سورة الناس

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة


صفحه قبل

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 212

و نيّته و المجاهد و مراده؛ ترغيب و تهديد و وعد و وعيد.

بيان قرض اللّه و تحقيقه‏

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً القرض ما تعطيه لتقاضاه، و أقرضه أعطاه قرضا، و الاقراض لا يكون الّا ممّا كان مملوكا للمقرض فلو كان شي‏ء عارية و وديعة عند الشّخص فانّ ردّه الى صاحبه لم يكن ذلك الردّ قرضا و ان أعطاه غير صاحبه كان حراما و تصرّفا غصبيّا لا اقراضا، و ما للإنسان من الأموال العرضيّة الدّنيويّة و القوى النباتيّة و الحيوانيّة و الآلات و الأعضاء الجسمانيّة و المدارك و الشّؤن الانسانيّة كلّها ممّا أعارها اللّه ايّاه فان ردّ شيئا منها الى اللّه كان ذلك ردّ العارية الى صاحبها لا اقراضا و ان أعطى شيئا منها غير صاحبها كان حراما و تصرّفا في مال الغير من دون اذن صاحبه، و اللّه تعالى من كمال تلطّفه بعباده و رحمته عليهم يستقرض منهم ما أعاره ايّاهم ليشير بمادّة القرض الى إعطاء العوض و لا اختصاص لما استقرضه اللّه بالمال الدّنيوىّ بل يجرى في جميع ما للإنسان بحسب نشأته الدّنيويّة و الاخرويّة من الأموال و القوى و الأعضاء؛ و نعم ما قال المولوىّ قدّس سرّه في بيان عموم ما استقرضه اللّه تعالى:

تن چو با برگ است روز و شب از آن‏

شاخ جان در برگ ريز است و خزان‏

برگ تن بى برگى جانست زود

زين ببايد كاستن و انرا فزود

أقرضوا اللّه قرض ده زين برگ تن‏

تا برويد در عوض در دل چمن‏

قرض ده كم كن أزين لقمه تنت‏

تا نمايد وجه لا عين رأت‏

تن ز سرگين خويش چون خالي كند

پر ز گوهرهاي اجلالى كند

قرض ده زين دولتت در أقرضوا

تا كه صد دولت ببينى پيش رو

و حسن الاقراض ان لا يطلب به عوضا و لو كان قربه تعالى‏ فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً الأضعاف جمع الضعف بكسر الضّاد و اقلّ معناه مثلي ما يضاف اليه و أكثره لا حدّ له، و هو مفعول ثان ليضاعفه أو حال أو مصدر عددىّ على ان يكون الضعف اسم مصدر، و يصدق الأضعاف الكثيرة على عشرة أمثاله الى ما لا يعلمه الّا اللّه، و

عن الصّادق (ع) انّه قال: لمّا نزلت هذه الآية من جاء بالحسنة فله خير منها قال رسول اللّه (ص) ربّ زدني فأنزل اللّه سبحانه‏ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، فقال رسول اللّه (ص): ربّ زدني فأنزل اللّه سبحانه: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً فعلم رسول اللّه (ص) انّ الكثير من اللّه لا يحصى و ليس له المنتهى،

و منه يستفاد انّ كلّ طاعة للّه إقراض للّه سواء كانت فعلا أو تركا و هو كذلك فانّ الطاعة ليست الّا بتحريك القوى المحرّكة و إمساك القوى الشهويّة و الغضبيّة و كسر سورتهما فطاعة اللّه إقراض من القوى‏ وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ جملة حاليّة و ترغيب في الاقراض لانّ المعنى من ذا الّذى يقرض اللّه فيضاعفه له فأقرضوا و لا تمسكوا خوف الفقر و الافناء لانّ اللّه لا غيره يقبض الرّزق من أقوام و يبسط على أقوام، أو يقبض في حال و يبسط في حال و لا يكون الإمساك سببا للبسط و لا الإنفاق سببا للقبض، أو المراد فيضاعفه له فأقرضوا و لا تمسكوا لانّ الإمساك حينئذ امّا لخوف عدم اطّلاع اللّه أو لخوف عدم الوصول الى اللّه و الحال انّ اللّه تعالى هو يقبض القرض لا غير اللّه و يبسط الجزاء وَ إِلَيْهِ‏ لا الى غيره‏ تُرْجَعُونَ‏ فتستحقّون رضاه عنكم و قربكم له زيادة على مضاعفة العوض.

و قيل: المعنى انّ اللّه يقبض بعضا بالموت و يبسط من ارثه على وارثه؛ و هو بعيد جدّا، و

روى‏ انّ الآية نزلت في صلة الامام‏

، و

روى: ما من شي‏ء احبّ الى اللّه من إخراج الدّراهم الى الامام و انّ اللّه ليجعل له الدّرهم في الجنّة مثل جبل أحد

؛ و على هذا فقوله تعالى‏ وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ بطريق الحصر يكون مثل قوله‏ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 213

وَ يَأْخُذُ الصَّدَقاتِ‏ فانّ معناه هو يقبل التّوبة في مظاهر خلفائه فيكون معنى‏ وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ انّ اللّه لا غيره في مظاهر خلفائه يقبض القرض و يبسط الجزاء أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ اى اشرافهم و متكلّميهم قد مضى قبيل هذا وجه الإتيان بالرّؤية مع انّ حقّ العبارة ان يقال الم تذكر مِنْ بَعْدِ مُوسى‏ إِذْ قالُوا إذ اسم خالص بدل من الملأ بدل الاشتمال أو ظرف للرّؤية لِنَبِيٍّ لَهُمُ‏ اسمه شمعون بن صفيّة من ولد لاوى، أو اسمه يوشع بن نون من ولد يوسف (ع)،

أو اسمه اشموئيل و هو بالعربيّة إسماعيل‏ و هو المروىّ عن الصّادق (ع)

و عليه أكثر المفسّرين‏ ابْعَثْ‏ أرسل و اجعل‏ لَنا مَلِكاً أميرا نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏

روى‏ انّه كان الملك في ذلك الزّمان هو الّذى يسير بالجنود و النّبىّ يقيم له امره و ينبئه بالخبر من عند ربّه‏

قالَ‏ النّبىّ‏ هَلْ عَسَيْتُمْ‏ هل ترقّبتم عسى يستعمل في ترقّب المرغوب و استعماله هاهنا مع طلبهم للقتال و رغبتهم فيه اشارة الى انّهم كانوا أصحاب نفوس كارهة للقتال راغبة في ترك الجهاد و لم يكن لهم عقول راغبة في الجهاد و مقصوده من الاستفهام تذكيرهم بكراهة القتال و تثبيتهم عليه بتعاهدهم على القتال‏ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَ ما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَ أَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ‏ وضع الظاهر موضع المضمر للاشارة الى انّهم في ذلك التّولّى ظالمون‏ وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ‏ كانت النّبوّة في ولد لاوى و الملك في ولد يوسف و لم يجتمع النبوّة و الملك في بيت واحد و طالوت كان من ولد بن يامين و سمّى طالوت لطول قامته بحيث إذا قام الرّجل و بسط يده رافعا لها نال رأسه قيل:

كان سقّاء، و قيل: كان دبّاغا، و كان سبب سؤالهم ان يبعث اللّه لهم ملكا انّ بنى إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي و غيّروا دين اللّه و عتوا عن امر ربّهم و كان فيهم نبىّ يأمرهم و ينهاهم فلم يطيعوه، و

روى‏ انّه كان ارميا النّبىّ (ص) فسلّط اللّه عليهم جالوت و هو من القبط فآذاهم و قتل رجالهم و أخرجهم من ديارهم و أخذ أموالهم و استعبد نساءهم ففزعوا الى نبيّهم و قالوا: اسئل اللّه ان يبعث لنا ملكا، فلمّا قال انّ اللّه بعث لكم طالوت ملكا أنكروا و قالوا: هو من ولد بنيامين و ليس من بيت النبوّة و لا من بيت الملك، فلا يجوز ان يكون له السّلطنة علينا لانّا من بيت النبوّة و الملك،

وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ‏ و شرط السّلطنة السّعة في المال حتّى يتيسّر له القيام بلوازم السّلطنة، تعريض بوجه آخر لاستحقاقهم الملك دونه و هو كثرة مالهم‏ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ‏ جواب اجمالىّ يعنى ليس الملك بقياسكم و تدبيركم بل هو فضل من اللّه يؤتيه من يشاء و امّا الجواب التّفصيلىّ فانّ السّلطان ينبغي ان يكون عظيم الجثّة يهابه النّاس، و كثير العلم ينظر عاقبة الأمور؛ و تفضّل اللّه بهما عليه‏ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ و ليس الإيتاء موقوفا على بيت دون بيت كما زعمتم فالمقتضى لاعطاء الملك موجود من قبل طالوت و هو اصطفاؤه بالبسط في العلم و الجسم و المانع للمعطي مفقود فانّه امّا خارجىّ أو كون طالوت من غير بيت الملك أو كونه غير ذي سعة في المال أو جهله تعالى بأهليّته للملك و ليس كذلك فانّه يؤتى ملكه من يشاء من غير مانع لا من الخارج و لا من قبل المعطى له‏ وَ اللَّهُ واسِعٌ‏ يجبر قلّة سعة طالوت بسعته‏ عَلِيمٌ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 214

يعلم من يستأهل للملك ليس جاهلا يكون فعله و حكمه عن قياس ظنّى و حجّة تخمينيّة فقوله: وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ امّا عطف على معمولى انّ، أو على مجموع انّ اللّه اصطفاه، أو حال.

بيان التّابوت و السّكينة

وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ‏ لالزامهم بعد ما رأى إنكارهم بقياسهم الفاسد إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ‏ امّا فعلوت من تاب إذا رجع فانّه كان سببا لكثرة مراجعة صاحبه الى اللّه و لكثرة مراجعة اللّه عليه، أو فلعوت مثل طاغوت من تبى يتبو إذا غزا أو غنم فانّه كان سبب الغلبة و الغنيمة في الغزاء، و يجوز ان يكون وزنه فاعولا و ان كان نحو سلس و قلق قليلا فان بتّوتا مثل تنّور بمعنى التّابوت يدلّ على انّه فاعول و كان ذلك التّابوت هو الصّندوق الّذى أنزله اللّه على امّ موسى فوضعته فيه و ألقته في اليمّ و كان في بنى إسرائيل يتبرّكون به فلمّا حضر موسى (ع) الوفاة وضع فيه الألواح و درعه و ما كان عنده من آيات النبوّة و أودعه يوشع وصيّه فلم يزل التّابوت بينهم حتّى استخفّوا به و كان الصّبيان يلعبون به في الطّرقات فلم يزل بنو إسرائيل في عزّ و شرف ما دام التّابوت بينهم فلمّا عملوا بالمعاصي و استخفّوا بالتّابوت رفعه اللّه تعالى عنهم فلمّا سألوا النّبىّ و بعث اللّه تعالى طالوت إليهم ملكا يقاتل ردّ اللّه عليهم التّابوت كما قال اللّه تعالى انّ آية ملكه ان يأتيكم التّابوت‏ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ قد اختلف الاخبار في بيان السّكينة و

في خبر انّها ريح من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان و كان إذا وضع التّابوت بين أيدي المسلمين و الكفّار فان تقدّم التّابوت رجل لا يرجع حتّى يقتل أو يغلب، و من رجع عن التّابوت كفر و قتله الامام‏

، و

في خبر ، السّكينة روح اللّه يتكلّم كانوا إذا اختلفوا في شي‏ء كلمّهم و أخبرهم ببيان ما يريدون‏

، و

في خبر انّ السّكينة الّتى كانت فيه كانت ريحا هفّافة من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان‏

، و

في خبر انّها ريح تخرج من الجنّة لها صورة كصورة الإنسان و رائحة طيّبة و هي الّتى نزلت على إبراهيم (ع) فأقبلت تدور حول أركان البيت و هو يضع الأساطين‏

، و

في خبر انّ السّكينة لها جناحان و رأس كرأس الهرّة من الزّبرجدّ

وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى‏ وَ آلُ هارُونَ‏ يعنى موسى (ع) و هارون (ع) و آلهما فانّه يراد كثيرا بإضافة شي‏ء الى امر ذلك الأمر و المضاف جميعا خصوصا إذا كان حيثيّة الاضافة منظورا إليها، و اختلف الاخبار في تفسير تلك البقيّة

ففي بعض الاخبار انّها ذرّيّة الأنبياء

، و

في بعض‏ ذرّيّة الأنبياء و رضراض الألواح فيها العلم و الحكمة

، و

في بعض‏ الأقوال العلم جاء من السّماء فكتب في الألواح و جعل في التّابوت‏

، و

في بعض: فيه ألواح موسى الّتى تكسّرت و الطّست الّتى يغسل فيها قلوب الأنبياء

، و

في بعض‏ كان فيه عصا موسى (ع)

، و في بعض الأقوال كان التّابوت هو الّذى أنزل اللّه على آدم (ع) فيه صور الأنبياء فتوارثه أولاد آدم (ع) تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ قيل: انّ الملائكة كانوا يحملونه بين السّماء و الأرض، و

في الخبر كان التّابوت في أيدي أعداء بنى إسرائيل من العمالقة غلبوهم لمّا برح امر بنى إسرائيل و حدث فيهم الاحداث ثمّ انتزعه اللّه من أيديهم و ردّه على بنى إسرائيل‏

، [و قيل‏]: لمّا غلب الأعداء على التّابوت أدخلوه بيت الأصنام فأصبحت أصنامهم منكبّة فأخرجوه و وضعوه ناحية من المدينة فأخذهم وجع في أعناقهم و كلّ موضع وضعوه فيه ظهر فيه بلاء و موت و وباء؛ فتشأمّوا به فوضعوه على ثورين فساقتهما الملائكة الى طالوت، و

في خبر سئل (ع): كم كان سعته؟- قال:

ثلاثة اذرع في ذراعين.

و يستفاد من جملة الاخبار و بيان السّكينة و البقيّة انّه كان المراد بالتّابوت الصّدر المستنير بنور الامام (ع) الظّاهر فيه صورة غيبيّة من الجنّة و الصّدر الظّاهر فيه صورة غيبيّة مصاحب للنّصرة و الظّفر و تحمله الملائكة و فيه الطست الّتى يغسل فيها قلوب الأنبياء و فيه ذراري الأنبياء و صورهم و بقيّة آل موسى (ع)

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 215

و هارون (ع)، و فيه العلوم و الحكمة و هذه الصورة كانت مع إبراهيم (ع) و تدور حول أركان البيت، و ظهور هذه الصورة بشارة من اللّه بالنبوّة و الولاية لو تمكّنت في الإنسان فانّها ريح تفوح من الجنّة و تبشّر بالعناية من اللّه و هذه سبب استجابة الدّعاء و نزول النّصرة و التّأييد من اللّه و لذلك ذكرت السّكينة في القرآن قرينة للنّصر و التّأييد بجنود لم تروها و قد اصطلح الصوفيّة على تسمية هذه الصّورة بالسّكينة فانّها سبب سكون النّفس و اطمئنانها، و بها يرتفع كلفة التكليف و يتبدّل الكلفة باللّذّة، و يحصل الإحسان الّذى هو العبادة؛ بحيث كان العابد يرى اللّه فانّ رؤيتها كرؤية اللّه، و

قول الصّادق (ع): الست تراه في مجلسك؟

اشارة الى هذه الرّؤية، و قوله تعالى‏ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏ ، وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ‏ ، و اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و

قوله (ع): انا الصّراط المستقيم‏

، و قول المولوى (قدّه):

و قوله:

چونكه با شيخي تو دور از زشتيئى‏

روز و شب سيارى و در كشتيئى‏

هيچ نكشد نفس را جز ظلّ پير

دامن آن نفس كش را سخت گير

و أمثال ذلك كلّها اشارة الى هذا الظّهور و تلك المعيّة و لمّا كان المعاني تقتضي الظّهور في المظاهر الدّانية جاز ان يكون التّابوت في الظّاهر صندوقا من خشب الشّمشاد مموّها بالّذهب محسوسا للكلّ دار معه الملك أو النّبوّة كلّما دار و كأنّه كان كثير من بنى إسرائيل يظهر التّابوت و السّكينة و بقيّة آل موسى (ع) و هارون (ع) بحسب المعنى و التّأويل على صدورهم لتأثير قوّة نفوس آبائهم فيهم و تفضّل اللّه عليهم بسبب آبائهم و لذلك كان فيهم أنبياء كثيرون بحيث قتلوا منهم في يوم واحد الى الضّحى جماعة كثيرة و لم يتغيّر حالهم كأنّهم لم يفعلوا شيئا، و لمّا عملوا بالمعاصي ارتفع ذلك الفضل عنهم و حرموا التشرّف بالتّابوت و السّكينة و بعد ما اضطرّوا و التجئوا الى نبيّهم تفضّل اللّه عليهم به و جعله اللّه آية ملك طالوت و قال‏ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ‏ و يجوز ان يكون هذا من تتمّة كلام نبيّهم‏ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ شرط تهييجىّ و بعد ظهور التّابوت و الإقرار بطالوت جمعوا له الجنود و خرجوا الى قتال جالوت‏ فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ يعنى لمّا أخرجهم من مواطنهم قيل كان الجنود ثمانين ألفا و قيل سبعين و ذلك أنّهم لمّا رأوا التّابوت و آثار النّصر تبادروا الى الجهاد قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ كما هو عادته في حقّ المؤمنين و ابتلاؤهم لتثبيتهم على الايمان‏ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي‏ اى من أتباعى‏ وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ‏ الطّعم عامّ في المشروب و المأكول‏ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ‏ و قرئ غرفة بفتح الغين و الفرق بينهما انّ مضموم الفاء اسم للمصدر و مفتوحها مصدر عددىّ و هو استثناء من من شرب منه و تقديم الجملة المعطوفة عليه للاهتمام بها فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ‏ الّا ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من جملة الثمانين ألفا منهم من اغترف و منهم من لم يطعمه و من لم يطعمه استغنى عنه و من اقتصر على الغرفة كفته لشربه و اداوته و من لم يقتصر غلب عطشه و اسوّدت شفته و لم يقدر ان يمضى، و ملكهم كان علم ذلك الابتلاء بالوحي و الإلهام أو باخبار نبيّهم، و كان ذلك صورة الدّنيا تمثّلت لهم لتنبّههم انّ الدّنيا هكذا كان حالها لمن اجتنبها و لمن أرادها فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ‏ يعنى الّذين لم يشربوا أو اغترفوا غرفة و رأوا كثرة جنود جالوت و قلّة عددهم‏ قالُوا اى الّذين اغترفوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ‏ اى يعلمون و قد مرّ انّ العلوم الحصوليّة لمغايرة معلومها لها حكمها حكم‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 216

الظّنون و كثيرا ما يطلق عليها الظّنون و انّ علوم النّفوس لتغيّرها و عدم ثباتها كالظّنون‏ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ‏ و هم الّذين لم يغترفوا كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ‏ اى بترخيصه و إمداده فانّ الاذن في أمثال المقام ليس معناه التّرخيص فقط وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ‏ قد مضى انّ هذه المعيّة ليست مثل المعيّة في قوله تعالى: هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ، و مثلها في‏

قوله (ع) مع كلّ شي‏ء لا بالممازجة فانّ هذه معيّة رحيميّة و تلك معيّة رحمانيّة

و

عن الرّضا (ع): أوحى اللّه تعالى الى نبيّهم انّ جالوت يقتله من يسوّى عليه درع موسى (ع) و هو رجل من ولد لاوى بن يعقوب (ع) اسمه داود بن آسى و كان آسى راعيا و كان له عشرة بنين أصغرهم داود فلمّا بعث طالوت الى بنى إسرائيل و جمعهم لحرب جالوت بعث الى آسى ان احضر و احضر ولدك فلمّا حضروا دعا واحدا واحدا من ولده فألبسه الدّرع درع موسى (ع) فمنهم من طالت عليه و منهم من قصرت عنه فقال لآسى هل خلّفت من ولدك أحدا؟- قال: نعم أصغرهم تركته في الغنم راعيا فبعث اليه فجاء به فلمّا دعا أقبل و معه مقلاع قال: فناداه ثلاث صخرات في طريقه فقالت: يا داود خذنا فأخذها في مخلاته و كان شديد البطش قويّا في بدنه شجاعا فلمّا جاء الى طالوت ألبسه درع موسى (ع) فاستوت عليه ففصل طالوت بالجنود و قال لهم نبيّهم:

يا بنى إسرائيل انّ اللّه مبتليكم بنهر في هذه المفازة فمن شرب منه فليس من حزب اللّه و من لم يشرب فهو من حزب اللّه الّا من اغترف غرفة بيده فلمّا وردوا النّهر أطلق اللّه لهم ان يغترف كلّ واحد منهم غرفة فشربوا منه الّا قليلا منهم فالّذين شربوا منه كانوا ستّين ألفا و كان هذا امتحانا امتحنوا به‏

كما قال اللّه عزّ و جلّ‏ وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا ملتجئين الى اللّه مستنصرين به كما هو ديدن كلّ من وقع في شدّة و اضطرار رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً افرغ الماء صبّه و كأنّهم طلبوا كثرة الصّبر لشدّة خوفهم و توحّشهم و لذلك استعملوا الإفراغ‏ وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ‏

في خبر عن الصّادق (ع): انّ داود جاء فوقف بحذاء جالوت و كان جالوت على الفيل و على رأسه التّاج و في جبهته ياقوتة يلمع نورها و جنوده بين يديه فأخذ داود من تلك الأحجار حجرا فرمى به ميمنة جالوت فمرّ في الهواء و وقع عليهم فانهزموا، و أخذ حجرا آخر فرمى به ميسرة جالوت فانهزموا، و رمى جالوت بحجر فصكّ الياقوتة في جبهته و وصلت الى دماغه و وقع على الأرض ميتا

وَ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ‏ اى السّلطنة الصوريّة أو الرّسالة وَ الْحِكْمَةَ النظريّة و العمليّة فتكون اعمّ من الرّسالة و أحكامها و النّبوّة و الولاية و آثارهما، أو أو المراد بالحكمة الحكمة العمليّة و قوله تعالى‏ وَ عَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ كان اشارة الى الحكمة النّظريّة أو بالعكس‏ وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ‏ بعضهم بدل من النّاس بدل البعض و المعنى لو لا دفع اللّه البلاء عن النّاس عن البعض ببعض آخر يعنى عن الكفّار بالمؤمنين، أو عن بعض المؤمنين القاصرين بالبعض الكاملين في الأعمال، أو لو لا دفع اللّه النّاس أنفسهم بعضهم الكفّار بالبعض الآخر من الكفّار أو بالمسلمين، أو لولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض آخر كالحكّام و السّلاطين فانّ إصلاح النّاس و دفع الأشرار عن العباد بالسّلطان أكثر من الإصلاح بالرّسل، و الى الكلّ أشير في الاخبار لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ‏ حيث جعل صلاح الصّالح سببا لعدم‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 217

هلاك الفاسد بل مصلحا لفساده أو دفع شرّ الأشرار بالأخيار أو بالأشرار تِلْكَ‏ الّتى ذكرت من إماتة الألوف و وقوعهم على ما فرّوا منه و احياءهم بعد إماتتهم و استقراضه ممّن اعاده ما اعاده ايّاهم و مضاعفة العوض لهم و تسليط طالوت الفقير على الأغنياء و الاشراف و ابتلاء بنى إسرائيل بالنّهر و شرب الكثير و عدم شرب القليل و غلبتهم مع قلّتهم على جنود جالوت الكثيرة و قتل داود (ع) جالوت و ايتائه الملك مع كونه راعيا و الحكمة و العلم، و جعل دفع النّاس بعضهم ببعض الّذى هو سبب فساد الأرض سببا لصلاحها آياتُ اللَّهِ‏ التّكوينيّة الدّالّة على كمال قدرته و حكمته و انّه لا ينظر في عطائه الى شرف و حسب و نسب المبنيّة بآياته التّدوينيّة نَتْلُوها من التلاوة عَلَيْكَ‏ خبر بعد خبر أو خبر ابتداء و آيات اللّه بدل من تلك أو حال أو مستأنف جواب لسؤال مقدّر بِالْحَقِ‏ ظرف مستقرّ حال عن الفاعل أو المفعول اى حالكوننا ظاهرين بالحقّ أو حالكوننا متلبّسين بالحقّ اى الصّدق أو ظرف لغو متعلّق بنتلوها اى نتلوها بسبب الحقّ المخلوق به فانّ افعال اللّه تعالى لا تصدر الّا بتوسّط الحقّ الّذى هو المشيّة وَ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ عطف على قوله‏ تِلْكَ آياتُ اللَّهِ‏ أو حال عن الآيات أو عن مفعول نتلوها أو عن الضّمير المجرور و المقصود انّا نتلو الآيات عليك و الحال انّك من المرسلين فبلّغها حتّى يعلموا انّك صادق في دعواك حيث تخبر بالمسطورات في كتبهم من غير تعلّم و تعرّف.

الجزء الثّالث‏ تِلْكَ الرُّسُلُ‏ جواب لسؤال مقدّر عن حال الرّسل و تساويهم و تفاضلهم و تمهيد لبيان تفضيله (ص) على الآخرين‏ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ في منقبة دون منقبة كأكثر الأنبياء الّذين لم يكونوا اولى العزم أو في أكثر المناقب كاولى العزم و غيرهم من ذوي الدّرجات منهم أو في الكلّ كخاتم الأنبياء (ص) مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ‏ خبر بعد خبر ان جعل تلك الرّسل مبتدء، أو تلك مبتدء و الرّسل خبره، أو هو خبر ابتداء ان جعل فضّلنا حالا أو معترضا، أو هو مستأنف جواب لسؤال مقدّر أو بيان لفضّلنا بعضهم على بعض نظير عطف البيان في المفردات و هذا بيان للتّفضيل بمنقبة خاصّة وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ‏ بيان للتّفضيل في مناقب عديده، و درجات تميز محوّل عن المفعول و ليس حالا و لا قائما مقام المصدر كما قيل للاحتياج الى كلفة التّأويل حينئذ،

عن النّبىّ (ص) انّه قال‏ ما خلق اللّه خلقا أفضل منّى و لا أكرم عليه منّى، قال علىّ (ع) فقلت: يا رسول اللّه أ فأنت أفضل أم جبرئيل؟- فقال: انّ اللّه فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين و فضّلني على جميع النّبيّين و المرسلين، و الفضل بعدي لك يا علىّ و للائمّة من بعدك و انّ الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا

وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ‏ المعجزات الظّاهرة المذكورة في الكتاب‏ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏ تأييدا خاصّا غير التّأييد الّذى كان لسائر الأنبياء و قد التفت في الكلام من الغيبة الى التّكلّم ثمّ منه الى الغيبة ثمّ منها الى التّكلّم ثمّ منه الى الغيبة فيما يأتى، و الوجه العامّ في الالتفات إيقاظ المخاطب للتّوجّه الى الكلام توجّها أتمّ من التّوجّه السّابق و تجديد نشاطه، و يوجد في خصوص الموارد بعض الدّواعى الخاصّة وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ‏ عدم الاقتتال عطف على محذوف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل فما فعل النّاس بعد مجي‏ء الرّسل؟- فقال: اختلفوا و اقتتلوا، و لو شاء اللّه‏ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏1، ص: 218

اى الّذين كانوا موجودين من بعد مجيئهم أو من بعد وفاتهم فيكون تعريضا بالاختلاف و القتال الواقع في زمان محمّد (ص) أو بعد وفاته (ص) و تسلية له (ص): و لأوصيائه‏ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ‏ اى المعجزات أو الدّلائل الواضحات أو الموضحات‏ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا قياس استثنائىّ مشير الى رفع التّالى المستلزم لرفع المقدّم اعنى مشيّة عدم الاقتتال و هو بمفهومه اعمّ من مشيّة الاقتتال لكنّه بحسب الواقع مستلزم له‏ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ‏ الفاء سببيّة أو عاطفة للتّفصيل على الإجمال و المراد الايمان العامّ الحاصل بالبيعة العامّة وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا لمّا نسب الاختلاف إليهم و كذا الايمان و الكفر توهّم منها انّهم هم الفاعلون لأفعالهم من دون فاعليّة اللّه تعالى و سببيّة مشيّته فكرّر الشّرطيّة السّابقة دفعا لهذا التّوهّم و تأكيدا لنسبة الأفعال الى المشيّة بل حصرا لنسبة الأفعال اليه تعالى من دون استقلال الغير بها أو مشاركته و لذلك أتى باستثناء التّالى بحيث يفيد نسبة الأفعال اليه تعالى بطريق الحصر فقال:

تحقيق الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين و تحقيق بعض المطالب‏

وَ لكِنَّ اللَّهَ‏ لا غيره‏ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ و هذا في موضع لكن اختلفوا فكأنّه قال و لكن اختلفوا و ليس الاختلاف منهم و لا بمشاركتهم بل اللّه فعل الاختلاف في مظاهرهم و قد أشار تعالى الى كبري قياس من الشّكل الاوّل مستنبط صغراه من المقدّمات المسلّمة المشهورة و هي كلّ شي‏ء من افعال العباد و صفاتهم و غيرها ممّا له سمة الإمكان فهو مراده تعالى لتسليم كلّ من اقرّ بالمبدء الاوّل ان لا شي‏ء في عالم الإمكان الّا بعلمه و مشيّة و إرادته، و كلّ مراده فهو مفعول له لا لغيره لا بالاستقلال و لا بالشّراكة فكلّ شي‏ء من الذّوات و الاعراض و افعال العباد مفعول له تعالى لا لغيره فعلى هذا يكون افعال العباد فعل اللّه لكن في مظاهر العباد.

و تحقيق افعال العباد بحيث لا يلزم من نسبتها الى اللّه جبر للعباد و لا من نسبتها الى العباد تفويض إليهم و لا تعدّد في النّسبة يستدعى ذكر مقدّمات:

الاولى- انّ الوجود كما تكرّر سابقا حقيقة واحدة ذات مراتب كثيرة متفاوتة بالشدّة و الضّعف و التقدّم و التأخّر بحيث لا ينثلم بكثرتها وحدة تلك الحقيقة كالنّور العرضىّ فانّه حقيقة واحدة متكثرّة بحسب المراتب القريبة و البعيدة من منبعه و بحسب السّطوح المستنيرة به، فانّ النّور يتكثّر بكثرة السّطوح بالعرض فاذا ارتفع السّطوح و حدود المراتب و اعتبارها لم يبق الّا حقيقة واحدة من دون اعتبار كثرة فيها.

و الثّانية- أنّ تلك الحقيقة بذاتها تقتضي الوجوب لضرورة اتّصاف الشّي‏ء بذاته و امتناع سلبه عن ذاته.

و الثّالثة- انّ الوجوب بالذّات يقتضي الاحاطة بجميع أنحاء الوجودات و مراتبها بحيث لو كان شي‏ء منها مغايرا للواجب و خارجا منه تلك الحقيقة لزم تحدّد الحقيقة الواجبة بذلك الشّي‏ء و لزم من التحدّد الإمكان فلم يكن حقيقة الوجود حقيقة الوجود بل نحوا من انحائها، و لا الواجب واجبا بل كان ممكنا.

و الرّابعة- أنّ تلك الحقيقة كما تقتضي الوجوب بذاتها تقتضي الاصالة في التّحقّق و في منشئيّة الآثار لاقتضاء الوجوب الاصالة، و اقتضاء الاصالة منشئيّة الآثار و كون غيرها من التعيّنات اعتباريّا.

و الخامسة- انّ مراتب الوجود و انحاءه بحكم المقدّمة الثّالثة عبارة عن تلك الحقيقة متحدّدة بحدود و تعيّنات و بتلك الحدود وقع التّميز بينها و ليست تلك الحقيقة جنسا لها و لا نوعا.

صفحه بعد