کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

الفصل الاول في حقيقة العلم و الجهل المشابه للعلم الفصل الثانى في شرافة هذا العلم و خساسة الجهل الفصل الثالث في ان العلم كلما ازداد ضعفت الانانية، و الجهل كلما ازداد زادت الانانية الفصل الرابع في تلازم العلم و العمل و اقتضاء العلم الحيرة و الخشية و العزلة الفصل الخامس في فضل قراءة القرآن و فضل التوسل به باى نحو كان الفصل السادس في آداب القراءة و كيفيتها و مراتب القراء الفصل السابع في جواز تفسير آيات القرآن و أخبار المعصومين عليه السلام و النظر فيها و التأمل في مفاهيمها و التفكر في معانيها و المراد بها و التدبر في مقاصدها و الغايات المؤول إليها و استعلام تنزيلها و استنباط تأويلها بقدر استعداد المفسر الناظر الفصل الثامن في الفرق بين الظهر و البطن و التنزيل و التأويل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و العام و الخاص الفصل التاسع في تحقيق التفسير بالرأى الذى ورد حرمته و مذمته في الاخبار الفصل العاشر في ان علم القرآن بتمام مراتبه منحصر في محمد صلى الله عليه و آله و أوصيائه الاثنى عشر و ليس لغيرهم الا بقدر مقامه الفصل الحادي عشر في تحقيق ان القرآن ذو وجوه الفصل الثاني عشر في جواز نزول القرآن بوجوه مختلفة في ألفاظه الفصل الثالث عشر في وقوع الزيادة و النقيصة و التقديم و التأخير و التحريف و التغيير في القرآن الذى بين أظهرنا الذى أمرنا بتلاوته و امتثال أوامره و نواهيه و اقامة احكامه و حدوده الفصل الرابع عشر
سورة الفاتحة

سورة البقرة

تحقيق مراتب الوجود و انه حقيقة واحدة مشككه

تحقيق معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء تحقيق جريان الحروف المقطعة على لسان المنسلخ عن هذا البنيان معنى تأويل القرآن و بطونه في الوجوه المحتملة في اعراب فواتح السور و عدم اعرابها تحقيق كون جميع الكتب المدونة حقه و باطله صور الكتاب الحقيقى الذى هو حقيقة القرآن تحقيق الكتاب و مصاديقه تحقيق معنى الكلام الفرق بين الكتاب و الكلام تحقيق ان الإنسان ما لم يخرج من أسر نفسه لا يدرك من القرآن الا اللفظ و العبارة تحقيق معنى الهداية تحقيق معنى التقوى و مراتبها بيان سر ظهور بعض الشطحيات من السلاك تحقيق قوله تعالى ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات تحقيق الايمان و مراتبه تحقيق الصلوة و مراتبها تحقيق استمرار الصلوة و الزكاة للإنسان تكوينا بيان الكفر و اقسامه تحقيق مراتب القلب و إطلاقاته و تحقيق ختم القلب و البصر بيان اشتراء الضلالة بالهدى تحقيق الرعد و البرق و السحاب و المطر تحقيق معنى من دون الله الاشارة الى وجوه اعجاز القرآن بيان قطع ما امر الله به ان يوصل تحقيق الإفساد في الأرض تحقيق تكرار الأحياء و الاماتة للإنسان تحقيق خلق جميع الأشياء حتى السموم و ذوات السموم لنفع الإنسان تحقيق مادة الملك و أقسام الملائكة تحقيق كيفية قول الله و أمره للملائكة تحقيق معنى التسبيح و التقديس و الفرق بينهما تحقيق معنى الاسم و بيان تعليم آدم الأسماء كلها و بيان اللطائف المندرجة في الاية الشريفة تحقيق مراتب العالم و كيفية خلق الاجنة و الشياطين تحقيق توبة العبد تحقيق توبة الرب في توبة العبد تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون تحقيق و تفصيل لاشتراء الثمن القليل بالآيات تحقيق الأمر بالمعروف و موارده تحقيق الوالدين و النسبة الروحانية حكاية ملك سليمان و كونه في خاتمه و رمز ذلك تحقيق السحر حكاية هاروت و ماروت و رموزها تحقيق الولى و النصير تحقيق الظلم تحقيق المسجد تحقيق ابتلاء إبراهيم بكلمات تحقيق مراتب الخلق من النبوة و الرسالة و الخلة و الامامة بيان خطوات الشيطان تحقيق القول على الله بما لا يعلمه تحقيق نزول الكتاب جملة و نجوما تحقيق كون القرآن بينات من الهدى تحقيق قربه تعالى تحقيق اجابته تعالى و عدم اجابته للعباد تحقيق إتيان البيوت من الأبواب و منع الإتيان من الظهور تحقيق الإفساد في الأرض و إهلاك الحرث و النسل تحقيق معنى الرجوع الأمور الى الله تعالى تحقيق مراتب كمال الإنسان تحقيق الولى و النبى و الرسول و الامام بيان حرمة شرب دخان الأفيون تحقيق تكيف النفوس من مجاورها تحقيق النعمة و مراتبها بحسب مراتب الإنسان بيان حكمة عدة النساء بيان الصلوة الوسطى بيان قرض الله و تحقيقه بيان التابوت و السكينة تحقيق الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين و تحقيق بعض المطالب و تحقيق افعال العباد بحيث لا يلزم من نسبتها الى الله جبر للعباد و لا من نسبتها الى العباد تفويض إليهم و لا تعدد في النسبة يستدعى ذكر مقدمات: بيان الاحاطة بما شاء الله من علمه تحقيق الاستمساك بالعروة الوثقى و بيان العروة الوثقى بيان ابتغاء مرضات الله بحيث لا يخل بإخلاص العمل بيان الحكمة و مراتبها بيان الخبط من مس الشيطان

الجزء الثاني

سورة الانعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة الرعد سورة إبراهيم

الجزء الرابع

سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة الطور سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الدهر سورة المرسلات سورة النبا سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الشمس سورة و الليل سورة و الضحى سورة الم نشرح سورة و التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الفلق سورة الناس

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة


صفحه قبل

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 301

أرى في المنام انّى أذبحك في الموسم عامي هذا فما ذا ترى؟- قال: يا أبت افعل ما تؤمر، فلمّا فرغا من سعيهما انطلق به إبراهيم (ع) الى منى و ذلك يوم النّحر فلمّا انتهى الى الجمرة الوسطى و أضجعه لجنبه الأيسر و أخذ الشّفرة ليذبحه نودي ان يا إبراهيم (الآية) و قد ذكر كيفيّة ذبحه و إتيان الفداء له في المفصّلات، و هكذا ذكر الاخبار المختلفة في ذلك الباب في المفصّلات من أراد فليرجع إليها وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى‏ إِبْراهِيمَ‏ قد سبق بيانه قبيل هذا

كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏ لمّا سبق هذه الكلمة في هذه القصّة و كان السّامع كأنّه تلقّاها بالقبول و لم يبق له حالة شكّ و سؤال أتاها هاهنا بدون التّأكيد إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى‏ إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ‏ و في هذا و في قوله تعالى ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا (الى قوله) فمنهم ظالم لنفسه (الآية) اشعار بانّ أعقاب الأنبياء (ع) قد يكونون على الظّلم و انّ ظلمهم ليس شينا لآبائهم و قد ذكر بيان لظلم النّفس هناك‏ وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ‏ بانجائهما و إنجاء قومهما من شدّة الاستعباد و نصرهما و إعطاء الكتاب و النّبوّة و بقاء لسان الصّدق في الآخرين و غير ذلك و على هذا فقوله تعالى‏ وَ نَجَّيْناهُما الى آخر المعطوفات عطف فيه معنى التّفسير لقوله منّنا وَ قَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ‏ الّذى هؤلاء الاستعباد و قتل الأولاد و التّفريق بين الرّجال و النّساء و تجسّس حياء النّساء للعيب أو الولد و خوف قتل فرعون لهم بعد خروجهم من مصر و اخذه لهم و استعباده ثانيا و خوف الغرق بعد دخول البحر وَ نَصَرْناهُمْ‏ بانجائهم من عدوّهم و إغراق عدوّهم‏ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ‏ البالغ في ظهور الصّدق و كون صاحبه صادقا و المراد به النّبوّة و الرّسالة و أحكامهما و التّوراة صورتهما وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و هو الصّراط الانسانىّ الّذى فطريّه فطريّ الولاية و تكليفيّة تكليفىّ الولاية و بالجملة هو اشارة الى الولاية كما انّ الكتاب اشارة الى النّبوّة و الرّسالة وَ تَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ قيل: هو إدريس النّبىّ (ع)، و قيل: كان نبيّا من أنبياء (ع) بنى إسرائيل من ولد هارون بن عمران ابن عمّ اليسع، بعث بعد حزقيل، و لمّا فتح يوشع الشّام بوّأها بنى إسرائيل و قسّمها بينهم فاحلّ سبطا منهم ببعلبك و هم سبط الياس (ع)، و قيل: انّ الياس (ع) صاحب البراري، و الخضر صاحب الجزائر و يجتمعان في كلّ يوم عرفة بعرفات، و قيل: انّه ذو الكفل‏ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ‏ مناصحا لهم بصورة الشّفقة أَ لا تَتَّقُونَ أَ تَدْعُونَ بَعْلًا اسم صنم كان لهم و كان من الذّهب، و قيل: البعل اسم الرّبّ بلغة اليمن و المقصود أ تدعون ربّا غير اللّه‏ وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ‏ قد سبق بيان لكونه تعالى أحسن الخالقين‏

اللَّهَ رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏ للحساب أو في النّار إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ‏ قد روى من طريق الخاصّة اخبار كثيرة بانّ القراءة آل يس بفتح الالف و مدّه و كسر اللّام و انّ المراد بهم آل محمّد (ص) و انّ يس من أسمائه و قد ذكر محاجّتهم على علماء العامّة بهذه القراءة بحيث لم يكونوا ينكرونها و كانوا معترفين بصحّة القراءة بذلك، و يكون يس اسما من أسماء محمّد (ص) و قد روى من طريقهم القراءة بذلك و انّه في بعض مصاحفهم مكتوب بفصل الآل من يس و كأنّ المنظور كان من الإتيان بآل محمّد (ص) بهذا اللّفظ في ذيل الياس (ع) ان لا يسقطوه، لو قال سلام على آل محمّد (ص)، و لمّا كان محمّد (ص) و أهل بيته (ع) شرف كلّ ذي شرف و فخر كلّ ذي فخر و مقام كلّ ذي مقام كان السّلام على آل‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 302

محمّد (ص) سلاما على كلّ ذي سلام و شرفا لكلّ ذي شرف و لسان صدق لكلّ صادق، فصحّ ان يقال تركنا على الياس في الآخرين لسان صدق هو سلام على آل محمّد (ص) و قرئ الياسين بوصل اللّام في الكتابة فقيل انّه اسم لإلياس مثل سينا و سينين، و قيل: انّه جمع له لكنّه بعيد لانّ الاعلام إذا جمعت أتى بها معرفة باللّام‏ إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ قد سبق قصّته في سورة هود و حجر و غيرهما إِذْ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَ إِنَّكُمْ‏ يا أهل مكّة لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ‏ يعنى على آثارهم فانّ منازلهم كانت سدوم في طريق الشّام‏ مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏ قد أشرنا في سورة يونس (ع) انّ قصّته و قصّة قومه و دعاءه الى قومه و فراره عنهم بعد دفع العذاب عن قومه و دخوله الفلك و ابتلاءه ببطن الحوت مذكورة في المفصّلات، من أراد فليرجع إليها،

عن الباقر (ع) انّه قال: لمّا ركب مع القوم فوقفت السّفينة في اللّجة و استهموا فوقع السّهم على يونس ثلاث مرّات، قال فمضى يونس (ع) الى صدر السّفينة فاذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه‏

، و

عن الصّادق (ع) ما تقارع قوم ففوّضوا أمرهم الى اللّه عزّ و جلّ الّا خرج سهم المحقّ و قال: اىّ قضيّة اعدل من القرعة إذا فوّضوا الأمر الى اللّه أ ليس اللّه عزّ و جلّ يقوم فساهم فكان من المدحضين يعنى المغلوبين في القرعة، دحض برجله، فحص، و عن الأمر بحث و دحض رجله زلقت، الشّمس زالت، و الحجّة بطلت‏

فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ‏ من الام بمعنى عدل، أو من الام بمعنى أتى ما يلام عليه أو صار ذا لائمة فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏ تعريض بالامّة يعنى إذا ابتليتم ببليّة فأكثروا من تسبيحه و تهليله و ذكره حتّى ينجيكم منها فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ اى المكان الخالي عمّا يغطّيه من شجر أو نبت أو بناء أو جبل‏ وَ هُوَ سَقِيمٌ وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏ و هو كلّ شجرة تبقى من الشّتاء الى الصّيف ليس لها ساق كذا قيل: و قيل: المراد الدّبّاء «1»

وَ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏ بل يزيدون،

عن الصّادق (ع) يزيدون ثلاثين ألفا

فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ‏ سمّى لآجالهم‏ فَاسْتَفْتِهِمْ‏ بعد ما ذكرت لهم هذه القصص الّتى فيها عبر لكلّ من يعتبر أَ لِرَبِّكَ‏ الّذى فعل ما فعل بالأمم السّالفة و مكذّبيهم و مصدّقيهم و أنبيائهم (ع) الْبَناتُ‏ اللّاتى هنّ اخسّ الأولاد وَ لَهُمُ الْبَنُونَ‏ الّذين هم أشرف الأولاد حتّى يعلموا انّهم مخطئون في تلك النّسبة فيتنبّهوا فيعلموا انّهم مخطئون في نسبة الولد اليه‏ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ الّذين هم أشرف الخلائق و بريئون من نقائص الذّكورة و الانوثة إِناثاً مبتليات بأنواع النّقائص‏ وَ هُمْ شاهِدُونَ‏ حتّى يتنبّهوا انّ قولهم هذا ليس الّا عن محض خرص و تخمين، و يتفكّروا انّ العاقل لا ينبغي ان يتفوّه في مثل هذا المطلب العظيم بالظّنّ و التّخمين‏ أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ‏ قولا عظيما لا ينبغي ان يقال، يقولون: وَلَدَ اللَّهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ‏ من غير احتمال صدق في قولهم‏ أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ قبح ما تقولون و تنسبون الى اللّه فانّ نسبة الولد الى اللّه تخرجه عن الوجوب الى الإمكان، و عن الغنى الى الحاجة، و عن التّنزّه الى التّدنّس، و عن التّجرّد الى كونه مادّيّا، و غير ذلك من النّقائص، و بعد نسبة الولد اليه لا تتذكّرون قبح ما تقولون من انّ أولاده بنات لا بنون‏ أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ‏ حجّة

(1) الدباء بالضم و المدّ القرع؛ الواحدة دباء و يقال له بالفارسية: كدو.

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 303

مُبِينٌ‏ واضح أو موضح أنكر قولهم لربّنا البنات، و الملائكة بنات اللّه، ثمّ أنكر نسبة الانوثة الى الملائكة الّذين هم منزّهون عن دنس الذّكورة و الانوثة ثمّ أنكر شهودهم حين خلق الملائكة و الحال انّ الانوثة و الذّكورة لا تعلمان الّا بالشّهود، ثمّ أنكر نسبة الولد اليه و صرّح انّها من جملة إفكهم و صرّح بانّهم كاذبون تأكيدا، ثمّ عيّرهم على نسبة البنات اليه و البنين الى أنفسهم مع انّه إذا نسب البنات إليهم ظلّت وجوههم مسوّدة، ثمّ عيّرهم على عدم تذكّر قبح ذلك مع انّه يتذكّر قبح أمثال ذلك كلّ ذي شعور، ثمّ عيّرهم على القول بلا حجّة خصوصا أمثال هذا القول، ثمّ طالبهم بالحجّة إلزاما لهم على الإقرار بعدم الحجّة، كلّ ذلك لتأكيد قبح هذا القول و لتأكيد تعيير قائله‏ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ في هذا القول و نسبة الولد الى اللّه، فانّ الصّادق لا بدّ له من حجّة على دعواه أو ان كنتم صادقين في ادّعاء الحجّة و الكتاب‏ وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً قيل: انّهم تارة يقولون الملائكة بنات اللّه، و تارة يقولون: الجنّ بنات اللّه، أو بعضهم يقولون: الجنّ بنات اللّه، و بعضهم يقولون: الملائكة بنات اللّه، و قيل: انّ مرادهم بالجنّ، الملائكة سمّوهم جنّا لاستتارهم، و قيل: قالوا انّ اللّه صاهر «1» الجنّ فخرجت الملائكة، و قيل: قالوا، اللّه و الشّيطان اخوان و اللّه خالق الخير، و النّور و الشّيطان خالق الشّرّ و الظّلمة، و قيل: المراد بالنّسبة النّسبة في العبادة فانّ بعضهم يعبدون إبليس و يقولون انّه احقّ بالعبادة من اللّه أو مثله في العبادة وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ‏ في الحساب أو في النّار، و ضمير انّهم للجنّة أو للمشركين أو للمجموع‏ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ‏ في حقّه من الولد و النّسبة و المصاهرة إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏ استثناء من فاعل يصفون أو من مرفوع لمحضرون أو استثناء منقطع‏ فَإِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ‏ من الملائكة و الجنّة و الشّياطين و غير ذلك من المعبودات‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ‏ اى على ما تعبدون أو على اللّه أو على هذا الوصف‏ بِفاتِنِينَ‏ بمفسدين النّاس و مضلّيهم و الجملة جزاء شرط محذوف اى إذا كان اللّه منزّها عمّا تقولون بأفواهكم من غير تحقيق و المنزّه عن المادّة و نقائصها لا يمكن للمادّىّ التّصرّف فيه فانّكم و معبوداتكم لا تقدرون افتتان النّاس على خلاف امره التّكوينىّ‏ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ‏ داخل فيها محرق بها يعنى من كان بالفعل داخل نار الجحيم و ان لم يكن شاعرا بالدّخول لكون مداركه خدرة غير متأثّرة بحرقتها وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ‏ هذا قول الملائكة ردّا على عابديهم و الجملة حاليّة بتقدير القول أو معطوفة و المعنى انّهم يقولون ما منّا الّا له مقام معلوم، و قيل: هذا قول جبرئيل (ع) للنّبىّ (ص) و

عن الصّادق (ع) قال: أنزلت في الائمّة و الأوصياء من آل محمّد (ص)

و المعنى ما منّا أحد الّا له مقام في العبوديّة لا نتجاوزه فكيف نكون معبودين مراقبين لعابدينا و حافظين لهم و ناصرين لهم؟ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏ في العبادة و الخدمة لا انّه يصفّ العباد لنا وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ‏ للّه لا انّه يجوز ان يسبّحنا أحد، و

عن الصّادق (ع) كنّا أنوارا صفوفا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السّماء بتسبيحنا، الى ان هبطنا الى الأرض فسبّحنا فسبّح أهل الأرض بتسبيحنا و انّا لنحن الصّافون و انّا لنحن المسبّحون‏

وَ إِنْ كانُوا انّهم كانوا لَيَقُولُونَ‏ اى المشركون‏ لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ‏ اى كتابا من كتبهم، أو شريعة من شرائعهم، أو نبيّا من أنبيائهم (ص) لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ‏ اى بالذّكر الّذى هو محمّد (ص) أو القرآن أو شريعة محمّد (ص) أو ولاية علىّ (ع) فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ‏ عاقبة كفرهم‏ وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا بالوعد و النّصر لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ‏ أو المعنى لقد سبقت كلمتنا الّتى هي فعليّة الانسانيّة

(1) اى تزوّج منهم بنتا فولدت له الملائكة.

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 304

الّتى هي دليل كلّ خير و طريق كلّ مطلوب و فعليّة كلّ كمال، أو سبقت كلمتنا الّتى هي الولاية كلمة الشّيطان فصارت كلمة الشّيطان مغلوبة، و إذا صارت كلمة الشّيطان مغلوبة صارت جملة جنوده الدّاخلة و الخارجة مغلوبة، و صارت جملة جنود الحقّ الدّاخلة و الخارجة غالبة و الآية تسلية للرّسول و المؤمنين و تهديد للكافرين‏ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ‏ بدل من كلمتنا أو جواب لسؤال مقدّر في مقام بيان الكلمة أو في مقام التّعليل‏ وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ‏ و اعرض عن مجادلتهم و مقاتلتهم‏ حَتَّى حِينٍ‏ حتّى تبلغ الى موعد نصرك و قتلهم‏ وَ أَبْصِرْهُمْ‏ فانّك فتحت بصيرتك و يمكنك أبصارهم على حالهم الفظيعة الّتى تؤدّيهم الى الجحيم و الى العذاب الأليم، أو ابصرهم على حالهم الّتى يكونون عليها في القيامة و عند الحساب، أو في الجحيم و عند العذاب فانّك لا حاجة لك الى إتيان القيامة بعد فانّ القيامة صارت حالك‏ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ ذلك في القيامة لعدم خروجهم بعد عن مضيق طبعهم و سجن نفوسهم و حجب اهويتهم‏ أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ‏ تهديد لهم،

روى‏ انّه لمّا نزل فسوف يبصرون قالوا متى هذا؟

فقال تعالى تهديدا لهم: أ فبعذابنا يستعجلون‏

فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ‏ اى وقت المنذرين فانّه كثيرا ما يستعار الصّباح لمطلق الوقت‏ وَ تَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ تأكيد للاوّل و تعقيب لكلّ من الوعد و الوعيد بذلك إتماما لطرفى الوعد و الوعيد سُبْحانَ رَبِّكَ‏ عن كلّ ما يصفه الواصفون و خصوصا عمّا يصفه المشركون‏ رَبِّ الْعِزَّةِ لانّه ليس كمال و لا وصف الّا انّه تعالى خالقه و ربّه‏ عَمَّا يَصِفُونَ وَ سَلامٌ‏ اى سلامة أو اللّه أو تحيّة السّلام‏ عَلَى الْمُرْسَلِينَ‏ كأنّه تعالى قال: فالنّقمة على المشركين و سلام على المرسلين فانّ قوله سبحان ربّك ربّ العزّة في مقام ان يقال نقمة عظيمة من غير دافع على المشركين و سلام على الموحّدين‏ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ تعليم للعباد أو إنشاء للحمد تعظيما لنفسه، أو اخبار بانّ كلّ كمال و كلّ صفة كمال خاصّ باللّه فكيف يكون له شريك في ملكه.

سورة ص‏

مكّيّة و هي ثمان و ثمانون آية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

ص‏ قرئ بالسّكون و هو الأصل في فواتح السّور، و قرئ بكسر الدّال امّا لالتقاء السّاكنين و التّحريك بالكسر، أو لجعله امرا من المصاداة و هي المعارضة، و قرئ بفتح الدّال لالتقاء السّاكنين، أو لجعله علما للسّورة و منع صرفه و

في اخبار كثيرة انّ ص عين تنبع من تحت العرش، أو من يمين العرش، أو من ركن من أركان العرش و هي ماء الحيوة

، و

في خبر انّ ص من أسماء اللّه، أو من أسماء النّبىّ (ص)

و قد سبق في اوّل البقرة تفصيل تامّ يغنينا هاهنا عن التّعرّض لبيانه‏ وَ الْقُرْآنِ‏ اقسم بالقرآن‏ ذِي الذِّكْرِ و الجواب محذوف اى انّ القرآن حقّ، أو انّك حقّ، أو انّ الكافرين به أو بك كفروا به لا لحجّة

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 305

بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ مناعة عن قبول الحقّ و تأنّف منه و شِقاقٍ‏ و في طرف مع اللّه و رسوله و لذلك لم يقبلوا رسالة رسوله و لا كتابه‏ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ‏ أمّة هالكة تهديد لهم على كفرهم‏ فَنادَوْا وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ‏ هو من قولهم و ما تنادوا به أو من اللّه أو من الملائكة، حكى بتقدير القول اى فنادوا و قال اللّه أو الملائكة لات حين مناص و زيادة التّاء على لا للتّأكيد وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ‏ و الحال انّه لا ينبغي ان يكون المنذر الّا منهم‏ وَ قالَ الْكافِرُونَ‏ اى قالوا، و وضع الظّاهر موضع المضمر لإظهار ذمّهم و بيان مبني قولهم‏ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ‏ قد مضى بيان السّحر في سورة البقرة عند قصّة هاروت و ماروت‏ أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً استغربوا ما سمعوه من خلاف ما اعتادوه‏ إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ‏ بالغ في العجب‏ وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ‏ يعنى انطلق ألسنتهم و لذا أتى بان التّفسيريّة بعده أو انطلقوا بأرجلهم و المعنى انطلقوا عنه مسارّين‏ أَنِ امْشُوا من عند هذا الرّجل أو امشوا على دينكم‏ وَ اصْبِرُوا عَلى‏ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا الّذى هو من جملة البلايا و المصائب‏ لَشَيْ‏ءٌ يُرادُ بنا أو انّ هذا الّذى يدّعيه من الرّياسة على العباد و التّرفّع في البلاد شي‏ء يريده كلّ أحد ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ اى الملّة الّتى هي غير هذه و الملّة الّتى أدركناها إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ‏ و

قد ورد الاخبار بانّ الآية نزلت بمكّة بعد ان أظهر رسول اللّه (ص) دينه و سمعت به قريش و ذلك انّه اجتمعت قريش الى ابى طالب (ع) و قالوا:

يا أبا طالب انّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا و سبّ آلهتنا و أفسد شبّاننا و فرّق جماعتنا فان كان الّذى يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتّى يكون اغنى رجل في قريش و نملّكه علينا، فأخبر ابو طالب (ع) رسول اللّه (ص) فقال: لو وضعوا الشّمس في يميني و القمر في يساري ما أردته و لكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب و يدين لهم بها العجم و يكونون ملوكا في الجنّة، فقال لهم أبو طالب ذلك، فقالوا: نعم و عشر كلمات، فقال لهم رسول اللّه (ص): تشهدون ان لا اله الّا اللّه و انّى رسول اللّه فقالوا: ندع ثلاث مائة و ستّين إلها و نعبد إلها واحدا؟! فأنزل اللّه سبحانه بل عجبوا (الآية)

أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا مع انّه كان يتيما لا مال له و لا علم و لا شأن‏ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي‏ لا انّهم أيقنوا بالذّكر و أنكروا ان تكون أنت هو أو تكون أنت صاحبه‏ بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ‏ حتّى أيقنوا بعذابي و أيقنوا بذكرى يعنى انّهم أبطرتهم كثرة النّعم و الفراغ من البلايا فاشتغلوا بلذائذ النّفوس و أنكروا ما وراءها أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ‏ حتّى يختاروا لرحمته الّتى هي النّبوّة و نزول الذّكر من شاؤا من رجل من القريتين عظيم‏ أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما حتّى يتصرّفوا فيها بما شاؤا و يجعلوا فيها من شاؤا رئيسا و من شاؤا مرءوسا فَلْيَرْتَقُوا امر للتّعجيز فِي الْأَسْبابِ‏ فليصعدوا في أسباب الصّعود الى العرش فينزلوا الذّكر على من شاؤا، و قيل: المراد بالأسباب السّماوات لانّها أسباب المواليد السّفليّة جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ‏ الجملة جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل: فما حالهم و مآل أمرهم؟- فقال: انّهم سيهزمون لانكارهم الذّكر و صاحبه لكنّه قال: جنود كثيرة أو عظيمة في مقام هذا الإنكار الّذى هو ابعد المقام عن مقام العقول صاروا مهزومين من الفرق المتفرّقة المختلفة من العرب و العجم و التّرك و الدّيلم ليكون تنبيها و دليلا و تهديدا على المقصود كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ‏ بيان للاحزاب المكذّبين المنكرين و بيان لانهزامهم بالتّلويح‏ ذُو الْأَوْتادِ سمّى به كما في الخبر لانّه كان إذا أراد ان يعذّب أحدا بسطه في الأرض على وجهه و أوتد يديه و رجليه بأربعة أوتاد في الأرض و ربّما

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 306

بسطه على خشب منبسط فأوتدها كذلك و تركه حتّى يموت، و قيل: معناه ذو الملك الثّابت بالأوتاد، و قيل: معناه ذو الأركان القويّة فانّه كان صاحب جنود كثيرة و أمراء عظيمة و وزراء قويّة وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ اى قوم شعيب‏ أُولئِكَ الْأَحْزابُ‏ المهزومون فانظروا حالهم و مآل تكذيبهم و إنكارهم‏ إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ‏ اى رسلهم أو جميع الرّسل لانّ تكذيب واحد تكذيب للجميع‏ فَحَقَّ عِقابِ وَ ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ تصريح بما عرّض به من عقوبة المنكرين من قريش و المراد بهؤلاء المنكرون من قريش‏ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً هي الصّيحة عند الموت أو عند القيامة يعنى المراد به النّفخة الاولى أو الثّانيّة ما لَها مِنْ فَواقٍ‏ توقّف أو رجوع أو راحة أو افاقة من الغشي و رجوع الى الدّنيا أو فتور وَ قالُوا اى يقولون بعد الصّيحة و ادّاه بالماضي لتحقّق وقوعه، أو لانّه قد وقع بالنّسبة الى محمّد (ص)، أو المعنى انّهم بلسان حالهم سألوا نزول العذاب الموعود بهم، أو بلسان قالهم كما قالوا: ان كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارة من السّماء أو كما قالوا متى يكون هذا الوعد رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قسطنا من العذاب الموعود قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ‏ استعجلوا ذلك استهزاء أو استعجلوا لشدّة عذابهم قبل القيامة في البرازخ بظنّ انّ عذابهم قبل يوم الحساب ينجيهم من عذابهم في البرزخ أو من عذاب يوم الحساب‏ اصْبِرْ عَلى‏ ما يَقُولُونَ‏ و لا تحزن بقولهم فانّهم لا يفوتوننا و لا ينالونك بمكروه من غير اذننا و راجع ربّك على كلّ حال‏ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ جمع اليد بمعنى القوّة و النّعمة كما في الخبر إِنَّهُ أَوَّابٌ‏ مع كونه كثير القوّة و النّعمة فراجع أنت ربّك‏

إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ‏ بيان لقوّته و نعمته‏ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ‏ يعنى وقت اشراق الشّمس أو هو كناية عن الغداة وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً اليه من كلّ جانب أو حالكون الطّير محشورة من أوكارها كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ‏ قد سبق الآية بتركيبها و تفسيرها في سورة الأنبياء و في سورة السّباء وَ شَدَدْنا مُلْكَهُ‏ يعنى قوّيناه بحيث لا يمكن لأحد الإخلال في ملكه‏ وَ آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ‏ المراد بالحكمة آثار الولاية فانّ الحكمة ليست الّا دقّة العلم و إتقان العمل و الدّقّة فيه و هي من آثار الولاية فانّ الإنسان ما لم يقبل الولاية بشروطها المقرّرة عندهم لم يفتح بصيرته و ما لم يفتح بصيرته لم يصر نظره دقيقا، و ما لم يصر نظره دقيقا لا يمكنه الإتقان في العمل و قد مضى مكرّرا بيان الحكمة مفصّلا و المراد بفصل الخطاب آثار الرّسالة فانّه باىّ معنى كان كان من جهة الاشتغال بالكثرات و الاشتغال بالكثرات من جهة العباد ليس الّا لأجل الرّسالة إليهم أو لأجل قبول الرّسالة من الرّسول (ع) و قد فسّر فصل الخطاب‏

في خبر مروىّ عن علىّ (ع) بقوله: البيّنة على المدّعى و اليمين على المدّعى عليه‏

، و

في خبر مروىّ عن الرّضا (ع) انّه معرفة اللّغات‏

، و فسّر فصل الخطاب بتمييز الحقّ عن الباطل، و بالكلام المفصول المبيّن الّذى لا يشتبه على سامعه، و بالخطاب القصد الّذى ليس فيه إيجاز مخلّ و لا أطناب مملّ، و بمطلق العلم بالقضاء وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ‏ تنبيه له (ص) و لامّته على انّ الامتحانات الالهيّة كثيرة تكون بصورة إتيان المتخاصمين و بصورة الاذلال و الإعزاز و بصورة عناد المعاندين و محبّة المحبّين فلا تغفلوا عن امتحانه و لا تغترّوا بانعامه و إعزازه، و أتى بالاستفهام للتّعجيب من حاله (ع) و مبادرته بنسبة الظّلم الى الخصم من غير تثبّت و استظهار ليكون آكد في ذلك التّنبيه‏ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ‏ التّسوّر الدّخول من قبل السّور، و المحراب مجلس الاشراف الّذى يحارب دونه و هو مقامهم الخاصّ لعبادتهم أو نزاهتهم و خلوتهم‏ إِذْ دَخَلُوا عَلى‏ داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ‏ لانّهم دخلوا في غير وقت دخول الأغيار و دخلوا من دون اذن و من غير المحلّ المعتاد للدّخول‏ قالُوا

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏3، ص: 307

بعد ما رأوا انّه فزع منهم‏ لا تَخَفْ خَصْمانِ‏ كأنّهم كانوا جماعة و قال بعضهم: هذان خصمان، أو: نحن خصمان‏ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ لا تجر في الحكومة وَ اهْدِنا إِلى‏ سَواءِ الصِّراطِ المرضىّ للّه و للعقل‏ إِنَّ هذا أَخِي‏ بيان لصورة المخاصمة لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً هي الأنثى من الضّأن‏ وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها ملّكنيها من الكفل بمعنى النّصيب اى اجعلها نصيبي، أو من الكفالة اى اجعلني كفيلها وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ‏ غلبني في المخاصمة قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‏ نِعاجِهِ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما هُمْ‏ ما زائدة أو وصفيّة لتأكيد التّقليل‏ وَ ظَنَّ داوُدُ بعد ما تبادر في الحكم بالظّلم‏ أَنَّما فَتَنَّاهُ‏ امتحنّاه بذلك‏ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ‏ من تبادره في الحكم‏ وَ خَرَّ راكِعاً خاضعا وَ أَنابَ‏ رجع الى اللّه بالاعتذار فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ‏ التّبادر وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى‏ قربة وَ حُسْنَ مَآبٍ يا داوُدُ على طريق الحكاية اى قلنا يا داود إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً لنا أو للأنبياء و الملوك الماضين‏ فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ‏ قد سبق في سورة لقمان بيان ما لخلافة داود (ع) في ذيل بيان حال لقمان (ع) و حكمته و

عن الرّضا (ع) في بيان عصمة الأنبياء، و امّا داود (ع) فما يقول من قبلكم فيه؟- فقيل: يقولون: انّ داود (ع) كان يصلّى في محرابه إذ تسوّر له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون فقطع داود صلوته و قام ليأخذ الطّير فخرج الطّير الى الدّار فخرج في اثره فطار الطّير الى السّطح فصعد في طلبه فسقط الطّير في دار أوريا بن حيّان، فاطّلع داود في اثر الطّير، فاذا بامرأة أوريا تغتسل فلمّا نظر إليها هويها و كان قد اخرج أوريا في بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدّم أوريا امام التّابوت فقدّم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود (ع) فكتب اليه ثانية ان قدّمه امام التّابوت فقدّم فقتل أوريا فتزوّج داود بامرأته، قال: فضرب الرّضا (ع) يده على جبهته و قال: انّا للّه و انّا اليه راجعون.! لقد نسبتم نبيّا من أنبياء اللّه الى التّهاون بصلوته حتّى خرج في اثر الطّير ثمّ بالفاحشة ثمّ بالقتل، فقيل: يا ابن رسول اللّه (ص) فما كانت خطيئته؟ فقال: ويحك! انّ داود (ع) انّما ظنّ انّه ما خلق اللّه عزّ و جلّ خلقا هو اعلم منه، فبعث اللّه عزّ و جلّ اليه الملكين فتسوّرا المحراب فقالا له: خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ و لا تشطط و اهدنا الى سواء الصّراط انّ هذا أخي له تسع و تسعون نعجة و لي نعجة واحدة فقال:

أكفلنيها و عزّنى في الخطاب فعجّل داود (ع) على المدّعى عليه فقال: لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه و لم يسأل المدّعى البيّنة على ذلك و لم يقبل على المدّعى عليه فيقول له: ما تقول؟- فكان هذا خطيئته رسم حكم لا ما ذهبتم اليه، الا تسمع اللّه يقول: يا داود انّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ (الى آخر الآية) فقيل: يا بن رسول اللّه (ص) فما قصّته مع أوريا؟- قال الرّضا (ع): انّ المرأة في ايّام داود (ع) كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوّج بعده أبدا فاوّل من أباح اللّه تعالى ان يتزوّج بامرأة قتل بعلها، داود (ع)، فتزوّج بامرأة أوريا قتل و انقضت عدّتها فذلك الّذى شقّ على أوريا

و الاخبار في انكار ما روته العامّة كثيرة عن ائمّتنا (ع) حتّى انّه‏

روى عن أمير المؤمنين (ع) انّه: من حدّث بحديث داود على ما يرويه القصّاص جلدته مائة و ستّين جلّدة، يعنى جلدته حدّين للمفترى‏

، و

في خبر عنه‏ حدّا للنّبوّة و حدّا للإسلام‏

صفحه بعد