کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة

الجزء الأول

مقدمة المؤلف

الفصل الاول في حقيقة العلم و الجهل المشابه للعلم الفصل الثانى في شرافة هذا العلم و خساسة الجهل الفصل الثالث في ان العلم كلما ازداد ضعفت الانانية، و الجهل كلما ازداد زادت الانانية الفصل الرابع في تلازم العلم و العمل و اقتضاء العلم الحيرة و الخشية و العزلة الفصل الخامس في فضل قراءة القرآن و فضل التوسل به باى نحو كان الفصل السادس في آداب القراءة و كيفيتها و مراتب القراء الفصل السابع في جواز تفسير آيات القرآن و أخبار المعصومين عليه السلام و النظر فيها و التأمل في مفاهيمها و التفكر في معانيها و المراد بها و التدبر في مقاصدها و الغايات المؤول إليها و استعلام تنزيلها و استنباط تأويلها بقدر استعداد المفسر الناظر الفصل الثامن في الفرق بين الظهر و البطن و التنزيل و التأويل و المحكم و المتشابه و الناسخ و المنسوخ و العام و الخاص الفصل التاسع في تحقيق التفسير بالرأى الذى ورد حرمته و مذمته في الاخبار الفصل العاشر في ان علم القرآن بتمام مراتبه منحصر في محمد صلى الله عليه و آله و أوصيائه الاثنى عشر و ليس لغيرهم الا بقدر مقامه الفصل الحادي عشر في تحقيق ان القرآن ذو وجوه الفصل الثاني عشر في جواز نزول القرآن بوجوه مختلفة في ألفاظه الفصل الثالث عشر في وقوع الزيادة و النقيصة و التقديم و التأخير و التحريف و التغيير في القرآن الذى بين أظهرنا الذى أمرنا بتلاوته و امتثال أوامره و نواهيه و اقامة احكامه و حدوده الفصل الرابع عشر
سورة الفاتحة

سورة البقرة

تحقيق مراتب الوجود و انه حقيقة واحدة مشككه

تحقيق معنى بسيط الحقيقة كل الأشياء تحقيق جريان الحروف المقطعة على لسان المنسلخ عن هذا البنيان معنى تأويل القرآن و بطونه في الوجوه المحتملة في اعراب فواتح السور و عدم اعرابها تحقيق كون جميع الكتب المدونة حقه و باطله صور الكتاب الحقيقى الذى هو حقيقة القرآن تحقيق الكتاب و مصاديقه تحقيق معنى الكلام الفرق بين الكتاب و الكلام تحقيق ان الإنسان ما لم يخرج من أسر نفسه لا يدرك من القرآن الا اللفظ و العبارة تحقيق معنى الهداية تحقيق معنى التقوى و مراتبها بيان سر ظهور بعض الشطحيات من السلاك تحقيق قوله تعالى ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات تحقيق الايمان و مراتبه تحقيق الصلوة و مراتبها تحقيق استمرار الصلوة و الزكاة للإنسان تكوينا بيان الكفر و اقسامه تحقيق مراتب القلب و إطلاقاته و تحقيق ختم القلب و البصر بيان اشتراء الضلالة بالهدى تحقيق الرعد و البرق و السحاب و المطر تحقيق معنى من دون الله الاشارة الى وجوه اعجاز القرآن بيان قطع ما امر الله به ان يوصل تحقيق الإفساد في الأرض تحقيق تكرار الأحياء و الاماتة للإنسان تحقيق خلق جميع الأشياء حتى السموم و ذوات السموم لنفع الإنسان تحقيق مادة الملك و أقسام الملائكة تحقيق كيفية قول الله و أمره للملائكة تحقيق معنى التسبيح و التقديس و الفرق بينهما تحقيق معنى الاسم و بيان تعليم آدم الأسماء كلها و بيان اللطائف المندرجة في الاية الشريفة تحقيق مراتب العالم و كيفية خلق الاجنة و الشياطين تحقيق توبة العبد تحقيق توبة الرب في توبة العبد تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون تحقيق و تفصيل لاشتراء الثمن القليل بالآيات تحقيق الأمر بالمعروف و موارده تحقيق الوالدين و النسبة الروحانية حكاية ملك سليمان و كونه في خاتمه و رمز ذلك تحقيق السحر حكاية هاروت و ماروت و رموزها تحقيق الولى و النصير تحقيق الظلم تحقيق المسجد تحقيق ابتلاء إبراهيم بكلمات تحقيق مراتب الخلق من النبوة و الرسالة و الخلة و الامامة بيان خطوات الشيطان تحقيق القول على الله بما لا يعلمه تحقيق نزول الكتاب جملة و نجوما تحقيق كون القرآن بينات من الهدى تحقيق قربه تعالى تحقيق اجابته تعالى و عدم اجابته للعباد تحقيق إتيان البيوت من الأبواب و منع الإتيان من الظهور تحقيق الإفساد في الأرض و إهلاك الحرث و النسل تحقيق معنى الرجوع الأمور الى الله تعالى تحقيق مراتب كمال الإنسان تحقيق الولى و النبى و الرسول و الامام بيان حرمة شرب دخان الأفيون تحقيق تكيف النفوس من مجاورها تحقيق النعمة و مراتبها بحسب مراتب الإنسان بيان حكمة عدة النساء بيان الصلوة الوسطى بيان قرض الله و تحقيقه بيان التابوت و السكينة تحقيق الجبر و القدر و الأمر بين الأمرين و تحقيق بعض المطالب و تحقيق افعال العباد بحيث لا يلزم من نسبتها الى الله جبر للعباد و لا من نسبتها الى العباد تفويض إليهم و لا تعدد في النسبة يستدعى ذكر مقدمات: بيان الاحاطة بما شاء الله من علمه تحقيق الاستمساك بالعروة الوثقى و بيان العروة الوثقى بيان ابتغاء مرضات الله بحيث لا يخل بإخلاص العمل بيان الحكمة و مراتبها بيان الخبط من مس الشيطان

الجزء الثاني

سورة الانعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة الرعد سورة إبراهيم

الجزء الرابع

سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة الطور سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الدهر سورة المرسلات سورة النبا سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الانشقاق سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الشمس سورة و الليل سورة و الضحى سورة الم نشرح سورة و التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزال سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الفلق سورة الناس

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة


صفحه قبل

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 50

حبّا لهم بل حبّا للمؤمنين بتعرّضهم للثّواب الجزيل، أو تعليل لقوله ينتصرون أو لقوله جزاء سيّئة سيّئة أو لقوله فمن عفى و أصلح فأجره على اللّه اى لما يستفاد منه من التّرغيب على العفو كأنّه قال: انّ الانتقام نحو ظلم بالنّسبة الى القوّة العاقلة الّتى شأنها العفو فانّ شأنه شأن اللّه العفوّ الغفور، و انّه لا يحبّ الظّالمين فاتركوا الانتقام و اعفوا عن المسي‏ء وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ‏ عطف فيه رفع توهّم انّ المنتصر ظالم و غير محبوب فكان له مؤاخذة دنيويّة و عقوبة اخرويّة فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ‏ لا في الدّنيا و لا في الآخرة إِنَّمَا السَّبِيلُ‏ في الدّنيا بالمؤاخذة و في الآخرة بالعقوبة عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ‏ في العالم الصّغير أو الكبير بِغَيْرِ الْحَقِ‏ و المنتصر و ان كان ظالما بوجه على المسي‏ء و على قوّته العاقلة لكنّه ظلم بالحقّ‏ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَ لَمَنْ صَبَرَ اى لكن من صبر عن الانتقام‏ وَ غَفَرَ بتطهير القلب عن الحقد على المسي‏ء إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ اى الأمور الّتى ينبغي ان يعزم عليها لكونها من اجلّ الخصال‏ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ‏ استدراك اى و لكن من يضلل اللّه عن هاتين الخصلتين بالاقدام على الاقتصاص‏ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ‏ سمّى عدم الوصول و الاهتداء الى تينك الخصلتين ضلالا لانّه انحراف عن الكمال الانسانىّ الّذى هو الجادّة الى اللّه، أو المعنى و من يضلله اللّه بالجناية و الظّلم على العباد بغير الحقّ‏ وَ تَرَى الظَّالِمِينَ‏ الخطاب خاصّ بمحمّد (ص) و حينئذ جاز ان يكون ترى للاستقبال و جاز ان يكون للحال فانّه يرى حالهم في الحال، أو الخطاب عامّ و حينئذ يكون للاستقبال أو للحال بمعنى ينبغي ان ترى‏ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى‏ مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها اى على النّار قبل دخولهم النّار خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ‏ و الخشوع من الذّلّ لا ينفع بخلاف الخشوع من الحبّ فانّه متى وجد نفع‏ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ‏ الطّرف العين أو حركة جفنيها، فان كان بمعنى العين فالمعنى من طرف خفىّ النّظر، و ان كان بمعنى حركة الجفنين فالمعنى ينظرون نظرا ناشئا من حركة خفيّة لاجفانهم و المقصود انّهم لغاية خوفهم و وحشتهم لا يقدرون على النّظر التّامّ الى النّار وَ قالَ الَّذِينَ آمَنُوا التّأدية بالماضي لتحقّق وقوعه ان كان المراد انّهم يقولون يوم القيامة ذلك بعد ما رأوا الظّالمين في العذاب أو لكونه بالنّسبة الى محمّد (ص) ماضيا، أو المعنى قال الّذين آمنوا في حال الحيوة الدّنيا بعد ما علموا بحال الظّالمين و سوء عاقبتهم‏ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا يعنى انّ الخاسرين هؤلاء الظّالمون الّذين خسروا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ‏ هذا من قول المؤمنين أو من اللّه‏ وَ ما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ هذا أيضا من المؤمنين أو من اللّه‏ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ‏ الى الخير و النّجاة اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ‏ هذا بمنزلة النّتيجة و جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل: فما نفعل حتّى لا نكون ظالمين؟- فقال: استجيبوا لربّكم المطلق في دعوة مظاهره و خلفائه أو لربّكم المضاف الّذى هو ربّكم في الولاية مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ‏ المراد باليوم البليّة و العذاب فانّه كثيرا ما يستعمل فيها، أو المراد يوم الموت أو يوم القيامة، و الضّمير المجرور راجع الى صاحبه أو عذابه اى لا مردّ لصاحبه الى الدّنيا، أو لعذابه عن اهله، أو المعنى لا مردّ بتأخيره‏ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ يعنى لا تقدرون على إنكاره أو ما لكم من منكر ينكر ما حلّ بكم و يدفعه عنكم و ينصركم‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 51

فيه‏ فَإِنْ أَعْرَضُوا صرف الخطاب عنهم الى محمّد (ص) فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً يعنى لا تغتمّ باعراضهم لانّا ما أرسلناك عليهم حفيظا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ‏ و قد بلّغت‏ وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً نعمة دنيويّة أو نعمة اخرويّة من العلوم و الإلهامات و المكاشفات‏ فَرِحَ بِها اى بالرّحمة من حيث صورتها لا من حيث أنعامنا لانّ نفس الإنسان ما دامت حاكمة في وجوده لا تنظر الى المنعم و انعامه في النّعمة بل تنظر الى صورة النّعمة و نسبتها الى نفسها لا نسبتها الى المنعم و الّا لم يفرح بصورة النّعمة بل بالمنعم أو يغتمّ بصورة النّعمة لاحتمال استدراجه تعالى بالنّعمة وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ للنّعمة السّابقة و لا يتذكّرها و لا يشكرها، و تكرار الإنسان للاشارة الى انّ ذلك من مقتضى خلقته، و لا يخفى وجه تخالف الفقرتين فانّ الرّحمة لمّا كانت ذاتيّة لمشيّته تعالى أتى في جانبها بالتّأكيدات و بأداة التّحقيق و نسب اذاقتها الى نفسه و نسب الرّحمة أيضا الى نفسه، و أتى في جانب المصيبة بأداة الشّكّ و لم يأت بالتّأكيد و لم ينسب المصيبة الى نفسه و جعل سبب وصولها إليهم ما كسبت أيديهم‏ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل: فما للّه في المصائب من صنع‏ يَخْلُقُ ما يَشاءُ من خير و شرّ و رحمة و مصيبة يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ نكّر الإناث و عرّف الذّكور للاشارة الى انّ الإناث لتنفّر الاناسىّ منهنّ كأنّهنّ منكورات عند نفوسهم، و انّ الذّكور لحبّهم لهم معهودون عندهم حاضرون في أذهانهم‏ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَ إِناثاً يعنى يعطى لبعض الإناث فقط، و لبعض الذّكور فقط، و يجمع بينهما لبعض‏ وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً فكلّ ذلك بإعطاء اللّه و منعه لا بأسباب طبيعيّة كما يقوله الطّبيعىّ و الّذين ينظرون الى الأسباب الطّبيعيّة إِنَّهُ عَلِيمٌ‏ بصلاح كلّ و ما يصلحه و ما يفسده فيعطى ما يصلحه و يمنع ما يفسده‏ قَدِيرٌ على ذلك سواء وافقه الأسباب الطّبيعيّة أم لم توافقه‏ وَ ما كانَ لِبَشَرٍ ما ينبغي له و ما كان في سجّيّته‏ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ‏ لانّ البشريّة لتحدّدها بحدود كثيرة سفليّة لو سمعت كلام اللّه من دون تنزّله الى مقام البشريّة المحدودة لفنت و هلكت لانّه كالشّمس و حدود البشريّة كالفي‏ء إِلَّا وَحْياً الوحي في اللّغة الاشارة و الكتابة و المكتوب و الرّسالة و الإلهام و الكلام الخفىّ و كلّما ألقيته الى غيرك لكنّ المراد معه هنا معنى اعمّ من الإلهام و الكتابة اى الكتابة في الألواح الغيبيّة و الرّسالة لكن رسالة الملك مثل جبرئيل‏ أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ‏ مثل تكلّمه مع موسى (ع) من الشّجرة و مثل تكلّمه مع محمّد (ص) ليلة- المعراج من وراء السّتر أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا اى الّا ان يرسل رسولا بشريّا فَيُوحِيَ‏ ذلك الرّسول البشرىّ‏ بِإِذْنِهِ‏ اى يتكلّم مع سائر البشر بكلام خفىّ البطون جلّى الظّهور فانّ كلام ذلك الرّسول البشرىّ لكونه نائبا عن اللّه تعالى شأنه و مظهرا له كلام اللّه، و لكلامه بمضمون ما

ورد في الاخبار الكثيرة انّ حديثهم صعب مستصعب و سرّ مستسرّ و مقنّع بالسّرّ بطون خفيّة غاية الخفاء و ظهر جلّى غاية الجلاء

، و قرئ يرسل و يوحى بالنّصب عطفا على وحيا بجعله تميزا أو مفعولا مطلقا من غير لفظ الفعل، و قرءا بالرّفع عطفا على وحيا بجعله حالا بمعنى الفاعل‏ ما يَشاءُ الرّسول أو اللّه تعالى أو ما يشاء ذلك البشر الّذى أرسل اللّه اليه بلسان استعداده‏ إِنَّهُ عَلِيٌ‏ فلا يقدر على سماع كلامه بشر دان‏ حَكِيمٌ‏ لا يدعهم من غير تكلّم معهم لاقتضاء حكمته إلقاء الحكم و المصالح إليهم و اقتضائها جعل الوسائط في ذلك الإلقاء حتّى لا يهلكوا حين الإلقاء وَ كَذلِكَ‏ التّكلّم بالانحاء الثّلاثة أَوْحَيْنا إِلَيْكَ‏ اى أرسلنا

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 52

رُوحاً مِنْ أَمْرِنا اى روحا عظيما ناشئا من محض أمرنا من غير مداخلة مادّة فيه، أو بعضا من عالم أمرنا و المراد به جبرئيل أو روح القدس الّذى هو أعظم من جبرائيل و ميكائيل‏ ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ‏ المراد بالكتاب النّبوّة و الرّسالة و أحكامهما و بالايمان الولاية و آثارها و القرآن صورة الثّلاثة وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً اى الكتاب أو الايمان أو المذكور منهما أو الرّوح الموحى إليك و قد فسّر بعلىّ (ع)، فعن الباقر (ع) و لكن جعلناه نورا يعنى عليّا و علىّ (ع) هو النّور هدى به من هدى من خلقه‏ نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا

سئل الصّادق (ع) عن العلم، أ هو شي‏ء يتعلّمه العالم من أفواه الرّجال؟ أم في الكتاب عندكم تقرؤنه فتعلمون منه؟- قال: الأمر أعظم من ذلك و أوجب! اما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ‏ وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ‏ ثمّ قال: بلى، قد كان في حال لا يدرى ما الكتاب و لا الايمان حتّى بعث اللّه عزّ و جلّ الرّوح الّتى ذكر في الكتاب فلمّا أوحاها علم بها العلم و الفهم و هي الرّوح الّتى يعطيها اللّه عزّ و جلّ من شاء فاذا أعطاها عبدا علّمه الفهم‏

وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ يعنى انّك برسالتك تهدى الى الولاية فانّ الرّسالة و قبولها هداية الى الايمان و الولاية كما قال تعالى: قل لا تمنّوا علىّ إسلامكم بل اللّه يمنّ عليكم ان هداكم للايمان ان كنتم صادقين؛

عن الباقر (ع) يعنى انّك تأمر بولاية علىّ (ع) و تدعو إليها و علىّ (ع) هو الصّراط المستقيم‏

صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ و

عنه (ع) يعنى عليّا انّه جعله خازنه على ما في السّموات و ما في الأرض من شي‏ء و ائتمنه عليه‏

، و لعلّه (ع) ارجع الضّمير المجرور الى الصّراط، أو فسّر الصّراط بعلىّ (ع) أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ اى تنتهي جميع الأمور اليه في الواقع، أو تنتهي بلحاظ اللّاحظ اليه بمعنى انّه إذا نظر الى جزئىّ من جزئيّات الوجود و لو حظ مصدره و مصدر مصدره تنتهي المصادر كلّها الى اللّه فيكون مصدر الكلّ.

سورة الزّخرف‏

مكّيّة كلّها، و قيل: الّا آية و اسئل من أرسلنا من رسلنا، ثمان و ثمانون آية، و قيل: تسع و ثمانون‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ حم وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْناهُ‏ اى جعلنا ذلك الكتاب المبين الّذى لا رطب و لا يابس الّا فيه بحيث لا يعتريه ريب و شكّ و لا خفاء و إجمال و تشابه‏ قُرْآناً مجموعا فيه جميع المطالب‏ عَرَبِيًّا بلغة العرب أو ذا حكم و آداب و احكام و مواعظ و نصائح‏ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ تصيرون باستماعه و تدبّره عقلاء، أو تدركون ما فيه من المواعظ و الحكم‏ وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ‏ و هو الكتاب المبين الّذى هو اللّوح المحفوظ المعبّر عنه في لسان الحكماء بالنّفس الكلّيّة، أو هو القلم الا على فانّه بوجه قلم و بوجه كتاب و هو المسمّى في لسان الحكماء بالعقل الكلّىّ، أو هو مقام المشيّة المعبّر عنها بنفس الرّحمان و الاضافة الاشراقيّة فانّها بوجه اضافة الحقّ، و بوجه فعله، و بوجه‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 53

كلمته، و بوجه كتابه و هي امّ جميع الكتب‏ لَدَيْنا لَعَلِيٌ‏ على الكلّ لا أعلى منه‏ حَكِيمٌ‏ ذو حكم أو محكم لا يتطرّق الخلل و الشّكّ و الرّيب و الفساد اليه، و

عن الصّادق (ع): هو أمير المؤمنين (ع) في امّ الكتاب يعنى الفاتحة فانّه مكتوب فيها في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ قال: الصّراط المستقيم هو أمير المؤمنين (ع) و معرفته‏

، و لا منافاة بين هذا الخبر و بين ما ذكرنا في تفسير الآية فانّ عليّا (ع) و القرآن في هذا العالم منفكّان و الّا ففي العوالم العالية علىّ (ع) هو القرآن و القرآن هو علىّ (ع)، كما انّ فاتحة الكتاب في العوالم العالية هي النّفوس الكلّيّة و العقول الكلّيّة و هي المشيّة الّتى بها تحقّق كلّ ذي حقيقة أَ فَنَضْرِبُ‏ الهمزة على التّقديم و التّأخير و المعنى جعلناه قرآنا عربيّا لتعقّلكم و استكمالكم فهل نضرب‏ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً اى اعراضا و نصرفه الى غيركم، أو المستفهم عنه مقدّر بعد الهمزة و المعنى أ نهملكم و لا ندعوكم فنصرف عنكم القرآن‏ أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ‏ قرئ بفتح الهمزة بتقدير اللّام و بكسر الهمزة وَ كَمْ أَرْسَلْنا يعنى لا تطمعوا في صرف الذّكر عنكم و عدم دعوتكم فانّا ما اهملنا الأمم الماضية مع انّهم كانوا اشدّ منكم إسرافا و عصيانا و أرسلنا فيهم رسلا و لمّا تجاوزوا الحدّ في العصيان أهلكناهم فاحذروا عن عذابنا و إهلاكنا و لا تتجاوزوا الحدّ في العصيان‏ مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ‏ كما تستهزؤن أنتم ان كان الخطاب للمشركين، و يجوز ان يكون الخطاب مصروفا الى محمّد (ص) و يكون المقصود تسليته و المعنى كما يستهزئ قومك بك‏ فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً يجوز ان يكون الضّمير المجرور للاوّلين، و يكون من تبعيضيّة أو تفضيليّة يعنى أهلكنا اشدّاءهم فليحذر الّذين يستهزؤن برسولنا، أو أهلكنا الّذين كانوا اشدّ منهم فكيف بهم و بكم؟! و يجوز ان يكون لقوم محمّد (ص) و كان المقصود أهلكنا الاوّلين الّذين كانوا اشدّ من قومك فكيف بهم ان فعلوا مثل فعلهم؟! لكنّه ادّاه بهذه الصّورة لافادة هذا المعنى مع الاختصار وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏ يعنى مضى صفة الاوّلين و قد بلغ النّوبة الى قومك أو مضى حكاية حال الاوّلين فيما أنزلنا إليك سابقا فليرجعوا اليه و ليتدبّروا فيه‏ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ‏ فما لهم يقرّون بانّ اللّه خالق السّماوات و الأرض و يشركون به ما خلقوهم و نحتوهم بأيديهم، أو يشركون ما خلقه بيده‏ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً هذه الكلمة ضمّه اللّه الى ما حكاه منهم سواء جعل صفة للعزيز العليم أو خبرا لمحذوف فانّه قد يضمّ الحاكي شيئا من نفسه الى الحكاية، أو هو أيضا جزء الحكاية و يكون الخطاب من بعضهم لبعض آخر وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا تسلكونها الى مقاصدكم و لا تتحيّرون في بيدائها لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ الى حاجاتكم و مقاصدكم، أو لعلّكم تهتدون الى مبدئكم و صفاته من العلم و القدرة و الرّأفة و التّدبير، أو تهتدون الى إمامكم الّذى هو سبيل الى المقصد الكلّىّ الّذى هو الفوز بنعيم الآخرة فانّه لم يدع مقاصدكم الدّنيويّة الدّانية الّتى لا اعتناء بها بدون السّبيل الّذى يسلك إليها فكيف يدع المقصد الكلّىّ من غير سبيل‏ وَ الَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ من جهة العلو أو من السّحاب‏ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ‏ التفات الى التّكلّم تجديدا لنشاط السّامع و اشعارا بانّ إنبات النّبات بكيفيّات مخصوصة و تصويرات عديدة عجيبة و توليدات غريبة ليس الّا من مبدء عليم قدير مباشر له فكأنّه صار في حكاية إنبات النّبات حاضرا عند السّامع مشهودا له بعد ما كان غائبا عنه‏ بَلْدَةً مَيْتاً عن النّبات‏ كَذلِكَ تُخْرَجُونَ‏ من الأرض بعد موتكم فلم تستغربون الاعادة؟! وَ الَّذِي خَلَقَ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 54

الْأَزْواجَ كُلَّها اى أصناف المخلوقات‏ وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى‏ ظُهُورِهِ‏ اى ظهور ما تركبون، جمع الظّهور و افراد الضّمير المضاف اليه باعتبار اللّفظ و المعنى‏ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ‏ يعنى انّ غاية جميع المخلوقات تذكّركم و شكركم له على انعام ما رأيتموه نعمة لكم‏ وَ تَقُولُوا يعنى تذكروا بقلوبكم و تقولوا بألسنتكم فانّ ألسنتكم مكلّفة بجريان كلمة الشّكر عليها سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا يعنى ان تنزّهوا اللّه من وسمة الحاجة الى المركوب و الانتقال من مكان الى مكان و تذكّروه بنعمة تسخير المركوب ليكون شكرا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ‏ اقرن للأمر اطاقه و قوى، و اقرنه جعله في الحبل‏ وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ‏ يعنى انّ الغرض تذكّر النّعمة و شكر المنعم في النّعمة و تذكّر النّقلة العظيمة الّتى هي النّقلة من الدّنيا الى الآخرة وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً اى ولدا فانّه جزء من الوالد بحسب مادّته يعنى بعد ما اقرّوا بخالقيّته للسّماوات و الأرضين جعلوا له من مخلوقاته ولدا إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ بنعمة الحقّ و صفاته فيجري على لسانه ما لا يليق بمنعمه غفلة عن المنعم و صفاته‏ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ‏ يعنى ينبغي التّعجّب من حالهم حيث لم يقنعوا بان جعلوا له من عباده جزء و جعلوا اخسّ الأولاد له‏ وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا اى بما ضرب الأسماع به حالكونه مثلا و شبيها، أو من حيث كونه صفة و حكاية لحاله فانّ الولد مجانس للوالد و شبيه له و كأنّ التّأدية بهذه العبارة للاشارة الى انّهم لا يقولون انّ اللّه ولد حقيقة بل شبّهوا النّسبة بينه و بين الملائكة أو بين الجنّ بنسبة الوالد و الولد ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ‏ رجل كظيم و مكظوم مكروب، أو هو كاظم لغيظه غير مظهر له أو ساكت‏ أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ الم يتفكّروا و جعلوا من ينشّأو و يربّى في الزّينة ولدا له؟ أو من مبتدء خبر محذوف، أو خبر مبتدء محذوف و المعنى اهو ادنى منكم و من ينشّأو في الزّينة ولد له و من يبارز في المحاربة ولد لكم؟ أو المعنى اهو ادنى منكم و ولده من ينشّأو في الزّينة؟ وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏ لدعواه و حجّته بل في الأغلب يتكلّم حين المخاصمة بما هو حجّة عليه، و قرئ ينشّأو من الثّلاثىّ المجرّد مبنيّا للفاعل، و من التّفعيل و من المفاعلة و من الأفعال مبنيّا للمفعول‏

وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً قرئ عباد الرّحمن و عبيد الرّحمن و عند الرّحمن بالنّون يعنى انّ قولهم الملائكة بنات اللّه متضمّن لقبائح عديدة، الاوّل جعله مركّبا متجزّئا و ليس الّا وصف ادنى الممكنات، و الثّانى نسبة التّوالد اليه و هو يستلزم الاحتياج و وجود المثل له و هو غنىّ على الإطلاق، و لو كان له مثل لكان ممكنا مركّبا، و الثّالث نسبة امر اليه إذا نسب الى أنفسهم تغيّروا و اسودّت وجوههم و هو يستلزم جعله ادنى و أهون من أنفسهم، و الرّابع جعل أضعف الأولاد ولدا له، و الخامس جعل الملائكة الّذين هم مكرمون على اللّه بوصف أرذل النّاس‏ أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ‏ فانّ الانوثة و الذّكورة لا تعلمان الّا بالمشاهدة سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ‏ الّتى شهدوا بها على الملائكة انّهم إناث‏ وَ يُسْئَلُونَ‏ عن هذه الشّهادة يوم القيامة و هو تهديد لهم‏ وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ‏ يعنى انّهم قالوا هذه الكلمة من غير تصوّر لمعناها و من غير علم بنسبتها و لذلك كانوا كاذبين و انّما أرادوا

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 55

بذلك الفرار من قبح عبادة غير اللّه و لم يعلموا انّ فاعليّة المشيّة أو سببيّتها للأشياء ليست بحيث يسلب الاختيار عنهم و يرفع القبح عن فعلهم‏ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ‏ اى من قبل القرآن أو من هذا القول‏ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ‏ يعنى ليس لهم علم تحقيقىّ بمعنى هذا القول و لا علم تقليدىّ و ليس لهم سوى الخرص و الخرص و التّخمين في باب العقائد مطرود عن باب اللّه و قد سبق في سورة الانعام بيان لهذه الآية عند قوله تعالى:

لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا (الآية) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ اى على طريقة و ملّة وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ‏ يعنى انّهم ما علموا تحقيقا و لا علموا تقليدا ممّن يصحّ تقليده بل قلّدوا آباءهم الّذين لا يجوز لهم تقليدهم و لذلك قال في موضع آخر: أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا و لا يهتدون‏ وَ كَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ‏ تسلية له (ص) بانّ هذا كان ديدن النّاس قديما و جديدا و قد كان الأنبياء السّابقون (ع) مبتلين بأمثال هؤلاء، و تخصيص المترفين بالذّكر لانّهم هم الّذين كانوا يعارضون الأنبياء و الأولياء (ع)، و امّا غيرهم فليس نظرهم الّا إليهم‏ قالَ‏ النّذير لهم‏ أَ تقلّدون آباءكم‏ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى‏ مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل: ما قالوا؟ فقال تعالى: قالوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ‏ و لو كان أهدى ممّا وجدنا عليه آباءنا فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ بأنواع النّقم الّتى ذكرنا بعضها لك‏ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ‏ عطف باعتبار المعنى كأنّه قال: اذكر أو ذكّر إذ جعلوا للّه من عباده جزء و جعلوا له بنات حتّى يتنبّهوا بقبحه و اذكر إذ قالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم، و أظهر قبح هذا القول لهم حتّى يتنبّهوا، و اذكر إذ أرسلنا في كلّ قرية نذيرا فكذّبوه فأهلكناهم حتّى تتسلّى عن تكذيبهم، و اذكر إذ قالوا انّا وجدنا آباءنا على أمّة و أظهر قبح هذا القول لهم و اذكر إذ قال إبراهيم‏ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ حتّى يكون أسوة لقومك في التّبرّى عن التّقليد لمن لا يجوز تقليده، و يكون أسوة لهم في التّقليد ان أرادوا التّقليد فانّه جعل التّبرّى عن تقليد من لا يجوز تقليده كلمة باقية في عقبه، و يكون أسوة لك في عدم الاعتناء بالقوم و شدّة إنكارهم، و في إظهار دعوتك و عدم الاعتداد بردّهم و قبولهم‏ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ‏ الى ما هو بغية الإنسان‏ وَ جَعَلَها اى كلمة التّبرّى عن تقليد من لا يجوز تقليده أو جعل كلمة التّوحيد كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏ اى ذرّيّته أو أمّته أو من يأتى في عقبه من ذرّيّته و ذرّيّة أمّته‏ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ من جهلهم الّذى كانوا مفطورين عليه و هؤلاء ممّن أتوا على عقبه فليأخذوا بتلك الكلمة و ليرجعوا من جهلهم و تقليدهم لمن لا يجوز تقليده، و قد فسّر تلك الكلمة الباقية في أخبارنا بالامامة و انّها باقية في عقب الحسين (ع)، و فسّر قوله تعالى لعلّهم يرجعون برجوع الائمّة الى الدّنيا بَلْ‏ ليس بقاؤهم على طريقتهم الباطلة لاعتمادهم على تقليد آباءهم و تمسّكهم به و لكن‏ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ قريشا وَ آباءَهُمْ‏ بالتّمتّعات الحيوانيّة من غير منذر لهم من البلايا و المصائب و من الأنبياء (ع) فسكنوا الى تلك التّمتّعات و اطمأنّوا بها حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ‏ اى الولاية وَ رَسُولٌ مُبِينٌ‏ ظاهر رسالته و صدقه فيها، أو مظهر رسالته‏ وَ لَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ‏ المنذر عمّا اطمأنّوا به و رأوه مخالفا لما تمرّنوا عليه أنكروه و طلبوا ما اسندوا إنكارهم اليه و قالُوا هذا الّذى يدّعى انّه كتاب سماوىّ إلهىّ، أو هذا الّذى يدّعيه من الرّسالة من اللّه، أو هذا الّذى يظهر من خوارق العادات‏ سِحْرٌ وَ إِنَّا بِهِ كافِرُونَ‏

تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج‏4، ص: 56

وَ قالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى‏ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ‏ مكّة و الطّائف‏ عَظِيمٍ‏ لمّا لم يروا عظمة و شرفا الّا ما هو بحسب الانظار الحسّيّة من الشّرافات الدّنيويّة من الحسب و النّسب و الخدم و الحشم و كثرة المال و الأولاد و لم يكن لمحمّد (ص) شي‏ء من ذلك أنكروا نزول الكتاب من اللّه عليه و قالوا: لو كان اللّه ينزل كتابا و يرسل رسولا فليرسل الى رجل شريف عظيم القدر كالوليد بن المغيرة بمكّة و عروة بن مسعود بالطّائف و لينزل الكتاب الى أحدهما، لكنّهم لم يعلموا انّ الرّسالة منصب روحانىّ و الشّرافة الصّوريّة لا تبلغ الرّجل الى ذلك المنصب ان لم تكن تمنعه منه‏

أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ‏ في الاستفهام و اضافة الرّبّ الى محمّد (ص) دونهم انكار و تحقير لهم و استهزاء بهم‏ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعنى انّ معيشتهم الّتى هي من مكسوباتهم و محسوساتهم و لهم بحسب الظّاهر اختيار في تحصيلها لا صنع لهم فيها بل نحن قسمناها بينهم فكيف يقسمون النّبوّة الّتى هي رحمة من اللّه غير محسوسة لهم و لا صنع و لا اختيار لهم فيها وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ‏ في المراتب الدّنيويّة و المناصب الظّاهرة دَرَجاتٍ‏ فكيف نكل هذا المنصب العظيم الى آرائهم‏ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا السّخرىّ اسم مصدر من سخر به و منه، و هكذا السّخريّة و السّخرىّ بكسر السّين، و لعلّه هاهنا من مادّة التّسخير و اسم له بمعنى التّذليل‏ وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏ من الأموال و الأولاد و الاعراض، و

في خبر: الا ترى يا عبد اللّه كيف اغنى واحدا و قبّح صورته و كيف حسّن صورة واحد و أفقره، و كيف شرّف واحدا و أفقره، و كيف اغنى واحدا و وضعه؟! ثمّ ليس لهذا الغنىّ ان يقول: هلّا أضيف الى يساري جمال فلان، و لا للجميل ان يقول: هلّا أضيف الى جمالي مال فلان، و لا للشّريف ان يقول: هلّا أضيف الى شرفى مال فلان، و لا للوضيع ان يقول: هلّا أضيف الى ضعتى شرف فلان، و لكنّ الحكم للّه يقسم كيف يشاء و هو حكيم في أفعاله كما هو محمود في اعماله، و ذلك قوله تعالى: و قالوا: لو لا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‏

، قال اللّه تعالى: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ‏ يا محمّد نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فأحوجنا بعضهم الى بعض، أحوج هذا الى مال ذلك، و أحوج ذلك الى سلعة هذا و الى خدمته فترى اجلّ الملوك و اغنى الأغنياء محتاجا الى أفقر الفقراء في ضرب من الضّروب امّا سلعة معه ليست معه و امّا خدمة تصلح لما لا يتهيّأ لذلك الملك ان يستغنى الّا به، و امّا باب من العلوم و الحكم هو فقير الى ان يستفيدها من ذلك الفقير و هذا الفقير محتاج الى مال ذلك الملك الغنىّ، و ذلك الملك يحتاج الى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته، ثمّ ليس للملك ان يقول: هلّا اجتمع الى مالي علم هذا الفقير، و لا للفقير ان يقول: هلّا اجتمع الى رأيى و علمي و ما أتصرّف فيه من فنون الحكم مال هذا الملك الغنىّ‏ وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً اى لو لا كراهة ذلك‏ لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ بالتّوسعة في أموالهم حتّى يجعلوا سقف بيوتهم فضّة وَ مَعارِجَ‏ من فضّة عَلَيْها يَظْهَرُونَ‏ السّطوح‏ وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً من فضّة عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَ زُخْرُفاً زينة من غير ذلك يعنى لو لا ان يكونوا كلّهم كفّارا لجعلنا ذلك لانّ الكافر مخذول منّا و مكروه لنا و لم نرد منه توجّهه إلينا، و لو لا مراعاة حال من في وجوده استعداد الايمان لوسّعنا عليه في دنياه بحيث لا يغتمّ آنا بشي‏ء من دنياه حتّى لا يتوجّه إلينا و لكن لمراعاة حال المستعدّين للايمان جعلنا في الكفّار غنى و فقرا كما انّ في المؤمنين غنى و فقرا، و

عن الصّادق (ع) قال اللّه عزّ و جلّ: لو لا ان يجد عبدي المؤمن في نفسه‏ «1» لعصّبت الكافر بعصابة من ذهب‏

، و

عن النّبىّ (ص): يا معشر المساكين طيبوا و أعطوا اللّه الرّضا من قلوبكم يثبّتكم اللّه عزّ و جلّ على فقركم فان‏

صفحه بعد