کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن

الجزء الأول

الفصل الأول في فضل القرآن الكريم و تلاوته، و تعلمه، و تعليمه الفصل الثاني في كيفية التلاوة لكتاب الله تعالى، و ما يكره منها، و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك الفصل الثالث في تحذير أهل القرآن و العلم من الرياء، و غيره الفصل الرابع في ذكر ما ينبغي لصاحب القرآن أن يلزم نفسه به، و لا يغفل عنه الفصل الخامس في ما جاء في إعراب القرآن، و تعليمه، و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا الفصل السادس فيما جاء في فضل تفسير القرآن، و أهله الفصل السابع في بيان مبدأ التفسير، و وضعه الفصل التاسع في بيان ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه الفصل العاشر في بيان ما يلزم قارى‏ء القرآن، و حامله من تعظيم القرآن و حرمته الفصل الحادي عشر في بيان الكتاب بالسنة الفصل الثاني عشر في بيان كيفية التعلم، و الفقه لكتاب الله، و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم. و ما جاء أنه يسهل على من تقدم العمل به، دون حفظه الفصل الثالث عشر في معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم:«إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» الفصل الرابع عشر في ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف، و إحراقه ما سواه، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة - رضي الله عنهم - في زمن النبي صلى الله عليه و سلم الفصل السادس عشر في عدد آي القرآن، و كلماته، و حروفه الفصل السابع عشر في أجزائه، و أحزابه، و أرباعه، و أنصافه، و أثلاثه، و أسباعه الفصل الثامن عشر في تعشيره و تخميسه، و الكتابة في فواتح السور، أو خواتمها، و وضع النقط في منتهى الآية، و غير ذلك الفصل التاسع عشر في بيان أول من وضع النقط، و الشكل، و الشدة، و المدة، و الهمزة، و علامة الغنة في المصاحف، و أول من وضع النحو، و جعل الإعراب فيها الفصل العشرون في تفصيل حروف القرآن، كم فيه من الحروف الفلانية الفصل الحادي و العشرون في بيان معنى القرآن، و معنى السورة، و الكلمة، و الحرف الفصل الثاني و العشرون في بيان معنى النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي، و أقسامه، و شرائطه، و الرد على من أنكره، و بيان معنى الناسخ، و المنسوخ، و غير ذلك الفصل الثالث و العشرون في تقسيم السور باعتبار الناسخ، و المنسوخ الفصل الرابع و العشرون في ذكر جملة الإعراض عن المشركين المنسوخ بآية السيف. الفصل الخامس و العشرون في بيان قواعد أصولية لأسباب النزول الفصل السادس و العشرون في التنبيه على أحاديث وضعت في فضائل سور القرآن، و غيره، لا التفات لما وضعه الواضعون، و اختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة، و الأخبار الباطلة في فضل سور القرآن، و غير ذلك من فضائل الأعمال، و قد ارتكبها جماعة كثيرة اختلفت أغرا الفصل السابع و العشرون في بيان ما جاء من الحجة، في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة، و النقصان الفصل الثامن و العشرون في بيان هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب، أم لا؟ الفصل التاسع و العشرون في بيان بعض نكات في إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة، و حقيقتها الفصل الثلاثون في تقسيم المعجزات الفهرس مقدمة مقدمة في مبادى‏ء فن التفسير

سورة البقرة

فائدة:

المجلد التاسع

استهلال:

تابع إلى سورة الأنعام:

[سورة الأنعام(6): الآيات 145 الى 153]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

سورة الأعراف

المناسبة: و مناسبة ذكرها بعد سورة الأنعام الناسخ و المنسوخ:

[سورة الأعراف(7): الآيات 1 الى 18]

[سورة الأعراف(7): الآيات 31 الى 43]

المناسبة أسباب النزول الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: التكرار في قوله: يا بني آدم و منها: المجاز المرسل في قوله: عند كل مسجد و منها: الجناس المغاير بين و لا تسرفوا و بين المسرفين و منها: الطباق بين ظهر و بطن في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الظرفية المجازية في قوله: ادخلوا في أمم و منها: عطف العام على الخاص في قوله: و الإثم و منها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به و منها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: سلطانا و منها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ما ظهر منها و ما بطن و منها: الطباق بين لا يستأخرون.. و لا يستقدمون و منها: الاعتراض في قوله: لا نكلف نفسا إلا وسعها و منها: التهكم في قوله: فذوقوا العذاب و منها: الكناية في قوله: لا تفتح لهم أبواب السماء و منها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: و منها: المجاز المرسل في قوله: و منها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: أن تلكم الجنة و منها: الاستعارة في قوله: لهم من جهنم مهاد و من فوقهم غواش و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع

[سورة الأعراف(7): الآيات 44 الى 58]

المناسبة الإعراب التصريف و مفردات اللغة

البلاغة

فمنها: المقابلة في قوله: و نادى أصحاب الجنة أصحاب النار و منها: المشاكلة في قوله: ما وعد ربكم و منها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: فأذن مؤذن و منها: الاستعارة التصريحية في قوله: حرمهما و منها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: و منها: الالتفات في قوله: سقناه لبلد ميت و منها: التتميم في قوله: و البلد الطيب... و منها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: و منها: الكناية في قوله: بإذن ربه و منها: الطباق بين قوله: و البلد الطيب و قوله: و الذي خبث و منها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: كذلك نخرج الموتى و منها: إيجاز القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر و منها: الاكتفاء في قوله: يغشي الليل النهار و منها: التكرار في قوله: و نادى و نادى و منها: جناس الاشتقاق في قوله: من شفعاء فيشفعوا لنا و منها: الجناس المماثل في قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا و منها: الاستفهام التوبيخي في مواضع و منها: الإنكاري في قوله: هل ينظرون إلا تأويله و منها: الإضافة للتشريف في قوله: رسل ربنا و منها: الزيادة و الحذف في عدة مواضع و منها: القصر في قوله: ألا له الخلق و الأمر

[سورة الأعراف(7): الآيات 59 الى 74]

المناسبة الإعراب

المجلد العاشر

تتمة سورة الأعراف

خاتمة في خلاصة ما اشتملت عليه هذه السورة من الموضوعات شعر الفهرس

المجلد السادس عشر

سورة الإسراء

شعر الفهرس

المجلد الرابع و العشرون

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن


صفحه قبل

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 178

من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين و سبعين فرقة، و إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث و سبعين، اثنتان و سبعون في النار، و واحدة في الجنة، و هي الجماعة» زاد في رواية: «و إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق و لا مفصل إلا دخلته». أخرجه أبو داود.

و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين و سبعين ملة، و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة»، قالوا: من هي يا رسول اللّه؟ قال: «من كان على ما أنا عليه و أصحابي». أخرجه الترمذي.

قال الخطابي: في هذا الحديث دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة عن الملة و الدين؛ إذ جعلهم من أمته.

مَنْ جاءَ ربه يوم القيامة (ب) الخصلة (الحسنة) و الأعمال الصالحة من خصال الطاعات التي فعلها، و قلبه مطمئن بالإيمان‏ فَلَهُ‏ ؛ أي: فلذلك العامل عنده تعالى‏ عَشْرُ حسنات‏ أَمْثالِها ؛ أي: جوزي عليها بعشر حسنات أمثالها فضلا من اللّه سبحانه و تعالى و كرما منه، و هذا استئناف لبيان قدر جزاء العاملين، و التقييد بالعشرة؛ لأنه أقل مراتب التضعيف، و إلا فقد جاء الوعد به إلى سبعين، و إلى سبع مئة، و إلى أنه بغير حساب، إذ قد وعد بالمضاعفة دون قيد في قوله:

إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) و وعد بمضاعفة كثيرة في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً و وعد بالمضاعفة إلى سبع مئة ضعف في قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) .

في هذا إشارة إلى تفاوت المنفقين و غيرهم من المحسنين في الصفات النفسية كالإخلاص في النية، و الاحتساب عند اللّه، و الإخفاء سترا على المعطي، و تباعدا من الشهرة، و الإبداء لحسن القدوة، و تحري المنافع و المصالح، و ما

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 179

يقابل ذلك من الصفات الرذيلة كالرياء، و حب الشهرة الباطلة، و المن و الأذى.

و الحاصل:

أن العشرة تعطى لكل من أتى بالحسنة، و المضاعفة فوقها تختلف بحسب مشيئته تعالى بما يعلم من أحوال المحسنين، فمن بذل الدرهم و نفسه كئيبة على فقده .. لا تكون حاله كمن يبذله طيبة به نفسه، مسرورة بتوفيق اللّه تعالى على عمل الخير، و نيل ثواب الآخرة، و اعلم أن المضاعفة تابعة للإخلاص، فكل من عظم إخلاصه .. كانت مضاعفة حسناته أكثر وَ مَنْ جاءَ ربه يوم القيامة (ب) الخصلة (السيئة) و الأعمال القبيحة فَلا يُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها من دون زيادة عليها على قدرها في الخفة و العظم، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار، و فاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات، كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرحة بأن من عمل كذا فعليه كذا، و ما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب .. فعلينا أن نقول: يجازيه اللّه بمثله و إن لم نقف على حقيقة ما يجازى به، و هذا إن لم يتب. أما إذا تاب، أو غلبت حسناته سيئاته، أو تغمده برحمته و تفضل عليه بمغفرته .. فلا مجازاة، و أدلة الكتاب و السنة مصرحة بهذا تصريحا لا يبقى معه ريب لمرتاب. وَ هُمْ‏ ؛ أي: عاملوا الحسنات و عاملوا السيئات‏ لا يُظْلَمُونَ‏ بنقص ثواب حسنات المحسنين، و لا بزيادة عقوبات المسيئين، فالزيادة في الحسنات من باب الفضل، و المجازاة بالمثل في السيئات من باب العدل. أي: أن كلا الفريقين فاعلي الحسنات، و فاعلي السيئات لا يظلم يوم الجزاء، لا من اللّه- لأنه منزه عن الظلم عقلا و نقلا، فقد روى مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فيما يرويه عن ربه إنه قال: «يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما، فلا تظالموا» الحديث- و لا من غيره؛ إذ لا سلطان لأحد من خلقه، و لا كسب في ذلك اليوم يمكنه من الظلم، كما يفعل الأقوياء الأشرار في الدنيا بالضعفاء.

فصل في الأحاديث المناسبة للآية

عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، و كل سيئة

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 180

يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى اللّه تعالى» متفق عليه.

و عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يقول اللّه تبارك و تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و أزيد، و من جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر، و من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، و من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، و من أتاني يمشي أتيته هرولة، و من لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئا .. لقيته بمثلها مغفرة». أخرجه مسلم.

و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: يقول اللّه تبارك و تعالى: «و إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، و إن تركها من أجلي .. فاكتبوها له حسنة، و إذا أراد أن يعمل حسنة، فلم يعملها .. فاكتبوها له حسنة، فإن عملها .. فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مئة». متفق عليه. هذا لفظ البخاري.

و في لفظ مسلم عن محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «قال اللّه تبارك و تعالى: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة .. فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها ..

فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، و إذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة .. فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها .. فأنا أكتبها له بمثلها»، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قالت الملائكة: رب ذاك عبد يريد أن يعمل سيئة و هو أبصر به، فقال: أرقبوه، فإن عملها .. فاكتبوها له بمثلها، و إن تركها .. فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرّاي» «1» زاد الترمذي: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها .

و قرأ الحسن و ابن جبير و عيسى بن عمر و الأعمش و يعقوب و القزاز عن عبد الوارث‏ «2» : عشرٌ- بالتنوين- أمثالُها بالرفع على أنه صفة ل عشر.

قُلْ‏ يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين لك من قومك و من سائر البشر إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي‏ ؛ أي: إن ربي الذي رباني بالوحي هداني و أرشدني بما أوحاه إلي بفضله‏ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ و طريق قويم لا عوج فيه و لا انحراف، و لا اشتباه‏

(1) من جرّاي: خوفا منّي.

(2) البحر المحيط.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 181

يهدي سالكه إلى سعادة الدنيا و الآخرة، و هو الذي يدعوكم إلى طلبه منه حين تناجونه، فتقولون: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، و عرفني‏ دِيناً قِيَماً ؛ أي: دينا صادقا ثابتا قويما مصلحا يستقيم به أمور الناس في معاشهم و معادهم، و به يصلحون.

قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو «1» : قيّما بوزن سيد- بفتح القاف و كسر الياء المشددة-: فيعل من قام؛ كسيد من ساد، و هو أبلغ من قائم. و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائي‏ قِيَماً - بكسر القاف و تخفيف الياء- و هو مصدر كالصغر و الكبر، و الحول و الشبع وصف به مبالغة؛ أي: دينا ذا قيم؛ أي:

صدق، و كان أصله أن يأتي بالواو، فيقول: قوما كما قالوا: عوض و حول، و لكنه شذّ عن القياس.

الزموا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ‏ ؛ أي: دينه و شريعته و ما أوحي به إليه من الحنيفية السمحة حالة كون إبراهيم‏ حَنِيفاً ؛ أي: مائلا من الأديان الباطلة إلى الدين المستقيم‏ وَ حالة كون إبراهيم أيضا ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ باللّه يا معشر قريش؛ أي إنه منزه من الشرك و ما عليه المبطلون و فيه تكذيب لأهل مكة القائلين: إنهم على ملة إبراهيم، و هم يعتقدون أن الملائكة بنات اللّه، و لليهود الذين يقولون: عزير ابن اللّه، و للنصارى القائلين: إن عيسى ابن اللّه، و هذا كقوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) .

و هذا الدين هو دين الإخلاص للّه وحده، و هو الدين الذي بعث به جميع رسله، و قرره في جميع كتبه، و جعله ملة إبراهيم؛ لأنه هو النبي الذي أجمع على الاعتراف بفضله و صحة دينه مشركوا العرب و أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و كانت قريش و من لف لفها من العرب يسمون أنفسهم الحنفاء مدعين أنهم على ملة إبراهيم، و هكذا فعل أهل الكتاب حين ادعوا اتباعه و اتباع موسى و عيسى‏

(1) زاد المسير.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 182

عليهما السلام، كما قال: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) .

قُلْ‏ يا محمد لهؤلاء المشركين‏ إِنَّ صَلاتِي‏ المفروضة علي و على أمتي التي أعبد بها ربي، و كذا الصلاة المستحبة؛ لأن المراد بالصلاة ما يشمل المفروض منها و المستحب‏ وَ نُسُكِي‏ ؛ أي: جميع أنواع عبادتي من صوم و حج و زكاة و غيرها من سائر العبادات، فعطفه على ما قبله على هذا التفسير من عطف العام على الخاص، أو حجي و عمرتي. و كثر استعماله في عبادة الحج، أو ذبيحتي التي أذبح بها في الحج، أو في غيره؛ أي: إن صلاتي و نسكي مخلصان للّه لا شركة لغيره فيهما وَ إن‏ مَحْيايَ‏ ؛ أي: حياتي، أو ما أوتيته في حياتي من العمل الصالح و النعم‏ وَ مَماتِي‏ ؛ أي: وفاتي، أو ما أموت عليه من الإيمان، و قيل: معناه أن طاعتي في حياتي للّه، و جزائي بعد مماتي من اللّه؛ أي:

كلاهما منسوبان‏ لِلَّهِ‏ سبحانه و تعالى خلقا و إيجادا رَبِّ الْعالَمِينَ‏ ؛ أي: معبود العالمين و خالقهم و مالكهم.

و حاصل هذا الكلام‏

«1» : أن اللّه سبحانه و تعالى أمر رسوله أن يبين للمشركين و يخبرهم أن صلاته و نسكه و سائر عبادته و حياته و موته كلها مخلصة للّه، و واقعة بخلق اللّه و قضائه و قدره، فهو مخالف لهم في عبادة الأصنام و ذبحهم لها لا شَرِيكَ لَهُ‏ سبحانه و تعالى في شي‏ء من ذلك من الصلاة و النسك، و المحيا و الممات في الخلق و التقدير.

و قرأ الحسن و أبو حيوة «2» : نسكي بإسكان السين، و قرأ الباقون بضمها، و قرأ نافع: محياي: بسكون الياء، و قرأ الباقون بفتحها؛ لئلا يجتمع ساكنان.

قال النحاس: لم يجزه؛- أي: السكون- أحد من النحويين إلا يونس، و إنما أجازه؛ لأن المدة التي في الألف تقوم مقام الحركة. قال أبو حيان: و ما روي عن نافع من سكون يا المتكلم في محياي هو جمع بين ساكنين أجري الوصل‏

(1) الخازن.

(2) البحر المحيط و الشوكاني.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 183

فيه مجرى الوقف، و الأحسن في العربية الفتح. قال أبو علي: هي شاذة في القياس؛ لأنها جمعت بين ساكنين، و شاذة في الاستعمال.

و روى أبو خالد عن نافع و محياي- بكسر الياء-، و قرأ ابن إسحاق و عيسى بن عمرو الجحدري: و محيي- من غير ألف- على لغة هذيل؛ و هي لغة عليا مضر، و منه قول الشاعر:

سبقوا هويّ و أعنقوا لهواهم‏

فتخرّموا و لكلّ جنب مصرع‏

و قرأ عيسى بن عمر: صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي‏ - بفتح الياء-، و روي ذلك عن عاصم.

لا شَرِيكَ لَهُ‏ سبحانه و تعالى في شي‏ء من ذلك من الصلاة و النسك و المحيا و الممات، و لا شريك له في الخلق و القضاء و القدر و سائر أفعاله لا يشاركه فيها أحد من خلقه‏ وَ قل لهم يا محمد بِذلِكَ‏ التوحيد أو الإخلاص‏ أُمِرْتُ‏ ؛ أي: أمرني ربي‏ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏ من هذه الأمة؛ لأن إسلام كل نبي سابق على إسلام أمته؛ لأنهم منه يأخذون شريعته. قاله قتادة؛ أي: و أنا أول من أقر بالوحدانية، و أذعن و خضع للّه سبحانه و تعالى، و أخلص في التوحيد و العبادة للّه من هذه الأمة، و قيل معناه: و أنا أول المستسلمين لقضائه و قدره تعالى.

و المراد «1» من كون محياه و مماته للّه تعالى أنه قد وجه وجهه، و حصر نيته و عزمه في حبس حياته لطاعته و مرضاته، و بذلها في سبيله، فيموت على ذلك كما يعيش، و الآية جامعة لكل الأعمال الصالحة التي هي غرض المؤمن الموحد من حياته و ذخيرته لمماته، و يكون فيها الإخلاص للّه رب العالمين، فينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه على أن تكون حياته للّه و مماته للّه، فيتحرى الخير و الصلاح، و الإصلاح في كل عمل من أعماله، و يطلب الكمال في ذلك لنفسه رجاء أن يموت ميتة ترضي ربه، و لا يحرص على الحياة لذاتها، فلا يرهب الموت فيمتنع من الجهاد في سبيل اللّه، كما أن عليه أن يقيم ميزان العدل، فيأخذ على أيدي أهل الجور،

(1) المراغي.

تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج‏9، ص: 184

و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر.

و أفرد «1» الصلاة بالذكر مع دخولها في النسك؛ لأن روحها- و هو الدعاء، و تعظيم المعبود، و توجيه القلب إليه و الخوف منه- مما يقع فيه الشرك.

و الخلاصة:

أنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلا للّه رب العباد و خالقهم، فمن توجه إليه و إلى غيره من عباده المكرمين، أو إلى غيرهم مما يستعظم من خلقه ..

كان مشركّا، فاللّه لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.

و معنى‏ لا شَرِيكَ لَهُ‏ ؛ أي: لا شريك له في ألوهيته، فيستحق أن يشركه في العبادة و يتوجه إليه معه للتأثير في عبادته، و بذلك أمرني ربي، و أنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال ما أمره به، و ترك ما نهى عنه. و في هذا بيان إجمالي لتوحيد الألوهية بالعمل بعد بيان أصل التوحيد في العقيدة، ثم انتقل إلى برهانه الأعلى، و هو توحيد الربوبية بما أمره به، فقال: قُلْ‏ يا محمد لهؤلاء المشركين توبيخا لهم و إنكارا عليهم‏ أَ غَيْرَ اللَّهِ‏ الذي خلق الخلق و رباهم‏ أَبْغِي‏ و أطلب‏ رَبًّا آخر أشركه في عبادتي له بدعائه و التوجه إلى لينفعني، أو يمنع الضر عني، أو ليقربني إليه زلفى؛ أي: هل أطلب ربا و مالكا و إلها غير اللّه سبحانه و تعالى أعبده و أتخذه إلها و معبودا؟ وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ ؛ أي: و الحال أنه سبحانه و تعالى رب كل شي‏ء مما عبد، و مما لم يعبد، و مالكه و خالقه، فكيف يليق بي أن أتخذ إلها غير اللّه؟ فهو الذي خلق الملائكة و المسيح، و الشمس و القمر، و الكواكب و الأصنام، كما قال: وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ‏ (96) و إذا كان هو الخالق و المدبر، فكيف أسفه نفسي، و أكفر بربي بجعل المخلوق المربوب مثلي ربا لي، و جميع المشركين يعترفون بأن معبوداتهم مخلوقة للّه رب العالمين و خالق الخلق أجمعين.

و المعنى: أي‏ «2» لا أطلب إلها غيره و لا أتوكل إلا عليه، فهو رب كل شي‏ء

(1) المراغي.

صفحه بعد