کتابخانه تفاسیر
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 178
من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين و سبعين فرقة، و إن هذه الأمة ستفترق على ثلاث و سبعين، اثنتان و سبعون في النار، و واحدة في الجنة، و هي الجماعة» زاد في رواية: «و إنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق و لا مفصل إلا دخلته». أخرجه أبو داود.
و عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين و سبعين ملة، و ستفترق أمتي على ثلاث و سبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة»، قالوا: من هي يا رسول اللّه؟ قال: «من كان على ما أنا عليه و أصحابي». أخرجه الترمذي.
قال الخطابي: في هذا الحديث دلالة على أن هذه الفرق غير خارجة عن الملة و الدين؛ إذ جعلهم من أمته.
مَنْ جاءَ ربه يوم القيامة (ب) الخصلة (الحسنة) و الأعمال الصالحة من خصال الطاعات التي فعلها، و قلبه مطمئن بالإيمان فَلَهُ ؛ أي: فلذلك العامل عنده تعالى عَشْرُ حسنات أَمْثالِها ؛ أي: جوزي عليها بعشر حسنات أمثالها فضلا من اللّه سبحانه و تعالى و كرما منه، و هذا استئناف لبيان قدر جزاء العاملين، و التقييد بالعشرة؛ لأنه أقل مراتب التضعيف، و إلا فقد جاء الوعد به إلى سبعين، و إلى سبع مئة، و إلى أنه بغير حساب، إذ قد وعد بالمضاعفة دون قيد في قوله:
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17) و وعد بمضاعفة كثيرة في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً و وعد بالمضاعفة إلى سبع مئة ضعف في قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) .
في هذا إشارة إلى تفاوت المنفقين و غيرهم من المحسنين في الصفات النفسية كالإخلاص في النية، و الاحتساب عند اللّه، و الإخفاء سترا على المعطي، و تباعدا من الشهرة، و الإبداء لحسن القدوة، و تحري المنافع و المصالح، و ما
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 179
يقابل ذلك من الصفات الرذيلة كالرياء، و حب الشهرة الباطلة، و المن و الأذى.
و الحاصل:
أن العشرة تعطى لكل من أتى بالحسنة، و المضاعفة فوقها تختلف بحسب مشيئته تعالى بما يعلم من أحوال المحسنين، فمن بذل الدرهم و نفسه كئيبة على فقده .. لا تكون حاله كمن يبذله طيبة به نفسه، مسرورة بتوفيق اللّه تعالى على عمل الخير، و نيل ثواب الآخرة، و اعلم أن المضاعفة تابعة للإخلاص، فكل من عظم إخلاصه .. كانت مضاعفة حسناته أكثر وَ مَنْ جاءَ ربه يوم القيامة (ب) الخصلة (السيئة) و الأعمال القبيحة فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها من دون زيادة عليها على قدرها في الخفة و العظم، فالمشرك يجازى على سيئة الشرك بخلوده في النار، و فاعل المعصية من المسلمين يجازى عليها بمثلها مما ورد تقديره من العقوبات، كما ورد بذلك كثير من الأحاديث المصرحة بأن من عمل كذا فعليه كذا، و ما لم يرد لعقوبته تقدير من الذنوب .. فعلينا أن نقول: يجازيه اللّه بمثله و إن لم نقف على حقيقة ما يجازى به، و هذا إن لم يتب. أما إذا تاب، أو غلبت حسناته سيئاته، أو تغمده برحمته و تفضل عليه بمغفرته .. فلا مجازاة، و أدلة الكتاب و السنة مصرحة بهذا تصريحا لا يبقى معه ريب لمرتاب. وَ هُمْ ؛ أي: عاملوا الحسنات و عاملوا السيئات لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب حسنات المحسنين، و لا بزيادة عقوبات المسيئين، فالزيادة في الحسنات من باب الفضل، و المجازاة بالمثل في السيئات من باب العدل. أي: أن كلا الفريقين فاعلي الحسنات، و فاعلي السيئات لا يظلم يوم الجزاء، لا من اللّه- لأنه منزه عن الظلم عقلا و نقلا، فقد روى مسلم من حديث أبي ذر عن النبي صلى اللّه عليه و سلم فيما يرويه عن ربه إنه قال: «يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرما، فلا تظالموا» الحديث- و لا من غيره؛ إذ لا سلطان لأحد من خلقه، و لا كسب في ذلك اليوم يمكنه من الظلم، كما يفعل الأقوياء الأشرار في الدنيا بالضعفاء.
فصل في الأحاديث المناسبة للآية
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «إذا أحسن أحدكم إسلامه، فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، و كل سيئة
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 180
يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى اللّه تعالى» متفق عليه.
و عن أبي ذر رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «يقول اللّه تبارك و تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها و أزيد، و من جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر، و من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، و من تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، و من أتاني يمشي أتيته هرولة، و من لقيني بقراب الأرض خطيئة بعد أن لا يشرك بي شيئا .. لقيته بمثلها مغفرة». أخرجه مسلم.
و عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: يقول اللّه تبارك و تعالى: «و إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، و إن تركها من أجلي .. فاكتبوها له حسنة، و إذا أراد أن يعمل حسنة، فلم يعملها .. فاكتبوها له حسنة، فإن عملها .. فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مئة». متفق عليه. هذا لفظ البخاري.
و في لفظ مسلم عن محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «قال اللّه تبارك و تعالى: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة .. فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها ..
فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، و إذا تحدث عبدي بأن يعمل سيئة .. فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها .. فأنا أكتبها له بمثلها»، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قالت الملائكة: رب ذاك عبد يريد أن يعمل سيئة و هو أبصر به، فقال: أرقبوه، فإن عملها .. فاكتبوها له بمثلها، و إن تركها .. فاكتبوها له حسنة، فإنما تركها من جرّاي» «1» زاد الترمذي: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها .
و قرأ الحسن و ابن جبير و عيسى بن عمر و الأعمش و يعقوب و القزاز عن عبد الوارث «2» : عشرٌ- بالتنوين- أمثالُها بالرفع على أنه صفة ل عشر.
قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين لك من قومك و من سائر البشر إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي ؛ أي: إن ربي الذي رباني بالوحي هداني و أرشدني بما أوحاه إلي بفضله إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ و طريق قويم لا عوج فيه و لا انحراف، و لا اشتباه
(1) من جرّاي: خوفا منّي.
(2) البحر المحيط.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 181
يهدي سالكه إلى سعادة الدنيا و الآخرة، و هو الذي يدعوكم إلى طلبه منه حين تناجونه، فتقولون: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، و عرفني دِيناً قِيَماً ؛ أي: دينا صادقا ثابتا قويما مصلحا يستقيم به أمور الناس في معاشهم و معادهم، و به يصلحون.
قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو «1» : قيّما بوزن سيد- بفتح القاف و كسر الياء المشددة-: فيعل من قام؛ كسيد من ساد، و هو أبلغ من قائم. و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائي قِيَماً - بكسر القاف و تخفيف الياء- و هو مصدر كالصغر و الكبر، و الحول و الشبع وصف به مبالغة؛ أي: دينا ذا قيم؛ أي:
صدق، و كان أصله أن يأتي بالواو، فيقول: قوما كما قالوا: عوض و حول، و لكنه شذّ عن القياس.
الزموا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ ؛ أي: دينه و شريعته و ما أوحي به إليه من الحنيفية السمحة حالة كون إبراهيم حَنِيفاً ؛ أي: مائلا من الأديان الباطلة إلى الدين المستقيم وَ حالة كون إبراهيم أيضا ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ باللّه يا معشر قريش؛ أي إنه منزه من الشرك و ما عليه المبطلون و فيه تكذيب لأهل مكة القائلين: إنهم على ملة إبراهيم، و هم يعتقدون أن الملائكة بنات اللّه، و لليهود الذين يقولون: عزير ابن اللّه، و للنصارى القائلين: إن عيسى ابن اللّه، و هذا كقوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125) .
و هذا الدين هو دين الإخلاص للّه وحده، و هو الدين الذي بعث به جميع رسله، و قرره في جميع كتبه، و جعله ملة إبراهيم؛ لأنه هو النبي الذي أجمع على الاعتراف بفضله و صحة دينه مشركوا العرب و أهل الكتاب من اليهود و النصارى، و كانت قريش و من لف لفها من العرب يسمون أنفسهم الحنفاء مدعين أنهم على ملة إبراهيم، و هكذا فعل أهل الكتاب حين ادعوا اتباعه و اتباع موسى و عيسى
(1) زاد المسير.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 182
عليهما السلام، كما قال: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) .
قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين إِنَّ صَلاتِي المفروضة علي و على أمتي التي أعبد بها ربي، و كذا الصلاة المستحبة؛ لأن المراد بالصلاة ما يشمل المفروض منها و المستحب وَ نُسُكِي ؛ أي: جميع أنواع عبادتي من صوم و حج و زكاة و غيرها من سائر العبادات، فعطفه على ما قبله على هذا التفسير من عطف العام على الخاص، أو حجي و عمرتي. و كثر استعماله في عبادة الحج، أو ذبيحتي التي أذبح بها في الحج، أو في غيره؛ أي: إن صلاتي و نسكي مخلصان للّه لا شركة لغيره فيهما وَ إن مَحْيايَ ؛ أي: حياتي، أو ما أوتيته في حياتي من العمل الصالح و النعم وَ مَماتِي ؛ أي: وفاتي، أو ما أموت عليه من الإيمان، و قيل: معناه أن طاعتي في حياتي للّه، و جزائي بعد مماتي من اللّه؛ أي:
كلاهما منسوبان لِلَّهِ سبحانه و تعالى خلقا و إيجادا رَبِّ الْعالَمِينَ ؛ أي: معبود العالمين و خالقهم و مالكهم.
و حاصل هذا الكلام
«1» : أن اللّه سبحانه و تعالى أمر رسوله أن يبين للمشركين و يخبرهم أن صلاته و نسكه و سائر عبادته و حياته و موته كلها مخلصة للّه، و واقعة بخلق اللّه و قضائه و قدره، فهو مخالف لهم في عبادة الأصنام و ذبحهم لها لا شَرِيكَ لَهُ سبحانه و تعالى في شيء من ذلك من الصلاة و النسك، و المحيا و الممات في الخلق و التقدير.
و قرأ الحسن و أبو حيوة «2» : نسكي بإسكان السين، و قرأ الباقون بضمها، و قرأ نافع: محياي: بسكون الياء، و قرأ الباقون بفتحها؛ لئلا يجتمع ساكنان.
قال النحاس: لم يجزه؛- أي: السكون- أحد من النحويين إلا يونس، و إنما أجازه؛ لأن المدة التي في الألف تقوم مقام الحركة. قال أبو حيان: و ما روي عن نافع من سكون يا المتكلم في محياي هو جمع بين ساكنين أجري الوصل
(1) الخازن.
(2) البحر المحيط و الشوكاني.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 183
فيه مجرى الوقف، و الأحسن في العربية الفتح. قال أبو علي: هي شاذة في القياس؛ لأنها جمعت بين ساكنين، و شاذة في الاستعمال.
و روى أبو خالد عن نافع و محياي- بكسر الياء-، و قرأ ابن إسحاق و عيسى بن عمرو الجحدري: و محيي- من غير ألف- على لغة هذيل؛ و هي لغة عليا مضر، و منه قول الشاعر:
سبقوا هويّ و أعنقوا لهواهم
فتخرّموا و لكلّ جنب مصرع
و قرأ عيسى بن عمر: صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي - بفتح الياء-، و روي ذلك عن عاصم.
لا شَرِيكَ لَهُ سبحانه و تعالى في شيء من ذلك من الصلاة و النسك و المحيا و الممات، و لا شريك له في الخلق و القضاء و القدر و سائر أفعاله لا يشاركه فيها أحد من خلقه وَ قل لهم يا محمد بِذلِكَ التوحيد أو الإخلاص أُمِرْتُ ؛ أي: أمرني ربي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من هذه الأمة؛ لأن إسلام كل نبي سابق على إسلام أمته؛ لأنهم منه يأخذون شريعته. قاله قتادة؛ أي: و أنا أول من أقر بالوحدانية، و أذعن و خضع للّه سبحانه و تعالى، و أخلص في التوحيد و العبادة للّه من هذه الأمة، و قيل معناه: و أنا أول المستسلمين لقضائه و قدره تعالى.
و المراد «1» من كون محياه و مماته للّه تعالى أنه قد وجه وجهه، و حصر نيته و عزمه في حبس حياته لطاعته و مرضاته، و بذلها في سبيله، فيموت على ذلك كما يعيش، و الآية جامعة لكل الأعمال الصالحة التي هي غرض المؤمن الموحد من حياته و ذخيرته لمماته، و يكون فيها الإخلاص للّه رب العالمين، فينبغي للمؤمن أن يوطن نفسه على أن تكون حياته للّه و مماته للّه، فيتحرى الخير و الصلاح، و الإصلاح في كل عمل من أعماله، و يطلب الكمال في ذلك لنفسه رجاء أن يموت ميتة ترضي ربه، و لا يحرص على الحياة لذاتها، فلا يرهب الموت فيمتنع من الجهاد في سبيل اللّه، كما أن عليه أن يقيم ميزان العدل، فيأخذ على أيدي أهل الجور،
(1) المراغي.
تفسير حدائق الروح و الريحان فى روابى علوم القرآن، ج9، ص: 184
و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر.
و أفرد «1» الصلاة بالذكر مع دخولها في النسك؛ لأن روحها- و هو الدعاء، و تعظيم المعبود، و توجيه القلب إليه و الخوف منه- مما يقع فيه الشرك.
و الخلاصة:
أنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلا للّه رب العباد و خالقهم، فمن توجه إليه و إلى غيره من عباده المكرمين، أو إلى غيرهم مما يستعظم من خلقه ..
كان مشركّا، فاللّه لا يقبل من العبادة إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم.
و معنى لا شَرِيكَ لَهُ ؛ أي: لا شريك له في ألوهيته، فيستحق أن يشركه في العبادة و يتوجه إليه معه للتأثير في عبادته، و بذلك أمرني ربي، و أنا أول المسلمين المنقادين إلى امتثال ما أمره به، و ترك ما نهى عنه. و في هذا بيان إجمالي لتوحيد الألوهية بالعمل بعد بيان أصل التوحيد في العقيدة، ثم انتقل إلى برهانه الأعلى، و هو توحيد الربوبية بما أمره به، فقال: قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين توبيخا لهم و إنكارا عليهم أَ غَيْرَ اللَّهِ الذي خلق الخلق و رباهم أَبْغِي و أطلب رَبًّا آخر أشركه في عبادتي له بدعائه و التوجه إلى لينفعني، أو يمنع الضر عني، أو ليقربني إليه زلفى؛ أي: هل أطلب ربا و مالكا و إلها غير اللّه سبحانه و تعالى أعبده و أتخذه إلها و معبودا؟ وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ؛ أي: و الحال أنه سبحانه و تعالى رب كل شيء مما عبد، و مما لم يعبد، و مالكه و خالقه، فكيف يليق بي أن أتخذ إلها غير اللّه؟ فهو الذي خلق الملائكة و المسيح، و الشمس و القمر، و الكواكب و الأصنام، كما قال: وَ اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ (96) و إذا كان هو الخالق و المدبر، فكيف أسفه نفسي، و أكفر بربي بجعل المخلوق المربوب مثلي ربا لي، و جميع المشركين يعترفون بأن معبوداتهم مخلوقة للّه رب العالمين و خالق الخلق أجمعين.
و المعنى: أي «2» لا أطلب إلها غيره و لا أتوكل إلا عليه، فهو رب كل شيء
(1) المراغي.