کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان

الجزء الأول

مقدمة المصنف

(سورة البقرة)

الفهرس

الجزء الثاني

(سورة آل عمران و هي مدنية)

(سورة النساء

الفهرس

الجزء الثالث

(تفسير سورة الأنعام

(سورة الأعراف)

الفهرس

الجزء الرابع

الفهرس

الجزء الخامس

الفهرس

الجزء السادس

الفهرس

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان


صفحه قبل

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 83

الرابع: السبع المثاني لأنها سبع آيات و لأنها تثنى في كل صلاة، أو لأن نصفها ثناء العبد للرب و النصف الآخر إعطاء الرب العبد، أو لأنها مستثناة لهذه الأمة

قال صلى اللّه عليه و سلم: «و الذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة و الإنجيل و لا في الزبور مثل هذه السورة و إنها السبع المثاني و القرآن العظيم» «1»

أو لأنها نزلت مرتين، أو لأنها أثنية و مدائح للّه تعالى.

الخامس: الوافية لأنها تجب قراءة كلها و لا يجزى‏ء بعضها في الصلاة.

السادس: الكافية

قال صلى اللّه عليه و سلم: «أم القرآن عوض عن غيرها و ليس غيرها عوضا عنها».

السابع: الشفاء و الشافية

لقوله صلى اللّه عليه و سلم‏ «فاتحة الكتاب شفاء من كل سقم» «2» .

الثامن: الأساس لأنها أول سور القرآن فهي كالأساس، أو لأنها تشتمل على أساس العبادات و المطالب.

قال الشعبي: سمعت عبد اللّه بن عباس يقول: أساس الكتب القرآن، و أساس القرآن فاتحة الكتاب، و أساس الفاتحة «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فإذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس تشف بإذن اللّه تعالى.

التاسع: الصلاة

قال النبي صلى اللّه عليه و سلم حكاية عن اللّه تعالى: «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين» «3» .

يعني الفاتحة و هو من باب تسمية الشي‏ء بمعظم أركانه. و منه يعلم وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة.

العاشر: سورة تعليم المسألة لأن اللّه تعالى علم عباده فيها آداب السؤال فبدأ بالثناء ثم بالإخلاص ثم بالدعاء.

الحادي عشر: سورة الكنز لما

روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش‏

و لهذا قال أكثر العلماء: إنها مكية و خطؤا مجاهدا في قوله: إنها مدنية، و كيف لا؟

و قد صح عن النبي صلى اللّه عليه و سلم في حديث أبي بن كعب‏ أنها من أول ما نزل من القرآن و أنها السبع المثاني،

و سورة الحجر مكية بلا خلاف و فيها قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ [الحجر: 87] و لا يسعنا القول بأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لبث بضع عشرة سنة بلا فاتحة الكتاب. و قد جمع طائفة من العلماء بين القولين فقالوا إنها

(1) رواه مالك في الموطأ في كتاب النداء حديث 37.

(2) رواه الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب 12.

(3) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث 38، 40. أبو داود في كتاب الصلاة باب 132. الترمذي في كتاب تفسير سورة الفاتحة باب 1. النسائي في كتاب الافتتاح باب 23.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 84

نزلت بمكة مرة و بالمدينة أخرى، و على هذا فإنها لم تثبت في المصحف مرتين لأنه لم يقع التواتر على نزولها مرتين.

و من فضائل هذه السورة أنه لم يوجد فيها الثاء و هو الثبور لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان: 14] و الجيم و هو جهنم‏ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ‏ [الحجر: 43] و الخاء و هو الخزي‏ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ‏ [التحريم: 8] و الزاء و هو الزفير و الزقوم. و الشين و هو الشهيق‏ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ‏ [هود: 106] و الظاء و هو لظى‏ كَلَّا إِنَّها لَظى‏ [المعارج: 15] و الفاء و هو الفراق‏ وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ‏ [الروم: 14] فلما أسقط اللّه تعالى من الفاتحة هذه الحروف الدالة على العذاب و هي بعدد أبواب جهنم لقوله تعالى: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏ [الحجر: 44] غلب على الظن أن من قرأ الفاتحة نجا من جهنم و دخول أبوابها و تخلص من دركات النار و عذابها.

الثانية: في المباحث اللفظية.

الحمد مبتدأ و اللّه خبره أي الحمد ثابت للّه. و أصله النصب الذي هو قراءة بعضهم بإضمار فعله كقولهم شكرا و عجبا و سبحانك و معاذ اللّه، فعدل إلى الرفع للدلالة على ثبات المعنى و استقراره نحو قوله تعالى‏ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ‏ [الذاريات: 25] و لهذا كان تحية إبراهيم عليه السلام أحسن من تحيتهم كما جاء وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها .

[النساء: 86] و مما يدل على أن أصله النصب أن قوله‏ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ بيان لحمدهم فكأنه قيل: كيف يحمدون؟ فقيل: إياك نعبد. و الأصل توافق الجملتين. و اللام في «الحمد» لتعريف الجنس و معناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو.

و الاستغراق و هم لأنه لو سلم كونه اللام للاستغراق فحمد أبويه مثلا لا يدخل فيه. و أيضا نحو نحمد اللّه لا يفهم منه إلا حقيقة الحمد من حيث هي فكذا ما ناب منابه و هو الحمد للّه.

و قرأ بعضهم بكسر الدال اتباعا، و بعضهم بضم اللام.

الرب المالك، ربه يربه فهو رب، أو مصدر وصف به للمبالغة كالعدل. و هو مطلقا مختص باللّه تعالى، و مضافا يجوز إطلاقه على غيره نحو: رب الدار ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ‏ [يوسف: 50] و قرى‏ء بالنصب على المدح أو بتقدير نحمد. و العالم اسم موضوع للجمع كالأنام و الرهط، و هو ما يعقل من الملائكة و الثقلين قاله ابن عباس و الأكثرون. و قيل: كل ما علم به الخالق من الجواهر و الأعراض كقوله تعالى‏ قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ‏

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 85

رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا [الشعراء: 23، 24] فعلى الأول مشتق من العلم و خصوا بالذكر للتغليب، و على الثاني من العلامة و جمع ليشمل كل جنس مما سمي به، و جمع بالواو و النون تغليبا لما فيه من صفات العقلاء. مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ صفة أخرى.

و اليوم هو المدة من طلوع نصف جرم الشمس إلى غروب نصف جرمها، أو من ابتداء طلوعها إلى غروب كلها، أو من طلوع الفجر الثاني إلى غروبها، و هذا في عرف الشرع.

و يراد به في الآية الوقت لعدم الشمس ثمة. و الدين الجزاء بالخير و الشر

«كما تدين تدان» «1»

و إضافة اسم الفاعل إلى الظرف اتساع و إجراء للظرف مجرى المفعول به مثل: يا سارق الليلة أهل الدار. و إنما أفادت التعريف حتى جاز وقوعه صفة للمعرفة لأنه إما بمعنى الماضي نحو وَ نادى‏ أَصْحابُ الْأَعْرافِ‏ [الأعراف: 48] وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ‏ [الزمر: 73] أو بمعنى الاستمرار نحو: زيد مالك العبيد. فيكون بمعنى من يملك المفيد للاستمرار نحو: فلان يعطي و يمنع. و حينئذ لا تعمل، فتكون الإضافة حقيقية، و قرى‏ء بنصب الكاف و رفعها مدحا، و بسكون اللام مخفف ملك مكسور اللام و بجعله فعلا ماضيا و نصب يوم و مليك رفعا و نصبا و جرا. «ايا» ضمير منصوب منفصل و لا محل لكاف الخطاب نحو «أ رأيتك» و هو مذهب الأخفش و المحققين و حكاية الخليل «إذا بلغ الرجل الستين فإياه و ايا الشواب» شاذ. و الأصل نعبدك و نستعينك، فلما قدم الضمير المتصل للاختصاص صار منفصلا. و قرى‏ء إياك بتخفيف الياء، و أياك بفتح الهمزة و التشديد، و هياك بقلب الهمزة هاء، قال طفيل:

فهياك و الأمر الذي إن تراحبت‏

موارده ضاقت عليك مصادره‏

فإن قيل: لم عدل عن الغيبة إلى الخطاب؟ قلنا: هذا يسمى الالتفات في علم البيان و ذلك على عادة افتنانهم في الكلام و التنقل من أسلوب إلى أسلوب تطرية لنشاط السامع.

و قد يختص مواقعه بفوائد و سننظم لك في سلك التقرير فائدته في هذا الموضع. و العبادة أقصى غاية الخضوع. طريق معبد أي مذلل، و ثوب ذو عبدة في غاية الصفاقة و قوة النسج هدى يتعدى باللام أو بإلى‏ إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏ [الإسراء: 9] وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [الشورى: 52] فعومل معاملة اختار في قوله تعالى‏ وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ‏ [الأعراف: 155] و الأصل فيه الإمالة و منه‏ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ‏ [الأعراف:

156] أي ملنا و الهدية لأنها تمال من ملك إلى ملك و الهدي للذي يساق إلى الحرم أي أمل‏

(1) رواه البخاري في كتاب تفسير سورة الفاتحة باب 1.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 86

قلوبنا إلى الحق. و الصراط الجادة، و أصله السين من سرط الشي‏ء ابتلعه لأنه يسرط السابلة إذا سلكوه كما سمي لقما لأنه يلتقمهم، و مثله مسيطر و مصيطر. و الصراط يذكر و يؤنث كالطريق و السبيل و صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بدل الكل من‏ الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و فائدته التوكيد كقولك: هل أدلك على أكرم الناس و أفضلهم فلان؟ و يكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم و الفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل، لأنك بينت ذكره مجملا أوّلا و مفصلا ثانيا. و قراءة ابن مسعود صراط من أنعمت عليهم و غير المغضوب بدل من «الذين» أو صفة. و إنما جاز وقوعه صفة للمعرفة لأنه تعريف الذين كلا تعريف‏

كقوله: «و لقد أمر على اللئيم يسبني».

أو لأن المغضوب عليهم و الضالين خلاف المنعم عليهم فهو كقولك: عليك بالحركة غير السكون و يجوز أن يكون بدلا و إن كان نكرة من معرفة و لا نعت للإفادة. و الفرق بين عليهم الأولى و الثانية، أن الأولى محلها النصب على المفعولية، و الثانية محلها الرفع على أنها مفعول أقيم مقام الفاعل. و أصل النعمة المبالغة و الزيادة يقال: دققت الدواء فأنعمت دقه أي بالغت في دقه. و كل ما في القرآن من ذكر النعمة بكسر النون فهي المنة و العطية. و النعمة بفتح النون التنعم و سعة العيش‏ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ‏ [الدخان: 27] و الغضب في اللغة الشدة و قد عرفت معناه بحسب إطلاقه على الخلق و على الخالق. و أصل الضلال الغيبوبة ضل الماء في اللبن إذا غاب فيه، و ضل الكافر غاب عن الحق. قال تعالى: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ‏ [السجدة: 10] و «غير» هاهنا بمعنى «لا» و «لا» بمعنى «غير» و لذلك جاز عطف أحدهما على الآخر. تقول: أنا زيدا غير ضارب كما تقول: أنا زيدا لا ضارب. و يعضده ما قرى‏ء و غير الضالين و قرأ أيوب السختياني و لا الضألين بالهمزة كما قرأ عمرو بن عبيد و لا جأن و آمين مدا و قصرا معناه استجب، كما أن رويد معناه أمهل.

و عن ابن عباس عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم‏ معناه إفعل.

(الثالث في المباحث الفقهية). البحث الأول: أجمع الأكثرون و منهم الشافعي على أن قراءة الفاتحة واجبة في الصلاة و إن ترك منها حرفا واحدا و هو يحسنها لم تصح صلاته.

و عند أبي حنيفة قراءتها غير واجبة لنا أنه صلى اللّه عليه و سلم واظب طول عمره على قراءتها في الصلاة

فتجب علينا لقوله تعالى‏ فَاتَّبِعُوهُ‏ [الأنعام: 153] و أيضا أقيموا الصلاة معناه الصلاة التي أتى بها الرسول صلى اللّه عليه و سلم، لكنه كان يقرأ الفاتحة فيها فتجب. و أيضا روي في ذلك أخبار كثيرة مثل‏

«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»

«كل صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج» «1»

(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث 38، 41. أبو داود في كتاب الصلاة باب 132. الترمذي في كتاب الصلاة باب 116. النسائي في كتاب الافتتاح باب 23. ابن ماجه في كتاب الاقامة باب 11.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 87

و روى رفاعة بن مالك‏ أن رجلا دخل المسجد و صلى، فلما فرغ من صلاته و ذكر الخبر إلى أن قال الرجل: علمني الصلاة يا رسول اللّه. فقال صلى اللّه عليه و سلم: إذا توجهت إلى القبلة فكبر و اقرأ بفاتحة الكتاب،

و ظاهر الأمر للوجوب و لا سيما في معرض التعليم. و أيضا الخلفاء الراشدون واظبوا على قراءتها طول العمر و

قال صلى اللّه عليه و سلم: «عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين» «1»

و أيضا المواظبة على قراءة الفاتحة توجب هجران سائر السور و ذلك غير جائز إن لم تكن واجبة فثبت أنها واجبة. حجة أبي حنيفة فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏ [المزمل: 20] قلنا: الفاتحة هي المتيسرة المحفوظة على جميع الألسنة. ثم قال: إذا قرأ آية واحدة كفت مثل‏ الم‏ أو حم‏ [الدخان: 1] وَ الطُّورِ [الطور: 1] و مُدْهامَّتانِ‏ [الرحمن: 64]. أبو يوسف و محمد: لا بد من قراءة ثلاث آيات أو آية واحدة طويلة مثل آية الدين.

البحث الثاني: قراء المدينة و البصرة و الشام و فقهاؤها على أن التسمية ليست بآية من الفاتحة و لا من غيرها من السور، و إنما كتبت للفصل و التبرك و هو مذهب أبي حنيفة و من تابعه، و لذلك لا يجهر بها عندهم في الصلاة. و قراء مكة و الكوفة و فقهاؤهما على أنها آية من كل سورة و عليه الشافعي و أصحابه لما

روي عن أم سلمة رضي اللّه عنها أنها قالت: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاتحة الكتاب فعد «بسم اللّه الرحمن الرحيم» آية، «الحمد للّه رب العالمين» آية، «الرحمن الرحيم» آية، «مالك يوم الدين» آية، «إياك نعبد و إياك نستعين» آية، «اهدنا الصراط المستقيم» آية «صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين» آية.

و عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «فاتحة الكتاب سبع آيات أولاهن «بسم اللّه الرحمن الرحيم» «2»

و روى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن أبي بريدة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم‏ ألا أخبرك بآية لم تنزل على أحد بعد سليمان بن داود غيري؟

فقلت: بلى فقال: بأي شي‏ء تفتتح القرآن إذ افتتحت الصلاة؟ قلت: ببسم اللّه الرحمن الرحيم. قال: هي هي.

و بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال له: كيف تقول إذا قمت إلى الصلاة؟ قال: أقول «الحمد للّه» قال: قل «بسم اللّه الرحمن الرحيم»

و بإسناده عن علي بن أبي طالب‏ أنه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و كان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص في صلاته‏

و بإسناده عن ابن عباس‏ في قوله‏ وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ [الحجر: 87] قال: فاتحة الكتاب. فقيل لابن عباس: فأين السابع؟ فقال: «بسم اللّه الرحمن الرحيم».

و عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال:

(1، 2) رواه أبو داود في كتاب السنّة باب 5. الترمذي في كتاب العلم باب 16. ابن ماجه في المقدمة باب 6. الدارمي في المقدمة باب 16.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 88

يقول اللّه سبحانه «قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين. فإذا قال العبد «بسم اللّه الرحمن الرحيم» قال اللّه: مجدني عبدي و إذا قال: «الحمد للّه ربّ العالمين» قال اللّه: حمدني عبدي و إذا قال: «الرحمن الرحيم» قال اللّه: أثنى عليّ عبدي و إذا قال: «مالك يوم الدين» قال اللّه: فوّض إلي عبدي و إذا قال: «إياك نعبد و إياك نستعين» قال اللّه: هذا بيني و بين عبدي و إذا قال: «اهدنا الصراط المستقيم» قال اللّه: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل» «1»

إلى غير ذلك من الأخبار. و أيضا التسمية مكتوبة بخط القرآن في مصاحف السلف مع توصيتهم بتجريد القرآن عما ليس منه و لذلك لم يثبتوا «آمين». و أيضا

قال صلى اللّه عليه و سلم لأبي بن كعب: ما أعظم آية في كتاب اللّه؟ قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فصدّقه النبي صلى اللّه عليه و سلم.

و معلوم أنها ليست آية تامة في قوله‏ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ [النمل: 30] فتكون آية في غير هذا الموضع. و أيضا إن أكثر الأنبياء أوجبوا على أنفسهم الابتداء بذكر اللّه قال نوح عند ركوب السفينة: بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها [هود: 41] و كتب سليمان إلى بلقيس «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و قوله‏ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ‏ من قول بلقيس قبل فتح الكتاب، فلما فتحت الكتاب قرأت التسمية فقالت: وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ و لما ثبت الابتداء بالتسمية في حقهم ثبت في حق نبينا أيضا أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ‏ [الأنعام: 90] و عن عبد اللّه بن مسعود قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل «بسم اللّه الرحمن الرحيم». و عن ابن عمر قال: نزلت «بسم اللّه الرحمن الرحيم» في كل سورة. و أيضا البسملة من القرآن في النمل ثم إنا نراه مكررا بخط القرآن فوجب أن نعتقد كونه من القرآن مثل‏ فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏ [الرحمن: 13] وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ‏ [المرسلات: 15] حجة المخالف‏

خبر أبي هريرة أيضا في رواية أخرى قال: يقول اللّه قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين فإذا قال العبد «الحمد للّه رب العالمين» يقول اللّه حمدني عبدي» «2» إلى آخره.

قال: لم يذكر التسمية، و لو كانت آية من الفاتحة لذكرها. قلنا: إذا تعارضت الروايتان فالترجيح للمثبت لا للنافي.

قالوا: التنصيف إنما يحصل إذا لم تعد التسمية آية حتى يحصل للرب ثلاث آيات و نصف و للعبد ثلاث و نصف من «إياك نستعين» إلى آخر السورة. أما إذا قلنا التسمية آية صار القسم الأول أربع آيات و نصفا فينخرم التنصيف. قلنا: نحن نعد التسمية آية و لا نعد «أنعمت عليهم» و هذا أولى رعاية لتشابه المقاطع، و لأن غير صفة أو بدل و يختل الكلام بجعله‏

(1) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث 38، 40. أبو داود في كتاب الصلاة باب 132. الترمذي في كتاب تفسير سورة الفاتحة باب 1. النسائي في كتاب الافتتاح باب 23. أحمد فى مسنده (2/ 241، 285).

(2) المصدر السابق.

تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، ج‏1، ص: 89

منقطعا عما قبله لأن طلب الاهتداء بصراط المنعم عليهم لا يجوز إلا بشرط كون المنعم عليه غير مغضوب عليه و لا ضالا بدليل قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً [إبراهيم: 28] فهذا المجموع كلام واحد، و هذا بخلاف «الرحمن الرحيم» فإنا لو قطعنا النظر عن الصفة كان الكلام مع الموصوف غير مختل النظام. قالوا:

روت عائشة أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير و القراءة بالحمد للّه رب العالمين. قلنا: قال الشافعي:

لعل عائشة جعلت «الحمد للّه رب العالمين»

اسما لهذه السورة كما يقال قرأ فلان «الحمد للّه الذي خلق السموات و الأرض». قالوا: لو كانت من الفاتحة لزم التكرار في «الرحمن الرحيم» قلنا: التكرار للتأكيد غير عزيز في القرآن. فإن قيل: إذا عد التسمية آية من كل سورة على ما يروى عن ابن عباس، فمن تركها فقد ترك مائة و أربع عشرة آية من كتاب اللّه.

فما وجه ما

روي عن أبي هريرة أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال‏ في سورة الملك: إنها ثلاثون آية و في الكوثر إنها ثلاث آيات‏

مع أن العدد حاصل بدون التسمية؟ قلنا: إما أن تعد التسمية مع ما بعدها آية و ذلك غير بعيد، ألا ترى أن قوله «الحمد للّه رب العالمين» آية تامة، و في قوله‏ وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [يونس: 10] بعض آية؟ و إما أن يراد ما هو خاصة الكوثر ثلاث آيات، فإن التسمية كالشي‏ء المشترك فيه بين السور.

البحث الثالث: عن أحمد بن حنبل أن التسمية آية من الفاتحة، و يسرّ بها في كل ركعة. أبو حنيفة: ليست بآية و يسر بها. مالك: لا ينبغي أن يقرأها في المكتوبة لا سرا و لا جهرا. الشافعي: آية و يجهر بها لأنها بعد ما ثبت كونها من الفاتحة و القرآن لا يعقل فرق بينها و بين باقي الفاتحة حتى يسر بهذه و يجهر بذلك. و أيضا إنه ثناء على اللّه و ذكر له فوجب أن يكون الإعلان به مشروعا لقوله عز من قائل‏ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة: 200] و أيضا الإخفاء و السر إنما يليق بما فيه نقيصة و مثلبة لا بما فيه مفخرة و فضيلة.

قال صلى اللّه عليه و سلم: «طوبى لمن مات و لسانه رطب من ذكر اللّه»

و كان علي بن أبي طالب يقول: يا من ذكره شرف للذاكرين.

و كان مذهبه الجهر بها في جميع الصلوات، و قد ثبت هذا منه تواترا و من اقتدى به لن يضل.

قال صلى اللّه عليه و سلم: «اللهم أدر الحق معه حيث دار» «1»

و روى البيهقي في السنن الكبرى عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يجهر في الصلاة ببسم اللّه الرحمن الرحيم. و روي عن عمر و ابنه و ابن عباس و ابن الزبير مثل ذلك،

و روى الشافعي بإسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم و لم يقرأ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» و لم يكبر عند الخفض إلى الركوع و السجود، فلما سلم ناداه المهاجرون و الأنصار: يا معاوية سرقت من‏

صفحه بعد