کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كتاب الله العزيز

الجزء الرابع

تفسير سورة ص و هي مكية كلها تفسير سورة الزمر، و هي مكية كلها تفسير سورة المؤمن، و هي مكية كلها تفسير سورة حم السجدة، و هي مكية كلها تفسير سورة حم عسق، و هي مكية كلها تفسير سورة الزخرف، و هي مكية كلها تفسير سورة الدخان، و هي مكية كلها تفسير سورة الجاثية، و هي مكية كلها تفسير سورة الأحقاف، و هي مكية كلها تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم، و هي مدنية كلها تفسير سورة الفتح، و هي مدنية كلها تفسير سورة الحجرات، و هي مدنية كلها تفسير سورة ق، و هي مكية كلها تفسير سورة الذاريات، و هي مكية كلها تفسير سورة الطور، و هي مكية كلها تفسير سورة النجم، و هي مكية كلها تفسير سورة اقتربت الساعة، و هي مكية كلها تفسير سورة الرحمن، و هي مكية كلها تفسير سورة الواقعة، و هي مكية كلها تفسير سورة الحديد، و هي مدنية كلها تفسير سورة المجادلة، و هي مدنية كلها تفسير سورة الحشر، و هي مدنية كلها تفسير سورة الممتحنة، و هي مدنية كلها تفسير سورة الصف، و هي مدنية كلها تفسير سورة الجمعة، و هي مدنية كلها تفسير سورة المنافقون، و هي مدنية كلها تفسير سورة التغابن، و هي مدنية كلها تفسير سورة الطلاق، و هي مدنية كلها تفسير سورة التحريم، و هي مدنية كلها تفسير سورة الملك، و هي مكية كلها تفسير سورة ن، و هي مكية كلها تفسير سورة الحاقة، و هي مكية كلها تفسير سورة سأل سائل، و هي مكية كلها تفسير سورة نوح، و هي مكية كلها تفسير سورة الجن، و هي مكية كلها تفسير سورة المزمل، و هي مكية كلها تفسير سورة المدثر، و هي مكية كلها تفسير سورة القيامة، و هي مكية كلها تفسير سورة الإنسان، و هي مكية كلها تفسير سورة المرسلات، و هي مكية كلها تفسير سورة عم يتساءلون، و هي مكية كلها تفسير سورة النازعات، و هي مكية كلها تفسير سورة عبس، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا الشمس كورت(1)، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا السماء انفطرت، و هي مكية كلها تفسير سورة المطففين، و هي مكية كلها تفسير سورة الانشقاق و هي مكية كلها تفسير سورة و السماء ذات البروج و هي مكية كلها تفسير سورة و الطارق، و هي مكية كلها تفسير سورة سبح اسم ربك، و هي مكية كلها تفسير سورة الغاشية، و هي مكية كلها تفسير سورة الفجر، و هي مكية كلها تفسير سورة لا أقسم بهذا البلد، و هي مكية كلها تفسير سورة و الشمس و هي مكية كلها تفسير سورة و الليل إذا يغشى، و هي مكية كلها تفسير سورة و الضحى، و هي مكية كلها تفسير سورة أ لم نشرح، و هي مكية كلها تفسير سورة التين، و هي مكية كلها تفسير سورة اقرأ باسم ربك، و هي مكية كلها تفسير سورة القدر، و هي مكية كلها تفسير سورة لم يكن، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا زلزلت، و هي مدنية تفسير سورة و العاديات، و هي مكية كلها، و قيل: إنها مدنية تفسير سورة القارعة، و هي مكية كلها تفسير سورة ألهاكم، و هي مكية كلها تفسير سورة و العصر، و هي مكية كلها تفسير سورة الهمزة، و هي مكية كلها تفسير سورة الفيل، و هي مكية كلها تفسير سورة قريش، و هي مكية كلها تفسير سورة أ رأيت الذي، و هي مكية كلها تفسير سورة الكوثر، و هي مكية كلها تفسير سورة الكافرين، و هي مكية كلها تفسير سورة إذا جاء نصر الله، و هي مدنية كلها تفسير سورة تبت يدا، و هي مكية كلها تفسير سورة الإخلاص، و هي مكية كلها تفسير سورة الفلق، و هي مكية كلها تفسير سورة الناس، و هي مكية كلها فهرس الجزء الرابع

تفسير كتاب الله العزيز


صفحه قبل

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 77

تفسير فاتحة الكتاب، و هي مكّيّة كلّها

[قوله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ ] «1» . ذكروا عن الحسن قال: هذان اسمان [ممنوعان‏] «2» لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحلهما: اللّه و الرحمن. قال بعض أهل العلم: إنّ المشركين قالوا: أمّا اللّه فنعرفه، و أمّا الرحمن فلا نعرفه، فأنزل اللّه: وَ هُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ، يا محمّد هُوَ رَبِّي‏ [سورة الرعد: 30].

ذكروا عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: قال اللّه: أنا الرحمن، شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته، و من قطعها قطعته‏ «3» . ذكروا عن عبد اللّه بن مسعود قال:

كنّا نكتب «باسمك اللهمّ» [زمانا] «4» ، فلما نزلت: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ‏ [الإسراء:

110] كتبنا: (بسم اللّه الرّحمن). فلمّا نزلت: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ (30) [سورة النمل: 30] كتبنا: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) .

ذكروا عن سلمان الفارسيّ أنّه قال: [قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم‏] «5» : إنّ اللّه خلق يوم خلق السماوات و الأرض مائة رحمة، كلّ رحمة منها طباقها السماوات و الأرض، فأنزل اللّه منها رحمة واحدة، فبها تتراحم الخليقة حتّى ترحم البهيمة بهيمتها، و الوالدة ولدها. فإذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسع و التسعين رحمة، و نزع تلك الرحمة من قلوب الخليقة فأكملها مائة رحمة، ثم يضعها بينه و بين خلقه، فالخائب من خيّب من تلك المائة رحمة «6» .

(1) لم تكتب البسملة هنا في أوّل الفاتحة، و الصواب إثباتها لأنّ ما يلي تفسير لها.

(2) زيادة من ز، ورقة 3.

(3) كذا ورد هذا الحديث في ع، و ق، و د عن أبي الدرداء. و قد رواه الترمذيّ بسند أيضا عن عبد الرحمن بن عوف بلفظ: «قال اللّه تبارك و تعالى: أنا اللّه و أنا الرحمن، خلقت الرحم و شققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته، و من قطعها بتتّه».

(4) زيادة من ز، ورقة 3.

(5) زيادة لا بدّ منها لأنّ ما يلي نصّ حديث صحيح باختلاف يسير في ألفاظه.

(6) أخرجه أحمد و البيهقيّ. و أخرجه مسلم في كتاب التوبة، باب في سعة رحمة اللّه و أنّها سبقت غضبه-

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 78

ذكروا عن الحسن أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: و الذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة إلّا رحيم، قالوا: يا رسول اللّه، كلّنا رحيم، يرحم الرجل نفسه و يرحم ولده، و يرحم أهله. قال: لا، حتّى يرحم الناس جميعا «1» .

ذكروا عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: إنّما يضع اللّه رحمته على كلّ رحيم‏ «2» .

ذكروا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: السبع المثاني فاتحة الكتاب‏ «3» . غير واحد من العلماء قال:

السبع المثاني هي فاتحة الكتاب. و إنّما سمّيت السبع المثاني لأنّهنّ يثنين في كلّ قراءة، يعني في كلّ ركعة.

ذكر أبو زيد «4» قال: كنت مع النبي صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة نمشي في بعض طرق المدينة، و يدي في يده، إذ مررنا برجل يتهجّد من الليل، و هو يقرأ فاتحة الكتاب، فذهبت أكلّم النبيّ عليه السّلام، فأرسل يدي من يده و قال: صه، و جعل يستمع، فلمّا فرغ الرجل منها قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: ما في القرآن مثلها «5» .

" 2753"، كلّهم يرويه عن سلمان مرفوعا. و أخرجه ابن ماجه مرفوعا أيضا عن أبي سعيد في كتاب الزهد، باب ما يرجى من رحمة اللّه يوم القيامة (4294)، إلّا الجملة الأخيرة فإنّها لم ترد- فيما أعلم- إلّا في هذه الرواية هنا، و لعلّها من قول سلمان نفسه.

(1) لم أجده فيما بين يديّ من المصادر.

(2) لم أجده بهذا اللفظ: و شبيه بلفظه و معناه ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الجنائز، باب البكاء على الميّت (923) من آخر الحديث الذي رواه أسامة بن زيد: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: (هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده، و إنما يرحم اللّه من عباده الرحماء).

(3) الحديث صحيح أخرجه ابن جرير و ابن المنذر عن عمر بن الخطّاب موقوفا. و أخرجه أبو الشيخ و ابن مردوية عن أبي هريرة موقوفا كذلك. و أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب فاتحة الكتاب (1457) عن أبي هريرة مرفوعا، و أخرجه الترمذيّ عنه كذلك مرفوعا. و أخرجه الدارميّ و ابن مردوية و الحاكم في مستدركه مرفوعا عن أبي بن كعب. انظر السيوطي: الدر المنثور ج 4 ص 104.

(4) لم يبيّن المؤلّف من هو أبو زيد هذا. و هو واحد من ستّة أو سبعة من الأنصار كلّهم بهذه الكنية، ذكرهم أبو عمر بن عبد البرّ في الاستيعاب ج 4 ص 1663- 1666، و لعلّه واحد من الذين جمعوا القرآن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(5) لم أجد هذا الحديث و لا سبب وروده فيما بين يديّ من مصادر التفسير و الحديث.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 79

ذكروا عن ابن عبّاس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لأبيّ: لأعلّمنّك سورة ما في القرآن مثلها، و لا في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور مثلها هي أعظم: هي فاتحة الكتاب‏ «1» .

ذكروا عن أبي بن كعب قال: قال اللّه: يا ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات ثلاث منهنّ لي، و ثلاث منهنّ لك، و واحدة بيني و بينك، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ (4)، هذه للّه: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ (5) [هذه بين اللّه و ابن آدم‏] «2» اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ (7). هذه لابن آدم‏ «3» .

ذكروا عن الحسن قال: هذا دعاء أمر اللّه رسوله أن يدعو به، و جعله سنّة له و للمؤمنين.

ذكروا عن ابن عبّاس أنّه كان يجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم‏ (1) في الصلاة، و يقول: من تركها فقد ترك آية من كتاب اللّه. و ابن عبّاس كان يجعل‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ (7) آية واحدة.

قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ: قال الحسن: حمد الربّ نفسه، و أمر العباد أن يحمدوه. و الحمد شكر النعمة. رَبِّ الْعالَمِينَ‏ (2): العالمون الخلق. يقول: الحمد لربّ الخلق‏ «4» .

قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏ (4): ذكروا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أبا بكر و عمر كانوا يقرءونها: (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) «5» . و تفسيرها على هذا المقرإ مالكه الذي يملكه،

(1) أخرجه الإمام أحمد و الترمذيّ و النسائيّ من طرق برواية أبي هريرة عن أبي بن كعب، و قال الترمذيّ:

حديث حسن صحيح.

(2) زيادة يقتضيها سياق الكلام.

(3) هذا معنى حديث قدسيّ جاء في الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب في كتاب الصلاة و وجوبها، باب في القراءة في الصلاة (224). و رواه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب القراءة في كلّ ركعة (395) عن أبي هريرة. و أوّله: «يقول اللّه عز و جلّ: قسمت الصلاة بيني و بين عبدي نصفين و لعبدي ما سأل ...» الحديث.

(4) كذا في د: «الحمد». و في ع و ق: «الشكر لربّ الخلق».

(5) كذا في د، و ق، و ع، و ز: «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» . و قد روى الترمذيّ في أبواب القراءات عن أمّ سلمة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقرأها: «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» .

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 80

من قبل الملك. و بعضهم يقرءونها: (ملك يوم الدّين) يعنون بهذا المقرإ أنّه من قبل الملك.

و بعضهم يقرأها: (مالك يوم الدّين) يجعلها نداء «1» . و تفسيره على الدعاء: يا مالك يوم الدّين.

و يوم الدين هو يوم الحساب في تفسير مجاهد و الحسن. و قال بعضهم: يوم يدين اللّه الناس فيه بأعمالهم. و قولهم جميعا في هذا واحد.

[قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)] «2» اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ (6): هذا دعاء؛ سأله المؤمنون الهدى و الاستقامة في كل قول و عمل. اهْدِنَا أى:

أرشدنا. قال بعض المفسّرين: الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ (6)، يعني الطريق المستقيم إلى الجنّة، و هو دين الإسلام. ذكروا عن ابن مسعود و ابن عمر قالا: ترك النبىّ عليه السّلام طرف الصراط عندنا و طرفه في الجنّة. قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ: يعني بالإسلام. قال بعضهم: الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ هم الأنبياء؛ و هو كقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ... إلى آخر الآية. [سورة مريم: 58] و الإسلام يجمعهم جميعا.

قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ: يعني اليهود. وَ لَا الضَّالِّينَ‏ (7): يعني النصارى. و المشركون كلّهم مغضوب عليهم و كلّهم ضالّون، و لكنّ اليهود و النصارى يقرأون الكتابين: التوراة و الإنجيل و ينتحلونهما، و يزعمون أنّهم يدينون بهما. و قد حرّفوهما، و هم على غير هدى. ذكروا عن الحسن أنّه قال: المغضوب عليهم اليهود، و الضالّون النصارى‏ «3» .

و قد اختلف العلماء كثيرا في أى اللفظين أبلغ: (ملك) أو (مالك)، و أدلى كلّ برأيه و حجّته. فرجّح الطبريّ مثلا في تفسيره ج 1 ص 149 قراءة: (ملك) و بيّن علل ترجيحه. انظر تفسير القرطبي ج 1 ص 140، و اقرأ ملخّصا وافيا لهذه الآراء، و كلاما نفيسا في الموضوع لأحد علمائنا الأعلام سماحة الشيخ/ أحمد بن حمد الخليلي- أمدّ اللّه في أنفاسه- في كتابه: جواهر التفسير ج 1 ص 231- 238، نشر مكتبة الاستقامة، روى، سلطنة عمان، 1404 ه/ 1984 م.

(1) في ق و ع و د: «صراخا». و أثبت ما جاء في ز: «نداء» فهو أنسب و أبلغ.

(2) لم يرد في أى مخطوطة ذكر لهذه الآية و لا تفسير لها. و من المستبعد أن يكون المؤلّف ترك تفسيرها، فقد ورد في ز مايلي: «قال محمّد: معنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع».

(3) أخرجه الترمذىّ من حديث طويل عن عديّ بن حاتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بلفظ: «اليهود مغضوب عليهم و النصارى ضلّال». و قال الترمذيّ حديث حسن غريب. و أخرجه أحمد في مسنده أيضا.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 81

تفسير سورة (البقرة). و هي مدنيّة كلّها

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

قوله: الم‏ (1): كان الحسن يقول: ما أدري ما تفسير (ألم) و (ألر) و (المص) و أشباه ذلك [من حروف المعجم‏] «1» . غير أنّ قوما من المسلمين كانوا يقولون: أسماء السور و مفاتحها «2» .

ذكروا عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال: (ألر)، و (حم)، و (ن) هو الرّحمن. يقول: إنّه يجعلها اسما من أسماء اللّه حروفا مقطّعة في سور شتّى، فإذا جمعها صار اسما من أسماء اللّه، و هو مبتدأ الاسم.

و كان الكلبيّ يقول: هي الأخر المتشابهات‏ «3» .

قال: بلغنا أنّ رهطا من اليهود، منهم كعب بن الأشرف، و حيي بن أخطب، و أبو ياسر، دخلوا على النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فسألوه عن ( الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ‏ [البقرة: 1] فقال حييّ: إنّه بلغني أنّك قرأت‏ (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) أناشدك اللّه، أنّها أتتك من السماء؟

فقال رسول اللّه: نعم، و اللّه لكذلك نزلت. قال حيي: إن كنت صادقا أنّها أتتك من السماء إنّي لأعلم أكل‏ «4» هذه الأمّة. ثمّ نظر حيي إلى أصحابه فقال: كيف ندخل في دين رجل إنّما ينتهي أكل أمّته إلى إحدى و سبعين سنة. فقال له عمر: و ما يدريك أنّها إحدى و سبعون سنة؟ فقال لهم حيي:

أمّا الألف فهي في الحساب واحد، و اللام ثلاثون، و الميم أربعون. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم. فقال‏

(1) زيادة من ز، ورقة: 3.

(2) كذا في ق و ع و د: «مفاتحها». و في ز: «فواتحها».

(3) لعلّ هذا القول هو أقرب الأقوال إلى الحقّ و الصواب. و يعجبني ما ذكره ابن أبي زمنين في مخطوطة مختصر تفسير ابن سلّام ورقة: 4. قال: «و قد سمعت من أقتدي به من مشايخنا يقول: الإمساك عن تفسيرها أفضل».

(4) الأكل، بضمّ الهمزة و بضمّ الكاف أو إسكانها، هو حظّ الإنسان من هذه الدنيا و رزقه فيها، يقال للميّت:

انقطع أكله. انظر اللسان: (أكل).

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 82

له حيي: هل غير هذا؟ فقال نعم. قال: ما هو؟ قال: المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَ ذِكْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (2) [الأعراف: 1- 2]. فقال: هذا أكثر من الأوّل: هذا إحدى و ثلاثون و مائة سنة؛ نأخذه من حساب الجمّل‏ «1» . قال: هل غير هذا؟ قال:

نعم. قال: ما هو؟ قال: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) [هود:

1]. قال حيي: هذه أكثر من الأولى و الثانية. فنحن نشهد لئن كنت صادقا ما ملك أمتك إلّا إحدى و ثلاثون و مائتا سنة، فاتّق اللّه و لا تقل إلا حقّا. فهل غير هذا؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ‏ (1) [الرعد: 1]. قال حيي: فأنا أشهد أنّا من الذين لا يؤمنون بهذا القول، لأنّ هذه الآية أكثر؟ هذه إحدى و سبعون و مائتا سنة. فلا أدري بأيّ قولك نأخذ، و بأيّ ما أنزل عليك نتّبع. قال أبو ياسر: أمّا أنا فاشهد أنّ ما أنزل اللّه على أنبيائنا أنّه الحقّ، و أنّهم قد بيّنوا على ملك هذه الأمّة و لم يوقّتوا كم يكون أكلهم حتّى كان محمّد، فإن كان محمّد صادقا كما يقول، إنّي لأراه سيجمع لأمّته هذا كلّه: إحدى و سبعين، و إحدى و ثلاثين و مائة، و إحدى و ثلاثين و مائتين، و إحدى و سبعين و مائتين [فهذه‏] «2» سبعمائة و أربع سنين. فقال القوم كلّهم: قد اشتبه علينا أمرك،

(1) الجمّل، بضمّ الجيم و تشديد الميم المفتوحة هو الحساب الخرافي المبني على الحروف المقطّعة أ، ب، ج، د.

انظر اللسان: (جمل). و زعم ابن دريد أنّ الكلمة دخيلة، و تبعه أبو منصور الجواليقي فقال: «أمّا الجمّل من الحساب فلا أحسبه عربيّا فصيحا، و هو ما قطّع على حروف أبي جاد». انظر الجواليقي، المعرّب ص 148.

و حساب الجمّل هذا من مناكير الإسرائيليّات التي يحرم اعتقاد صحّتها. و من العجيب أن نرى اليوم بعض الدجّالين ممّن يدّعي العلم يحاول أن يتنبّأ- اعتمادا على هذه الحروف المقطّعة و الأعداد الوهميّة- بنهاية هذه الأمّة، أى: بقيام الساعة. و هذا كفر صراح و مصادمة وقحة لنصوص القرآن القطعيّة و للآيات البيّنات التي وردت في أمر قيام الساعة. و هذا مما استأثر اللّه بعلمه، و أرشد رسوله- صلّى اللّه عليه و سلّم- أن يقول لمن يسأله عنها: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ، إِلَّا بَغْتَةً ... الآية [الأعراف: 187]. فكيف يزعم زاعم، و إن أوتي من العلم ما أوتي، أنّه يمكن لبشر أن يعرف أكل هذه الأمّة؟ سبحانك ربّي هذا بهتان عظيم!. المحقّق.

(2) زيادة لا بد منها للإيضاح. و في ع: «و مائتين و سبعمائة»، و زيادة الواو هنا خطأ، لأنّه لم يسبق لهذا العدد الأخير ذكر، بل هو مجموع ما سبق من الأعداد. و قاتل اللّه اليهود، فما أشدّ جحودهم و كفرهم و عنادهم! و هذا حديث واه لا قيمة له، ضعّفه كلّ رجال الحديث. انظر مثلا: الطبري ج 1 ص 216، و ابن كثير ج 1 ص 68، و السيوطي، الدر المنثور ج 1 ص 23.

تفسير كتاب الله العزيز، ج‏1، ص: 83

فلا ندري بالقليل نأخذ أم بالكثير.

فذلك قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ‏ [سورة آل عمران: 7] هنّ ثلاث آيات من آخر سورة الأنعام؛ أولاهنّ: * قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى‏ وَ بِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) [وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ‏ (153)] «1» [الأنعام: 151- 153]. هذا في تفسير الكلبي.

و في تفسير غيره من السلف، فإنّه‏ «2» يجعل الأنعام مكّيّة كلّها. و كان هذا الأمر بالمدينة.

قال الكلبيّ: و أمّا المتشابه [ف] «3» (ألمّ) و (ألّمص) و (ألر). قال اللّه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ‏ لهؤلاء النفر من اليهود، ممّا كانوا يحسبون من ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله كم يكون أكل هذه الأمّة؟ و لا يعلم ما كتب اللّه لهذه الأمّة من الأكل، أى: المدّة، إلّا اللّه.

و غير الكلبي يفسّر المتشابهات على وجه آخر. و سنفسّر ذلك في سورة آل عمران إن شاء اللّه.

قوله: ذلِكَ الْكِتابُ: أى هذا الكتاب‏ لا رَيْبَ فِيهِ: أى لا شكّ فيه.

هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏ (2): يعني بيانا للمتّقين الذين يتّقون الشرك؛ يهتدون به إلى الجنّة.

و بلغنا عن ابن مسعود أنّه كان يقرأها: (لا شكّ فيه).

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ: أى: الذين يصدّقون بالبعث و بالحساب و بالجنّة و بالنار، و كلّ هذا غيّب عنهم.

(1) لم تذكر المخطوطات الثلاث ق و ع و د هذه الآية فزدتها حتّى تكمل بها الآيات المحكمات الثلاث.

(2) كذا وردت هذه العبارة في ق و ع و د، و فيها ضعف و اضطراب.

صفحه بعد