کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب


صفحه قبل

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 65

فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ «1» ، على التهكّم. و منه «الهداية»، و هوادي الوحش لمقدماتها. و الفعل منه هدى. و أصله أن يعدى باللام و «الى». فعومل معه، معاملة «أختار»، في قوله تعالى: وَ اخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ‏ «2» «3» .

و من هنا يظهر أن لا فرق بين المتعدي بنفسه و المتعدي بالحرف.

لكن، نقل عن صاحب الكشاف: أن هداه لكذا و الى كذا، انما يقال: إذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية اليه. و هداه كذا، لمن يكون فيه. (فيزداد أو يثبت و لمن لا يكون فيصل. و قد يقال لا نزاع في الاستعمالات الثلاث، الا أن منهم، من فرق بأن معنى المتعدي بنفسه، هو الإيصال الى المطلوب، و لا يكون الا فعل اللّه. فلا يسند الا اليه. كقوله: لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا «4» . و معنى المتعدي بحرف الجر، هو الدلالة على ما يوصل اليه. فيسند تارة الى القرآن و أخرى الى النبي- صلى اللّه عليه و آله-.

«قيل» «5» و هداية اللّه تعالى، تتنوع أنواعا. لا يحصيها عدّ. لكنها تنحصر في أجناس مترتبة:

الأول- افاضة القوى التي يتمكن بها من العبد، الاهتداء الى مصالحه، كالقوى العقلية و الحواس الباطنة و المشاعر الظاهرة.

و الثاني- نصب الدلائل الفارقة، بين الحق و الباطل، و الصلاح و الفساد.

و الثالث- الهداية بإرسال الرسل و انزال الكتب.

الرابع- أن يكشف على قلوبهم السرائر. و يريهم الأشياء، كما هي، بالوحي‏

(1) الصافات/ 23.

(2) الاعراف/ 155.

(3) ر. أنوار التنزيل 1/ 9.

(4) العنكبوت/ 69.

(5) ر. أنوار التنزيل 1/ 10- 9.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 66

و المنامات الصادقة. و هذا القسم يختص بنيله الأنبياء و الأولياء.

و طلب الهداية و غيرها، من المطالب قد يكون بلسان القول. و قد يكون بلسان الاستعداد. فما يكون بلسان الاستعداد، لا يتخلف عنه المطلوب. و ما يكون بلسان القول و وافقه الاستعداد، استجيب. و الا فلا.

فان قلت: فعلى هذا، لا حاجة الى لسان القول.

قلت: يمكن أن يحصل في بعض استعداد المطلوب، من الطلب بلسان القول.

فالاحتياط أن لا يترك الطالب الطلب، بلسان القول. فبالنسبة الى بعض المراتب، يطلب بلسان الاستعداد، و في بعضها بلسان القول- انتهى كلامه.

و طلب الهداية، بعد الاهتداء، فان من خصص «الحمد»، باللّه سبحانه.

و أجرى عليه تلك الصفات العظام. و حصر العبادة و الاستعانة فيه، كان مهتديا، محمول على طلب زيادة الهداية أو الثبات عليها.

و قيل: إذا كان السالك، في مقام السير الى اللّه، و لم يصل الى مطلوبه، فلا شك أن بينه و بين مطلوبه، مسافة، ينبغي أن يقطعها، حتى يصل اليه، فلا بد له من طلب الهداية، ليقطع تلك المسافة. و إذا كان في السير في اللّه، فليس لمطلوبه نهاية. و لا ينتهي سيره أبد الآبدين، فلا بد له- أيضا- من طلب الهداية.

و لا يخفى عليك، أن هذا و ما سبق من التأويل و ما سيأتي منه مبني على ما ذهب اليه الصوفية، من الأصول الفاسدة. و الغرض من نقله، الاطلاع على فساده.

فبالجملة، لا بد من طلبها، و ان كانت حاصلة في بعض المراتب. و هذه الصيغة، موضوعة لطلب الفعل، مطلقا. لكنه من الأعلى أمر، و من الأدنى دعاء، و من المساوي التماس. و اعتبر بعضهم في الامر الاستعلاء، و في الدعاء التضرع، و في الالتماس عدمهما.

و «السراط»: الجادة. سمي به على ما توهم أنه يبتلع سالكه، أو يبتلعه سالكه. كما يقال: أكلته المفازة، إذا أضمرته، أو أهلكته. و أكل المفازة إذا

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 67

قطعها. و لذلك سمي باللقم، لأنه يلتقمهم أو يلتقمونه.

و قيل: يناسب ابتلاع الصراط السالك، السير الى اللّه. فان هذا السير، ينتهي الى فناء السالك، و ذلك هو ابتلاع الصراط ايّاه. و ابتلاع السالك الصراط، يناسب السير في اللّه. فان السالك حينئذ، يبقى ببقاء اللّه سبحانه. و يسير في صفاته. و يتحقق بها. فكأنه يتبلعها و يتغذى بها.

و «الصراط»، من قلب السين، صادا، لأجل الطاء. لأنها مستعلية. فتوافقها الصاد، لكونها- أيضا- من المستعلية. بخلاف السين، فإنها من المنخفضة. ففي الجمع بينهما، بعض الثقل. و يشم الصاد، صوت الزاي، ليكتسى بذلك نوع جهر فيزداد قربها من الطاء. و قيل: ليكون أقرب الى المبدل عنه. و قرئ بهن، جميعا.

و الأفصح، اخلاص الصاد. و هي لغة قريش. و الجمع، سرط، ككتب.

و «الصراط»، يذكر و يؤنث، كالطريق، «1» ، و السبيل. و قرأ ابن مسعود، أرشدنا.

قيل: المراد «بالمستقيم»، ما يؤدي الى المقصود، سواء كان أقرب الطرق، أم لا. فغير المستقيم، ما لا يؤدي الى المقصود، أصلا.

أو المراد، أقرب الطرق، الى المقصود. فان أقرب خط، وصل بين نقطتين، هو المستقيم. فغير المستقيم، على هذا، لا يجب أن يكون من طرق الضلال المطلق. بل يكون أعم.

أو المراد به، أعدل الطرق، و هو غير المائل عنه، يمنة و يسرة.

قيل: فطلب الهداية الى الأول، يناسب أهل السعادة، مطلقا.

و الى الثاني، يناسب المتوجهين اليه، بالوجه الخاص. فانه أقرب الطرق.

و الى الثالث، يناسب طالبي مرتبة الجمع بين الجمع و الفرق. فان طريقهم، غير مائل الى يمين الجمع و لا الى يسار الفرق.

(1) ر. أنوار التنزيل 1/ 10.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 68

و قيل‏ «1» : المراد به، ملة الإسلام.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «2» : و في ما ذكره الفضل من العلل، عن الرضا- عليه السلام- أنه قال‏ : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، استرشاد لدينه. و اعتصام بحبله.

و استزادة في المعرفة، لربه- عز و جل- و لعظمته و كبريائه.

و في مجمع البيان‏ «3» ، قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله‏ -: ان اللّه تعالى، منّ عليّ بفاتحة الكتاب- الى قوله- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، صراط الأنبياء.

و هم الذين أنعم اللّه عليهم.

و فيه‏ «4» : قيل في معنى «الصراط» وجوه. أحدها، أنه كتاب اللّه‏ . و هو المروي عن النبي- صلى اللّه عليه و آله- و عن علي- عليه السلام.

و في تفسير علي بن ابراهيم‏ «5» : في الموثق، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام‏ - اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، قال: الطريق و معرفة الامام.

و بإسناده‏ «6» ، الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال‏ : و اللّه! نحن الصراط المستقيم.

و في كتاب المعاني الأخبار «7» : بإسناده، الى أبي عبد اللّه- عليه السلام‏ - في قول اللّه عز و جل‏ وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏ «8» ، و هو أمير المؤمنين-

(1) ر. الكشاف 1/ 15، أنوار التنزيل 1/ 10

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 204.

(3) مجمع البيان 1/ 31.

(4) نفس المصدر.

(5) تفسير القمي 1/ 28.

(6) نفس المصدر 2/ 66.

(7) معاني الاخبار/ 28، ح 3.

(8) يوجد في المصدر، و هي في الزخرف/ 4.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 69

عليه السلام- في أم الكتاب في قوله- عز و جل- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ .

و بإسناده‏ «1» ، الى المفضل بن عمر، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السلام- عن «الصراط».

فقال: هو الطريق الى المعرفة اللّه- عز و جل. و هما صراطان، صراط في الدنيا، و صراط في الاخرة.

فأما الصراط [الذي‏] «2» في الدنيا، فهو الامام المفترض الطاعة. من عرفه في الدنيا و اقتدى بهداه، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة، و من لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة. فتردى في نار جهنم.

و في تفسير علي بن ابراهيم‏ «3» :- أيضا- بإسناده الى حفص بن غياث، قال‏ :

وصف أبو عبد اللّه- عليه السلام- «الصراط»، فقال: ألف سنة، صعود، و ألف سنة، هبوط، و ألف سنة، حذاك‏ «4» .

و الى سعدان بن مسلم‏ «5» ، عن أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال‏ : سألته عن «الصراط».

قال: هو أدق من الشعر و أحد من السيف. فمنهم من يمر عليه، مثل البرق.

و منهم من يمر عليه، مثل عدو الفرس. و منهم من يمر عليه، ماشيا. و منهم من يمر عليه، حبوا. و منهم من يمر عليه متعلقا، فتأخذ النار منه شيئا و تترك منه شيئا.

(1) نفس المصدر/ 28، ح 1.

(2) يوجد في المصدر.

(3) تفسير القمي 1/ 29.

(4) المصدر: حدال.

(5) تفسير القمي 1/ 29.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 70

و في كتاب معاني الأخبار «1» - أيضا- بإسناده الى أبي عبد اللّه- عليه السلام- قال: الصراط المستقيم، أمير المؤمنين.

حدثنا «2» محمد بن القسم‏ «3» الأسترآبادي المفسر. قال: حدثني يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن سيار «4» ، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- عليهم السلام‏- في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من‏ «5» أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

و الصراط المستقيم، هو الصراطان: صراط في الدنيا، و صراط في الاخرة.

فأما الطريق المستقيم‏ «6» ، في الدنيا، فهو ما قصر عن الغلو، و ارتفع عن التقصير، و استقام، فلم يعدل الى شي‏ء من الباطل.

و «7» الطريق الاخر، [فهو] «8» طريق المؤمنين، الى الجنة، الذي هو مستقيم.

لا يعدلون عن الجنة الى النار، و لا الى غير النار، سوى الجنة.

قال: و قال جعفر بن محمد الصادق- عليه السلام‏ - في قوله- عز و جل:

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ، قال: يقول: أرشدنا الصراط المستقيم. أرشدنا للزوم‏

(1) معاني الاخبار/ 28، ح 2.

(2) نفس المصدر/ 29، ح 4.

(3) المصدر: القاسم.

(4) المصدر: يسار.

(5) ليس في المصدر.

(6) المصدر: و أما الصراط المستقيم.

(7) المصدر: و أما.

(8) يوجد في المصدر.

تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏1، ص: 71

الطريق المؤدي الى محبتك، و المبلغ دينك، و المانع من أن نتبع هوانا «1» ، فنعطب، أو نأخذ بآرائنا، فنهلك.

و بإسناده‏ «2» الى محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: حدثني ثابت الثمالي، عن سيد العابدين، علي بن الحسين- عليهما السلام- قال‏ : نحن أبواب اللّه. و نحن الصراط المستقيم.

و بإسناده‏ «3» الى سعد بن طريف، عن أبى جعفر- عليه السلام- قال: قال رسول اللّه- صلى اللّه عليه و آله‏ : يا علي! إذا كان يوم القيامة، أقعد أنا و أنت و جبرئيل، على الصراط. فلم يجز أحد الا من كان معه كتاب، فيه براءة بولايتك.

و في أصول الكافي‏ «4» : بإسناده الى أبي جعفر- عليه السلام- قال‏ : أوحى اللّه تعالى الى نبيه- صلى اللّه عليه و آله- فاستمسك بالذي أوحى اليك. انك على صراط مستقيم‏ «5» .

قال: انك على ولاية علي- عليه السلام- و علي- عليه السلام- هو «الصراط المستقيم».

علي بن محمد «6» عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي- عليه السلام- قال‏ : قلت:

(1) المصدر: أهواءنا.

(2) نفس المصدر/ 31، ح 5.

(3) نفس المصدر/ 31، ح 6.

(4) الكافي 1/ 416، ح 24.

(5) الزخرف/ 43.

صفحه بعد