کتابخانه تفاسیر
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 199
تفسير سورة ص
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 201
سورة ص مكّيّة و آياتها ستّ أو ثمان و ثمانون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
و في كتاب ثواب الأعمال «1» ، بإسناده عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة ص، في ليلة الجمعة، أعطي من خير الدّنيا و الآخرة ما لم يعط أحد من النّاس، إلّا نبيّ مرسل، أو ملك مقرّب. و أدخله اللّه الجنّة، و كلّ من أحبّ من أهل بيته، حتّى خادمه الّذي يخدمه، و إن كان لم يكن في حدّ عياله، و لا في حدّ من يشفع فيه.
و في مجمع البيان «2» : أبيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: من قرأ سورة ص، أعطي من الأجر بوزن كلّ جبل سخّره اللّه لداود حسنات. و عصمه اللّه أن يصرّ على ذنب صغير أو كبير.
ص :
و قرئ «3» بالكسر، لالتقاء السّاكنين.
و قيل «4» : لأنّه أمر من المصاداة، بمعنى: المعارضة. و منه: الصّدى، فإنّه يعارض الصّوت الأوّل. أي: عارض القرآن بعملك. و بالفتح، لذلك، أو لحذف حرف القسم،
(1) ثواب الأعمال/ 139، ح 1.
2 و 3- المجمع 4/ 463.
(4) أنوار التنزيل 2/ 303.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 202
و إيصال فعله إليه، أو إضماره و الفتح في موضع الجرّ، فإنّها غير مصروفة، لأنّها علم السّورة. و بالجرّ على تأويل الكتاب.
و في كتاب معاني الأخبار «1» ، بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و أمّا ص فعين تنبع من تحت العرش. و هي الّتي توضّأ منها النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا عرج به. و يدخلها جبرئيل كلّ يوم دخلة. فينغمس فيها، ثمّ يخرج منها، فينفض أجنحته. فليس من قطرة تقطر من أجنحته، إلّا خلق اللّه- تبارك و تعالى- منها ملكا يسبّح اللّه، و يدّسه و يكبّره و يحمّده إلى يوم القيامة.
و في مجمع البيان «2» : ص . اختلفوا في معناه. فقيل: هو اسم السّورة. و قيل غير ذلك، على ما ذكرناه في أوّل البقرة.
قال ابن عبّاس «3» : هو اسم من أسماء اللّه- تعالى- أقسم به. و روي ذلك عن الصّادق- عليه السّلام.
و في كتاب علل الشّرائع «4» ، بإسناده إلى إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: كيف صارت الصّلاة ركعة و سجدتين؟ و كيف إذا صارت سجدتين، لم تكن ركعتين؟
فقال: إذا سألت عن شيء، ففرّغ قلبك، لتفهم. إنّ أوّل صلاة صلّاها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إنّما صلّاها في السّماء بين يدي اللّه- تبارك و تعالى- قدّام عرشه- جلّ جلاله. و ذلك أنّه لمّا أسري به، و صار عند عرشه- تبارك و تعالى- [فتجلّى له عن وجهه، حتّى رآه بعينه،] «5» قال: يا محمّد ادن من صاد، فاغسل مساجدك، و طهّرها. و صلّ لربّك. فدنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى حيث أمره اللّه- تبارك و تعالى- فتوضّأ، و أسبغ وضوءه.
قلت: جعلت فداك، و ما صاد «6» الّذي أمره أن يغتسل منه؟
فقال: عين تنفجر من ركن من أركان كالعرش يقال له: ماء الحياة. و هو ما قال اللّه
(1) المعاني/ 22، ح 1.
(2) المجمع 4/ 465.
(3) نفس المصدر و الموضع.
(4) العلل 2/ 334، ح 1.
(5) من المصدر.
(6) المصدر: صار.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 203
- عزّ و جلّ-: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ .
و الحديث طويل. أخذت منه موضع الحاجة.
وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1):
الواو للقسم، إن جعل ص اسما للحرف «1» مذكورا للتّحدّي، أو للرّمز بكلامه- مثل: صدق محمّد- أو للسّورة خبر المحذوف أو لفظ الأمر. و للعطف، إن جعل مقسما به، و الجواب محذوف دلّ عليه ما في «ص» من الدّلالة على التّحدّي، أو الأمر بالمعادلة- أي: أنّه لمعجز، أو لواجب العمل به، أو أنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- لصادق- أو قوله:
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ (2)، أي: ما كفر به من كفر، لخلل وجده فيه، بل الّذين كفروا به في عزّة- أي: في استكبار عن الحقّ- و شقاق و خلاف للّه و لرسوله. و لذلك كفروا به. و على الأوّلين، إضراب- أيضا- من الجواب المقدّر، و لكن من حيث إشعاره بذلك.
و المراد ب «الذّكر» العظة «2» ، أو الشّرف و الشّهرة، أو ذكر ما يحتاج إليه في الدّين من العقائد و الشّرائع و المواعيد.
و التّنكير في عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ للدّلالة على شدّتهما.
و قرئ «3» : «في غرّة»، أي: غفلة عمّا يجب عليهم النّظر فيه.
كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ :
وعيد لهم على كفرهم به، استكبارا و شقاقا.
فَنادَوْا ، استغاثة، أو توبة، أو استغفارا.
وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ (3)، أي: ليس الحين حين مناص.
«لا» هي المشبّهة بليس، زيد عليها تاء التّأنيث للتأكيد، كما زيدت على ربّ و ثمّ، و خصّت بلزوم الأحيان و حذف أحد المعمولين.
و قيل «4» : هي النّافية للجنس. أي: و لا حين مناص لهم.
(1) كذا في أنوار التنزيل 2/ 303. و في النسخ زيادة: أو.
(2) كذا في أنوار التنزيل 2/ 303. و في النسخ:
العظمة.
(3) نفس المصدر و الموضع.
(4) أنوار التنزيل 2/ 304.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 204
و قيل «1» : للفعل، و النّصب بإضماره. أي: و لا أرى حين مناص.
و قرئ «2» بالرّفع، على أنّه اسم «لا»، أو مبتدأ محذوف الخبر. أي: ليس حين مناص حاصلا لهم. أو: لا حين مناص كائن لهم. و بالكسر، كقوله:
طلبوا صلحنا و لات أوان
فأجبنا أن لات حين بقاء
إمّا لأنّ «لات» تجرّ الأحيان، كما أنّ «لو لا» تجرّ الضّمائر في نحو قوله:
لولاك هذا العام لم أحج «3»
أو لأنّ أوان شبّه بإذ، لأنّه مقطوع عن الإضافة، إذ أصله: أوان صلح. ثمّ حمل عليه مناص، تنزيلا لما أضيف إليه الظّرف منزلته لما بينهما من الاتّحاد، إذ أصله: حين مناصهم. ثمّ بني الحين لإضافته إلى غير متمكّن.
و «لات» بالكسر، كجير. و تقف الكوفيّة عليها بالحاء- كالأسماء- و البصريّة بالتّاء، كالأفعال.
و قيل «4» : إنّ التّاء مزيدة على «حين» لاتّصالها به في قرآن عثمان، و لقوله:
العاطفون تحين لا من عاطف
و المطعمون زمان ما من مطعم
و المناص: المنجا. من ناصه ينوصه: إذا فاته.
وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ : بشر مثلهم. أو: أمّي من عدادهم.
وضع فيه الظّاهر موضع الضّمير، غضبا عليهم، و ذمّا لهم، و إشعارا بانّ كفرهم جرّأهم على هذا القول.
هذا ساحِرٌ فيما يظهره معجزة. كَذَّابٌ (4) فيما يقوله على اللّه.
أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، بأن جعل الألوهيّة الّتي كانت لهم لواحد.
إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5): بليغ في العجب، فإنّه خلاف ما أطبق عليه آباؤنا، و ما نشاده من أنّ الواحد لا يفي علمه و قدرته بالأشياء الكثيرة.
و قرئ «5» مشدّدا. و هو أبلغ، ككرام و كرّام.
(1) أنوار التنزيل 2/ 304.
(2) نفس المصدر و الموضع.
(3) المصدر: لم أحجج.
(4) أنوار التنزيل 2/ 304.
(5) نفس المصدر و الموضع.
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج11، ص: 205
في مجمع البيان «1» : قال المفسّرون: إنّ أشراف قريش- و هم خمسة و عشرون، منهم الوليد بن المغيرة و هو أكبرهم، و أبو جهل، و أبيّ و أميّة ابنا خلف، و عتبة و شيبة ابنا ربيعة، و النّضر بن الحارث- أتوا أبا طالب، و قالوا: أنت شيخنا و كبيرنا، و قد أتيناك لتقضي بيننا و بين ابن أخيك، فإنّه سفّه أحلامنا، و شتم آلهتنا. فدعا أبو طالب برسول اللّه، و قال: يا ابن أخي، هؤلاء قومك يسألونك. فقال: و ما ذا يسألونني؟ قالوا: دعنا و آلهتنا، ندعك و إلهك. فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: أ تعطونني كلمة واحدة تملكون بها العرب و العجم. فقال أبو جهل: للّه أبوك، نعطيك ذلك و عشر أمثالها! فقال: قولوا: لا إله إلّا اللّه. فقاموا و قالوا: أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً . فنزلت هذه الآيات.
وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ : و انطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب، بعد ما بكتهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أَنِ امْشُوا : قائلين بعضهم لبعض: امشوا، وَ اصْبِرُوا : و اثبتوا عَلى آلِهَتِكُمْ : على عبادتها، فلا تنفعكم مكالمته.
و «أن» هي المفسّرة، لأنّ الانطلاق عن مجلس التّقاول يشعر بالقول.
و قيل «2» : المراد بالانطلاق: الاندفاع في القول. «و امشوا»، من: مشت المرأة: إذا كثرت ولادتها. و منه: الماشية. أي: اجتمعوا.
و قرئ «3» بغير «أن». و قرئ «4» : «يمشيون أن اصبروا».
إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6): إنّ هذا لشيء من ريب الزّمان يراد بنا، فلا مردّ له. أو: إنّ هذا الّذي يدّعيه من التّوحيد، أو يقصده من الرّئاسة و التّرفّع على العرب و العجم، لشيء يتمنّى، أو يريده كلّ أحد. أو: إنّ دينكم يطلب ليؤخذ منكم.
ما سَمِعْنا بِهذا : بالّذي يقوله فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ : في الملّة الّتي أدركنا عليها آباءنا. أو: في ملّة عيسى الّتي هي آخر الملل. فإنّ النّصارى يثلّثون.
و يجوز أن يكون حالا «5» من «هذا». أي: ما سمعنا من أهل الكتاب و لا الكهّان بالتّوحيد كائنا في الملّة المترقّبة.
إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ (7): كذب اختلقه.
و في أصول الكافي «6» : أبو عليّ الأشعري، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن محمّد بن أبي
(1) المجمع/ 465.
(2) أنوار التنزيل 2/ 305.
3 و 4- نفس المصدر و الموضع.
(5) ليس في ق.