کتابخانه روایات شیعه
الشيطان و تعاون فيها أهل الإفك و العدوان فتخاذل في إنكارها أهل الإيمان و كان ذلك تأويل قول الله عز اسمه وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً 517 (فصل) و فيما عددناه من مناقب أمير المؤمنين ع بعد الذي تقدم ذكره من ذلك في حجة الوداع أدل دليل على تخصصه ع فيها بما لم يشركه فيه أحد من الأنام إذ كان كل واحد منه بابا من الفضل قائما بنفسه غير محتاج في معناه إلى سواه.
أ لا ترى أن تحققه ع بالنبي ص في مرضه إلى أن توفاه الله يقتضي فضله في الدين و القربى من النبي ص بالأعمال المرضية الموجبة لسكونه إليه و تعويله في أمره عليه و انقطاعه عن الكافة في تدبير نفسه إليه و اختصاصه من مودته بما لم يشركه فيه من عداه ثم وصيته إليه بما وصاه بعد أن عرض ذلك على غيره فأباه و تحمله أعباء حقوقه فيه و ضمانه للقيام به و أداء الأمانة فيما تولاه و تخصصه بإخوة رسول الله ص و صحبته المرضية حين دعاه و إيداعه من علوم الدين ما أفرده به ممن سواه و تولى غسله و جهازه إلى الله و سبق الكافة إلى الصلاة عليه و تقدمهم في ذلك بمنزلته عنده و عند الله تعالى و دلالة الأمة على كيفية
الصلاة عليه و قد التبس الأمر عليهم في ذلك و إرشاده لهم إلى موضع دفنه مع الاختلاف الذي كان بينهم فيه فانقادوا إلى ما دعاهم إليه من ذلك و رآه فصار بذلك كله أوحدا في فضله و أكمل به من مآثره في الإسلام ما ابتدأه في أوله إلى وفاة النبي ص و حصل له به نظام الفضائل على الاتساق و لم يتخلل شيئا من أعماله في الدين فتور 518 و لا شأن فضله ع فيما عددناه قصور عن غاية في مناقب الإيمان و فضائل الإسلام و هذا لاحق بالمعجز الباهر الخارق للعادات و هو مما لا يوجد مثله إلا لنبي مرسل أو ملك مقرب و من لحق بهما في درج الفضائل عند الله تعالى إذ كانت العادة جارية فيمن عدا الأصناف الثلاثة بخلاف ذلك على الاتفاق من ذوي العقول و الألسن و العادات و الله نسأل التوفيق و به نعتصم من الضلال
[فصل في قضاء علي ع]
(فصل) فأما الأخبار التي جاءت بالباهر من قضاياه ع في الدين و أحكامه التي افتقر إليه في علمها كافة المؤمنين بعد الذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدمه في العلم و تبريزه على الجماعة بالمعرفة و الفهم و فزع علماء الصحابة إليه فيما أعضل من ذلك و التجائهم إليه فيه و تسليمهم له القضاء به فهي أكثر من أن تحصى و أجل من أن تتعاطى و أنا مورد منها جملة تدل على ما بعدها إن شاء الله.
[في قضاء علي ع أيام رسول الله ص]
فمن ذلك:
ما رواه نقلة الآثار من العامة و الخاصة في قضاياه و رسول الله ص حي فصوبه فيها و حكم له بالحق فيما قضاه و دعا له بخير و أثنى عليه به و أبانه بالفضل في ذلك من الكافة و دل به على استحقاقه الأمر من بعده و وجوب تقدمه على من سواه في مقام الإمامة كما تضمن ذلك التنزيل فيما دل على معناه و عرف به ما حواه التأويل حيث يقول الله عز اسمه أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ 519 و قوله تعالى ذكره قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ 520 و قوله تعالى سبحانه في قصة آدم ع و قد قالت الملائكة أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 521 .
فنبه الله سبحانه الملائكة على أن آدم أحق بالخلافة منهم لأنه أعلم منهم بالأسماء و أفضلهم في علم الأنباء.
فجعل جهة حقه في التقدم عليهم ما زاده الله من البسطة في العلم و الجسم و اصطفاءه إياه على كافتهم بذلك فكانت هذه الآيات موافقة لدلائل العقول في أن الأعلم أحق بالتقدم في محل الإمامة ممن لا يساويه في العلم و دلت على وجوب تقدم أمير المؤمنين ع على كافة المسلمين في خلافة الرسول ص و إمامة الأمة لتقدمه عليهم في العلم و الحكمة و قصورهم عن منزلته في ذلك
[قضاء علي ع في اليمن]
(فصل) فمما جاءت به الرواية في قضاياه و النبي ص حي موجود-
أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ص تَقْلِيدَهُ قَضَاءَ الْيَمَنِ وَ إِنْفَاذَهُ إِلَيْهِمْ لِيُعَلِّمَهُمُ الْأَحْكَامَ وَ يُعَرِّفَهُمُ 523 الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ وَ يَحْكُمَ فِيهِمْ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع تُنْفِذُنِي 524
يَا رَسُولَ اللَّهِ لِلْقَضَاءِ وَ أَنَا شَابٌّ وَ لَا عِلْمَ لِي بِكُلِّ الْقَضَاءِ فَقَالَ لَهُ ادْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَضَرَبَ عَلَى صَدْرِهِ بِيَدِهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَ ثَبِّتْ لِسَانَهُ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فَمَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَقَامِ 525 .
وَ لَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِهِ الدَّارُ بِالْيَمَنِ وَ نَظَرَ فِيمَا نَدَبَهُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ص مِنَ الْقَضَاءِ وَ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ رَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ بَيْنَهُمَا جَارِيَةٌ يَمْلِكَانِ رِقَّهَا عَلَى السَّوَاءِ قَدْ جَهِلَا حَظْرَ وَطْئِهَا فَوَطِئَاهَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُمَا جَوَازَ ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِمَا بِالْإِسْلَامِ وَ قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمَا بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الشَّرِيعَةُ مِنَ الْأَحْكَامِ فَحَمَلَتِ الْجَارِيَةُ وَ وَضَعَتْ غُلَاماً فَاخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِيهِ فَقَرَعَ عَلَى الْغُلَامِ بِاسْمَيْهِمَا فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمَا فَأَلْحَقَ الْغُلَامَ بِهِ وَ أَلْزَمَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ عَبْداً لِشَرِيكِهِ وَ قَالَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا أَقْدَمْتُمَا عَلَى مَا فَعَلْتُمَاهُ بَعْدَ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمَا بِحَظْرِهِ لَبَالَغْتُ فِي عُقُوبَتِكُمَا وَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ص هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فَأَمْضَاهَا وَ أَقَرَّ الْحُكْمَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يَقْضِي عَلَى سُنَنِ دَاوُدَ ع وَ سَبِيلِهِ فِي الْقَضَاءِ.
- يعني القضاء بالإلهام الذي هو في معنى الوحي و نزول النص به أن لو نزل على الصريح 526 .
ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ ع وَ هُوَ بِالْيَمَنِ خَبَرُ زُبْيَةٍ 527 حُفِرَتْ لِلْأَسَدِ فَوَقَعَ فِيهَا فَغَدَا النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَقَفَ عَلَى شَفِيرِ الزُّبْيَةِ رَجُلٌ فَزَلَّتْ قَدَمُهُ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ وَ تَعَلَّقَ الْآخَرُ بِثَالِثٍ وَ تَعَلَّقَ الثَّالِثُ بِالرَّابِعِ فَوَقَعُوا فِي الزُّبْيَةِ فَدَقَّهُمُ الْأَسَدُ وَ هَلَكُوا جَمِيعاً فَقَضَى ع أَنَّ الْأَوَّلَ فَرِيسَةُ الْأَسَدِ وَ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِلثَّانِي وَ عَلَى الثَّانِي ثُلُثَا الدِّيَةِ لِلثَّالِثِ وَ عَلَى الثَّالِثِ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلرَّابِعِ فَانْتَهَى الْخَبَرُ بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَقَدْ قَضَى أَبُو الْحَسَنِ فِيهِمْ بِقَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَوْقَ عَرْشِهِ 528 .
ثُمَّ رُفِعَ إِلَيْهِ خَبَرُ جَارِيَةٍ حَمَلَتْ جَارِيَةً عَلَى عَاتِقِهَا عَبَثاً وَ لَعِباً فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ أُخْرَى فَقَرَصَتِ الْحَامِلَةَ فَقَفَزَتْ 529 لِقَرْصَتِهَا فَوَقَعَتِ الرَّاكِبَةُ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا وَ هَلَكَتْ فَقَضَى ع عَلَى الْقَارِصَةِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَ عَلَى الْقَامِصَةِ 530 بِثُلُثِهَا وَ أَسْقَطَ الثُّلُثَ الْبَاقِيَ بِقُمُوصِ الرَّاكِبَةِ لِرُكُوبِ الْوَاقِعَةِ 531 عَبَثاً الْقَامِصَةَ وَ بَلَغَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ص فَأَمْضَاهُ وَ شَهِدَ لَهُ بِالصَّوَابِ بِهِ 532 .
وَ قَضَى ع فِي قَوْمٍ وَقَعَ عَلَيْهِمْ حَائِطٌ فَقَتَلَهُمْ وَ كَانَ فِي جَمَاعَتِهِمُ امْرَأَةٌ مَمْلُوكَةٌ وَ أُخْرَى حُرَّةٌ وَ كَانَ لِلْحُرَّةِ وَلَدٌ طِفْلٌ مِنْ حُرٍّ وَ لِلْجَارِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَدٌ طِفْلٌ مِنْ مَمْلُوكٍ فَلَمْ يُعْرَفِ الْحُرُّ مِنَ الطِّفْلَيْنِ مِنَ الْمَمْلُوكِ فَقَرَعَ بَيْنَهُمَا وَ حَكَمَ بِالْحُرِّيَّةِ لِمَنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا وَ حَكَمَ بِالرِّقِّ لِمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ سَهْمُ الرِّقِّ مِنْهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ وَ جَعَلَهُ مَوْلَاهُ وَ حَكَمَ فِي مِيرَاثِهِمَا بِالْحُكْمِ فِي الْحُرِّ وَ مَوْلَاهُ فَأَمْضَى رَسُولُ اللَّهِ ص عَلَيْهِ هَذَا الْقَضَاءَ وَ صَوَّبَهُ حَسَبَ إِمْضَائِهِ 533 .
ما أسلفنا ذكره و وصفناه
[قضاء علي ع في قضية خاصة]
(فصل)
وَ جَاءَتِ الْآثَارُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ ص فِي بَقَرَةٍ قَتَلَتْ حِمَاراً فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ بَقَرَةُ هَذَا الرَّجُلِ قَتَلَتْ حِمَارِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ع اذْهَبَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَاسْأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ قَصَّا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمَا فَقَالَ كَيْفَ تَرَكْتُمَا رَسُولَ اللَّهِ ص وَ جِئْتُمَانِي قَالا هُوَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُمَا بَهِيمَةٌ قَتَلَتْ بَهِيمَةً لَا شَيْءَ عَلَى رَبِّهَا.