کتابخانه روایات شیعه
وَ كَانَا ع حُجَّةَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ع فِي الْمُبَاهَلَةِ وَ حُجَّةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ أَبِيهِمَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنيِنَ ع عَلَى الْأُمَّةِ فِي الدِّينِ وَ الْإِسْلَامِ وَ الْمِلَّةِ
وَ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ رِجَالِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع لِأَصْحَابِهِ : إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَدِينَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَ الْأُخْرَى فِي الْمَغْرِبِ فِيهِمَا خَلْقٌ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ لَهُ قَطُّ وَ اللَّهِ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا حُجَّةٌ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ غَيْرِي وَ غَيْرُ أَخِي الْحُسَيْنِ 1066 .
وَ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَنِ الْحُسَيْنِ ع أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِ ابْنِ زِيَادٍ: مَا بَالُكُمْ 1067 تَنَاصَرُونَ عَلَيَّ أَمَ وَ اللَّهِ لَئِنْ قَتَلْتُمُونِي لَتَقْتُلُنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ لَا وَ اللَّهِ مَا بَيْنَ جَابَلْقَا وَ جَابَرْسَا ابْنُ نَبِيٍّ احْتَجَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ غَيْرِي 1068 .
يعني بجابلقا و جابرسا المدينتين اللتين ذكرهما الحسن أخوه ع و كان من برهان كمالهما و حجة اختصاص الله لهما بعد الذي ذكرناه من مباهلة رسول الله ص بهما بيعة رسول الله لهما و لم يبايع صبيا في ظاهر الحال غيرهما و نزول القرآن بإيجاب
ثواب الجنة لهما على عملهما مع ظاهر الطفولية فيهما و لم ينزل بذلك في مثلهما قال الله عز اسمه في سورة هل أتى وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً 1069 فعمهما هذا القول مع أبيهما و أمهما ع و تضمن الخبر نطقهما في ذلك و ضميرهما الدالين على الآية الباهرة فيهما و الحجة العظمى على الخلق بهما كما تضمن الخبر عن نطق المسيح ع في المهد و كان حجة لنبوته و اختصاصه من الله بالكرامة الدالة على محله عنده في الفضل و مكانه.
وَ قَدْ صَرَّحَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِالنَّصِّ عَلَى إِمَامَتِهِ وَ إِمَامَةِ أَخِيهِ مِنْ قَبْلِهِ بِقَوْلِهِ : ابْنَايَ هَذَانِ إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا.
و دلت وصية الحسن ع إليه على إمامته كما دلت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن على إمامته بحسب ما دلت وصية رسول الله ص إلى أمير المؤمنين على إمامته من بعده
[فصل في انتهاء الهدنة بموت معاوية و دعاء الإمام الحسين ع للجهاد]
(فصل)
فَكَانَتْ إِمَامَةُ الْحُسَيْنِ ع بَعْدَ وَفَاةِ أَخِيهِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ ثَابِتَةً وَ طَاعَتُهُ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ لَازِمَةً وَ إِنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى نَفْسِهِ ع
لِلتَّقِيَّةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَ الْهُدْنَةِ الْحَاصِلَةِ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَالْتَزَمَ الْوَفَاءَ بِهَا وَ جَرَى فِي ذَلِكَ مَجْرَى أَبِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ ثُبُوتِ إِمَامَتِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ ص مَعَ الصُّمُوتِ وَ إِمَامَةِ أَخِيهِ الْحَسَنِ ع بَعْدَ الْهُدْنَةِ مَعَ الْكَفِّ وَ السُّكُوتِ فَكَانُوا فِي ذَلِكَ عَلَى سُنَنِ نَبِيِّ اللَّهِ ص وَ هُوَ فِي الشِّعْبِ مَحْصُورٌ وَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مُهَاجِراً مِنْ مَكَّةَ مُسْتَخْفِياً فِي الْغَارِ وَ هُوَ مِنْ أَعْدَائِهِ مَسْتُورٌ.
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ تَمْنَعُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع مِنَ الدَّعْوَةِ إِلَى نَفْسِهِ أَظْهَرَ أَمْرَهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَ أَبَانَ عَنْ حَقِّهِ لِلْجَاهِلِينَ بِهِ حَالًا بِحَالٍ إِلَى أَنِ اجْتَمَعَ لَهُ فِي الظَّاهِرِ الْأَنْصَارُ فَدَعَا ع إِلَى الْجِهَادِ وَ شَمَّرَ 1070 لِلْقِتَالِ وَ تَوَجَّهَ بِوُلْدِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ حَرَمِ اللَّهِ وَ حَرَمِ رَسُولِهِ نَحْوَ الْعِرَاقِ لِلِاسْتِنْصَارِ بِمَنْ دَعَاهُ مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَ قَدَّمَ أَمَامَهُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ أَرْضَاهُ لِلدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَ الْبَيْعَةِ لَهُ عَلَى الْجِهَادِ فَبَايَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ وَ عَاهَدُوهُ وَ ضَمِنُوا لَهُ النُّصْرَةَ وَ النَّصِيحَةَ وَ وَثِقُوا لَهُ فِي ذَلِكَ وَ عَاقَدُوهُ ثُمَّ لَمْ تَطُلِ الْمُدَّةُ بِهِمْ حَتَّى نَكَثُوا بَيْعَتَهُ وَ خَذَلُوهُ وَ أَسْلَمُوهُ فَقُتِلَ بَيْنَهُمْ وَ لَمْ يَمْنَعُوهُ وَ خَرَجُوا إِلَى الْحُسَيْنِ ع فَحَصَرُوهُ وَ مَنَعُوهُ الْمَسِيرَ فِي بِلَادِ اللَّهِ وَ اضْطَرُّوهُ إِلَى حَيْثُ لَا يَجِدُ نَاصِراً وَ لَا مَهْرَباً مِنْهُمْ وَ حَالُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مَاءِ الْفُرَاتِ حَتَّى تَمَكَّنُوا مِنْهُ وَ قَتَلُوهُ فَمَضَى ع ظَمْآنَ مُجَاهِداً صَابِراً
مُحْتَسِباً مَظْلُوماً قَدْ نُكِثَتْ بَيْعَتُهُ وَ اسْتُحِلَّتْ حُرْمَتُهُ وَ لَمْ يُوفَ لَهُ بِعَهْدٍ وَ لَا رُعِيَتْ 1071 فِيهِ ذِمَّةُ عَقْدٍ شَهِيداً عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَبُوهُ وَ أَخُوهُ عَلَيْهِمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ التَّسْلِيمِ.
[فصل في بيان مختصر من الأخبار من دعوته ع و ما أخذه على الناس في الجهاد من بيعته و ذكر جملة من أمره و خروجه و مقتله]
(فصل) فمن مختصر الأخبار التي جاءت بسبب دعوته ع و ما أخذه على الناس في الجهاد من بيعته و ذكر جملة من أمره و خروجه و مقتله
[ما جرى بين الإمام الحسين ع و مروان]
مَا رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ وَ الْمَدَائِنِيُّ وَ غَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السِّيرَةِ قَالُوا : لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ع تَحَرَّكَتِ الشِّيعَةُ بِالْعِرَاقِ وَ كَتَبُوا إِلَى الْحُسَيْنِ ع فِي خَلْعِ مُعَاوِيَةَ وَ الْبَيْعَةِ لَهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ وَ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ عَهْداً وَ عَقْداً لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ فَإِنْ مَاتَ مُعَاوِيَةُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ.
فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَ ذَلِكَ لِلنِّصْفِ 1072 مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَ كَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَأْخُذَ الْحُسَيْنَ ع بِالْبَيْعَةِ لَهُ وَ لَا يُرَخِّصَ لَهُ فِي التَّأَخُّرِ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْفَذَ الْوَلِيدُ إِلَى الْحُسَيْنِ ع فِي اللَّيْلِ فَاسْتَدْعَاهُ فَعَرَفَ الْحُسَيْنُ الَّذِي أَرَادَ فَدَعَا جَمَاعَةً مِنْ مَوَالِيهِ وَ أَمَرَهُمْ بِحَمْلِ السِّلَاحِ وَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ الْوَلِيدَ قَدِ
اسْتَدْعَانِي فِي هَذَا الْوَقْتِ وَ لَسْتُ آمَنُ أَنْ يُكَلِّفَنِي فِيهِ أَمْراً لَا أُجِيبُهُ إِلَيْهِ وَ هُوَ غَيْرُ مَأْمُونٍ فَكُونُوا مَعِي فَإِذَا دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَاجْلِسُوا عَلَى الْبَابِ فَإِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتِي قَدْ عَلَا فَادْخُلُوا عَلَيْهِ لِتَمْنَعُوهُ مِنِّي.
فَصَارَ الْحُسَيْنُ ع إِلَى الْوَلِيدِ فَوَجَدَ عِنْدَهُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَنَعَى الْوَلِيدُ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةَ فَاسْتَرْجَعَ الْحُسَيْنُ ع ثُمَّ قَرَأَ كِتَابَ يَزِيدَ وَ مَا أَمَرَهُ فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْبَيْعَةِ مِنْهُ لَهُفَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ إِنِّي لَا أَرَاكَ تَقْنَعُ بِبَيْعَتِي لِيَزِيدَ سِرّاً حَتَّى أُبَايِعَهُ جَهْراً فَيَعْرِفَ النَّاسُ ذَلِكَ- فَقَالَ الْوَلِيدُ لَهُ أَجَلْ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع فَتُصْبِحُ وَ تَرَى رَأْيَكَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ انْصَرِفْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى تَأْتِيَنَا مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ.
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ وَ اللَّهِ لَئِنْ فَارَقَكَ الْحُسَيْنُ السَّاعَةَ وَ لَمْ يُبَايِعْ لَا قَدَرْتَ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهَا أَبَداً حَتَّى يَكْثُرَ الْقَتْلَى بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ احْبِسِ الرَّجُلَ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ عِنْدِكَ حَتَّى يُبَايِعَ أَوْ تَضْرِبَ عُنُقَهُ فَوَثَبَ عِنْدَ ذَلِكَ الْحُسَيْنُ ع وَ قَالَ أَنْتَ يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ تَقْتُلُنِي أَوْ هُوَ كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ أَثِمْتَ وَ خَرَجَ يَمْشِي وَ مَعَهُ 1073 مَوَالِيهِ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ.
فَقَالَ مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ عَصَيْتَنِي لَا وَ اللَّهِ لَا يُمَكِّنُكَ مِثْلَهَا مِنْ نَفْسِهِ أَبَداً فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ الْوَيْحُ لِغَيْرِكَ 1074 يَا مَرْوَانُ إِنَّكَ اخْتَرْتَ لِيَ الَّتِي فِيهَا هَلَاكُ دِينِي وَ اللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَ غَرَبَتْ عَنْهُ مِنْ مَالِ الدُّنْيَا وَ مُلْكِهَا وَ أَنِّي قَتَلْتُ حُسَيْناً سُبْحَانَ اللَّهِ أَقْتُلُ حُسَيْناً أَنْ
قَالَ لَا أُبَايِعُ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ امْرَأً يُحَاسَبُ بِدَمِ الْحُسَيْنِ خَفِيفُ الْمِيزَانِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ فَإِذَا كَانَ هَذَا رَأْيَكَ فَقَدْ أَصَبْتَ فِيمَا صَنَعْتَ يَقُولُ هَذَا وَ هُوَ غَيْرُ الْحَامِدِ لَهُ فِي رَأْيِهِ. 1075 فَأَقَامَ الْحُسَيْنُ ع فِي مَنْزِلِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَ هِيَ لَيْلَةُ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَ اشْتَغَلَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بِمُرَاسَلَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْبَيْعَةِ لِيَزِيدَ وَ امْتِنَاعِهِ عَلَيْهِ وَ خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ لَيْلَتِهِ عَنِ الْمَدِينَةِ مُتَوَجِّهاً إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا أَصْبَحَ الْوَلِيدُ سَرَّحَ فِي أَثَرِهِ الرِّجَالَ فَبَعَثَ رَاكِباً مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِباً فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ فَرَجَعُوا.
فَلَمَّا كَانَ آخِرُ نَهَارِ يَوْمِ 1076 السَّبْتِ بَعَثَ الرِّجَالَ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع لِيَحْضُرَ فَيُبَايِعَ الْوَلِيدَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ أَصْبِحُوا ثُمَّ تَرَوْنَ وَ نَرَى فَكَفُّوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَنْهُ وَ لَمْ يُلِحُّوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ ع مِنْ تَحْتِ لَيْلَتِهِ وَ هِيَ لَيْلَةُ الْأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ رَجَبٍ مُتَوَجِّهاً نَحْوَ مَكَّةَ وَ مَعَهُ بَنُوهُ وَ إِخْوَتُهُ وَ بَنُو أَخِيهِ وَ جُلُّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمَّا عَلِمَ عَزْمَهُ عَلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَتَوَجَّهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَخِي أَنْتَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَ أَعَزُّهُمْ عَلَيَّ وَ لَسْتُ أَدَّخِرُ النَّصِيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا لَكَ وَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهَا تَنَحَّ بِبَيْعَتِكَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ عَنِ الْأَمْصَارِ مَا اسْتَطَعْتَ ثُمَّ ابْعَثْ رُسُلَكَ إِلَى النَّاسِ فَادْعُهُمْ إِلَى نَفْسِكَ فَإِنْ تَابَعَكَ النَّاسُ وَ بَايَعُوا لَكَ حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وَ إِنْ
أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِكَ لَمْ يَنْقُصِ اللَّهُ بِذَلِكَ دِينَكَ وَ لَا عَقْلَكَ وَ لَا تَذْهَبُ بِهِ مُرُوءَتُكَ وَ لَا فَضْلُكَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَدْخُلَ مِصْراً مِنْ هَذِهِ الْأَمْصَارِ فَيَخْتَلِفَ النَّاسُ بَيْنَهُمْ فَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مَعَكَ وَ أُخْرَى عَلَيْكَ فَيَقْتَتِلُونَ فَتَكُونُ أَنْتَ لِأَوَّلِ الْأَسِنَّةِ فَإِذَا خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا نَفْساً وَ أَباً وَ أُمّاً أَضْيَعُهَا دَماً وَ أَذَلُّهَا أَهْلًا فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع فَأَيْنَ أَذْهَبُ يَا أَخِي قَالَ انْزِلْ مَكَّةَ فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ بِكَ الدَّارُ بِهَا فَسَبِيلُ ذَلِكَ وَ إِنْ نَبَتْ بِكَ 1077 لَحِقْتَ بِالرِّمَالِ وَ شَعَفِ الْجِبَالِ وَ خَرَجْتَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ النَّاسِ إِلَيْهِ 1078 فَإِنَّكَ أَصْوَبُ مَا تَكُونُ رَأْياً حِينَ تَسْتَقْبِلُ الْأَمْرَ اسْتِقْبَالًا فَقَالَ يَا أَخِي قَدْ نَصَحْتَ وَ أَشْفَقْتَ وَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَأْيُكَ سَدِيداً مُوَفَّقاً.
[خروج الإمام الحسين ع من المدينة و مسيره إلى مكة]