کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين

المجلد السابع

سورة فصلت مكية و هي ثلاث و خمسون آية سورة الدخان مكية و قيل إلا إنا كاشفوا العذاب الآية و هي ست أو سبع أو تسع و خمسون آية سورة الجاثية مكية إلا قل للذين آمنوا الآية. و هي ست سبع و ثلاثون آية سورة محمد مدنية إلا و كأين من قرية الآية. أو مكية. و هي ثمان أو تسع و ثلاثون آية سورة الحجرات مدنية و هي ثمان عشر آية سورة الذاريات مكية و هي ستون آية سورة الطور مكية و هي تسع و أربعون آية سورة القمر مكية إلا سيهزم الجمع الآية. و هي خمس و خمسون آية سورة الحديد مكية أو مدنية و هي تسع و عشرون آية سورة الممتحنة مدنية و هي ثلاث عشرة آية سورة الصف مكية أو مدنية و هي أربع عشرة آية فهرس محتويات الجزء السابع من الفتوحات الإلهية

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين


صفحه قبل

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 194

يَعْمَهُونَ‏ (72) يترددون‏

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ صيحة جبريل‏ مُشْرِقِينَ‏ (73) وقت شروق الشمس‏

فَجَعَلْنا عالِيَها أي قراهم‏ سافِلَها بأن رفعها جبريل إلى السماء و أسقطها مقلوبة إلى الأرض‏ وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ‏ (74) طين طبخ بالنار

إِنَّ فِي ذلِكَ‏ المذكور لَآياتٍ‏ دلالات على وحدانية اللّه‏ لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏ (75) للناظرين المعتبرين‏

وَ إِنَّها أي قرى قوم لوط لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ‏ (76) أي في خلال قصة قوم لوط اه.

و يَعْمَهُونَ: حال إمان من الضمير المستكين في الجار أو من الضمير المجرور بالإضافة، و العامل إما نفس سكرة لأنها مصدر، و إما معنى الإضافة اه سمين.

و عمه من باب تعب كما في المختار.

قوله: مُشْرِقِينَ‏ حال من مفعول أخذتهم أي: داخلين في الإشراق، و الضمير في عاليها و سافلها للمدينة. و قال الزمخشري: لقرى قوم لوط، و رجح الأول بأنه تقدم ما يعود عليه لفظا بخلاف الثاني اه سمين.

قوله: (وقت شروق الشمس) أي: طلوعها. قبل: كان ابتداء العذاب حين أصبحوا و كان تمامه حين أشرقوا، فلذلك قال أولا مقطوع مصبحين، و قال ههنا مشرقين اه زاده.

قوله: فَجَعَلْنا مرت على أخذ الصيحة، و عبارة الخطيب: ثم بين سبحانه و تعالى ما تسبب عن الصيحة معقبا لها بقوله: فَجَعَلْنا عالِيَها الخ اه.

و المراد بعاليها وجه الأرض و ما عليه، و قوله: (بأن رفعها جبريل) أي من الأرض السفلى اه شيخنا.

قوله: (أي قراهم) و كانت أربعة فيها أربعمائة ألف مقاتل اه شيخنا.

قوله: وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ‏ أي على من كان منهم خارجا عن قراهم بأن كان غائبا في سفر أو غيره اه شيخنا.

قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ‏ (المذكور) أي: من قصة إبراهيم و قصة لوط اه شيخنا.

قوله: لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏ أي: المتفكرين المتفرسين الذين يتثبتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة الشي‏ء بسمته اه بيضاوي.

و في السمين: قوله: لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏ متعلق بمحذوف على أنه صفة لآيات، و الوجود أن يتعلق بنفس آيات، لأنها بمعنى العلامات، و التوسم: تفعل من الوسم، و الوسم أصله التثبت و التفكر مأخوذ من الوسم، و هو التأثير بجديدة في جلد البقر أو غيره. و قال ثعلب: الواسم الناظر إليك من فرقك إلى قدمك، و فيه معنى التثبت، و قيل: أصله استقصاء التعرف يقال: توسمت أي تعرفت مستقصيا وجوه التعرف، و قيل: هو تفعل من الوسم و هو العلامة اه.

قوله: لَبِسَبِيلٍ‏ أي: في سبيل مقيم. أي: ثابت يسلكه الناس و يرون آثار القرى فيه اه بيضاوي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 195

طريق قريش إلى الشام لم تندرس، أ فلا يعتبرون بهم‏

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لعبرة لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (77)

وَ إِنْ‏ مخففة أي إنه‏ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ هي غيضة شجر بقرب مدين و هم قوم شعيب‏ لَظالِمِينَ‏ (78) بتكذيبهم شعيبا

فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ بأن أهلكناهم بشدة الحر وَ إِنَّهُما أي قرى قوم لوط و الأيكة لَبِإِمامٍ‏ طريق‏ مُبِينٍ‏ (79) واضح، أ فلا تعتبرون بهم يا أهل مكة

وَ لَقَدْ كَذَّبَ‏ و قوله: (لم تندرس) أي: السبيل يعني آثارها.

قوله: (لعبرة) لِلْمُؤْمِنِينَ‏ أي: كل من آمن باللّه و صدق الأنبياء و الرسل عرف أن ذلك إنما كان لانتقام اللّه من الجهال لأجل مخالفتهم، و أما الذين لا يؤمنون فيحملونه على حوادث العالم و حصول القرانات الكوكبية و الاتصالات الفلكية، و جمع الآيات أولا باعتبار تعدد ما قص من حديث لوط و ضيف إبراهيم، و تعرض قوم لوط لهم، و ما كان من إهلاكهم، و قلب المدائن على من فيها، و إمطار الحجارة على من غاب عنها. و وحدها ثانيا باعتبار وحدة قرية قوم لوط المشار إليها بقوله: وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ، فلا يرد كيف جمع الآية أولا و وحدها ثانيا و القصة واحدة اه كرخي.

قوله: وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الخ شروع في قصة شعيب، و ذكرت هنا مختصرة، و سيأتي بسطها في سورة الشعراء اه شيخنا.

قوله: أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي: أصحاب بقعة الأشجار باعتبار إقامتهم فيها و ملازمتهم لها، و كان عامة شجرهم المقل اه خازن أي: الدوم.

قوله: (هي غيضة شجر) الغيضة: في الأصل اسم للشجر الملتف، و المراد بها هنا البقعة التي فيها شجر مزدحم، ففي الكلام مجاز من اطلاق اسم الحال على المحل اه شيخنا.

و في المختار: الأيك الشجر الكثير الملتف الواحدة أيكة مثل تمر و تمرة، فمن قرأ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ فهي الغيضة، و من قرأ أصحاب ليكة فهي اسم القرية، و قيل: هما مثل مكة و بكة اه.

قوله: (بشدة الحر) فسلطه اللّه عليهم سبعة أيام حتى أخذ بأنفاسهم و قربوا من الهلاك، فبعث اللّه لهم سحابة كالظلة فالتجؤوا إليها و اجتمعوا تحتها للتظلل بها، فبعث اللّه عليهم منها نارا فأحرقتهم جميعا اه خازن.

قوله: وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ‏ في ضمير التثنية أقوال. أرجحها: عوده على قرى قوم لوط و أصحاب الأيكة، و هم قوم شعيب لتقدمهما ذكرا. و قيل: يعود على لوط و شعيب و شعيب لم يجر له ذكر، و لكن دل عليه ذكر قومه، و قيل: يعود على الخبرين خبر إهلاك قوم لوط، و خبر إهلاك قوم شعيب. و قيل: يعود على أصحاب الأيكة و أصحاب مدين، لأنه مرسل إليهما، فذكر أحدهما مشعر بالآخر اه سمين.

و سمي الطريق إماما لأنه يؤم و يتبع أي: لأن المسافر يأتم به حتى يصل إلى الموضع الذي يريد اه خازن.

قوله: وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ شروع في قصة صالح، و تقدمت في سورة هود بأبسط مما هنا اه شيخنا.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 196

أَصْحابُ الْحِجْرِ واد بين المدينة و الشام و هم ثمود الْمُرْسَلِينَ‏ (80) بتكذيبهم صالحا لأنه تكذيب لباقي الرسل لاشتراكهم في المجي‏ء بالتوحيد

وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا في الناقة فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ‏ (81) لا يتفكرون فيها

وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ‏ (82)

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ‏ (83) وقت الصباح‏

فَما أَغْنى‏ دفع‏ عَنْهُمْ‏ العذاب‏ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ (84) من بناء الحصون و جمع الأموال قوله: (واد بين المدينة و الشام) و آثاره باقية يمر عليها ركب الشام في ذهابه إلى الحجاز اه خازن.

قوله: (لأنه تكذيب الخ) بيان لتصحيح الجمع في المرسلين. و عبارة القاضي كالكشاف: و من كذب واحدا من الرسل، فكأنما كذب الجميع، و إنما أتى بكلمة التشبيه مع أنهم ما كذبوا سائرهم لأنهم لم يواجهوهم بالتكذيب و لا قصدوهم به، و لكن لزمهم لأن الأنبياء على دين واحد في الأصول، و لا يجوز التفريق بينهم، و إليه أشار في التقرير اه كرخي.

قوله: وَ آتَيْناهُمْ آياتِنا إنما أضاف الايتاء إليهم، و إن كان لصالح لأنه مرسل إليهم بهذه الآيات. و قوله: (في الناقة) صفة للآيات أي: الكائنة في الناقة، كخروجها من الصخرة، و عظم جثتها، و قرب ولادتها، و غزارة لبنها اه خازن.

قوله: (لا يفكرون فيها) أي: فيستدلون على صدقه، و ذلك يدل على أن النظر و الاستدلال واجب، و أن التقليد مذموم اه كرخي.

قوله: وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً أي: يتخذون منها بيوتا بقطع الصخر منها و بنائه بيوتا، و هذا هو المناسب لقول الشارح الآتي من بناء الحصون، و به قال بعض المفسرين، و قال بعضهم المراد أنهم يتخذون بيوتا في الجبال ينقرونها بالمعاويل حتى تصير مساكن من غير بنيان اه شيخنا.

و عبارة الجلال في سورة الأعراف: وَ بَوَّأَكُمْ‏ [الأعراف: 74] أسكنكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا تسكنونها في الصيف، و تنحتون من الجبال بيوتا تسكنونها في الشتاء، و نصبه على الحال المقدرة انتهت.

قوله: بُيُوتاً بضم الباء و كسرها سبعيتان اه شيخنا.

قوله: آمِنِينَ‏ حال أي: حال كونهم آمنين عليها من تخريب الأعداء لها و نقب اللصوص لها لشدة إحكامها اه شيخنا.

قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ الخ عبارة هذا المفسر في سورة الأعراف: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ [الأعراف: 78] الزلزلة الشديدة من الأرض، و الصيحة من السماء انتهت.

قوله: (من بناء الحصون و جمع الأموال) ظاهر في أنه بيان لما، و أنها نكرة موصوفة أي شي‏ء يكسبونه و الظاهر أنها بمعنى الذي و العائد محذوف أي: الذي يكسبونه، و يجوز أن تكون مصدرية أي:

كسبهم اه كرخي.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 197

وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا محالة فيجازى كل أحد بعمله‏ فَاصْفَحِ‏ يا محمد عن قومك‏ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ‏ (85) أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه و هذا منسوخ بآية السيف‏

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ‏ لكل شي‏ء الْعَلِيمُ‏ (86) بكل شي‏ء

وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ قال صلّى اللّه عليه و سلّم هي الفاتحة رواه الشيخان لأنها تثنى في كل ركعة وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏ (87)

لا قوله: إِلَّا بِالْحَقِ‏ أي: إلا خلقا ملتبسا بالحق و الحكمة و المصلحة بحيث لا يلائم استمرار الفساد و استقرار الشرور، و لذلك اقتضت الحكمة إهلاك أمثال هؤلاء دفعا لفسادهم و إرشادا لمن بقي إلى الصلاح أو إلا بسبب العدل و الإنصاف يوم الجزاء على الأعمال كما ينبى‏ء عنه قوله: قوله: وَ إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فينتقم اللّه تعالى فيها ممن هو كذلك اه أبو السعود.

قوله: (فيجازي كل واحد بعمله) يشير إلى أنه بالبناء للمجهول، و عبارة البيضاوي تشير إلى أنه بالبناء للفاعل و نصبها، فينتقم اللّه لك فيها ممن كذبك اه.

قوله: (و هذا منسوخ) هذا أحد قولين. و الآخر أنه محكم و أن الأمر بالصفح الجميل لا ينافي قتالهم. و نص البيضاوي: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ‏ و لا تعجل بالانتقام منهم، و عاملهم معاملة الصفوح الحليم، و قيل: هو منسوخ بآية السيف اه.

و في الخطيب: قال الرازي: و هو بعدي لأن المقصود من ذلك أن يظهر الخلق الحسن و العفو و الصفح، فكيف يصير منسوخا اه.

قوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً الخ قال ابن الجوزي: سبب نزول هذه الآية أن سبع قوافل أقبلت من بصرى و أذرعات ليهود قريظة و النضير في يوم واحد فيها أنواع من البزر و الطيب و الجواهر، فقال المسلمون: لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها، و أنفقناها في سبيل اللّه، فأنزل اللّه هذه الآية، و قال:

قد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه السبع القوافل، و يدل على صحة هذا قوله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ‏ [الحجر: 88، و طه: 131] الخ اه خازن.

قوله: سَبْعاً أي: سبع آيات من المثاني أي: هي المثاني فبعد البسملة آية منها تكون الآية الأخيرة صِراطَ الَّذِينَ‏ [الفاتحة: 7] إلى آخرها، و على مقابله تكون السابعة غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ [الفاتحة: 7]، و يكون رأس الآية التي قبلها أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ [الفاتحة: 7] اه شيخنا.

قوله: (لأنها تثنى) أي تكرر في كل ركعة. عبارة غيره: لأنها تثنى في كل صلاة بقراءتها في كل ركعة، و هذا أحد الوجوه في سبب تسميتها بالمثاني. و قيل: وجه التسمية أنها مقسومة بين العبيد و بين اللّه نصفين، فنصفها الأول ثناء على اللّه، و نصفها الثاني دعاء. و قيل: سميت مثاني لأن كلماتها مثناة مثل قوله: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ، فكل هذه الألفاظ مثناة. و قيل: لأنها نزلت مرتين مرة بمكة بالمدينة معها سبعون ألف ملك.

و قيل: لاشتمالها على الثناء على اللّه، و هو حمده و توحيده و ملكه، و هذا كله على القول بأن بالسبع المثاني هو الفاتحة، و قيل: المراد بها السبع الطوال أولها سورة البقرة و آخرها مجموع الأنفال و براءة، فهما كالسورة الواحدة، و لهذا لم يفصل بينهما ببسملة، و سميت هذه السبع مثاني لأن القصص‏

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 198

تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً أصنافا مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ إن لم يؤمنوا وَ اخْفِضْ جَناحَكَ‏ ألن جانبك‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ (88)

وَ قُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ من عذاب اللّه أن ينزل بكم‏ الْمُبِينُ‏ (89) البين الإنذار

كَما أَنْزَلْنا العذاب‏ عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ‏ (90) اليهود و النصارى‏

الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ‏ أي و الأحكام و الحدود ثنيت فيها، و قيل: المراد بالسبع المثاني الحواميم، و قيل: المراد بها جميع القرآن، و يكون عطف قوله: و الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏ من عطف الرديف، و سوغه التغاير اللفظي و قيل: غير ذلك اه من الخازن.

و قوله: و قيل المراد بها جميع القرآن عبارة زاده. و قيل سبع صحائف جمع صحيفة بمعنى الكتاب، فإن القرآن العظيم سبعة أسباع كل سبع صحيفة و كتاب، فعلى هذا القول السبع المثاني هو القرآن كله، و دليل هذا القول قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ‏ [الزمر: 23] و على هذا يكون عطف القرآن على السبع من قبيل عطف الصفات مع وحدة ذات الموصوف كما يأتي، و المعنى‏ وَ لَقَدْ آتَيْناكَ‏ ما يقال له السبع المثاني و القرآن العظيم أي: الجامع لهذين الوصفين اه.

قوله: وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏ هو من عطف الكل على البعض إن أريد بالقرآن المجموع الشخصي، أو من عطف العام على الخاص إن أريد به القدر المشترك الصادق على الكل و البعض اه كرخي.

قوله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ‏ أي لا تطمح ببصرك طموح راغب إلى ما متعنا به أزواجا منهم أي:

أصنافا من الكفار، فإنه مستحقر بالإضافة إلى ما أوتيته، فإنه كمال مطلوب بالذات مفض إلى دوام اللذات. و في حديث أبي بكر رضي اللّه عنه: من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما و عظم صغيرا اه بيضاوي.

قوله: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏ أي: أجلهم أي: لأجل عدم إيمانهم كما أشار إليه بقوله: إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا [الكهف: 6]. قوله: (ألن جانبك) لِلْمُؤْمِنِينَ‏ أي: تواضع لهم، و هذا كناية عن حسن التدبير و الشفقة من خفض الطائر جناحه على الفروخ و ضمها إليه اه كرخي.

قوله: كَما أَنْزَلْنا متعلق بمحذوف دلّ عليه الانذار، و هو ما قدره الشارح بقوله: أن ينزل عليكم، و الماضي بمعنى المستقبل إذ الذي نزل بأهل الكتاب، كما وقع لقريظة و النضير لم يكن واقعا وقت نزول الآية، لأنها مكية، و ما وقع لهم كان بعد الهجرة، و كذا ما وقع للمقتسمين لطرق مكة لم يكن واقعا نزول الآية، لأنه إنما وقع لهم بعد الهجرة، كيوم بدر. و على كل ففي الكلام وقفة أخرى أبداها أبو السعود و هي: أن العذاب المنذر به ينبغي أن يشبه بشي‏ء قد وقع يعرفه المنذرون حتى يحصل لهم تخويف، و المشبه به هنا قد علمت أنه غير واقع، فكأنه قال: أنذركم بعذاب مشابه لعذاب سيقع.

و في الكرخي ما نصه: قوله‏ كَما أَنْزَلْنا العذاب قضيته أن الكاف متعلقة بمحذوف كما قدره، و لا يصح إلا بدلالة المعنى، لأن اللّه تعالى هو المنزل فهو كما يقول بعض خواص الملك: أمرنا بكذا، و إن كان الآمر هو الملك تقديره أنزلنا إليك إنزالا مثل ما أنزلنا، فيكون وصفا لمصدر محذوف أظهر منه ما قدمه الكشاف من أن التقدير و لقد آتيناك أي: أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب، و هم المقتسمون فعلقها بآتيناك لأنه بمعنى أنزلنا عليك اه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 199

كتبهم المنزلة عليهم‏ عِضِينَ‏ (91) أجزاء حيث آمنوا ببعض و كفروا ببعض، و قيل المراد بهم الذين اقتسموا طرق مكة يصدون الناس عن الإسلام، و قال بعضهم: في القرآن سحر، قوله: عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ‏ أي: الذين اقتسموا كتبهم فآمنوا ببعضها و كفروا ببعضها كأوصاف محمد، و كآية الرجم، فاليهود آمنوا ببعض التوراة و هو ما وافق غرضهم و كفروا ببعضها و هو ما خالف غرضهم، و كذلك النصارى. و قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ‏ بيان للمقتسمين، و المراد بالقرآن القرآن بالمعنى اللغوي، فيصح تفسير الشارح له بكتبهم المنزلة عليهم، فقوله: (حيث آمنوا ببعض) أي: و هو ما وافق شهواتهم، و كفروا ببعض و هو ما خالفها كما علمت اه شيخنا.

قوله: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ‏ صفة مبينة للمقتسمين. قوله: عِضِينَ‏ جمع عضة، و أصلها عضوة من عضى الشاة إذا جعلها أعضاء، و قيل: عضهة أي عضهته إذا بهته اه بيضاوي.

و في المختار: قال الكسائي: العضة الكذب و البهتان، و جمعها عضون مثل عزة و عزون. قال اللّه تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ‏ قيل: نقصانه الواو و هو من عضوته أي: فرقته، لأن المشركين فرقوا أقاويلهم فيه، فجعلوه كذبا و سحرا و كهانة و شعرا. و قيل: نقصانه الهاء و أصله عضهة، لأن العضة و العضين في لغة قريش السحر. يقولون للساحر عاضه اه.

قوله: (و قيل المراد بهم الذين اقتسموا الخ) و كانوا اثني عشر اقتسموا طرق مكة أيام الموسم لينفروا الناس عن الإيمان بالرسول، فأهلكهم اللّه يوم بدر اه بيضاوي.

قوله: (و قال بعضهم) معطوف على اقتسموا، فهو من تتمة القيل لا قول ثالث، فالضمير في بعضهم راجع للذين اقتسموا لا للمفسرين، لكن الذي قاله المقتسمون على هذا القيل إن محمدا ساحر، إن محمدا شاعر، إن محمدا كاهن لا ما ذكره الشارح بقوله. (و قال بعضهم في القرآن الخ)، و لعله نظر للاستلزم، إذ وصف محمد بهذه الأوصاف يستلزم نسبتها للقرآن اه شيخنا.

و في القرطبي: و اختلف في المقتسمين على أقوال سبعة.

الأول: قال مقاتل و الفراء هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم، فاقتسموا أعقاب مكة و أنقابها و فجاجها يقولون لمن سلكها لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة، فإنه مجنون، و ربما قالوا ساحر، و ربما قالوا شاعر، و ربما قالوا كاهن، و سموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق، فأماتهم اللّه شر ميتة، و كانوا نصبوا الوليد بن المغيرة حكما على باب المسجد، فإذا سألوه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: صدق أولئك.

الثاني: قال قتادة هم قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب اللّه، فجعلوا بعضه شعرا، و بعضه سحرا، و بعضه كهانة، و بعضه أساطير الأولين.

الثالث: قال ابن عباس هم أهل الكتاب آمنوا ببعضه و كفروا ببعضه. و كذلك قال عكرمة: هم أهل الكتاب، و سموا مقتسمين لأنهم كانوا مستهزئين فيقول بعضهم: هذه السورة لي و هذه لك.

و هذا هو القول الرابع.

الخامس: قال قتادة: اقتسموا كتابهم ففرقوه و بددوه.

الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين، ج‏4، ص: 200

و بعضهم: كهانة، و بعضهم: شعر فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ‏ (92) سؤال توبيخ‏

عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (93)

فَاصْدَعْ‏ يا محمد بِما تُؤْمَرُ أي اجهر به و أمضه‏ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏ (94) هذا قبل الأمر بالجهاد

إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‏ (95) بك بإهلاكنا كلا منهم بآفة و هم: الوليد بن المغيرة، و العاصي بن وائل، و عدي بن قيس، و الأسود بن المطلب، و الأسود بن عبد يغوث‏

الَّذِينَ‏ السادس: قال زيد بن أسلم: المراد قوم صالح تقاسموا على قتله فسموا مقتسمين، كما قال تعالى: قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَ أَهْلَهُ‏ [النمل: 49].

السابع: قال الأخفش: هم قوم أقسموا أيمانا تحالفوا عليها. و قيل: إنهم العاص بن وائل، و عتبة و شيبة ابنا ربيعة، و أبو جهل بن هشام، و أبو البختري بن هشام، و النضر بن الحارث، و أميه بن خلف، و شيبة بن الحجاج ذكره الماوردي اه بحروفه.

قوله: (سؤال توبيخ) جواب عن سؤال حاصله أنه أثبت سؤالهم هنا، و نفاه في سورة الرحمن بقوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌ‏ [الرحمن: 39] و حاصل الجواب أن المثبت هنا سؤال التوبيخ و التقريع و التعنيف، و المنفي هناك سؤال الاستعلام اه من الخازن.

قوله: (أي اجهر به و أمضه) أي: نفذه. و عبارة الخازن: فاصدع بما تؤمر. قال ابن عباس:

أظهر، و قال الضحاك: أعلم، و أصل الصدع الشق و الفرق أي: افرق بين الحق و الباطل، أمر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في هذه الآية بإظهار الدعوة و تبليغ الرسالة إلى من أرسل إليهم. قال عبد اللّه بن عبيدة: ما زال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم مستخفيا حتى نزلت هذه الآية، فخرج هو و أصحابه اه.

و في البيضاوي: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ فاجهر به من صدع بالحجة إذا تكلم بها جهارا، أو فافرق به بين الحق و الباطل، و أصله الإبانة و التمييز. و ما: مصدرية أو موصولة و الراجع محذوف أي: بما تؤمر به من الشرائع اه.

قوله: (هذا قبل الأمر بالجهاد) أي: فهو منسوخ اه.

قوله: الْمُسْتَهْزِئِينَ‏ (بك) و هم جماعة من قومه كانوا يسخرون منه و يبالغون في إيذائه و السخرية به أي: تولينا إهلاكهم. من كفيت فلانا المؤنة إذا توليتها له فلم تحوجه إليها اه ابن حجر على الهمزية.

قوله: (و هم الوليد بن المغيرة) مرّ برجل نبّال و هو يجر إزاره، فتعلقت شظية من النبل بإزار الوليد، فمنعه الكبر أن يطأطى‏ء رأسه و ينزعها، فجعلت تضربه في ساقه فخدشته، فمرض منها فمات.

و قوله: (و العاص بن وائل) خرج على راحلته يتنزه، فنزل شعبا فدخلت شوكة في أخمص رجله، فانتفخت حتى صارت مثل عنق البعير فمات مكانه. و قوله: (و عدي بن قيس) امتخط قيحا فقتله أي:

صفحه بعد