کتابخانه روایات شیعه
قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ و لو كان في العالم خصلة أصلح للعبد و أجمع للخير و أعظم في القدر و أولى بالإيجال و أنجح للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى لكان الله سبحانه أوحى بها عباده لمكان حكمته و رحمته- فلما أوصى بهذه الخصلة الواحدة جمع الأولين و الآخرين و اقتصر عليها علم أنها الغاية التي لا يتجاوز عنها و لا مقتصر دونها 853 .
و القرآن مشحون بمدحها و عد في مدحها خصالا.
الأول المدحة و الثناء- وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ .
الثاني الحفظ و التحصين من الأعداء- وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً .
الثالث التأييد و النصر أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ .
الرابع إصلاح العمل- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ قُولُوا قَوْلًا سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ .
الخامس غفران الذنوب وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .
السادس محبة الله إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ .
السابع القبول إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .
الثامن الإكرام إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ .
التاسع البشارة عند الموت- الَّذِينَ آمَنُوا وَ كانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ .
العاشرة النجاة من النار ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا .
الحادي عشر الخلود في الجنة- أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ .
الثاني عشر تيسير الحساب- وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .
الثالث عشر النجاة من الشدائد و الرزق الحلال- وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ- إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً 854 .
فانظر ما جمعت هذه الخصلة الشريفة من السعادات فلا تنس نصيبك منها ثم انظر إلى الآية الأخيرة و ما اشتملت عليه و قد دلت على أمور- الأول أن التقوى حصنا منيعا و كهفا حريزا 855 [حصن منيع و كهف حريز] لقوله تعالى يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً و مثله
14 - قوله ع لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ ثُمَّ اتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمَا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً.
الثاني كونها كنزا كافيا لقوله تعالى- يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ .
الثالث دلت أيضا على فضيلة التوكل و أن الله تعالى يضمن للمتوكل بكفايته بقوله فَهُوَ حَسْبُهُ وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا -
وَ مِنْ هَذَا قَالَ النَّبِيُّ ص لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَتْهُمْ.
الرابع تعريفه تعالى لعبيده أنه قادر على ما يريد لا يعجزه شيء و لا يمتنع من إرادته مطلوب بقوله إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ليثقوا بما وعدهم على تقواه من الاستكفاء و الإعطاء و على توكله بالكلاءة و الإرعاء 856 .
وَ سُئِلَ الصَّادِقُ ع عَنْ حَدِّ التَّوَكُّلِ فَقَالَ أَنْ لَا يَخَافَ مَعَ اللَّهِ شَيْئاً
و إن في هذه الآية لبلغة للعباد و كفاية لمطالب الاسترشاد 857 .
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمِيثَمِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ قَرَأْتُ جَوَاباً مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ ضَمِنَ لِمَنِ اتَّقَاهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَمَّا يَكْرَهُ إِلَى مَا يُحِبُّ- وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يُخْدَعُ عَنْ جَنبِهِ وَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ. 858
وَ عَنِ الْبَاقِرِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ عَظَمَتِي وَ كِبْرِيَائِي وَ نُورِي وَ عُلُوِّي وَ ارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَاهُ عَلَى هَوَايَ إِلَّا شَتَّتُّ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَ لَبَّسْتُ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَ اشْتَغَلْتُ [شَغَلْتُ] قَلْبَهُ بِهَا وَ لَمْ أَرْزُقْهُ مِنْهَا إِلَّا مَا قَدَّرْتُ لَهُ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي وَ عَظَمَتِي وَ كِبْرِيَائِي- وَ نُورِي وَ عُلُوِّي وَ ارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلَّا اسْتَحْفَظْتُهُ مَلَائِكَتِي وَ كَفَّلْتُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ رِزْقَهُ وَ كُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ وَ أَتَتْهُ الدُّنْيَا وَ هِيَ رَاغِبَةٌ [رَاغِمَةٌ] 859 .
وَ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ أُحُدٍ وَ النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِهِ وَ قَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى طَلْحَةَ هُنَاكَ أَيُّهَا النَّاسُ أَقْبِلُوا عَلَى مَا كُلِّفْتُمُوهُ مِنْ إِصْلَاحِ آخِرَتِكُمْ وَ أَعْرِضُوا عَمَّا ضُمِنَ لَكُمْ مِنْ دُنْيَاكُمْ وَ لَا تَسْتَعْمِلُوا جوارحا [جَوَارِحَ] غُذِّيَتْ بِنِعْمَتِهِ فِي التَّعَرُّضِ لِسَخَطِهِ بِمَعْصِيَتِهِ وَ اجْعَلُوا شُغُلَكُمْ فِي الْتِمَاسِ مَغْفِرَتِهِ وَ اصْرِفُوا هِمَّتَكُمْ [هِمَمَكُمْ] بِالتَّقَرُّبِ إِلَى طَاعَتِهِ مَنْ بَدَأَ بِنَصِيبِهِ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ نَصِيبُهُ مِنَ الْآخِرَةِ وَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا مَا يُرِيدُ وَ مَنْ بَدَأَ بِنَصِيبِهِ مِنَ الْآخِرَةِ وَصَلَ إِلَيْهِ نَصِيبُهُ مِنَ الدُّنْيَا وَ أَدْرَكَ مِنَ الْآخِرَةِ مَا يُرِيدُ. 860
وَ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَقْبَلَ قِبَلَ مَا يُحِبُّ اللَّهُ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ قِبَلَ كُلِّ مَا يُحِبُّ وَ مَنِ اعْتَصَمَ بِاللَّهِ بِتَقْوَاهُ عَصَمَهُ اللَّهُ وَ مَنْ أَقْبَلَ اللَّهُ قِبَلَهُ وَ عَصَمَهُ لَمْ يُبَالِ لَوْ سَقَطَتِ السَّمَاءُ وَ الْأَرْضُ- وَ إِنْ نَزَلَتْ نَازِلَةٌ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَشَمِلَتْهُمْ بَلِيَّةٌ كَانَ فِي حِرْزِ اللَّهِ بِالتَّقْوَى مِنْ كُلِّ بَلِيَّةٍ أَ لَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ 861 .
فصل
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ره يَرْفَعُهُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ كَانَ مَلِكٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ كَانَ لَهُ قَاضٍ وَ لِلْقَاضِي أَخٌ وَ كَانَ رَجُلَ صِدْقٍ وَ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْهَا الْأَنْبِيَاءُ فَأَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَبْعَثَ رَجُلًا فِي حَاجَتِهِ فَقَالَ لِلْقَاضِي ابْعَثْنِي رَجُلًا ثِقَةً فَقَالَ مَا أَعْلَمُ أَحَداً أَوْثَقَ مِنْ أَخِي فَدَعَاهُ لِيَبْعَثَهُ فَكَرِهَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَ قَالَ لِأَخِيهِ إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُضَيِّعَ امْرَأَتِي فَعَزَمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ بُدّاً مِنَ الْخُرُوجِ فَقَالَ لِأَخِيهِ يَا أَخِي إِنِّي لَسْتُ أُخَلِّفُ شَيْئاً أَهَمَّ إِلَيَّ مِنِ امْرَأَتِي فَاخْلُفْنِي فِيهَا وَ تَوَلَّ قَضَاءَ حَاجَتِهَا قَالَ نَعَمْ فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَ قَدْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ كَارِهَةً لِخُرُوجِهِ وَ كَانَ الْقَاضِي
يَأْتِيهَا وَ يَسْأَلُهَا عَنْ حَوَائِجِهَا وَ يَقُومُ بِهَا فَأَعْجَبَتْهُ فَدَعَاهَا إِلَى نَفْسِهِ فَأَبَتْ عَلَيْهِ- فَحَلَفَ عَلَيْهَا لَئِنْ لَمْ تَفْعَلِي لَأُخْبِرَنَّ الْمَلِكَ أَنَّكِ فَجَرْتِ فَقَالَتِ اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ لَسْتُ أُجِيبُكَ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا طَلَبْتَ فَأَتَى الْمَلِكَ فَقَالَ إِنَّ امْرَأَةَ أَخِي قَدْ فَجَرَتْ وَ قَدْ حَقَّ ذَلِكَ عِنْدِي فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ طَهِّرْهَا فَجَاءَ إِلَيْهَا فَقَالَ لَهَا- إِنَّ الْمَلِكَ فَقَدْ أَمَرَنِي بِرَجْمِكِ فَمَا تَقُولِينَ تُجِيبُنِي وَ إِلَّا رَجَمْتُكِ فَقَالَتْ لَسْتُ أُجِيبُكَ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ فَأَخْرَجَهَا فَحَفَرَ لَهَا فَرَجَمَهَا وَ مَعَهُ النَّاسُ فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّهَا قَدْ مَاتَتْ تَرَكَهَا وَ انْصَرَفَ وَ جَنَّهَا اللَّيْلُ وَ كَانَ بِهَا رَمَقٌ فَتَحَرَّكَتْ وَ خَرَجَتْ مِنَ الْحُفْرَةِ ثُمَّ مَشَتْ عَلَى وَجْهِهَا حَتَّى خَرَجَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَانْتَهَتْ إِلَى دَيْرٍ فِيهِ دَيْرَانِيٌّ فَبَاتَتْ عَلَى بَابِ الدَّيْرِ فَلَمَّا أَصْبَحَ الدَّيْرَانِيُّ فَتَحَ الْبَابَ فَرَآهَا فَسَأَلَهَا عَنْ قِصَّتِهَا فَخَبَّرَتْهُ فَرَحِمَهَا وَ أَدْخَلَهَا الدَّيْرَ وَ كَانَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَ كَانَ حَسَنَ الْحَالِ فَدَاوَاهَا حَتَّى بَرَأَتْ مِنْ عِلَّتِهَا وَ انْدَمَلَتْ- ثُمَّ دَفَعَ إِلَيْهَا ابْنَهُ فَكَانَتْ تُرَبِّيهِ وَ كَانَ لِلدَّيْرَانِيِّ قَهْرَمَانٌ يَقُومُ بِأَوَامِرِهِ فَأَعْجَبَتْهُ فَدَعَاهَا إِلَى نَفْسِهِ فَأَبَتْ فَجَهَدَ بِهَا فَأَبَتْ فَقَالَ لَئِنْ لَمْ تَفْعَلِي لَأَجْهَدَنَّ فِي قَتْلِكِ فَقَالَتِ اصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ فَعَمَدَ إِلَى الصَّبِيِّ فَدَقَّ عُنُقَهُ فَأَتَى الدَّيْرَانِيَّ فَقَالَ لَهُ عَمَدْتَ إِلَى فَاجِرَةٍ قَدْ فَجَرَتْ فَدَفَعْتَ إِلَيْهَا ابْنَكَ فَقَتَلَتْهُ فَجَاءَ الدَّيْرَانِيُّ فَلَمَّا رَأَى ابْنَهُ قَتِيلًا قَالَ لَهَا مَا هَذَا فَقَدْ تَعْلَمِينَ صَنِيعِي بِكِ فَأَخْبَرَتْهُ بِالْقِصَّةِ فَقَالَ لَهَا لَيْسَ تَطِيبُ نَفْسِي أَنْ تَكُونِي عِنْدِي فَاخْرُجِي- فَأَخْرَجَهَا لَيْلًا وَ دَفَعَ إِلَيْهَا عِشْرِينَ دِرْهَماً وَ قَالَ لَهَا تَزَوَّدِي هَذِهِ اللَّهُ حَسْبُكِ. فَخَرَجَتْ لَيْلًا فَأَصْبَحَتْ فِي قَرْيَةٍ فَإِذَا فِيهَا مَصْلُوبٌ عَلَى خَشَبَةٍ وَ هُوَ حَيٌّ فَسَأَلَتْ عَنْ قِصَّتِهِ فَقَالُوا عَلَيْهِ دَيْنٌ عِشْرُونَ دِرْهَماً وَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عِنْدَنَا لِصَاحِبِهِ صَلَبَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ إِلَى صَاحِبِهِ فَأَخْرَجَتِ الْعِشْرِينَ دِرْهَماً وَ دَفَعَتْهَا إِلَى غَرِيمِهِ وَ قَالَتْ لَا تَقْتُلُوهُ فَأَنْزَلُوهُ عَنِ الْخَشَبَةِ فَقَالَ لَهَا مَا أَحَدٌ أَعْظَمَ عَلَيَّ مِنَّةً مِنْكِ نَجَّيْتِنِي مِنَ الصَّلْبِ وَ مِنَ الْمَوْتِ فَأَنَا مَعَكِ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ فَمَضَى مَعَهَا وَ مَضَتْ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرَأَى جَمَاعَةً وَ سُفُناً فَقَالَ لَهَا- اجْلِسِي حَتَّى أَذْهَبَ وَ أَنَا أَعْمَلُ لَهُمْ وَ أَسْتَطْعِمُ وَ آتِيكِ بِهِ فَأَتَاهُمْ وَ قَالَ لَهُمْ مَا
فِي سَفِينَتِكُمْ هَذِهِ قَالُوا فِي هَذِهِ تِجَارَاتٌ وَ جَوَاهِرُ وَ عَنْبَرٌ وَ أَشْيَاءُ مِنَ التِّجَارَةِ وَ أَمَّا هَذِهِ فَنَحْنُ فِيهَا قَالَ وَ كَمْ يَبْلُغُ مَا فِي سَفِينَتِكُمْ هَذِهِ قَالُوا كَثِيراً لَا نُحْصِيهِ قَالَ فَإِنَّ مَعِي شَيْئاً خَطِيراً هُوَ خَيْرٌ مِمَّا فِي سَفِينَتِكُمْ قَالُوا وَ مَا مَعَكَ قَالَ جَارِيَةٌ لَمْ تَرَوْا مِثْلَهَا قَطُّ قَالُوا فَبِعْنَاهَا قَالَ نَعَمْ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُكُمْ فَيَنْظُرَ إِلَيْهَا ثُمَّ يَجِيئَنِي فَيَشْتَرِيَهَا وَ لَا يُعْلِمَهَا وَ يَدْفَعَ إِلَيَّ الثَّمَنَ وَ لَا يُعْلِمَهَا حَتَّى أَمْضِيَ أَنَا فَقَالُوا لَكَ ذَلِكَ فَبَعَثُوا مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا- فَقَالَ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا قَطُّ فَاشْتَرَوْهَا مِنْهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَ دَفَعُوا إِلَيْهِ الدَّرَاهِمَ فَمَضَى [بِهَا] فَلَمَّا أَمْضَى أَتَوْهَا فَقَالُوا لَهَا قُومِي وَ ادْخُلِي السَّفِينَةَ قَالَتْ لِمَ قَالُوا قَدِ اشْتَرَيْنَاكِ مِنْ مَوْلَاكِ قَالَتْ مَا هُوَ بِمَوْلَايَ قَالُوا تَقُومِينَ وَ إِلَّا لَنَحْمِلَنَّكِ فَقَامَتْ وَ مَضَتْ مَعَهُمْ فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى السَّاحِلِ لَمْ يَأْمَنْ بَعْضُهُمْ بَعْضاً عَلَيْهَا فَجَعَلُوهَا فِي السَّفِينَةِ الَّتِي فِيهَا الْجَوَاهِرُ وَ التِّجَارَةُ- وَ رَكِبُوا فِي السَّفِينَةِ الْأُخْرَى فَدَفَعُوهَا فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِمْ رِيَاحاً فَغَرَّقَهُمْ وَ نَجَتِ السَّفِينَةُ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ وَ رَبَطَتِ السَّفِينَةَ ثُمَّ دَارَتْ فِي الْجَزِيرَةِ فَإِذَا فِيهَا مَاءٌ وَ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ- فَقَالَتْ هَذَا مَاءٌ أَشْرَبُ مِنْهُ وَ ثمرا [ثَمَرٌ] آكُلُ مِنْهُ وَ أَعْبُدُ اللَّهَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.- فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ع أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَلِكَ فَيَقُولَ لَهُ إِنَّ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ خَلْقاً مِنْ خَلْقِي- فَاخْرُجْ أَنْتَ وَ مَنْ فِي مَمْلَكَتِكَ حَتَّى تَأْتُوا خَلْقِي هَذَا وَ تُقِرُّوا لَهُ بِذُنُوبِكُمْ ثُمَّ تَسْأَلُوا ذَلِكَ الْخَلْقَ أَنْ يَغْفِرَ لَكُمْ فَإِنْ غَفَرَ لَكُمْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَخَرَجَ الْمَلِكُ بِأَهْلِ مَمْلَكَتِهِ إِلَى تِلْكَ الْجَزِيرَةِ فَرَأَوْا امْرَأَةً فَتَقَدَّمَ إِلَيْهَا الْمَلِكُ فَقَالَ لَهَا إِنَّ قَاضِيَّ هَذَا أَتَانِي فَخَبَّرَنِي أَنَّ امْرَأَةَ أَخِيهِ قَدْ فَجَرَتْ فَأَمَرْتُهُ بِرَجْمِهَا وَ لَمْ يُقِمْ عِنْدِيَ الْبَيِّنَةَ فَأَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ تَقَدَّمْتُ عَلَى مَا لَا يَحِلَّ لِي فَأُحِبُّ أَنْ تَسْتَغْفِرِي لِي فَقَالَتْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ اجْلِسْ ثُمَّ أَتَى زَوْجُهَا وَ لَا يَعْرِفُهَا فَقَالَ- إِنَّهُ كَانَ لِي امْرَأَةٌ وَ كَانَ مِنْ فَضْلِهَا وَ صَلَاحِهَا وَ إِنِّي خَرَجْتُ عَنْهَا وَ هِيَ كَارِهَةٌ لِذَلِكِ فَأَخْبَرَنِي أَخِي أَنَّهَا فَجَرَتْ فَرَجَمَهَا وَ أَنَا أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ ضَيَّعْتُهَا- فَاسْتَغْفِرِي لِي غَفَرَ اللَّهُ لَكِ فَقَالَتْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ اجْلِسْ فَأَجْلَسَتْهُ إِلَى جَنْبِ
الْمَلِكِ ثُمَّ أَتَى الْقَاضِي فَقَالَ لَهَا إِنَّهُ كَانَ لِأَخِي امْرَأَةٌ وَ إِنَّهَا أَعْجَبَتْنِي- فَدَعَوْتُهَا إِلَى الْفُجُورِ فَأَبَتْ فَأَعْلَمْتُ الْمَلِكَ أَنَّهَا قَدْ فَجَرَتْ وَ أَمَرَنِي بِرَجْمِهَا- فَرَجَمْتُهَا وَ أَنَا كَاذِبٌ عَلَيْهَا فَاسْتَغْفِرِي لِي فَقَالَتْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَتِ اسْمَعْ ثُمَّ تَقَدَّمَ الدَّيْرَانِيُّ فَقَصَّ قِصَّتَهُ وَ قَالَ أَخْرَجْتُهَا بِاللَّيْلِ وَ أَنَا أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَهَا سَبُعٌ فَقَتَلَهَا فَاسْتَغْفِرِي لِي فَقَالَتْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ اجْلِسْ ثُمَّ تَقَدَّمَ الْقَهْرَمَانُ وَ قَصَّ قِصَّتَهُ وَ قَالَتْ لِلدَّيْرَانِيِّ اسْمَعْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ثُمَّ تَقَدَّمَ الْمَصْلُوبُ فَقَصَّ قِصَّتَهُ فَقَالَتْ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَى زَوْجِهَا فَقَالَتْ أَنَا امْرَأَتُكَ وَ كُلَّمَا سَمِعْتَ فَإِنَّمَا هُوَ قِصَّتِي وَ لَيْسَتْ لِي حَاجَةٌ فِي الرِّجَالِ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ السَّفِينَةَ وَ مَا فِيهَا وَ تُخَلِّيَ سَبِيلِي فَأَعْبُدَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي هَذِهِ الْجَزِيرَةِ فَقَدْ تَرَى مَا قَدْ لَقِيتُ مِنَ الرِّجَالِ فَفَعَلَ- وَ أَخَذَ السَّفِينَةَ وَ مَا فِيهَا وَ انْصَرَفَ الْمَلِكُ وَ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ.
فَانْظُرْ رَحِمَكَ اللَّهِ إِلَى تَقْوَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ كَيْفَ عَصَمَهَا اللَّهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَهْوَالٍ شِدَادٍ خَلَّصَهَا اللَّهُ مِنَ الرَّجْمِ وَ تُهَمَةِ الْقَهْرَمَانِ وَ مِنْ رِقِّ التُّجَّارِ- ثُمَّ انْظُرْ مَا بَلَغَ مِنْ كَرَامَتِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَ رِضَاهُ مَقْرُوناً بِرِضَائِهَا- وَ مَغْفِرَتَهُ مَقْرُونَةً بِمَغْفِرَتِهَا وَ كَيْفَ جَعَلَ مَنْ نَصَبَ لَهَا مَكْراً وَ هَيَّأَ لَهَا مَكْرُوهاً خَاضِعاً لَهَا وَ طَالِباً مِنْهَا الْمَغْفِرَةَ وَ الرِّضَا وَ كَيْفَ رَفَعَ مِنْ قَدْرِهَا وَ نَوَّهَ بِذِكْرَها- حَيْثُ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَنْ يَحْشُرَ إِلَيْهَا الْمُلُوكُ وَ الْقُضَاةُ وَ الْعِبَادُ وَ يَجْعَلُونَهَا بَاباً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَ ذَرِيعَةً إِلَى رِضْوَانِهِ 862 .
وَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا غَنِيٌّ لَا أَفْتَقِرُ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ غَنِيّاً لَا تَفْتَقِرُ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا حَيٌّ لَا أَمُوتُ أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ حَيّاً لَا تَمُوتُ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ* - أَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ أَجْعَلْكَ تَقُولُ لِشَيْءٍ كُنْ فَيَكُونُ .