کتابخانه تفاسیر
تبيين القرآن، ص: 462
[103] فَلَمَّا أَسْلَما أي الأب و الابن لأمر الله وَ تَلَّهُ ألقاه إبراهيم عليه السّلام لِلْجَبِينِ على وجهه على الأرض، و جواب لمّا محذوف، أي كان ما كان.
[104- 105] وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا بأن عملت ما هو مربوط بك، أما عدم ذبح الولد فلم يك مقدورا لإبراهيم عليه السّلام لأن القطع إنما هو بإذن الله إِنَّا كَذلِكَ هكذا بإعطائه درجة المطيع من دون وصول أذى إليه نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ .
[106] إِنَّ هذا الأمر بالذبح لَهُوَ الْبَلاءُ الامتحان الْمُبِينُ الظاهر.
[107] وَ فَدَيْناهُ أي إسماعيل عليه السّلام بِذِبْحٍ عَظِيمٍ فقد جاء كبش من الجنة فذبحه إبراهيم عليه السّلام عوض إسماعيل عليه السّلام و ما أعظمها من كرامة، و في التأويل إنه عوّض بالحسين عليه السّلام.
[108] وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ على إبراهيم عليه السّلام ذكرا حسنا فِي الْآخِرِينَ الأمم المتأخرة.
[109- 113] سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ وَ بارَكْنا عَلَيْهِ على إبراهيم عليه السّلام وَ عَلى إِسْحاقَ بأن أخرجنا من ذريتهما الأنبياء عليهم السّلام وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ على نفسه و هم المؤمنون الطائعون وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر و المعاصي مُبِينٌ بيّن الضلال و الظلم.
[114] وَ لَقَدْ مَنَنَّا أنعمنا عَلى مُوسى وَ هارُونَ .
[115] وَ نَجَّيْناهُما وَ قَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ من أذى فرعون.
[116] وَ نَصَرْناهُمْ موسى و هارون عليهما السّلام و قومهما فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ على فرعون و قومه.
[117] وَ آتَيْناهُمَا الْكِتابَ التوراة الْمُسْتَبِينَ البين.
[123- 124] وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ الكفر و المعاصي، على نحو استفهام الإرشاد.
[125] أَ تَدْعُونَ تعبدون بَعْلًا صنما كانوا يعبدونه يسمى البعل، أو البعل في لغته بمعنى الرب وَ تَذَرُونَ تتركون عبادة أَحْسَنَ الْخالِقِينَ .
[126] اللَّهَ بدل من (أحسن) رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ .
تبيين القرآن، ص: 463
[127] فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ يوم القيامة للحساب.
[128- 129] إِلَّا استثناء من (كذبوه) عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ .
[130- 132] سَلامٌ عَلى إِلْياسِينَ لغة في إلياس إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ و في التأويل إن ياسين اسم النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آله أهل بيته عليهم السّلام.
[133- 135] وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً زوجته الكافرة فِي الْغابِرِينَ الباقين الذين أهلكوا بالعذاب.
[136] ثُمَّ دَمَّرْنَا أهلكنا بعد نجاة لوط عليه السّلام الْآخَرِينَ .
[137- 138] وَ إِنَّكُمْ يا أهل مكة لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ على منازلهم القريبة من الشام مُصْبِحِينَ وَ بِاللَّيْلِ صباحا و مساء عند سفركم إلى الشام أَ فَلا تَعْقِلُونَ تعتبرون بهم.
[139- 140] وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ هرب من قومه إِلَى الْفُلْكِ السفينة الْمَشْحُونِ المملوء من الناس.
[141] فَساهَمَ فقارع، لأن السفينة أشرفت على الغرق فرأوا أنهم إن طرحوا واحدا في البحر لم يغرق الباقون فاقرعوا و خرجت القرعة باسم يونس عليه السّلام فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ المغلوبين بالقرعة فألقي في البحر.
[142] فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ابتلعه وَ هُوَ مُلِيمٌ مستحق اللوم لأنه خرج من قومه من غير أمر ربه و كان ذلك ترك الأولى.
[143] فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ في بطن الحوت.
[144] لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ بطن الحوت إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ بأن صار بطنه قبرا له إلى يوم القيامة، أي لم يخرج منه حيّا.
[145] فَنَبَذْناهُ طرحناه بِالْعَراءِ بالصحراء وَ هُوَ سَقِيمٌ مريض من جراء حبسه في بطن الحوت.
[146] وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ القرع فغطته بأوراقها.
[147] وَ أَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ إنسان أَوْ بمعنى الواو يَزِيدُونَ على هذا العدد.
[148] فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ آجالهم فلم يأخذهم العذاب.
[149] فَاسْتَفْتِهِمْ سل قومك، توبيخا لهم أَ لِرَبِّكَ الْبَناتُ إذ قال المشركون إن الملائكة بنات الله وَ لَهُمُ الْبَنُونَ بأن يولد لهم الابن.
[150] أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ حاضرون وقت خلقهم.
[151] أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ كذبهم لَيَقُولُونَ .
[152] وَلَدَ اللَّهُ صارت له أولاد وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في قولهم.
[153] أَصْطَفَى أي هل اختار الله الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ و الاستفهام للإنكار.
تبيين القرآن، ص: 464
[154] ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بما لا يقبله عقل و لا دليل لكم عليه.
[155] أَ فَلا تَذَكَّرُونَ إنه سبحانه منزه عن ذلك.
[156] أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ حجة مُبِينٌ ظاهرة بأن الله ولد البنات.
[157] فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ الدال على قولكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في قولكم.
[158] وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ بين الله وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ الجن نَسَباً قالوا إن الله صاهر الجن فوجدت الملائكة وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ للحساب، و لو كان بينهم و بين الله نسبا لم يحاسبهم للجزاء.
[159] سُبْحانَ اللَّهِ أنزهه تنزيها عَمَّا يَصِفُونَ يصفونه من الولد و الزوجة.
[160] إِلَّا استثناء عن (يصفون) فإن المخلصين لم يصفوا الله بالوصف الباطل عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ الذين أخلصهم الله لطاعته.
[161] فَإِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ من الأصنام.
[162] ما أَنْتُمْ أيها الكفار عَلَيْهِ على الله بِفاتِنِينَ بمفسدين الناس.
[163- 164] إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ يصلي النار أي أن الذين يتمكن الكفار و أصنامهم إفساده و إضلاله هم الذين سبق في علم الله إنهم أصحاب الجحيم. وَ ما مِنَّا معاشر الملائكة، و هذا كلامهم ردّا على قول الكفار إن الملائكة بنات الله إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ من الطاعة لا يتمكن أن يتجاوزه.
[165- 166] وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ حول العرش أو نصطف للعبادة. وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ المنزهون لله تعالى.
[167- 169] وَ إِنْ مخففة من الثقيلة كانُوا لَيَقُولُونَ أي كفار مكة لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً كتابا مِنَ الْأَوَّلِينَ من كتبهم بأن نزل علينا كتاب مثل كتبهم. لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ الذين أخلصهم الله لطاعته.
[170] فلما أنزل عليهم الكتاب كفروا به و تبين كذبهم فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ عاقبة كفرهم.
[171] وَ لَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا وعدنا بالنصر لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ .
[172] إِنَّهُمْ مفسر ل (كلمتنا) لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ننصرهم على أعدائهم.
[173] وَ إِنَّ جُنْدَنا و هم المؤمنون لَهُمُ الْغالِبُونَ على أعدائهم.
[174] فَتَوَلَ أعرض يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ حين تؤمر بقتالهم.
[175] وَ أَبْصِرْهُمْ بالأصول و الشرائع فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ يرون حقية ما قلت لهم.
[176] أَ فَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ فإنهم كانوا يقولون لو أنك صادق ائتنا بالعذاب، و الاستفهام للتهديد.
[177- 178] فَإِذا نَزَلَ العذاب بِساحَتِهِمْ بفناء دارهم فَساءَ بئس صَباحُ الْمُنْذَرِينَ صباحهم، فإن الغارة غالبا كانت قبل الصباح. وَ تَوَلَ أعرض عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ حين تؤمر بقتالهم.
[179] وَ أَبْصِرْ أي أبصرهم فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ .
[180- 181] سُبْحانَ رَبِّكَ تنزيها لربك يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رَبِّ الْعِزَّةِ الذي له كل عزة عَمَّا يَصِفُونَ يصف الكفار الله به من الأولاد و الشريك و الزوجة. وَ سَلامٌ تحية عَلَى الْمُرْسَلِينَ .
[182] وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ على ما أنعم رَبِّ الْعالَمِينَ كل عالم من عوالم الكون.
تبيين القرآن، ص: 465
38: سورة ص
مكية آياتها ثمان و ثمانون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[1] ص رمز بين الله و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم وَ الْقُرْآنِ قسما بالقرآن ذِي الذِّكْرِ الذي يذكر الناس بالله و الآخرة.
[2] لم يكفر من كفر بالقرآن لخلل فيه بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ استكبار عن الحق وَ شِقاقٍ خلاف يريدون به مخالفة الله.
[3] كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ جماعة و أمة، و هذا تهديد للكفار فَنادَوْا بالاستغاثة عند إهلاكهم وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ و ليس الحين- أي حين نزول العذاب- حين مناص و خلاص، لأن العذاب إذا نزل لا يرجع.
[4] وَ عَجِبُوا أي الكفار أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ نبي مِنْهُمْ من أنفسهم لا أجنبي عنهم وَ قالَ الْكافِرُونَ هذا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ساحِرٌ كَذَّابٌ كثير الكذب.
[5] أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً بأن قال ببطلان كل الآلهة إلا الله إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ بليغ في التعجب.
[6- 7] وَ انْطَلَقَ تكلم الْمَلَأُ الأشراف مِنْهُمْ قال بعضهم لبعض أَنِ امْشُوا في طريقكم الشركي وَ اصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ عبادتها إِنَّ هذا الأمر و هو الشرك لَشَيْءٌ يُرادُ منا فلا يجوز لنا أن نعدل إلى غيره. ما سَمِعْنا بِهذا أي بالتوحيد فِي الْمِلَّةِ الدين الْآخِرَةِ أي ما أدركنا عليه آباءنا من الدين إِنْ هذا ما هذا التوحيد إِلَّا اخْتِلاقٌ كذب.
[8] أَ أُنْزِلَ كيف أنزل عَلَيْهِ على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذِّكْرُ القرآن مِنْ بَيْنِنا و لم ينزل علينا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي فلا يحملهم على هذا الكلام إلا الشك، أي ليسوا بمتيقنين ببطلانه بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ لم يذوقوا عذابي بعد، فإذا ذاقوا زال شكهم.
[9] أَمْ هل عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ التي من جملتها النبوة حتى لا يعطوها النبي محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إنما يعطوا النبوة لإنسان آخر الْعَزِيزِ الغالب الْوَهَّابِ ما يشاء لمن يشاء.
[10] أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا أي إن زعموا ذلك فليصعدوا فِي الْأَسْبابِ في المعارج الموصلة إلى السماء ليأتوا بالوحي إلى من يختاروا، فإن لم يكن لهم ملك السماوات و الأرض فلما ذا يتحكمون في الاعتراض على أنه لما ذا نزل الوحي على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.
[11] جُنْدٌ ما أي إن الكفار جند و جماعته قليلون هُنالِكَ أيضا للتحقير، كما أن (ما) للتحقير مَهْزُومٌ عما قريب مِنَ الْأَحْزابِ فمن أين لهم التدابير الإلهية و التحكم في شؤون الوحي.
[12] كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ فإنه كان يعذب الناس بشدهم بالأوتاد.
[13] وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أي الذين كانوا في قرب الشجرة الملتفة و هم قوم شعيب أُولئِكَ الْأَحْزابُ الذين تحزبوا على الرسل و كان منهم هذا الجند المنهزم.
[14] إِنْ ما كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَ فثبت عِقابِ عقابي عليهم.
[15] وَ ما يَنْظُرُ لا ينتظر هؤُلاءِ الكفار إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً نفخة لقبض أرواحهم ما لَها مِنْ فَواقٍ توقف.
[16] وَ قالُوا أي الكفار رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قسطنا من العذاب قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ و هذا قالوه على سبيل الاستهزاء.
تبيين القرآن، ص: 466
[17] اصْبِرْ يا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عَلى ما يَقُولُونَ هؤلاء الكفار وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ أي القوة إِنَّهُ أَوَّابٌ كثير الرجوع إلى الله.
[18] إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ مع داود عليه السّلام فإذا سبح يُسَبِّحْنَ معه بِالْعَشِيِ عصرا وَ الْإِشْراقِ صبحا.
[19] وَ سخرنا الطَّيْرَ معه مَحْشُورَةً مجموعة كُلٌ من الجبال و الطير لَهُ لداود عليه السّلام أَوَّابٌ رجّاع في التسبيح.
[20] وَ شَدَدْنا قوينا مُلْكَهُ بالجنود وَ آتَيْناهُ أعطيناه الْحِكْمَةَ معرفة وضع الأشياء موضعها وَ فَصْلَ الْخِطابِ أي الخطاب الفاصل بين الحق و الباطل.
[21] وَ هَلْ أَتاكَ استفهام للتعجب و التشويق نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ صعدوا سور محراب داود عليه السّلام.
[22] إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ خاف مِنْهُمْ لأنهم دخلوا من غير استئذان و من غير الباب قالُوا له لا تَخَفْ فلا نريد بك شرا و إنما نحن خَصْمانِ فريقان متخاصمان بَغى تعدى و ظلم بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ لا تُشْطِطْ أي لا تتجاوز الحق وَ اهْدِنا إِلى سَواءِ وسط الصِّراطِ أي العدل، و قد أراد الله بهذه القصة اختبار داود عليه السّلام و كان مغزى الاختبار إنه حكم بمجرد سماع المدعي ثم انتبه فاستغفر من هذا التعجيل و لعل دخول الخصم من السور لأجل إيقاع الدهشة في نفسه و الإنسان المندهش يستعجل في الكلام.
[23] فقال أحد الخصمين و كانا ملائكة لأجل الامتحان إِنَّ هذا أَخِي في الدين أو في الجنس لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً الشاة وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فقط فَقالَ الأخ أَكْفِلْنِيها أي اجعلني كفيلا «1» لنعجتك الواحدة حتى تتم لي مائة نعجة وَ عَزَّنِي غلبني الأخ فِي الْخِطابِ أي التكلم و الحجاج.
[24] قالَ داود عليه السّلام بمجرد أن سمع كلام المدعي: لَقَدْ ظَلَمَكَ أخوك بسبب سؤال نَعْجَتِكَ الواحدة إِلى نِعاجِهِ وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ الشركاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ قَلِيلٌ ما زائدة للتأكيد هُمْ أي قليل من لا يظلم شريكه وَ ظَنَ علم داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ اختبرناه بهذه القصة فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ من تعجيله في الحكم و كان ترك الأولى وَ خَرَّ سقط راكِعاً لله في استغفاره وَ أَنابَ رجع إلى الله بالتوبة.
[25] فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ الترك للأولى وَ إِنَّ لَهُ لداود عليه السّلام عِنْدَنا لَزُلْفى أي قربى في المنزلة وَ حُسْنَ مَآبٍ أي المرجع الحسن في الآخرة.
[26] يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى هوى النفس فَيُضِلَّكَ اتباع الهوى عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا أي بسبب نسيانهم يَوْمَ الْحِسابِ أي لم يهتموا به و لم يعملوا لأجل إنقاذ أنفسهم فيه.
(1) الكافل و الكفيل: هو الذي يلزم نفسه القيام بالأمر و حياطته.
تبيين القرآن، ص: 467
[27] وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا لا حكمة فيها حتى يكون خلق الإنسان أيضا بلا جزاء و لا حساب ذلِكَ أي كون الخلق باطلا ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أي وا سوء أحوالهم من دخولهم في النار.
[28] أَمْ أي هل، على نحو استفهام الإنكار نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ الذين اتقوا الكفر و المعاصي كَالْفُجَّارِ الذين يكثرون الفجور و الخروج عن طاعة الله.
[29] هذا القرآن كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ كثير نفعه و خيره لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ليتفكروا في آيات هذا الكتاب وَ لِيَتَذَكَّرَ ليتعظ به أُولُوا الْأَلْبابِ أصحاب العقول.
[30] وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ سليمان عليه السّلام إِنَّهُ أَوَّابٌ كثير الرجوع إلى الله تعالى.
[31] إِذْ اذكر زمان عُرِضَ عَلَيْهِ على سليمان عليه السّلام بِالْعَشِيِ وقت العصر الصَّافِناتُ الأفراس الْجِيادُ الجيدات «1» ، و ذلك لتهيئتها للحرب في سبيل الله، و لما طال العرض تأخرت صلاته عن وقت الفضيلة و تلافيا لذلك قدّم تلك الأفراس كلها في سبيل الله.
[32] فَقالَ سليمان عليه السّلام: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ أي هذا النوع من الحب بأن أحببت الجياد التي أعدت لسبيل الله، فانصرفت عَنْ ذِكْرِ رَبِّي في وقت الفضيلة حَتَّى تَوارَتْ الصافنات بِالْحِجابِ في محلاتها، أي انصرافي عن ذكر الله كان من أول العرض إلى حين التواري.
[33] رُدُّوها أي الصافنات، عَلَيَ ارجعوها إليّ لأنفقها في سبيل الله فلما ردت (طفق) شرع سليمان عليه السّلام يمسح الصافنات مَسْحاً بِالسُّوقِ جمع ساق وَ الْأَعْناقِ جمع عنق، فإن الإعطاء كان بأن يأخذ ساقها فيعطيها أو عنقها فيعطيها.
[34] وَ لَقَدْ فَتَنَّا اختبرنا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا طرحنا عَلى كُرْسِيِّهِ سريره جَسَداً بلا روح حيث ولد له مولود ميت، لأنه لم يقل إن شاء الله حال المواقعة حيث رجا أن يرزق أولادا يجعلهم في الجهاد، و يحتمل أن يراد بالفتنة اختباره كيف يفعل بهذا الأمر هل يصبر أو يجزع ثُمَّ أَنابَ إلى الله بالتوبة عن تركه الأولى، و لا يخفى أنه كرر في القرآن الحكيم ذكر ترك الأولى للأنبياء عليهم السّلام لئلا يتخذهم الناس أربابا.
[35] قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ترك الأولى وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي حتى يكون معجزة لي، أو المراد لا يتسهل لسائر الناس ليكون دليلا لفضلك عليّ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ كثير الهبة لمن تشاء.
[36] فَسَخَّرْنا لَهُ ذلّلنا لطاعته الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً لينا حَيْثُ أَصابَ أراد سليمان عليه السّلام فكانت تحمل بساطه و تسير في السماء كما يشاء.
[37] وَ سخّرنا له الشَّياطِينَ الجن «2» كُلَّ بَنَّاءٍ يبني في البر وَ غَوَّاصٍ يغوص في البحر، و (كل) بدل من (الشياطين) أي سخرنا البناء و الغواص من الشياطين له.
(1) و قالوا: الجياد جمع جواد و هو السريع في الجري.
(2) فسرت بالأجنة، لأنها مستورة عن الأنظار كالجن.
تبيين القرآن، ص: 468
[38] وَ آخَرِينَ من الشياطين الذين كانوا عصاة مُقَرَّنِينَ بالسلاسل فِي الْأَصْفادِ جمع صفد و هو الوثاق.
[39] و قلنا لسليمان عليه السّلام هذا الملك عَطاؤُنا لك فَامْنُنْ أعط ما شئت لمن شئت أَوْ أَمْسِكْ و لا تعط بِغَيْرِ حِسابٍ و لا حرج لك في ذلك.
[40] وَ إِنَّ لَهُ لسليمان عليه السّلام عِنْدَنا لَزُلْفى قرب المنزلة وَ حُسْنَ مَآبٍ المرجع الحسن بالجنة.
[41] وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ أصابني بِنُصْبٍ تعب وَ عَذابٍ و شدة مكروه، و ذلك إن الشيطان سبب إحراق زرعه و ضرعه و موت أولاده و مرض جسمه، أو المراد إنه كان يوسوس إليه الشيطان بأنك نبي و لا يرحمك ربك.