کتابخانه روایات شیعه
قال المؤلّف رحمه اللّه عن هذه الوصية: و كنت قد رأيت و رويت في تأريخ الأنبياء و الأوصياء وصايا لمن يعزّ عليهم صلوات اللّه و سلامه عليهم، و وجدت سيدنا محمّد الأعظم و رسوله الأكرم قد أوصى مولانا و أبانا عليا المعظّم صلوات اللّه عليهما و آلهما، و أوصى كل منهما جماعة ممن يعز عليهما، و وجدت وصايا مشهورة لمولانا علي صلوات اللّه عليه إلى ولده العزيز عليه السّلام، و إلى شيعته و خاصته.
و وجدت جماعة ممن تأخر زمانهم عن لقائه قد أوصوا بوصايا إلى أولادهم دلّوهم بها على مرادهم، منهم محمّد بن أحمد الصفواني، و منهم علي بن الحسين بن بابويه، و منهم محمد بن محمد بن النعمان تغمدهم اللّه برحمته و رضوانه، و منهم مصنف كتاب (الوسيلة إلى نيل الفضيلة)، و هو كتاب جيد فيما أشار إليه رحمة اللّه عليه. فرأيت ذلك سبيلا مسلوكا للأنبياء و الأوصياء و الأولياء و العلماء، فامتثلت أمر اللّه جلّ جلاله في متابعتي لهم و الاقتداء بهم و الاهتداء بنورهم 3 ..
و عن ماهية الكتاب قال رضوان اللّه تعالى عليه: فإن له في هذه الرسالة على ما يدل المصحف الشريف عليه من معرفة صاحب الجلالة و المؤيد بالرسالة و ما يريد منه و له السعادة الباهرة و حفظ النعم الباطنة و الظاهرة، و أخصه في هذا الكتاب بما يكون كالسيف الذي يدفع به أعداء مولاه، الذين يريدون أن يشغلوه عن رضاه، و بما يكون كالخاتم الذي يختم به على أفواه قدرة الناطقين بالشواغل عن معاده، و يختم به على جوارحه أن تسعى في غير مراده، و بما يكون منها كالخلع التي خلعها اللّه جلّ جلاله على مهجتي ليسلمني بها من الحر و البرد و يصون بهما ضرورتي، فأوثره من الخلع الشريفة و الملابس المنيفة، التي خلعها اللّه جلّ جله على الألباب، و جعلها جننا و دروعا واقية من العذاب و العار و جعل منها ألوية للملوك الرّكاب إلى دوام نعيم دار الثواب، و من خلع السرائر و الخواطر و القلوب ما يبقى جمالها عليه مع فناء كل ملبس مسلوب 4 .
و قال أيضا: فيما أذكره من العذر في الاقتصار في الوصية على المواهب العقلية دون استيفاء الأحكام الشرعية، اعلم أن جماعة ممن عرفته من المصنفين اقتصروا على المعروف و المألوف من أداب و أسباب في وصايا أولادهم يتعلق بالدنيا و الدين
و رأيت أنا أن متابعتهم في ذلك تضييع لوقتي، إذ كان يكفي أن أدلّهم على تلك الكتب و ما فيها من الآداب، و ما كنت أن أحتاج إلى أن أتكلف تصنيف كتاب، و إنما اذكر ما اعتقد أنه أو أكثر مما لا يوجد في رسائل من ذكرت من أصحابنا العلماء في تصانيفهم لأولادهم مما أخاف أنّ أولادي لا يظفرون من غير كتابي هذا بمرادهم لدنياهم و معادهم، إلّا أن يتداركهم اللّه جلّ جلاله الذي هو بهم أرحم و عليهم أكرم من خزانته 5 .
فالسيد ابن طاووس رضوان اللّه تعالى عليه يتعرّض في هذا الكتاب لمطالب شتّى بعضها يتعلق بأحواله الشخصية كنسبه الشريف 6 ، و كونه ينتسب إلى شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي 7 و إلى الشيخ ورام 8 ، و ذكر زواجه 9 و أولاده و سني ولادة كل واحد منهم 10 .
و بعضها- و هو الأكثر بل الصفة الغالبة على الكتاب- وصايا أخلاقية و عرفانية لولده محمد و لكل ذريته و اخوانه المؤمنين.
و بعضها أحداث سياسية عاشها المؤلّف و ذاق مرارتها، كهجوم التتر على بغداد و تدخله في الأمر و عرضه على الخليفة المستنصر التوسط لحل المشكلة و انقاذ المسلمين من الكارثة العظمى 11 .
و بعضها رفضه لمطالب عديدة من قبل الخليفة العباسي المستنصر: كتولي الفتوى: 12 ، و نقابة الطالبيين 13 ، و أن يكون رسولا إلى التتر 14 ، و الدخول في الوزارة 15 و غيرها.
مكان تأليف الكتاب
ألّفه في مدينة كربلاء المقدسة، حيث هاجر إليها من مدينة النجف الأشرف بعد هجرته من مدينة الحلة السيفية، كما صرح هو بذلك في هذا الكتاب قائلا:
و لقد انتهى الحال يا ولدي محمّد تولى اللّه جلّ جلاله تدبيرك في سائر الامور إلى نحو ما كنت قد استخرت فيه مالك يوم النشور من ترك المخالطة لأهل دار الغرور و لأنه جلّ جلاله اختار لي النقلة من الحلة بالعيال إلى مشهد أبيك أمير المؤمنين علي عليه السّلام، فكنت فيه كالمعتزل من الناس إلّا في شاذ الأوقات، و مفارقا للجماعة نحو ثلاث سنين كما شرحناه في كتاب (الاصطفاء) بعنايات عظيمة في الدين و الدنيا ما عرفت اللّه جلّ جلاله تفضل على أحد مثلها ممن شرفه بسكنى ذلك المقام المكين، ثم اختار لي الانتقال بالعيال إلى مشهد جدك الحسين عليه السّلام و هو جدك من جانب بعض جداتك ام كلثوم بنت زين العابدين عليه السّلام، و هو موطن أبعد عن الناس و البلاد لأنّ مشهد مولانا علي عليه السّلام قريب من الكوفة و هي ترداد العباد.
و كتبت إليك هذه الرسالة و أنا مقيم في جوار حرم الحسين عليه السّلام في ظل تلك الجلالة، معتزل عن الشاغلين، منفردا أبلغ من ذلك الإنفراد عن العالمين 16 .
عمره حين ألّفه
و كان عمره المبارك الشريف حين تأليفه لهذا الكتاب هو احدى و ستين سنة، حيث انه ولد سنة 589 ه، و كتب هذا الكتاب سنة 649 ه، كما صرّح هو بذلك في هذا الكتاب قائلا:
فلما دخلت سنة تسع و أربعين و ستمائة هجرية و يوم النصف من محرمها قبيل الظهر يكون ابتداء دخولي في سنة احدى و ستين من عمري هلالية، لأني ولدت قبل الظهر يوم الخميس نصف محرم سنة تسع و ثمانين و خمسمائة في بلدة الحلة
السيفية ... فوجدت في خاطري في شهر محرم من السنة المقدم ذكرها البالغة بعمري احدى و ستين، باعثا رجوت أن يكون من مراحم أرحم الراحمين، أنني أصنّف كتابا على سبيل الرسالة مني إلى ولدي محمد، و ولدي علي، و من عساه ينتفع به من جماعتي و ذوي مودّتي قبل أن يحول بيني و بين أمنيتي ما لابد من لقائه من انتقالي إلى آخرتي 17 .
تلخيص الكتاب
و قد قام المحدّث الكبير محمّد بن المرتضى الفيض الكاشاني المتوفى سنة 1091 ه باختصار هذا الكتاب، و انتخاب بعض فقراته، و التعليق على بعضها الآخر، و قد سمّى هذا المختصر ب (تسهيل السبيل بالحجة في انتخاب كشف المحجّة لثمرة المهجة)، ألّفه رحمه اللّه في سنة 1040 ه.
و قد قال في معرض كلامه على هذا الكتاب: أوردت فرائده المبتكرة و أبقيت فوائده المشتهرة، و أيّدت بعضه بتأييدات، و أضفت إليها تنبيهات و جعلته في فنّين و فصول و سميّته (تسهيل السبيل بالحجة في انتخاب كشف المحجّة لثمرة المهجة)، و اللّه يهدي السبيل و هو يلهم الحجة 18 .
و ذكره الشيخ الطهراني رحمه اللّه في موضعين من ذريعته:
الأول: قال: (تسهيل السبيل بالحجة في انتخاب كشف المحجّة) في تسعمائة بيت، للمولى المحقّق الفيض الكاشانى، المتوفى 1091 ه، فرغ منه سنة 1040 ه. 19 الثاني: قال: منتخب كشف المحجّة للمحقق الفيض، اسمه تسهيل السبيل 20 .
و قال الشيخ يوسف البحراني في لؤلؤة البحرين- بعد ترجمته للفيض-: له تصانيف أفرد لها فهرسا على حدة، و نحن ننقل ذلك عنه ملخصا ... تسهيل السبيل
بالحجة في انتخاب كشف المحجة للسيد ابن طاووس العلوي، يقرب من مائة بيت 21 .
و قد قام مؤخرا بتحقيق هذا الكتاب أخي و زميلي حامد الخفّاف، حيث كان هذا الكتاب أحد الكتابين اللّذين قدمتهما مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لأحياء التراث في مدينة قم المقدسة، للمؤتمر العلمي الذي أقامته مؤسسة البحوث و التحقيقات الثقافية في طهران بمناسبة الذكرى المئوية الرابعة لولادة الفيض الكاشاني.
الفصل الثاني: حول المؤلّف
و يحتوي على: