کتابخانه روایات شیعه
الْمَالِ الصَّامِتِ»، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «يَضَعُهُ فِي الْحَائِطِ [يَعْنِي فِي] 236 وَ الْبُسْتَانِ وَ الدَّارِ» 237 .
و اعلم يا ولدي أنني كنت اشتري هذه المليكات باللّه عزّ و جل و للّه جلّ جلاله، بنية أن الأملاك و أنا و الأثمان كلنا ملك للّه جلّ جلاله، هذا الذي اقتضاه العقل و النقل، أن العبد لا يملك مع مولاه و إنّما كلما ملّكه شيئا فهو مجاز، و حقيقة التملك لمن أنشأه و أعطاه. و علمت أنني إذا اشتريته بهذه النية فإن كلما ينفق أحد منه أو يخرج عنه فهو محسوب في ديوان معاملته جلّ جلاله، المرضية في حياتي و بعد وفاتي، و ذخيرة عند اللّه جلّ جلاله لي لأوقات ضروراتي.
[الفصل الحادي و الأربعون و المائة: اعتقاد البعض فقر النبيّ (ص) و الإمام علي (ع)، و ردّه لهذا الاعتقاد]
(الفصل الحادي و الأربعون و المائة) و اعلم يا ولدي محمد أطلعك اللّه جلّ جلاله على ما تحتاج إليه، و زادك إقبالا عليه، أن جماعة ممن أدركتهم كانوا يعتقدون أن جدك محمّدا و أباك عليا صلوات اللّه عليهما كانا فقيرين؛ لأجل ما يبلغهم ايثارهم بالفوت و احتمال الطوى و الجوع و الزهد في الدنيا، فاعتقد السامعون لذلك الآن أن الزهد لا يكون إلّا مع الفقر و تعذر مع الامكان.
و ليس الأمر كما اعتقدوه أهل الضعف المهملين للكشف؛ لأن الأنبياء عليهم السّلام أغنى أهل الدنيا بتمكين اللّه جلّ جلاله لهم مما يريدون منه جلّ جلاله من الاحسان إليهم، و من طريق نبوتهم كانوا أغنى أممهم و أهل ملّتهم، و لولا اللطف برسالتهم ما كان لأهل وقتهم مال و لا حال، و إنّما كانوا عليهم السّلام
يؤثرون بالموجود، و لا يسبقون اللّه جلّ جلاله بطلب مال يريد أن يطلبوه من المفقود.
و قد وهب جدك محمدا صلّى اللّه عليه و آله امك فاطمة صلوات اللّه عليها فدكا و العوالي من جملة مواهبه، و كان دخلها في رواية الشيخ عبد اللّه بن حماد الأنصاري أربعة و عشرون ألف دينار في كل سنة، و في رواية غيره سبعين ألف دينار. و هي و زوجها المعظّم و الواهب الأعظم صلّى اللّه عليه و آله من أعظم الزهاد و الأبرار، و كان يكفيهم منها أيسر اليسير. و لكن العارفين ما ينازعون اللّه جلّ جلاله في تملك قليل و لا كثير، و لكنهم كالوكلاء و الامناء و العبيد الضعفاء، فيصرفون في الدنيا و فيما يعطيهم منها كما يصرفهم هو جلّ جلاله، و هم في الحقيقة زاهدون فيها و خارجون عنها.
وَ وَجَدْتُ فِي أَصْلٍ تَارِيخُ كِتَابَتِهِ سَبْعٌ وَ ثلاثين [ثَلَاثُونَ] وَ مِائَتَيْنِ [مِائَتَانِ]، وَ قَدْ نَقَلْتُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابٍ عِنْدِي الْآنَ لَطِيفٌ تَرْجَمَتُهُ مِنْ أَخْبَارِ آلِ أَبِي طَالِبٍ، وَ أَوَّلُ رِجَالِ رِوَايَتِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبِي مُحَمَّدٍ، فَقَالَ فِيهِ عَنْ مَوْلَانَا عَلِيٍّ أَبِيكَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ وَ مَا كَانَ لِي فِرَاشٌ وَ صَدَقَتِي الْيَوْمَ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ لَوَسِعَتْهُمْ».
وَ قَالَ فِي الْكِتَابِ: إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَفَ أَمْوَالَهُ وَ كَانَتْ غَلَّتُهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَ بَاعَ سَيْفَهُ وَ قَالَ: «مَنْ يَشْتَرِي سَيْفِي، وَ لَوْ كَانَ عِنْدِي عَشَاءٌ مَا بِعْتُهُ».
وَ رَوَى فِيهِ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ يَشْتَرِي سَيْفِيَ الْفُلَانِيَ، وَ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَمَنُ إِزَارٍ مَا بِعْتُهُ».
قال: و كان يفعل هذا و غلته أربعون ألف دينار من صدقته.
و و اللّه يا ولدي محمد الذي حضر قسمي به جلّ جلاله و كتابي هذا و شهدت به ملائكته، لقد كان في يد والدك علي بن موسى هذه المليكات و غيرها من الموجودات، و لا يكون معه في كثير من أوقاته درهم واحد؛ لأنّه كان يخرج ما ينفق له من دخل ملك و غيره في مؤنة عياله، ثم في الصدقات و الايثار و الصلات.
و كان جماعة من الناس يعتقدون أنه ينفق من ذهب مذخور، هيهات هيهات
لقد ضلوا عن ابيك و والدك كما ضل كثير من الخلق عمن هو أعظم حالا و أشرف كمالا و أتم جلالا، و هو اللّه ربّ العالمين و أنبيائه، و من ضلوا عنه من المرسلين و الصالحين، حتى قال جلّ جلاله عن جماعة يشاهدون جدك محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و هم حاضرون وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ 238 و لو جاءت الدنيا إلى والدك دفعة واحدة خرجت في أسرع الأوقات و لكنها كانت تأتينا كما يريده اللّه تعالى في أزمان متفرقات، فاقتد يا ولدي محمد و جماعة أخوتك أو ذريتك بمن سلك من آبائك سبيل الحق و الصدق، و صدق اللّه جلّ جلاله في قوله جلّ جلاله في ضمان الرزق فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ 239 .
وَ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ الثِّقَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «قُبِضَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ عَلَيْهِ دَيْنُ ثَمَانُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَبَاعَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَيْعَةً لَهُ بِخَمْسِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا عَنْهُ، وَ بَاعَ ضَيْعَةً أُخْرَي لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَضَاهَا عَنْهُ».
، و ذلك أنه لم يكن يذر من الخمس شيئا، و كان تنوبه نوائب.
وَ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْحُسَيْنَ قُتِلَ وَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ زَيْنَ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَاعَ ضَيْعَةً لَهُ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ لِيَقْضِىَ دَيْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ عِدَاتٍ كَانَتْ عَلَيْهِ.
و قد ذكرت طرفا من يسارهم و ايثارهم صلوات اللّه عليهم في أوائل الجزء السادس من كتاب (ربيع الألباب)، فانظر ففيه أخبار تدل على الصواب.
و كان وقف جدك أمير المؤمنين عليه السّلام على أولاده خاصة من فاطمة عليها السّلام لها عامل من ذريته، فكيف وقع للضعفاء أنه كان فقيرا، و أن الغني لا يكون لمن جعله اللّه جلّ جلاله من خاصته، و هل خلق اللّه جلّ جلاله، الدنيا و الآخرة إلّا لأهل عنايته.
[الفصل الثاني و الأربعون و المائة: إخباره بفطام ولده دون تكلّف و وصيته بتعليم الخط]
(الفصل الثاني و الأربعون و المائة) و مما أرجو به حسن توفيق اللّه جلّ جلاله لك يا ولدي محمد و عنايته بك، أنني وجدته جلّ جلاله قد ألهمك الفطام من مرضعتك من غير أن نكلّفك نحن ذلك أو نمنعك من دايتك، و وجدته قد ألهمك طلب طريق الاستاذ لتعليم الخط و الكتابة، فرجوت من رحمته و رأفته أن يكمّل لك شرف الاجابة و الإنابة.
فاوصيك بتعلم الخط على التمام، فإنه معونة لك على السلوك إلى اللّه جلّ جلاله، و دخول غاية رضاه في دار المقام. ثم بتعلم العربية بمقدار ما يحتاج إليه مثلك من الطالبين للمراضي الإلهية و إحياء السنن النبوية، ثم تتعلم من القرآن الشريف ما تحتاج إليه لإقامة الصلوات، و ما يتعلق بمراد اللّه جلّ جلاله من تفسير تلك الآيات بعاجل الحال، و احفظه جميعه بعد ذلك التعظيم و الاجلال.
[الفصل الثالث و الأربعون و المائة: وصيته بتعلم الفقه و قراءة كتب الشيخ الطوسي الفقهية و بيان ابتداء دراسته للعلوم الإسلامية]
(الفصل الثالث و الأربعون و المائة) و اريد من اللّه جلّ جلاله أن يلهمك، و منك أن تقبل من إلهامه، و أن تتعلم الفقه الذي فيه السبيل إلى معرفة الأحكام الشرعية و احياء سنة جدك المحمدية، و يكون قصدك بذلك امتثال أمر اللّه جلّ جلاله في التعليم و سلوك الصراط المستقيم، و لا تكن مقلّدا لغلمان جدك من العوام و ذليلا بين أيديهم لأجل الفتوى
و الاستفهام، فما يقنع بالدون إلّا مغبون.
و أعلم أن جدك وراما قدّس اللّه روحه كان يقول لي و أنا صبي ما معناه: يا ولدي مهما دخلت فيه من الأعمال المتعلقة بمصلحتك، لا تقنع أن تكون فيه بالدون دون أحد من أهل ذلك الحال، سواء كان علما أو عملا، و لا تقنع بالدون. و ذكر أن الحمصي 240 حدّثه أن لم يبق للامامية مفتي على التحقيق، بل كلهم حاك، و كان ذلك الزمان فيه جماعة من أصناف العلماء و ليس في وقتنا الآن من يقاربهم في تلك الأشياء، و أنا اعتذر لهم بطول الغيبة و تباعد الزمان عن الأدلاء الذين كانوا رحمة للّه جلّ جلاله في حفظ و اشتغال و ادراك. و الآن فقد ظهر أن الذي يفتى به و يجاب عنه على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدمين، و هذا طريق سهل ما يعجز عنه إلّا مسكين، و من همته همة ضعيف مهين.
و أني لأعلم أنني اشتغلت فيه مدة سنتين و نصف على التقريب و التقدير، و ما بقيت احتاج إلى ما في أيدي الناس لا قليل و لا كثير، و كلّما اشتغلت بعد ذلك فيه ما كان لي حاجة إليه إلّا لحسن الصحبة و الانس و التفريع فيما لا ضرورة إليه.
و من يعلم أن عمره يسير و قصير، و أن وراءه من يحاسبه على الكبير و الصغير و الظاهر و المستور، فإنه يكفيه من الزاد بقدر السفر و المسير.
و إذا أردت الاشتغال بالفقه، فعليك بكتب جدك أبي جعفر الطوسي فإنه رحمه اللّه ما قصّر فيما هداه اللّه جلّ جلاله إليه و دلّه عليه، و قد هيأ اللّه جلّ جلاله لك على يدي كتبا كثيرة في كل فن من الفنون الذي رجوت أن تدلك، بل على ما يقربك من مولاك و مالك دنياك و اخراك.
فهيأ اللّه جلّ جلاله كتبا في الأصول يكفيك أن تنظر فيها، و تعرف ما تريد معرفته من جملة الأبواب و الفصول.
و هيأ اللّه جلّ جلاله لك كتبا كثيرة في النبوة و الامامة، يكفيك منها نظر ما تريد نظره من المعاني المطلوبة التي قد تعب فيها غيرك، و كانت من اللّه جلّ جلاله لك كالهدية المفرغة الموهوبة.
و هيأ اللّه جلّ جلاله كتبا كثيرة عندي في الزهد، أجعلها عند الجليس الصالح من الجلساء، و تأدب بما أدب اللّه جلّ جلاله من كان قبلك من الأنبياء و الأوصياء و الأولياء، و بما قوى به من كان دونك من الضعفاء، حتى جعله بفضله من الأولياء، و جمع له بين سعادة دار الفناء و دار البقاء، فالسابق و المسبوق من أصل واحد، و لكن السابق ذاهمة عالية فلم يقنع بدون السعادة الفانية و الباقية، و كان المسبوق ذاهمة واهية فقنع بالحالة الواهيه.
و هيأ اللّه جلّ جلاله كتبا كثيرة عندي في تواريخ الخلفاء و الملوك، و غيرهم من الذين طلبوا سراب الدنيا الزائل، و سوّدوا وجوه العقل و الفضل بخسران العاجل و الآجل، و رحلوا من الدنيا بأحمال الذنوب و أثقال العيوب، و كانوا كأنهم في أحلام و منام، و باعوا بتلك الأيام ما لا يبيعه ذوو الهمم العالية الباهرة من سعادة الدنيا و الآخرة.
فاحذرهم على دينك و مولاك فاللّه اللّه أن تتقرب إليهم أو تقرب منهم مهما أمكنك، ففي قربهم السم الناقع و الهلاك.
و إنّما ذخرت لك تواريخهم باللّه جلّ جلاله لتنظر أول امورهم و آخرها، ظواهرها و سرائرها، و ترى ما فعلوا بنفوسهم، و ما رضوا به من نحوسهم و ضرهم و بؤسهم بساعات و لذات يسيرة و اعمار قصيرة، و كيف خدعهم الشيطان عدوهم و عدو مولاهم و سلبهم دنياهم و اخراهم.
و اعلم يا ولدي محمد أنني كنت يوما انظر في كتاب من التواريخ المذكورة فقال لي قائل: في أي شيء تنظر؟
فقلت: أنا في حياة و بين قبور، أنظر إلى قوم بينا هم في سرور و غرور إذ هجم عليهم هادم اللذات، و مفرّق الجماعات، و صاحب الشتاتات، فنقلهم إلى محلة الأموات، و قطعهم عما كانوا فيه من اللذات، و صاروا في ذل الحسرات و أسر الندامات.
و هيأ اللّه جلّ جلاله ما كنت أشرت إليه من الفقه المروي عن جدك سيد المرسلين و أبيك أمير المؤمنين و عترتهما المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، تصنيفا من شيعتهم و أخيارا كبارا من الكتب و صغارا، فاشتغل بالقراءة في الفقه باللّه جلّ جلاله و للّه جلّ جلاله، على رجل صالح ورع من أهل هذا العلم الموهوب، فانني أرجو من رحمة ربي فاتح أبواب المطلوب أن يغنيك بالمدة اليسيرة عن المدّة الكثيرة.
و قد تقدّم شرح الحال في الاشتغال بهذا العلم المذكور، و أنا أريد في وصف الاشتغال بما يسهل عليك طلب هذه الامور، فانني اشتغلت بعلم الفقه، و قد سبقني جماعة إلى تعليمه بعدة سنين، فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم، و فضلت عليهم بعد ذلك بعناية ربّ العالمين و رحمته لمن يريد جلّ جلاله من ذرية جدك سيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله.
و قد كنت قد ابتدأت بحفظ (الجمل و العقود)، و قصدت معرفة ما فيه بغاية المجهود، و كانوا الذين قد سبقوني ما لأحدهم إلّا الكتاب الذي يشتغل فيه، و كان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي ورّام بن أبي فراس قدّس اللّه سره و زاده من مراضيه، انتقلت إلي من والدتي رضي اللّه عنها بأسباب شرعية في حياتها، و هي من بقايا ما تفضل اللّه جلّ جلاله به منها.