کتابخانه روایات شیعه
[الفصل الرابع عشر في بيانه سبب الاختصار في هذا الكتاب على المواهب العقلية]
(الفصل الرابع عشر) فيما أذكره من العذر في الاقتصار في الوصية على المواهب العقلية، دون استيفاء الأحكام الشرعية:
اعلم أن جماعة ممن عرفته من المصنفين اقتصروا على المعروف و المألوف من آداب و أسباب في وصايا أولادهم تتعلّق بالدنيا و الدين، و رأيت أنا أن متابعتهم في تلك الأسباب تضيع لوقتي، إذ كان يكفي أن أدلّهم على تلك الكتب و ما فيها من الآداب، و ما كنت أن احتاج إلى أن أتكلّف تصنيف كتاب، و إنّما أذكر ما أعتقد أنّه أو أكثره مما لا يوجد في رسائل من ذكرت من أصحابنا العلماء في تصانيفهم لأولادهم، مما أخاف أنّ أولادي لا يظفرون من غير كتابي هذا بمرادهم لدنياهم و معادهم، إلّا أن يتداركهم اللّه جلّ جلاله، الذي هو بهم أرحم و عليهم أكرم- من خزانته- و عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ 68 .
[الفصل الخامس عشر في بيان طرق معرفة الله]
(الفصل الخامس عشر) فيما أذكره من التنبيه 69 على معرفة اللّه جلّ جلاله و التشريف بذلك التعريف:
اعلم يا ولدي محمّد و جميع ذريّتي و ذوي مودتي، أنني وجدت كثيرا ممن رأيته و سمعت به من علماء الإسلام، قد ضيّقوا على الأنام ما كان سهّله اللّه جلّ جلاله و رسوله صلّى اللّه عليه و آله من معرفة مولاهم و مالك دنياهم و اخراهم، فإنك تجد كتب اللّه جلّ جلاله السالفة و القرآن الشريف مملوء من التنبيهات على الدلالات على معرفة مولاهم و مالك دنياهم، محدث الحادثات و مغيّر المتغيّرات و مقلّب الأوقات.
و ترى علوم سيّدنا خاتم الأنبياء، و علوم من سلف من الأنبياء صلوات اللّه عليه و آله و عليهم على سبيل كتب اللّه جلّ جلاله المنزلة عليهم في التنبيه اللطيف و التشريف بالتكليف. و مضى على ذلك الصدر الأوّل من علماء المسلمين و إلى أواخر أيّام من كان ظاهرا من الأئمّة المعصومين عليهم السّلام أجمعين.
فإنّك 70 تجد من نفسك بغير اشكال أنّك لم تخلق جسدك و لا روحك و لا حياتك و لا عقلك، و لا ما خرج عن اختيارك من الآمال و الأحوال و الآجال، و لا خلق ذلك أبوك و لا امك، و لا من تقلّبت بينهم من الآباء و الامهات؛ لأنّك تعلم يقينا أنّهم كانوا عاجزين عن هذه المقامات، و لو كان لهم قدرة على تلك المهمات ما كان قد حيل بينهم و بين المرادات، و صاروا من الأموات، فلم تبق مندوحة أبدا عن واحد منزّه عن امكان المتجددات خلق هذه الموجودات، و إنّما تحتاج إلى أن تعلم ما هو عليه جلّ جلاله من الصفات.
أقول: و لأجل شهادات العقول الصريحة، و الأفهام الصحيحة بالتصديق بالصانع أطبقوا جميعا على فاطر و خالق، و إنّما اختلفوا في ماهيته و حقيقة ذاته، و في صفاته بحسب اختلاف الطرائق.
اقول: و انني وجدت قد جعل اللّه جلّ جلاله في جملتي حكما 71 أدركته عقول العقلاء، فجعلني من جواهر و أعراض، و عقل روحاني، و نفس و روح. فلو سألت بلسان الحال الجواهر التي في صورتي: هل كان لها نصيب من خلقي و فطرتي؟! لوجدتها تشهد لي بالعجز و الافتقار، و أنها لو كانت قادرة على هذا المقدار ما اختلف عليها الحادثات و التغيرات و التقلبات، و وجدتها معترفة أنها ما كان لها حديث يفترى في تلك التدبيرات، و أنها ما تعلم كيفية ما فيها من التركيبات، و لا عدد و لا وزن ما جمع فيها من المفردات.
و لو سألت بلسان الحال الأعراض، لقالت: أنا أضعف من الجواهر؛ لأنني
فرع عليها، فأنا أفقر منها؛ لحاجتي إليها.
و لو سألت بلسان الحال عقلي و روحي و نفسي، لقالوا جميعا: أنت تعلم أن الضعف يدخل على بعضنا بالنسيان، و بعضنا بالموت، و بعضنا بالذل و الهوان، و اننا تحت حكم غيرنا ممن ينقلنا كما يريد من نقص إلى تمام و من تمام إلى نقصان، و يقلّبنا كما يشاء مع تقلبات الأزمان.
فإذا رأيت تحقيق هذا من لسان الحال، و عرفت تساوي الجواهر و الأعراض، و تساوي معنى العقول و الأرواح و النفوس و سائر الموجودات و الأشكال، تحققت أن لنا جميعا فاطرا و خالقا، منزّها عن عجزنا و افتقارنا و تغيّراتنا و انتقالاتنا و تقلباتنا. و لو دخل عليه نقصان في كمال أو زوال، كان محتاجا و مفتقرا افتقار 72 مثلنا إلى غيره بغير اشكال.
و قد تضمّن كما ذكرت لك كتاب اللّه جلّ جلاله، و كتبه التي وصلت إلينا، و كلام جدك رسول اللّه ربّ العالمين، و كلام أمير المؤمنين، و كلام عترتهما الطاهرين، من التنبيه على دلائل معرفة اللّه جلّ جلاله بما في بعضها كفاية لذوي الألباب و هداية إلى أبواب الصواب.
[الفصل السادس عشر في بيان حثه على النظر في نهج البلاغة و كتاب المفضل بن عمر و الإهليلجة]
(الفصل السادس عشر) فانظر في كتاب (نهج البلاغة) و ما فيه من الأسرار، و انظر (كتاب المفضّل بن عمر) 73 ، الّذي أملاه عليه مولانا الصادق عليه السّلام فيما خلق اللّه جلّ جلاله من
الآثار، و انظر كتاب الاهليلجة 74 و ما فيه من الاعتبار، فإن 75 الاعتناء بقول سابق الأنبياء و الأوصياء و الأولياء عليهم أفضل السّلام موافق لفطرة العقول و الأحلام.
[الفصلالسابع عشر في بيان تحذيره من متابعة المعتزلة في طريق معرفة الله تعالى]
(الفصل السابع عشر) و إيّاك و ما عقدت المعتزلة 76 و من تابعهم على طريقتهم البعيدة من اليقين، فانني اعتبرتها فوجدتها كثيرة الاحتمال لشبهات المعترضين، إلّا قليل منها سلكه أهل الدين.
و بيان ذلك: انّك تجد ابن آدم إذا كان له نحو من سبع سنين و إلى قبل بلوغه إلى مقام المكلّفين، لو كان جالسا مع جماعة فالتفت إلى ورائه، فجعل واحد منهم بين يديه شيئا مأكولا أو غيره من الأشياء، فإنّه اذا رأه سبق إلى تصويره و الهامه أن ذلك المأكول أو غيره ما حضر بذاته و انّما أحضره غيره، و يعلم ذلك على غاية
عظيمة من التحقيق و الكشف و الضياء و الجلاء.
ثم إذا التفت مرة اخرى إلى ورائه فأخذ بعض الحاضرين ذلك من بين يديه، فإنّه إذا عاد و التفت إليه و لم يره موجودا فلا يشك أنّه أخذه أحد سواه. و لو حلف له كل من حضر أنه حضر ذلك الطعام بذاته و ذهب بذاته، كذّب الحالف و ردّ عليه دعواه.
فهذا يدلك على أن فطرة ابن آدم ملهمة معلّمة من اللّه جلّ جلاله، بأن الأثر دلّك 77 دلالة بديهية على مؤثّره بغير ارتياب، و الحادث دلك على محدثه بدون حكم اولي الألباب.
فكيف جاز أن يعدل ذوو البصائر عن هذا التنبيه الباهر القاهر عند كمال العقول إلى أن يقولوا للانسان الكثير الغفول- و قد علموا أنّه قد نشأ في بلاد الاسلام، و رسخ في قلبه حب المنشأ لدين محمّد عليه السّلام، و أنس بسماء المعجزات و الشرائع و الأحكام، و صار ذلك له عادة ثابتة 78 قوية معاضدة لفطرته الأزلية-: إنّك مالك طريق إلى معرفة المؤثر و الصانع، الذي قد كان عرفه معرفة مجملة بأثره قبل ارشاده، لا بنظره في الجوهر و الجسم و العرض و تركيب ذلك على وجه يضعف عنها كثير من اجتهاده.
ثم ان استاذه، أو الذي يقول له هذا القول معتقد لدين المسلمين، و يدّعي أنه من العلماء و المعلمين، و هو يجد في القرآن الشريف: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها 79 ، فهل ترى يا ولدي محمّد أنه يجوز لمسلم أن يطعن بعد هذه الدلالة المشار إليها، و يسترها عمن هو محتاج إلى التنبيه عليها، و يعلم من ولد على الفطرة و لا يعرفه المنة عليه في تلك الهداية التي منّ اللّه عليها 80 .
ثم هو يتلو و يسمع و يعلم أن اللّه جلّ جلاله يقول لسيد المرسلين صلّى اللّه عليه و آله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ 81 .
و قال اللّه جلّ جلاله وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً 82 .
فهل ترى يا ولدي المعرفة باللّه، إلّا من اللّه و باللّه، و أنه جلّ جلاله هو الذي هدى 83 للايمان بمقتضى القرآن 84 ، و انّه هو صاحب المنة في التعريف، و أنّه لولا فضله و رحمته ما زكى من أحد في تكليف.
[الفصل الثامن عشر في بيان أن معرفة الله تعالى محكومة بحصولها للإنسان]
(الفصل الثامن عشر) و مما يدلك يا ولدي، جمّلك اللّه جلّ جلاله بإلهامك و إكرامك، و جعلك من أعيان دار دنياك و دار مقامك، أن المعرفة محكوم بحصولها للانسان دون ما ذكره أصحاب اللسان، لأنّهم لو عرفوا من مكلّف ولد على الفطرة حرّ عاقل عقيب بلوغه و رشده بأحد أسباب الرشاد أنّه قد ارتد بردة، يحكم فيها ظاهر الشرع بأحكام الارتداد، و أشاروا بقتله و قالوا: قد ارتد عن فطرة الاسلام، و تقلدوا اباحة دمه و ماله، و شهدوا أنّه كفر بعد اسلام، فلولا أنّ العقول قاضية بالاكتفاء و الغناء بايمان الفطرة، و دون ما ذكروه من طول الفكرة، كيف كان يحكم على هذا بالردة، و قد عرفوا أنّه ما يعلم حقيقة من حقائقهم 85 و لا سلك طريقا من طرائقهم، و لا تردد إلى معلّم من علماء المسلمين، و لا فهم شيئا من ألفاظ المتكلمين.
و لو اعتذر إليهم عن معرفة الدليل، بالأعذار التي أوجبوها عليه من النظر
الطويل، ما قبلوها منه، و نقضوا ما كانوا أوجبوه و خرجوا عنه.
[الفصل التاسع عشر في تتميم بيان أن معرفة الله تعالى محكومة بحصولها للإنسان]
(الفصل التاسع عشر) و كيف كان اللّه جلّ جلاله يبيح دمه و ماله و ما أحسن به إليه، و ما مضى عليه من الزمان بعد بلوغ رشاده ما يكفيه لتعلّمه من استاذه و من ملازمته و تردده، و اللّه جلّ جلاله أرحم من الخلق كلّهم بعباده، و ما أباح دمه إلّا و قد اكتفى منه بما فطره عليه، و بما يسعه بأقل زمان بعد ارشاده، لاعتقاده.
[الفصل العشرون في ذمه للمشتغلين بعلم الكلام]
(الفصل العشرون) و مما يدلك يا ولدي محمّد شرّفك اللّه بأجمل العناية بمثلك، و وصل حبله المقدّس بحبلك، على أن القوم يتوافقون 86 و إنّما يقولون قولا ما أعلم عذرهم فيما يقولون، إننا رأينا و سمعنا و عرفنا عنهم إذا بقوا بعد البلوغ و التكليف مدّة من أعمارهم على الفطرة الأزلية، و المعرفة الصادرة عن التنبيهات العقلية و النقلية، ثم اشتغلوا بعد مدّة طويلة بعلم الكلام، و بما تجدد بعد الصدر الأول من قواعدهم في صدر الاسلام، و علموا منه ما لم يكونوا يعلمونه، فاننا نراهم و نعلم من حالهم أنّهم لا يبطلون شيئا من تكليفهم الأول بالشرعيات و لا ينقضونه، فلو كانت معرفتهم باللّه جلّ جلاله ما صحت إلّا بنظرهم الآنف كان مقتضى جهلهم باللّه- مع تفريطهم الأوّل في معرفته مع اظهارهم لشعار الاسلام- يلزم منه قضاء ما عملوا من التكليف السالف.
[الفصل الحادي و العشرون في كون معرفة الله تعالى بالوفادة عليه]