کتابخانه روایات شیعه
أقول: و مع هذا القول من المعز فإن آباءه تسمّوا بالمهدي و القائم، و غيرهم من ذرية النبي صلّى اللّه عليه و آله و إن كانوا عارفين بالمهدي عليه السّلام.
[الفصل الرابع و الخمسون و المائة: وصية الإمام علي (ع) لولده الإمام الحسن (ع)]
(الفصل الرابع و الخمسون و المائة) و قد وقع في خاطري أن أختم هذا الكتاب بوصية أبيك أمير المؤمنين عليه السّلام- الذي عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ صلّى اللّه عليه- إلى ولده العزيز عليه، و برسالته إلى شيعته و ذكر المتقدمين عليه، و رسالته في ذكر الأئمّة من ولده عليهم السّلام.
و رأيت أن تكون رواية الرسالة إلى ولده عليه السّلام بطريق المخالفين و المؤالفين، فهو أجمع على ما تضمنته من سعادة الدنيا و الدين.
فَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ فِي كِتَابِ (الزَّوَاجِرِ وَ الْمَوَاعِظِ) فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهُ، مِنْ نُسْخَةٍ تَارِيخُهَا ذُو الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ سَبْعِينَ وَ أَرْبَعِمِائَةٍ مَا هَذَا لَفْظُهُ:
وَصِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِوَلَدِهِ، وَ لَوْ كَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ مَا يَجِبُ أَنْ يُكْتَبَ بِالذَّهَبِ لَكَانَتْ هَذِهِ، وَ حَدَّثَنِي بِهَا جَمَاعَةٌ فَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ الْآدَمِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ الْمُكَتِّبُ يَحْيَى بْنُ حَاتِمِ بْنِ عِكْرِمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بِأَنْطَاكِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ صِفِّينَ إِلَى قِنَّسْرِينَ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ ...
وَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الرَّبِيعِ النَّهْدِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا كَادِحُ بْنُ رَحْمَةَ الزَّاهِدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَبَّاحُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ وَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْكُوفِيُّ الْكَاتِبُ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ: «إِنَّ عَلِيّاً كَتَبَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ...».
وَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَنْبَسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ ...
وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَاهِرٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاهِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ ...».
كُلُّ هَؤُلَاءِ حَدَّثُونَا أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ كَتَبَ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَضَّالٍ الْقَاضِي، قَالَ: قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ وَ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدَلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنِ طَرِيفِ بْنِ نَاصِحٍ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ الْمُجَاشِعِيِّ، قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى ابْنِهِ كَذَا.
وَ اعْلَمْ: يَا وَلَدِي مُحَمَّدُ ضَاعَفَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ عِنَايَتَهُ بِكَ وَ رِعَايَتَهُ لَكَ، قَدْ رَوَى الشَّيْخُ الْمُتَّفَقُ عَلَى ثِقَتِهِ وَ أَمَانَتِهِ، مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِرَحْمَتِهِ، رِسَالَةَ مَوْلَانَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى جَدِّكَ الْحَسَنِ وَلَدِهِ سَلَامُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَيْهِمَا.
وَ رَوَى رِسَالَةً أُخْرَى مُخْتَصَرَةً عَنْ خَطِّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى وَلَدِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رِضْوَانُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَيْهِ، وَ ذَكَرَ الرِّسَالَتَيْنِ فِي كِتَابِ (الرَّسَائِلِ).
وَ وَجَدْنَا فِي نُسْخَةٍ عَتِيقَةٍ يُوشِكُ أَنْ تَكُونَ كِتَابَتُهَا فِي زَمَانِ حَيَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَ هَذَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ كَانَ حَيّاً فِي زَمَنِ وُكَلَاءِ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الْعَمْرِيِّ، وَ وَلَدِهِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدٍ، وَ أَبِي الْقَاسِمِ حُسَيْنِ بْنِ رُوحٍ، وَ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيِّ. وَ تُوُفِّىَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَبْلَ وَفَاةِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيِّ؛ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِيَّ تُوُفِّىَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ، وَ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ تُوُفِّي بِبَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ. فَتَصَانِيفُ هَذَا الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ وَ رِوَايَاتُهُ فِي زَمَنِ الْوُكَلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي وَقْتٍ تَجِدُ طَرِيقاً إِلَى تَحْقِيقِ مَنْقُولَاتِهِ وَ تَصْدِيقِ مُصَنَّفَاتِهِ.
وَ رَأَيْتُ يَا وَلَدِي بَيْنَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَسْكَرِيِّ مُصَنِّفِ كِتَابِ (الزَّوَاجِرِ وَ الْمَوَاعِظِ) الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَ بَيْنَ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ فِي رِسَالَةِ أَبِيكَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى وَلَدِهِ تَفَاوُتاً، فَنَحْنُ نُورِدُهَا بِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ، فَهُوَ أَجْمَلُ وَ أَفْضَلُ فِيمَا قَصَدْنَاهُ.
فَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ فِي كِتَابِ (الرَّسَائِلِ) بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عَنْبَسَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: «لَمَّا أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ صِفِّينَ كَتَبَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* 252 مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ. الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ 253 ، الْمُدْبِرِ الْعُمُرِ، الْمُسْتَسْلِمِ لِلدَّهْرِ. الذَّامِ
لِلدُّنْيَا، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى. وَ الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً.
إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لَا يُدْرَكُ 254 ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، غَرَضِ الْأَسْقَامِ وَ رَهِينَةِ الْأَيَّامِ. وَ رَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ 255 . وَ عَبْدِ الدُّنْيَا. وَ تَاجِرِ الْغُرُورِ. وَ غَرِيمِ الْمَنَايَا. وَ أَسِيرِ الْمَوْتِ. وَ حَلِيفِ الْهُمُومِ. وَ قَرِينِ الْأَحْزَانِ. وَ نُصُبِ الْآفَاتِ 256 .
وَ صَرِيعِ الشَّهَوَاتِ، وَ خَلِيفَةِ الْأَمْوَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ فِيمَا تَبَيَّنْتُ مِنْ إِدْبَارِ الدُّنْيَا عَنِّي وَ جُمُوحِ الدَّهْرِ عَلَيَ 257 وَ إِقْبَالِ الْآخِرَةِ إِلَيَّ مَا يَزَعُنِي عَنْ ذِكْرِ مَنْ سِوَايَ 258 ، وَ الِاهْتِمَامِ بِمَا وَرَائِي 259 ، غَيْرَ أَنِّي حَيْثُ تَفَرَّدَ بِي دُونَ هُمُومِ النَّاسِ هَمُّ نَفْسِي، فَصَدَفَنِي رَأْيِي وَ صَرَفَنِي عَنْ هَوَايَ 260 ، وَ صَرَّحَ لِي مَحْضُ أَمْرِي فَأَفْضَى بِي إِلَى جِدٍّ لَا يَكُونُ فِيهِ لَعِبٌ، وَ صِدْقٍ لَا يَشُوبُهُ كَذِبٌ. وَ وَجَدْتُكَ بَعْضِي بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وَ كَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي، فَعَنَانِي مِنْ أَمْرِكَ مَا يَعْنِينِي مِنْ أَمْرِ نَفْسِي فَكَتَبْتُ إِلَيْكَ 261 مُسْتَظْهِراً بِهِ إِنْ أَنَا بَقِيتُ لَكَ أَوْ فَنِيتُ.
فَإِنِّي أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَيْ بُنَيَّ وَ لُزُومِ أَمْرِهِ، وَ عِمَارَةِ قَلْبِكَ بِذِكْرِهِ، وَ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ. وَ أَيُّ سَبَبٍ أَوْثَقُ مِنْ سَبَبٍ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ إِنْ أَنْتَ أَخَذْتَ بِهِ؟
أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَ أَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَ قَوِّهِ وَ بِالْيَقِينِ، وَ نَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ،
وَ ذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَ قَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ 262 ، وَ بَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَ حَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَ فُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ، وَ اعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَ ذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَ سِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَ آثَارِهِمْ فَانْظُرْ فِيمَا فَعَلُوا وَ عَمَّا انْتَقَلُوا وَ أَيْنَ حَلُّوا وَ نَزَلُوا، فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الْأَحِبَّةِ، وَ حَلُّوا دِيَارَ الْغُرْبَةِ، وَ كَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ. فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَ لَا تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ. وَ دَعِ الْقَوْلَ فِيمَا لَا تَعْرِفُ وَ الْخِطَابَ فِيمَا لَمْ تُكَلَّفْ. وَ أَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَتَهُ فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلَالِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَالِ. وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَ أَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَ لِسَانِكَ وَ بَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ 263 . وَ جَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ وَ لَا تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.
وَ خُضِ الْغَمَرَاتِ لِلْحَقِّ حَيْثُ كَانَ 264 ، وَ تَفَقَّهْ فِي الدِّينِ، وَ عَوِّدْ نَفْسَكَ التَّصَبُّرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَ نِعْمَ الْخُلُقُ التَّصَبُّرُ. وَ أَلْجِئْ نَفْسَكَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَى كَهْفٍ حَرِيزٍ 265 . وَ مَانِعٍ عَزِيزٍ. وَ أَخْلِصْ فِي الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَ الْحِرْمَانَ، وَ أَكْثِرِ الِاسْتِخَارَةَ 266 وَ تَفَهَّمْ وَصِيَّتِي وَ لَا تَذْهَبَنَّ عَنْهَا صَفْحاً 267 فَإِنَّ خَيْرَ الْقَوْلِ مَا نَفَعَ. وَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِي عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَ لَا يُنْتَفَعُ بِعِلْمٍ لَا يَحِقُّ تَعَلُّمُهُ 268 .
أَيْ بُنَيَّ إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً 269 ، وَ رَأَيْتُنِي أَزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصِيَّتِي إِلَيْكَ، وَ أَوْرَدْتُ خِصَالًا مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُعَجِّلَ بِي أَجَلِي دُونَ أَنْ أُفْضِيَ 270
إِلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي، وَ أَنْ أَنْقُصَ فِي رَأْيِي كَمَا نَقَصْتُ فِي جِسْمِي 271 ، أَوْ يَسْبِقَنِي إِلَيْكَ بَعْضُ غَلَبَاتِ الْهَوَى وَ فِتَنِ الدُّنْيَا 272 ، فَتَكُونَ كَالصَّعْبِ النَّفُورِ. وَ إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ. فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ لِتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأْيِكَ مِنَ الْأَمْرِ مَا قَدْ كَفَاكَ أَهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَ تَجْرِبَتَهُ 273 ، فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَؤُونَةَ الطَّلَبِ، وَ عُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ، فَأَتَاكَ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نَأْتِيهِ، وَ اسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ 274 .