کتابخانه ادبیات عرب
«احمرّ»، و «اخضرّ». و أصله: «احمرر».
يتبيّن ذلك لك، إذا جعلت الفعل لنفسك، و قلت: «احمررت»، لأنّ التضعيف يظهر إذا سكن آخره، فيصير «احمررت» على وزن «انفعلت» و «افتعلت»، و الفاعل منه «محمرّ» و أصله «محمرر». و هو فعل لا يتعدّى الفاعل؛ لأنّ أصل هذا الفعل إنّما هو لما يحدث في الفاعل؛ نحو «احمرّ»، و «اعورّ».
فإن وقع ذلك للمكان أو الزمان قلت: مكان محمرّ فيه، و معور فيه.
و يكون المصدر على مثال «افعلال»؛ نحو: «الاحمرار»، و «الاصفرار»، فذلك على وزن «الافتعال»، و «الانفعال».
*** و يكون الفعل على مثال «استفعلت»؛ نحو: «استخرجت»، و «استكثرت».
و يكون مستقبله على «يستفعل»؛ نحو: «يستخرج»، و «يستكثر».
و يكون المصدر «استفعالا»؛ نحو: «استخراجا»، و «استكثارا». و الفاعل «مستخرج»، و المفعول «مستخرج».
و يكون على مثال «افعنللت»، و «افعوعلت». إلّا أنّ «افعنللت» ملحقة فنحتاج إلى أن نعيد ذكرها في باب الأربعة. و ذلك قولك: «اقعنسس» [1]، و في «افعوعل»: «اغدودن» [2].
و المصدر كمصدر «استفعلت». تقول من «افعنللت»: «افعنلالا»، و من «افعوعلت» «افعيعالا». تقلب الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها، و سكونها.
*** و يكون على «افعوّلت»؛ نحو: «اعلوّطت»؛ تقول: «اعلوّط الرجل» إذا ركب دابّته فضمّ بيديه على عنقها إذا خاف السقوط. و المصدر «اعلوّاطا» تصحّ الواو؛ لأنّها مشدّدة، و كلّما صحّت الواو في الفعل، صحّت في المصدر.
*** و يكون على «افعاللت» فيكون على هذا الوزن، إلّا أنّ الإدغام يدركه. و الأصل أن
______________________________ (1) اقعنسس: تأخّر و رجع إلى خلف. (لسان العرب 6/ 177 (قعس)).
(2) اغدودن النبت: اخضرّ حتى ضرب إلى السواد من شدّة ريّه. (لسان العرب 13/ 311 (غدن)).
يكون على وزن «استخرجت» و ما ذكرنا بعدها. و ذلك قولك: «احماررت»، و «اشهاببت»، و «احمارّ الدابّة» و «اشهابّ».
و المصدر «افعيلال» على وزن «استخراج». و ذلك قولك: «احمارّ احميرارا». و هذا الوزن أكثر ما يكون عليه الاسم حروفا، و لا يوجد اسم على سبعة أحرف إلّا في مصدر الثلاثة و الأربعة المزيدة.
*** و يكون الفعل على «تفعّل» فيكون على ضربين: على المطاوعة من «فعّل» فلا يتعدّى؛ نحو قولك: «قطّعته فتقطّع»، و «كسّرته فتكسّر». فهذا للمطاوعة.
و يكون على الزيادة في فعل الفاعل؛ نحو: «تقحّمت عليه»، و «تقدّمت إليه».
و الأصل إنّما هو من «قحّمته فتقحّم»، و «قدّمته فتقدّم».
و المصدر «التّفعّل»؛ نحو: التقدّم، و التقحّم.
فإذا كان على زيادة غير «فعّل» كان مثل: «تكلّم»، و مثل ما يقول النحويّون: إنّه يخرج من هيئة إلى هيئة؛ نحو: «تشجّع»، و «تجمّل»، و «تصنّع».
*** و يكون على «تفاعل» كما كان «تفعّل»؛ لأنّ هذه التاء إنّما لحقت «فعّل» و «فاعل» في الأصل. فيكون على ضربين:
أحدهما: المطاوعة. و ذلك نحو: «ناولته فتناول». و ليس كقولك: «كسرته فانكسر»؛ لأنّك لم تخبر في قولك: «انكسر» بفعل منه على الحقيقة. و أنت إذا قلت: «قدّمته فتقدّم»، و «ناولته فتناول»، تخبر أنّه قد فعل على الحقيقة ما أردت منه، فإنّما هذا كقولك: «أدخلته فدخل».
و يكون على ضرب آخر. و هو أن يظهر لك من نفسه ما ليس عنده. و ذلك؛ نحو:
«تعاقل»، و «تغابى»، و «تغافل»، كما قال [من الرجز]:
[23]-
إذا تخازرت و ما بي من خزر
______________________________ (23)- التخريج: الرجز لأرطاة بن سهية في سمط اللآلي ص 299؛ و لعمرو بن العاص في شرح أبيات سيبويه 2/ 394؛ و بلا نسبة في أدب الكاتب ص 566؛ و شرح المفصل 7/ 80، 159؛ و المحتسب 1/ 127.-
و المصدر «التّفاعل» على وزن «التفعّل».
ففي ما ذكرنا دليل على كلّ ما يرد عليك من هذه الأفعال إن شاء اللّه.
______________________________ - اللغة: التّخازر: أن تقارب ما بين جفنيك إذا نظرت، و الخزر: ضيق مؤخّر العين خلقة.
المعنى: قاربت ما بين جفوني على اتّساع عيني إيهاما بأنني لا أدقّق النظر.
الإعراب: «إذا»: اسم شرط غير جازم مبني على السكون في محل نصب على الظرفية الزمانية.
«تخازرت»: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، و التاء: ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل. «و ما»: الواو: حالية، «ما»: نافية. «بي»: جار و مجرور متعلقان بالخبر المقدم. «من»:
حرف جر زائد. «خزر»: اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنّه مبتدأ.
و جملة «تخازرت»: مضاف إليها محلّها الجر. و جملة «ما بي من خزر»: حالية، محلّها النصب.
و الشاهد فيه قوله: (تخازر) بمعنى تكلّف الخزر.
هذا باب معرفة ألفات القطع و ألفات الوصل و هنّ همزات في أوائل الأسماء، و الأفعال، و الحروف
فما كان من ذلك أصليّا، فهمزته مقطوعة؛ لأنّها بمنزلة سائر الحروف. و كذا إذا ألحقت بغير ما استثنيته لك. و ذلك نحو قولك في الهمزة الأصليّة: «أب»، و «أخ»، و الزائدة: «أحمر»، و «أصفر». تقول: «رأيت أباك، و أخاك، و أحمر، و أصفر».
و في الأفعال الهمزة الأصليّة؛ نحو: همزة «أكل»، و «أخذ». و الزائدة همزة «أعطى»، و «أكرم». تقول: «يا زيد أحسن، و أكرم».
فأمّا الهمزة التي تسمّى ألف الوصل، فموضعها الفعل. و تلحق من الأسماء أسماء بعينها مختلّة. و المصادر التي أفعالها فيها ألف الوصل.
و إنّما دخلت هذه الألف لسكون ما بعدها؛ لأنّك لا تقدر على أن تبتدئ بساكن. فإذا وصلت إلى التكلّم بما بعدها سقطت.
و إنّما تصل إلى ذلك بحركة تلقى عليه، أو يكون قبل الألف كلام فيتّصل به ما بعدها.
و تسقط الألف؛ لأنّها لا أصل لها، و إنّما دخلت توصّلا إلى ما بعدها؛ فإذا وصل إليه، فلا معنى لها.
فآية دخولها في الفعل أن تجد الياء في «يفعل» مفتوحة. فما كان كذلك فلحقته الألف فهي ألف الوصل. و ذلك قولك: «يضرب»، و «يذهب»، و «ينطلق»، و «يستخرج». و ذلك قولك: «يا زيد اضرب»، و «يا زيد انطلق»، و «يا زيد استخرج».
فإن انضمّت الياء في «يفعل» لم تكن الألف إلّا قطعا. و ذلك نحو: «أحسن»، و «أكرم»، و «أعطى»؛ لأنّك تقول: «يكرم»، و «يحسن»، و «يعطي». تكون الألف ثابتة؛
كما تكون دال «دحرج»؛ لأنّ حروف المضارعة تنضمّ فيها؛ كما تنضمّ مع الأصول في مثل قولك: «يدحرج»، و «يرامي».
فكلّ ما كان من الفعل ألفه مقطوعة، فكذلك الألف في مصدره؛ تقول: «يا زيد أكرم إكراما و أحسن إحسانا».
و إذا كانت في الفعل موصولة، فكذلك تكون في مصدره. تقول: «يا زيد استخرج استخراجا، و انطلق انطلاقا».
و هذه الألف الموصولة أصلها أن تتبدى مكسورة. تقول: «اعلم»، و «انطلق».
فإن كان الثالث من «يفعل» مضموما، ابتدئت مضمومة؛ و ذلك لكراهيتهم الضمّ بعد الكسر؛ حتّى إنّه لا يوجد في الكلام إلّا أن يلحق الضمّ إعرابا؛ نحو قولك: «فخذ كما ترى». فكرهوا أن يلتقي حرف مكسور و حرف مضموم لا حاجز بينهما إلّا حرف ساكن.
و ذلك قولك في «ركض»: «يركض»، و «عدا يعدو»، و «قتل يقتل» إذا استأنفت: «اركض برجلك»، «اعد يا فتى»، «اقتل».
و كذلك للمرأة. تقول: «اقتلي»؛ لأنّ العلّة واحدة. تقول لها: «أغزي» و «اعدي»؛ لأنّ الأصل كان أن تثبت الواو قبل الياء، و لكنّ الواو كانت في «يعدو» ساكنة، و الياء التي لحقت للتأنيث ساكنة. فذهبت الواو لالتقاء الساكنين، و الأصل أن تكون ثابتة. فاستؤنفت ألف الوصل مضمومة على أصل الحرف؛ لأنّ «يعدو» بمنزلة «يقتل».
و كذلك تقول: «استضعف زيد»، «انطلق به»، «اقتدر عليه»، و قد مضى تفسير هذا.
و أما وقوع ألفات الوصل للأسماء، فقولك: «ابن»، و «اسم»، و «امرؤ»، كما ترى.
فأمّا «ابن» فإنّه حرف منقوص مسكّن الأوّل، فدخلت لسكونه. و إنّما حدث فيه هذا السكون لخروجه عن أصله. و موضع تفسيره فيما نذكره من بنات الحرفين.
و كذلك «اسم».
فإن صغّرتهما أو غيرهما ممّا فيه ألف الوصل من الأسماء، سقطت الألف؛ لأنّه يتحرّك ما بعدها، فيمكن الابتداء به. و ذلك قولك: «بنيّ»، و «سميّ». تسقط الألف، و تردّ ما ذهب منهما.
و أمّا «امرؤ»، فاعلم، فإنّ الميم متى حركت، سقطت الألف.
تقول: «هذا مرء»، فاعلم. و كما قال تعالى: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ 218 ، و «هذا مريء». فاعلم.
و من قال: «امرؤ»، قال في مؤنّثه: «امرأة»، و من قال: «مرء»، قال في مؤنّثه: 219
مرأة».
و اعلم أنّك إذا قلت: «امرؤ»، فاعلم، ابتدأت الألف مكسورة. و إن كان الثالث مضموما، و ليس بمنزلة: «اركض»، لأنّ الضمّة في «اركض» لازمة، و ليست في قولك:
«امرؤ» لازمة؛ لأنّك تقول في النصب: «رأيت امرأ»، و في الجرّ: «مررت بامرئ»، فليست بلازمة.
و أمّا قولنا: إذا تحرّك الحرف الساكن، فبتحويل الحركة عليه، سقطت ألف الوصل.
فمن ذلك أن تقول: «اسأل». فإن خفّفت الهمزة، فإنّ حكمها- إذا كان قبلها حرف ساكن- أن تحذف، فتلقي على الساكن حركتها، فيصير بحركتها متحرّكا. و هذا نأتي على تفسيره في باب الهمزة إن شاء اللّه. و ذلك قولك: «سل»؛ لأنّك لمّا قلت: «اسأل»، حذفت الهمزة فصارت: «اسل»، فسقطت ألف الوصل لتحرّك السين. قال اللّه عزّ و جلّ: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ 220 .
و من ذلك ما كانت الياء و الواو فيه عينا؛ نحو: «قال»، و «باع»؛ لأنّك تقول: «يقول»، و «يبيع»، فتحوّل حركة العين على الفاء.
فإذا أمرت، قلت: «قل»، و «بع»؛ لأنّهما متحرّكتان.
و لو كانتا على الأصل، لقلت: «قول»، و «بيع» على مثال «قتل»، و «ضرب».
«يقول»، و «يبيع» على مثال «يقتل»، و «يضرب»، و لقلت: «أقول»؛ كما تقول: «اقتل»، و قلت: «ابيع»؛ كما تقول: «اضرب» لسكون الحرف.
و من ذلك ما كانت فاؤه واوا و وقع مضارعه على «يفعل»؛ لأنّك تحذف الواو التي هي فاء، فتستأنف العين متحرّكة، فتقول: «عد»، و «زن»؛ لأنّهما من «وعد»، و «وزن».
«يعد»، و «يزن»، ففاؤهما واو تذهب في «يفعل». و إنّما الأمر من الفعل المستقبل، لأنّك إنّما تأمره بما لم يقع. و كلّ ما جاءك من ذا، فعلى هذا، فقس إن شاء اللّه.
و من ألفات الوصل الألف التي تلحق مع اللام للتعريف. و زعم الخليل أنّها كلمة بمنزلة «قد» تنفصل بنفسها، و أنّها من الأسماء بمنزلة «سوف» في الأفعال. لأنّك إذا قلت:
«جاءني رجل»، فقد ذكرت منكورا. فإذا أدخلت الألف و اللام، صار معرفة معهودا.
و إذا قلت: «زيد يأكل»، فأنت مبهم على السامع، لا يدري أ هو في حال أكل أم يوقع ذلك فيما يستقبل؟ فإذا قلت: «سيأكل»، أو: «سوف يأكل»، فقد أبنت أنّه لما يستقبل.
و لو احتاج شاعر إلى فصل الألف و اللام، لاستقام ذلك. و كان جائزا للضرورة؛ كما يجوز مثله في «سوف»، و «قلّما»، و «قد»، و نحوها من الحروف التي تكون أصلا للأفعال كما قال حيث اضطر الشاعر [من الطويل]:
[24]-
صددت فأطولت الصّدود و قلّما
وصال على طول الصّدود يدوم
______________________________ (24)- التخريج: البيت للمرار الفقعسي في ديوانه ص 480؛ و الأزهية ص 91؛ و خزانة الأدب 10/ 226، 227، 229، 231؛ و الدرر 5/ 190؛ و شرح أبيات سيبويه 1/ 105؛ و شرح شواهد المغني 2/ 717؛ و مغني اللبيب 1/ 307، 2/ 582، 590؛ و بلا نسبة في خزانة الأدب 1/ 145؛ و الخصائص 1/ 143، 257؛ و الدرر 6/ 321؛ و شرح المفصل 7/ 116، 8/ 132؛ 10/ 76؛ و الكتاب 1/ 31، 3/ 115؛ و لسان العرب 11/ 412 (طول)، 564 (قلل)؛ و المحتسب 1/ 96؛ و الممتع في التصريف 2/ 482؛ و المنصف 1/ 191، 2/ 69؛ و همع الهوامع 2/ 83، 224.
اللغة: صددت: حرمت ودادك. الصدود: الهجران و الإعراض. الوصال: دوام المودّة.
المعنى: لقد أعرضت عني و طال هجرانك لي، و قلّما يدوم الوداد و يستمرّ الحبّ إذا ما طال الهجران و البعد بين الحبيبين.
الإعراب: «صددت»: فعل ماض مبني على السكون، و التاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل.
«فأطولت»: الفاء: للعطف، «أطولت»: فعل ماض مبني على السكون، و التاء: ضمير متصل في محلّ رفع فاعل. «الصدود»: مفعول به منصوب بالفتحة. «و قلما»: الواو: استئنافية، «قلّ»: فعل ماض مبني على الفتح، و «ما»: حرف زائد. «وصال»: فاعل مرفوع بالضمّة. «على طول»: جار و مجرور متعلّقان بالفعل «يدوم». «الصدود»: مضاف إليه مجرور بالكسرة. «يدوم»: فعل مضارع مرفوع بالضمّة، و الفاعل ضمير مستتر تقديره (هو).
و جملة «صددت»: ابتدائيّة لا محلّ لها. و جملة «أطولت»: معطوفة عليها لا محلّ لها. و جملة «قلما وصال»: استئنافيّة لا محلّ لها. و جملة «يدوم»: في محل رفع صفة ل (وصال).