کتابخانه ادبیات عرب
و قال الآخر [من الرجز]:
[63]-
حتّى تفضّي عرقي الدّليّ
جمع «عرقوة». و كان حقّه «عرقو».
فهكذا حكم كلّ واو طرف إذا تحرّك ما قبلها فكان مضموما أو مكسورا.
و إن كان مفتوحا، انقلبت ألفا؛ كما ذكرت في «غزا»، و كذلك «رمى»؛ لأنّ حكم الواو في هذا الموضع كحكم الياء.
لو رخّمت «كروانا» فيمن قال: «يا حار»، لقلت: «يا كرا أقبل».
و كان الأصل: «يا كرو»، لكن تحرّك ما قبلها و هي في موضع حركة، فانقلبت ألفا.
و لم يكن ذلك في «كروان»؛ لأنّ الألف بعدها، فلو قلبتها ألفا لجمعت بين ساكنين؛ كما كان يلزمك في «غزوا» لو لم تردّها إلى الواو.
فالذين قالوا: «مغزيّ» إنّما شبّهوه بهذا، على ذلك قالوا: «أرض مسنيّة» [1]، و إنّما الوجه «مسنوّة».
فإن كان هذا البناء جمعا، فالقلب لا غير.
تقول في جمع «عات»: «عتيّ»، و في «غاز»: «غزيّ». و إن كسرت أوّله على ما ذكرت لك قبل فقلت: «غزيّ»؛ كما تقول: «عصيّ»، فالكسر أكثر لخفّته. و الأصل الضم؛ لأنّه «فعول».
______________________________ (63)- التخريج: الرجز بلا نسبة في تخليص الشواهد ص 147؛ و الخصائص 1/ 235؛ و شرح المفصل 10/ 108؛ و لسان العرب 10/ 248 (عرق) و المنصف 2/ 120.
اللغة: تفضّي: تكسري. العرقي: جمع عرقوة، و هي الخشبة التي على فم الدلو. الدّليّ: جمع الدلو.
المعنى: يقول الراجز: لا تزالين ساقية للإبل حتى تكسري عراقي الدلاء.
الإعراب: «حتّى»: حرف جرّ. «تفضّي»: فعل مضارع منصوب ب «أن» مضمرة، و علامة نصبه حذف الياء لأنّه من الأفعال الخمسة، و الياء ضمير متصل مبنيّ في محلّ رفع فاعل. و المصدر المؤول من «أن تفضي» في محلّ جرّ بحرف الجرّ، و الجار و المجرور متعلقان بفعل متقدم. «عرقي»: مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، و هو مضاف، «الدليّ»: مضاف إليه مجرور بالكسرة.
و الشاهد فيه قوله: «عرقي»، و هو جمع «عرقوة»، فأصله: «عرقو»، إلّا أنه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها ضمّة، فكسر ما قبل الواو، فانقلبت ياء.
(1) أي: مسقيّة. (لسان العرب 14/ 405 (سنا)).
و قولي في هذا الجمع أوجب؛ لأنّ باب الانقلاب إنّما أصله الجمع، فلذلك أجرينا سائر الجمع عليه.
و قد قلنا في «صيّم» ما يستغنى عن إعادته.
*** و اعلم أنّ اللام إذا كانت ياء أو واوا، و قبلها ألف زائدة، و هي طرف، أنّها تنقلب همزة للفتحة و الألف اللتين قبلها. و ذلك قولك: «هذا سقّاء يا فتى، و غزّاء» فاعلم.
فإذا لم يكن منتهى الكلمة، لم تنقلب. و ذلك قولك: «شقاوة»، و «عباية».
فأمّا من قال: «عظاءة»، و «عباءة»، فإنما بناه أوّلا على التذكير، ثمّ أدخل التأنيث بعد أن فرغ من البناء، فأنّثه على تذكيره.
فعلى هذا تقول: «صلاءة»، و «امرأة سقّاءة»، و «حذّاءة».
و لو بنيتها على التأنيث على غير مذكّر، لقلت: «سقّاية»، و «حذّاوة». فاعلم، كما تقول: «شقاوة»، و «نهاية».
*** و كذلك ما كانت آخره واو، و ليس بمنتهى الكلمة، نحو قولك في مثل: «فعلة» من «غزوت» إن بنيته على التذكير، قلت: «غزية»؛ كما كنت تقول في المذكّر: «هذا غز». فاعلم.
و إن بنيته على التأنيث الذي هو من غير تذكير، قلت: «غزوة»، كما قلت: «ترقوة»، و «قلنسوة»؛ لأنّ الإعراب على الهاء، و لم يثبت له مذكّر يقع تأنيثه عليه.
أ لا ترى أنّك لو سمّيت رجلا «يغزو» لقلت: «هذا يغز»؛ كما ترى؛ كما قلت في الفعل: «هو يدلو دلوه»، و «أنا أدلو»؛ لأنّ هذا المثال للفعل.
و تقول في جمع «دلو»: «هذه أدل»، فاعلم، تقلب الواو ياء لما ذكرت لك؛ لأنّ الأسماء لا يكون آخر اسم منها واوا متحرّكا ما قبلها، و يقع ذلك في حشو الاسم في مثل:
«عنفوان»، و «أقحوان»، و غير ذلك حيث وقع ثانيا، أو ثالثا، أو رابعا بعد ألّا يكون طرفا.
و لو قلت «فعللة» من «رميت» على التأنيث، لقلت: «رميوة»: تقلب الياء واوا؛ لانضمام ما قبلها.
و لو بنيتها على التذكير لقلت: «رميية»، لأنّها كانت تنقلب مذكّرة، فأعللتها على ذلك.
و قد تقدّم قولنا في أنّ الحرف [أي: اللفظ] إذا كان على أربعة أحرف و آخره ياء أو واو، استوى اللفظان على الياء؛ لأنّ الواو تنقلب رابعة فصاعدا إلى الياء لما ذكرنا من العلّة، و أعدنا ذلك لقولهم: «مذروان»، و «فلان ينفض مذرويه» [1]، و إنّما حقّ هذا الياء، لأنّ الألف رابعة، و لكنّه جاء بالواو؛ لأنّه لا يفرد له واحد. فهو بمنزلة ما بني على التأنيث ممّا لا مذكّر له.
و على هذا لم يجز في «النهاية» ما جاز في «عظاية» من قولك: «عظاءة»؛ لأنّك تقول في جميع هذا: «العظاء». فهذا يحكم لك ما يرد عليك من هذا الباب، إن شاء اللّه.
______________________________ (1) من أمثال العرب: «جاء ينفض مذرويه» (جمهرة الأمثال 1/ 318؛ و الدرّة الفاخرة 2/ 536 و المستقصى 2/ 46؛ و مجمع الأمثال 1/ 171). و المذروان. فرعا الأليتين. و المعنى: جاء فارغا، و ليس بيديه شيء.
أبواب الإدغام
هذا باب مخارج الحروف
و قسمة أعدادها في مهموسها، و مجهورها، و شديدها، و رخوها، و ما كان منها مطبقا، و ما كان من حروف القلقلة، و ما كان من حروف المدّ، و اللين، و غير ذلك اعلم أنّ الحروف العربيّة خمسة و ثلاثون حرفا. منها ثمانية و عشرون لها صور.
و الحروف السبعة جارية على الألسن، مستدلّ عليها في الخطّ بالعلامات. فأمّا في المشافهة فموجودة.
فمنها للحلق ثلاثة مخارج:
فمن أقصى الحلق مخرج «الهمزة». و هي أبعد الحروف. و يليها في البعد مخرج «الهاء». و الألف هاوية هناك. و المخرج الثاني من الحلق مخرج «الحاء»، و «العين».
و المخرج الثالث الذي هو أدنى حروف الحلق إلى الفم ممّا يلي الحلق مخرج «الخاء»، و «الغين». ثمّ أوّل مخارج الفم ممّا يلي الحلق مخرج «القاف».
و يتلو ذلك مخرج «الكاف». و بعدها مخرج «الشين». و يليها مخرج «الجيم».
و يعارضها «الضاد» و مخرجها من الشدق. فبعض الناس تجري له في الأيمن، و بعضهم تجري له في الأيسر.
و تخرج «اللام» من حرف اللسان، معارضا لأصول الثنايا، و الرّباعيات. و هو الحرف المنحرف المشارك لأكثر الحروف. و نفسّره في موضعه بمعانيه إن شاء اللّه.
و أقرب المخارج منه مخرج «النون» المتحرّكة. و لذلك لا يدغم فيها غير «اللام».
فأمّا «النون» الساكنة، فمخرجها من الخياشيم؛ نحو: نون «منك»، و «عنك» و تعتبر ذلك بأنّك لو أمسكت بأنفك عند لفظك بها لوجدتها مختلّة.
فأمّا «النون» المتحرّكة فأقرب الحروف منها «اللام»؛ كما أنّ أقرب الحروف من «الياء» «الجيم». فمحلّ «اللام» و «النون» و «الراء»، متقارب بعضه من بعض، و ليس في التداني كما أذكر لك.
فإذا ارتفعت عن مخرج «النون» نحو «اللام» ف «الراء» بينهما؛ على أنّها إلى «النون» أقرب. و «اللام» تتّصل بها بالانحراف الذي فيها.
ثمّ من طرف اللسان و أصول الثنايا مصعدا إلى الحنك مخرج «الطاء»، و «التاء»، و «الدال».
و من طرف اللسان و ملتقى حروف الثنايا حروف الصفير. و هي حروف تنسلّ انسلالا و هي «السين»، و «الصاد»، و «الزاي».
و من طرف اللسان و أطراف الثنايا العليا مخرج «الظاء»، و «الثاء»، و «الذال».
و من الشفة السّفلى، و أطراف الثنايا العليا مخرج «الفاء».
و من الشفة مخرج «الواو»، و «الباء»، و «الميم»؛ إلّا أنّ «الواو» تهوي في الفم حتّى تتّصل بمخرج «الطاء» و «الضاد»، و تتفشّى حتّى تتّصل بمخرج «اللام». فهذه الاتّصالات تقرّب بعض الحروف من بعض، و إن تراخت مخارجها.
و «الميم» ترجع إلى الخياشيم بما فيها من الغنّة. فلذلك تسمعها ك «النون»؛ لأنّ «النون» المتحرّكة مشربة غنّة، و الغنّة من الخياشيم.
و «النون» الخفيفة خالصة من الخياشيم. و إنّما سمّيتا باسم واحد؛ لاشتباه الصوتين.
و إلّا فإنّهما ليسا من مخرج؛ لما ذكرت لك.
*** و من الحروف حروف تجري على النفس، و هي التي تسمّى الرخوة.
و منها حروف تمنع النفس، و هي التي تسمّى الشديدة.
و منها حروف إذا ردّدتها في اللسان، جرى معها الصوت، و هي المهموسة.
و منها حرف إذا ردّدتها، ارتدع الصوت فيها، و هي المجهورة.
و منها حروف تسمع في الوقف عندها نبرة بعدها؛ و هي حروف القلقلة؛ و ذلك لأنّها ضغطت مواضعها.
و منها المطبقة، و المنفتحة. و نحن ذاكرو جميع ذلك بأوصافه إن شاء اللّه.
*** و أمّا الحروف الستّة التي كمّلت هذه خمسة و ثلاثين حرفا بعد ذكرنا: الهمزة بين بين، ف الألف الممالة، و ألف التفخم، و الحرف المعترض بين الشين و الجيم، و الحرف المعترض بين الزاي و الصاد، و النون الخفيفة، فهي خمسة و ثلاثون حرفا.
و نفسّر هذه التي ليست لها صور مع استقصائنا القول في غيرها إن شاء اللّه.
*** فأمّا الحروف المهموسة فنبدأ بذكرها و هي عشرة أحرف:
«الهاء»، و «الحاء»، و «الخاء»، و «الكاف»، و «الصاد»، و «الفاء»، و «السين»، و «الشين»، و «التاء»، و «الثاء». و تعلم أنّها مهموسة بأنّك تردّد الحرف في اللسان بنفسه، أو بحرف اللين الذي معه، فلا يمنع النفس، و لو رمت ذلك في المجهورة، لوجدته ممتنعا.
فأمّا الرخوة فهي التي يجري النفس فيها من غير ترديد.
و الشديدة على خلافها. و ذاك أنّك إذا لفظت بها، لم يتّسع مخرج النفس معها.
فالرخوة ك «السين»، و «الشين»، و «الزاي»، و «الصاد»، و «الضاد»، و كلّ ما وجدت فيه ما ذكرت لك.
و الشديدة نحو: «الهمزة»، و «القاف»، و «الكاف»، و «التاء»، و نذكر هذا في موضعه مستقصى إن شاء اللّه.
و هذه الحروف التي تعترض بين الرخوة، و الشديدة هي شديدة في الأصل و إنّما يجري فيها النفس؛ لاستعانتها بصوت ما جاورها من الرخوة؛ ك «العين» التي يستعين المتكلّم عند اللفظ بها بصوت الحاء، و التي يجري فيها الصوت؛ لانحرافها و اتّصالها بما قد تقدّمنا في ذكره من الحروف، و ك «النون» التي تستعين بصوت الخياشيم؛ لما فيها من الغنّة، و كحروف المدّ و اللين التي يجري فيها الصوت للينها.
فهذه كلّها رسمها الشدّة. فهذا ما ذكرت لك من الاستعانة.
و منها «الراء». و هي شديدة، و لكنّها حرف ترجيع. فإنّما يجري فيها الصوت؛ لما فيها من التكرير.
و اعلم أنّ من الحروف حروفا محصورة في مواضعها، فتسمع عند الوقف على الحرف منها نبرة تتبعه، و هي حروف القلقلة. و إذا تفقّدت ذلك، وجدته.
فمنها «القاف»، و «الكاف»، إلّا أنّها دون «القاف»؛ لأنّ حصر «القاف» أشدّ، و إنّما تظهر هذه النبرة في الوقف، فإن وصلت، لم يكن، لأنّك أخرجت اللسان عنها إلى صوت آخر، فحلت بينه و بين الاستقرار. و هذه المقلقلة بعضها أشدّ حصرا من بعض، كما ذكرت لك في «القاف» و «الكاف».
و إنّما قدّمنا هذه المقدّمات في مواضع الأصول لنجريها في مسائل الإدغام على ما تقدّم منّا فيه غير رادّين له. ثم نذكر الإدغام على وجهه إن شاء اللّه.